رغم نقص التوريد بسبب حرب أوكرانيا.. هل تفسخ الجزائر عقود الطاقة مع إسبانيا؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في وقت حساس نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا المستمر منذ 24 فبراير/شباط 2022، وجدت إسبانيا نفسها بين خيارين كلاهما مر، الأول تهديد جزائري بفسخ عقود الطاقة، وثانيهما عدم الإضرار من جديد بالشراكة الاقتصادية مع المغرب.

وتحاول مدريد التوفيق بين هاتين الشراكتين المهمتين، من خلال عدم التفريط في الغاز الجزائري، مع الاهتمام البالغ بشريكها المغربي.

وبعد تهديد الجزائر لإسبانيا بفسخ عقد الغاز الطبيعي معها في حال توجيه أي كمية منه إلى وجهة "غير منصوص عليها في العقد"، تطرح تساؤلات من قبيل: هل تفعلها الجزائر، وما تداعيات ذلك؟

إخلال بالالتزامات

في27 أبريل/نيسان 2022، هددت الجزائر بفسخ عقد الغاز الطبيعي مع إسبانيا في حال توجيه أي كمية منه إلى "وجهة غير منصوص عليها" في العقد.

وقالت وزارة الطاقة والمناجم، في بيان، إن "أي كمية من الغاز الجزائري المصدرة إلى إسبانيا تكون وجهتها غير تلك المنصوص عليها في العقود، ستعد إخلالا بالالتزامات التعاقدية وقد تفضي بالتالي إلى فسخ العقد الذي يربط (شركة) سوناطراك (الحكومية) بزبائنها الإسبان".

وأضاف أن "وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب تلقى اليوم بريدا إلكترونيا من نظيرته الإسبانية، تيريزا ريبيرا، تبلغه فيه بقرار إسبانيا القاضي بترخيص التدفق العكسي عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي وأن الشروع في هذه العملية سيجري اليوم أو غدا".

ولم يوضح البيان الجزائري البلد الذي سيستفيد من هذا التدفق العكسي، لكن سبق للحكومة الإسبانية أن أعلنت في فبراير/شباط 2022، أنها ستساعد المغرب على "ضمان أمنه في مجال الطاقة" عبر السماح له باستيراد الغاز عبر خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي "جي إم إي".

وقررت الجزائر عدم تجديد عقد توريد الغاز إلى إسبانيا عبر أنبوب "جي إم إي" الذي يمر بالأراضي المغربية، والذي انتهى في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

لكن الجزائر حافظت على توريد كميات الغاز المتعاقد عليها مع إسبانيا عبر أنبوب "ميد غاز" الذي يربط البلدين مباشرة عبر البحر الأبيض المتوسط، وبواسطة السفن بعد تحويله إلى غاز مسال.

لكن بعد تهديد الجزائر، أكدت مدريد في 28 أبريل، أن الغاز الذي ستضخه إلى المغرب ليس جزائريا، وأنه سيجري اقتناؤه من السوق الدولية كغاز مسال وتحويله غلى حالته الغازية قبل ضخه.

وشددت وزارة التحول البيئي الإسبانية، أن "الغاز الذي يحصل عليه المغرب لن يكون تحت أي ظرف من الظروف من أصل جزائري".

وأوضحت أن "تفعيل هذه الآلية نوقش مع الجزائر في الأشهر الأخيرة وجرى إبلاغه لوزير الطاقة الجزائري".

تعقد العلاقات

المثير أنه قبل أيام قليلة فقط وتحديدا في 23 أبريل، قالت الجزائر على لسان رئيسها عبد المجيد تبون، في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، إن بلاده "لن تتخلى أبدا عن إمداد إسبانيا بالغاز مهما كانت الظروف"، رغم الخلاف بين البلدين بشأن النزاع في إقليم الصحراء.

وحسب الرئيس الجزائري فإن إسبانيا "يجب ألا تنسى أن مسؤوليتها التاريخية ما زالت قائمة في إقليم الصحراء، بالنظر لكونها القوة المستعمرة سابقا للمنطقة".

ووجدت إسبانيا نفسها داخل صراع مغاربي، حيث قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية بالمغرب نهاية أغسطس/آب 2021، بسبب ما قالت إنها "أعمال عدائية" من الرباط ضدها، فيما أعربت الأخيرة عن "أسفها" للقرار وعدت مبرراته "زائفة".

وتشهد العلاقات بين المغرب والجزائر انسدادا منذ عقود، على خلفية ملفي الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وإقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو".

من جانبه، يرى المحلل وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الحكومية، توفيق بوقاعدة، أن "السياق الدبلوماسي بين الجزائر ومدريد يتسم بالتصعيد وهو ما زاد من تعقيد العلاقات الثنائية أكثر".

وقال بوقاعدة لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية، في 29 أبريل 2022، إن تصريحات وزير خارجية مدريد خوسيه مانويل ألباريس الأخيرة التي وصف فيها قبل أيام حديث الرئيس تبون بأنه "نقاش عقيم"، ساهمت في تعقيد العلاقات أكثر.

