أمريكا في الشرق الأوسط.. تفريد الملفات أم جمعها؟

أيمن خالد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تنطوي التحركات الأمريكية اليوم في الخليج العربي والشرق الأوسط، بل في العالم عموما، على أهداف مختلفة ومتنوعة، المخفي منها أكثر من المعلن. وهي تحركات تبدو جديدة على سابقاتها، من حيث درجة الغموض في إعلان الهدف الرئيس، بشكل يوحي أكثر إلى فكرة إبقاء الجهات المستهدفة في دائرة الحيرة والشك في اتخاذ المواقف النهائية في سياساتها تجاه الولايات المتحدة. 

نظرة من خلال إعادة نشر القوات الأمريكية

تبدو إعادة نشر القوات الأمريكية بوحدات قتالية متنوعة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، المتمثلة بحاملتي الطائرات ومجموعة من السفن الحربية ومجموعة قاذفات إستراتيجية مع أفراد القيادة والصيانة، ما يمثل الجهد الساند لمجموع القواعد العسكرية المنتشرة في أغلب دول الخليج، إضافة إلى وجودها في العراق وسوريا وفق قاعدة الأهداف الجديدة والمناطق الإستراتيجية ومناطق النفوذ المستهدفة. وتبدو تلك التحركات منسجمة مع عمليات، عادة ما تكون متوقعة من جيوش القوى الكبرى للتجاوب مع المتغيرات الإستراتيجية والأمنية الدولية من وجهة نظر تلك الدول، التي ترسم حدود أمنها ومصالحها القومية ضمن نطاق العالمية.

الحراك الأمريكي هذا، يفرض تصورا جديدا لمفهوم الحدود الجغرافية والإستراتيجية من زاوية فرض النفوذ والقوة ومحصلة الاستجابات والتأثير عالميا. 

هنا يبدو الفضاء الإستراتيجي الأمريكي أوسع بكثير من مفهوم حدودها الجامدة التي يقيدها علم الجغرافية، بأنها الدولة الواقعة في قارة أمريكا الشمالية، ويحدها المحيط الهادي غرباً، والمحيط الأطلسي شرقاً، ومن الشمال كندا، ومن الجنوب المكسيك. لتبدو أمريكا اليوم مجاورة لكل العالم ونطاق حدودها الإستراتيجية يلامس الجميع.

وبين الأهداف التنظيمية وما يرافقها من أهداف أخرى باتت عمليات إعادة الانتشار بالغة الحيوية مع تحول القوة العسكرية من عامل حسم للحرب إلى فاعل أساسي في كسب رهانات أخرى تمثل أهدافا إستراتيجية ضمن مجموع الأهداف المحددة، وعلى رأسها الرهان الاقتصادي وثيق الصلة بالمصالح الإستراتيجية التي بات تحقيقها مرتبطا بالقدرة على التأثير الاقتصادي والسياسي أكثر من ارتباطه بالتفوق العسكري المحض.

الأمر الذي يدفع إلى التصور بأن الحراك الأمريكي يدفع إلى جمع الملفات عندما يتطلب الأمر، مع القدرة على تفريد كل ملف، عندما تريد أضعاف هدف معين من خلال نزع ارتباطات ذلك الهدف لتسهل عملية قضمه، لذلك تروج أمريكا اليوم لهدف إيقاف إيران عند حدودها ضمن ملف الاتفاق النووي وقضية الإضرار بالمصالح الأمريكية، وكأن المشكلة ضمن هذا المحدد فقط دون إعادة النظر إلى أصل المشكلة التي تتمثل بالسياسة الأمريكية التي دفعت بإيران إلى البروز على المسرح الإقليمي والعالمي على حساب الشريك العربي.

 ومع هذا التحرك يتم طرح العديد من التساؤلات عن جدية الهدف المعلن في مواجهة إيران. ذلك الهدف الذي يلاقي القبول على المستوى العربي خصوصا مع جملة الملفات الشائكة غير واضحة الحسم فيما يخص قضية مواجهة الحوثيين في اليمن مثلا، والتغلغل الإيراني السياسي والميداني في العراق، مضافا إلى ذلك وجود إيران على الساحة السورية لاعبا سياسيا وميدانيا باعتبارها شريكا دوليا ووسيطا معترفا به. 

وأمام جملة التصورات وطبيعة الواقع على الأرض، تبدو الإشكالية أعظم من المفهوم الضيق لضربة جزئية محتملة ضد إيران، إذ إن قواعد الحل والحسم إستراتيجيا تبدو أعقد من ذلك بكثير، إذا ما نظرنا إلى فكرة صراع المحاور أكثر مما هو صراع مع دولة بحد ذاتها. وهنا تبدو مرة أخرى فكرة جمع الملفات في الحسم أقرب من تفريدها، إذا ما تصورنا أن الحديث عن إيران يستلزم الحديث عن الموقف الروسي والصيني، وحكاية تقاطع المصالح السياسية المغلفة بالمصالح الاقتصادية، والعكس صحيح.