وأضاف بوقاعدة أن "هناك عوامل ربما ستزيد من توتر الوضع أكثر فأكثر، وفي تقديري الجزائر ستبحث عن الدوافع والأسباب للضغط أكثر على إسبانيا في هذه المرحلة الحساسة المتسمة بالارتفاع الكبير في أسعار الغاز".

وأشار إلى أن "أي خطأ ترتكبه الشركات الإسبانية عبر ضخ الغاز الجزائري عكسيا نحو المغرب سيكلفها قطع الإمدادات في المرحلة المقبلة".

من جانبه، عد الباحث في الشؤون السياسية المغربية، محمد الإدريسي، أنه "ليس هناك أي بند يخول الجزائر تحديد مصير ما تشتريه إسبانيا منها وتدفع ثمنه، لها كامل الحرية في بيعه".

وأوضح لـ"الاستقلال" أنه "في حال لم توصل إسبانيا بالغاز الجزائري في الوقت المحدد وبالكمية المتفق عليها حسب العقود الدولية المبرمة بين الطرفين والتي تؤطرها قوانين منظمة التجارة العالمية ستتعرض لعقوبات زجرية ثقيلة".

سياسي لا اقتصادي

وزودت شركة "سوناطراك"، إسبانيا عام 2021 بأكثر من 40 بالمئة من وارداتها من الغاز الطبيعي، والقسم الأكبر من هذا الغاز استوردته مدريد من الجزائر عبر خط أنابيب "ميدغاز" الذي يمر تحت البحر وتبلغ قدرته 10 مليارات متر مكعب سنويا.

ونقلت صحيفة "إلبايس" الإسبانية عن تيريزا ريبيرا النائبة الثالثة لرئيس الوزراء الإسباني، الوزيرة المعنية بالانتقال الإيكولوجي والتحدي الديموغرافي، في 28 أبريل 2022 قولها، أن "الالتزام الحكومي تجاه الجزائر ينص على أن لا قطرة غاز من حصة إسبانيا سيجري إعادتها إلى المغرب".

وقالت ريبيرا إن "إسبانيا ستحترم حق النقض الجزائري ضد المغرب، وما يوفره الاتفاق مع المغرب من الناحية التجارية هو البنية التحتية"، مضيفة أن "مصدر الغاز سيكشف بشكل واضح استجابة لطلب الجزائر".

من جانبه، أوضح الخبير الدولي في الطاقة، الجزائري عبد الرحمن مبتول، أنه "بإمكان الجزائر مراجعة عقود الغاز مع شركائها سواء فيما يتعلق بالأسعار أو الفسخ بناء على ثبوت حالة الإخلال ببنوده".

وأشار موضحا لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن)، إلى أن "منشأ الخلاف بين البلدين سياسي وليس اقتصاديا".

ولفت إلى أن "العلاقات الاقتصادية تستند إلى عقود تجارية بين البلدين قبل أي شيء آخر".

واستدرك مؤكدا أن "الجزائر من حقها مراجعة أسعار الغاز مع إسبانيا"، مشيرا في السياق إلى أن "إسبانيا طلبت منذ سنتين مراجعة أسعار الغاز الجزائري التي عرفت وقتها انخفاضا".

وتعليقا على إعلان مدريد أن الغاز الذي ستنقله إلى الرباط لن يأتي من الجزائر، قال مبتول إن "إسبانيا شرعت منذ أشهر في استيراد كميات هامة من الغاز عن طريق الولايات المتحدة الأميركية وقطر" مشيرا إلى أنه "يمكن لهذه الكميات أن تكون مصدرا أساسيا لتموين المغرب بالغاز المسال".

بدوره، يرى المستشار الخاص بالحكومة الجزائرية سابقا، أحمد رواجعية، أن العلاقات بين الجزائر ومدريد "لن تصل إلى حد القطيعة".

واستدل رواجعية على رأيه بـ"المصالح الإستراتيجية المشتركة بين البلدين، التي تتقاسمها دول شمال المتوسطي وجنوبه" خاصة فيما يتعلق بـ"قضايا الأمن والهجرة ومكافحة الإرهاب"، وفق ما نقل موقع "أصوات مغاربية".

الباحث في الشؤون السياسية، الإدريسي، شدد على أن "الأجدى للجزائر كان أن لا تدخل في متاهة التهديدات، وأن تبحث عن حسابات التنمية المستدامة لشعبي الدولتين الجارتين، لأن الراجح أن هذا التهديد هو لإصلاح خسارة ملف إقليم الصحراء ودعمها لجبهة البوليساريو".

وختم حديثه بالقول: "لكن بشكل عام تطبيق وتفعيل هذا التهديد بعيد الرؤية لأنه ليس في صالح الجزائر ولا باقي الدول التي تعاني جراء الحرب الأوكرانية".