اختبار المرونة الأمريكية في حراك اليوم.. معطيات سابقة

على قاعدة توسيع المجال الإستراتيجي للقوى الكبرى دوليا، تسعى أمريكا بشكل مستمر إلى مراقبة المناطق الإستراتيجية في العالم وتطويعها لخدمة مصالحها، ما يفسر محاولات إحكامها السيطرة على المضائق والممرات المائية, بشكل يسير موازيا لاهتمامها الكبير للمراقبة والتدخل المباشرين في مناطق الصراع, لما قد يترتب على مخاوفها الهستيرية من تهديد أمني لمصالحها الإستراتيجية والحيوية كما تراها أمريكا، متمثلة بصورة ما يدور في الشرق الأوسط وفي القلب الخليج العربي، مركز الطاقة والاستدامة للمصالح الدولية الكبرى، الأمر الذي شكّل محور الأزمات في تلك المناطق مع بدايات الثورة الصناعية كأحد أهم دوافع الغزوات والاحتلالات الحديثة.

ما يحصل اليوم، لا يخرج عن قاعدة سرعة التجاوب الأمريكي مع المتغيرات الإستراتيجية عالميا في محاولة لتوجيه قواتها وفق أهدافها في المراحل المقبلة، دون النظر إلى مجموع المصالح الدولية. الأمر الذي يعبّر بوضوح عن بروز عالم جديد على أنقاض عالم ومجتمع دولي لم يعد منسجما مع مجريات الأحداث ضمن المتغيرات في ميزان القوة العالمية، خصوصا مع العجز الحقيقي لبروز تكتلات دولية جادة بمواجهة المشروع الأمريكي.

لذلك نلاحظ عدم الصمود طويلا بوجه الولايات المتحدة من قبل قوى دولية كان من المتوقع أن تكون ذات تأثير أكبر في الميزان الدولي، وهذا ما يفسر انقياد الصين وروسيا وبعض الدول الإقليمية الكبرى للقرار الأمريكي بمعاقبة إيران وتطبيق الإغلاق على صادراتها من الطاقة امتثالا للعقوبات الأمريكية. يدفعنا ذلك للقول، إن العالم ما يزال يبحث عن ثغرة لمواجهة القوة الأمريكية. ولكن ليس هناك ما يوضح القدرة الحقيقية على لجم ذلك التحرك الأمريكي الغاشم، الذي يقابله أيضا الرفض الكبير لسياسات إيران العدوانية من قبل المحيط المجاور لها.  

تجربة عام 1991، فيما عرف حينها عالميا بعاصفة الصحراء أو حرب الخليج الثانية في أعقاب الغزو العراقي للكويت، أعطت ملمحا تاريخيا ونموذجا يحاكي ما يحصل اليوم من سرعة وإعادة انتشار القوات الأمريكية عندما تم إخلاء الجيش الأميركي لقواعده العسكرية في بعض مناطق العالم، وإقامته بديلا لها في دول الخليج لمواجهة العراق بعد نهاية الحرب الباردة مباشرة. ومثل هذا الأمر جاء التحرك الإستراتيجي الأمريكي بعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، حيث عززت أمريكا حضورها من خلال حلف شمال الأطلسي في شرقي أوروبا، بحجة حماية دول شرقي القارة مما أطلق عليه في حينه (طموحات روسيا التوسعية). 

تبدو السياسة الأمريكية اليوم في الشرق الأوسط والعالم، دائرة بين أهدافها الإستراتيجية التي يشكل مداها تطويق العالم ضمن إدراة مصالحها من خلال الأدوار الثلاثة المتاحة متنقلة بين دور الفاعل ودور الشريك ودور الوسيط، حتى وإن غادرت مفهوم التحرك بخطوط متوازية إلى فضاء التحرك على الخطوط الملتوية، ما يدفع إلى إرباك خطوط خصومها ومناوئيها، الأمر الذي يفسر حالة المد والجزر في تفسير ورصد الأحداث.

وفق تلك المفاهيم والتصورات يمكن القول بأن التحرك الأمريكي في الشرق الأوسط سوف يستطيل على كثير من الوقت، جامعاً معه الأهداف المطروحة كلها. وستكون ساحات النزاع المنتشرة جميعها ذات نصيب.

  • تأديب إيران وتحجيمها بما لا يضر بالمصالح الأمريكية. 
  • إبقاء حالة الاستنزاف المالي والعسكري للدول العربية فاقدة الشرعية والقرار والمشروع. 
  • لا تخفي الولايات المتحدة وجودها الإستراتيجي على بوابات الكبار (أوروبا والصين وروسيا). 
  • رسائل عديدة تحتويها الحقيبة الأمريكية ستُقرأ بعضها على مسامع الحاضرين في المؤتمرات الثلاث (الخليجية والعربية والإسلامية)، ومن قلب هذه المؤتمرات رسالة أمريكية للعالم مفادها: (إياك أعني واسمعي يا جارة).