بعد انقلابه على مجلسهم.. ما خطوة برلمانيي تونس القادمة ضد قيس سعيد؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد أكثر من ثمانية أشهر على انقلاب قيس سعيد، صوت البرلمان التونسي المجمد في 30 مارس/ آذار 2022، على قانون بإنهاء ما عُرف بـ"الإجراءات الاستثنائية" المعلنة في 25 يوليو/ تموز 2021 وما تلاها من قرارات ومراسيم.

ونجح البرلمان في إنجاز هذا القانون بجلسة افتراضية وُصفت بـ"التاريخية" بحضور أكثر من 121 نائبا من أصل 217، رغم محاولات عديدة لإفشالها بحجب مواقع الاجتماعات المحددة من قبل رئاسة المجلس لعقدها.

إلا أن رد قيس سعيد جاء سريعا، متهما البرلمانيين بقيادة محاولة انقلابية فاشلة، مسديا أوامره لوزيرة العدل بملاحقتهم قضائيا ومعلنا عن حل مجلس نواب الشعب .

ويرى مراقبون أن هذا التصويت يفتح البلاد على مرحلة جديدة، حيث استعاد فيه البرلمان دوره المعطل منذ الانقلاب.

كما شهدت الساحة السياسية تقاربا بين مختلف الأطراف وعزلة لقيس سعيد أكثر من أي وقت مضى، في انتظار الخطوات المقبلة التي سيتخذها مساندو هذه الخطوة من أجل استعادة المسار الديمقراطي في تونس. 

إسقاط الانقلاب 

والقانون الذي أصدره البرلمان التونسي يقضي بإلغاء الأمر الرئاسي عدد 80 المؤرخ في 29 يوليو 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب والأمر الرئاسي عدد 109 المتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية وفق التأويل القانوني لقيس سعيد مساء الانقلاب.

والأهم إلغاء الأمر عدد 117 الذي أعلن عنه سعيد في 22 سبتمبر/ أيلول 2021 وعلق بموجبه العمل بالدستور ومنح لنفسه الحق في التشريع عبر المراسيم وترؤس السلطة التنفيذية منفردا وتحصين قراراته من الطعن أمام القضاء.  

كما ألغى مجلس النواب المرسوم الخاص بإحداث "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء"، الذي عينه قيس سعيد بديلا عن المجلس الأعلى للقضاء المنتخب رغم رفض واسع للقضاة والحقوقيين وطيف واسع من الطبقة السياسية. 

وعقدت هذه الجلسة بعد مشاورات استمرت لأسابيع بين مختلف الأطراف السياسية، في وقت كان فيه سعيد يواصل إصدار المراسيم الجديدة وتعيش البلاد أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة باتت تهدد أبسط مقومات الحياة. 

ودعت مجموعة من النواب بالبرلمان، في 25 مارس 2022، جميع النواب إلى "تحمل مسؤولياتهم التاريخية للمساهمة في إيجاد مخرج للأزمة الحادة، وذلك بعقد جلسة عامة تشاورية لنقاش الحلول الدستورية الممكنة لوضع حد للإجراءات الاستثنائية".

وقال النواب في بيان مشترك، إن "هذه الجلسة سيتم فيها وضع أسس لحوار وطني يفتح لمسار تصحيح حقيقي يؤدي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها ويعيد للشعب حقه في ممارسة سيادته عبر صندوق الاقتراع".

رد فعل سريع

لم يتأخر رد قيس على جلسة البرلمان التي أسقطت تدابيره الاستثنائية، إذ جاء بلهجة صارمة، وإجراءات لا دستورية تمثلت في حل البرلمان، الذي تجنّب اتخاذه لمدة 8 أشهر. 

وقال الرئيس التونسي خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي في 30 مارس، إنها "محاولة فاشلة للانقلاب وتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وسيتم ملاحقتهم جزائيا".

ورأى أن هذا اللقاء الافتراضي: "انقلاب لا شرعية له على الإطلاق"، متهما النواب المشاركين فيه بأنهم "يتلاعبون بمؤسسات الدولة"، وأعلن أنه طلب من وزيرة العدل فتح تحقيق في هذا الاجتماع.

وأضاف سعيد: "اجتمع هذا المجلس (البرلمان) ولا يعرف أحد كيف تمت دعوته للانعقاد لأنه مجمد".

وتساءل سعيد مستنكرا: " ألهذا الحد يتلاعبون بمؤسسات الدولة ويستهينون بالشعب بعد أن جوعوه ونكلوا به".

واستطرد: "أقول للشعب التونسي لتأمنوا جميعا بأن هناك مؤسسات للدولة قائمة وهناك شعب يحميها من هؤلاء الذين لهم فكرة الجماعة لا فكرة الدولة".

وشدد سعيد، على أنه "سيتم اتخاذ كل التدابير التي تقتضيها المسؤولية التاريخية للحفاظ على الوطن وسنحترم القوانين والحريات".

وختم بإعلانه "حل البرلمان حفاظا على الدولة ومؤسساتها".

وسريعا تمت دعوة عدد من النواب المشاركين في الجلسة البرلمانية من قبل جهاز الشرطة المختص بقضايا الإرهاب بتهمة "التآمر على أمن الدولة، وهي تهم حسب هيئة الدفاع عن النواب قد تصل عقوبتها للإعدام. 

من جانبه، قال رئيس مجلس نواب الشعب التونسي راشد الغنوشي إنه امتثل لاستدعاء النيابة العامة للتحقيق معه احتراما للقضاء، مع تمسكه وبقية النواب بعدم دستورية أو قانونية القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية.

وندد في تصريحات صحفية باستعمال قيس سعيد القضاء والضغط عليه لاستهداف معارضيه.

وقوبل إجراء سعيد بتنديد واسع من قبل قوى المعارضة وناشطين حقوقيين، داعين إلى توحيد الجهود لمواجهة هذا المسار الانقلابي الذي يستهدف المؤسسات الديمقراطية كافة في الدولة.

الخطوة القادمة

وفي قراءته للمشهد، رأى الناشط السياسي والقيادي في اللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أمان الله الجوهري، أنه "بعد حل البرلمان وملاحقة نوابه، أفلس الانقلاب على كلّ المستويات، ليس على المستوى القانوني والأخلاقي، ولكن أيضا على مستوى العربدة السياسية التي يمارسها منذ 25 يوليو 2021" .

وأضاف لـ"الاستقلال": "حل البرلمان لا يختلف كثيرا عن تجميده من جهة البرلمان والمعارضة الديمقراطية، لكنه في المقابل عامل ضغط إضافي على سلطة الانقلاب اللا شرعية باعتباره يفرض عليها آجالا انتخابية جديدة ويؤكد انحرافها الكامل عن الدستور وإلغاءها لكل مقومات دولة القانون". 

وأكد الجوهري أنه "بإحالة أعضاء البرلمان إلى التحقيق استجابة لتعليمات رئيس الانقلاب بتهمة التمسك بدستور الجمهورية التونسية وممارسة واجباتهم النيابية، أجبر سعيد القضاء على النظر في قانونيّة إجراءاته الانقلابية منذ 25 يوليو وقد كان يتجنب النظر فيها".

ومضى يقول: "المتهم الحقيقي في محاكمة نواب البرلمان هو انقلاب 25 يوليو، والقضاة في مواجهة ضمائرهم ومبادئ القانون الأساسية، فهل سيُعدم قضاة تونس ضمائرهم ويحكمون بعُلوية الأوامر الرئاسية على الدستور؟" 

وبعد الاستماع إلى ستة نواب من بينهم رئيس المجلس راشد الغنوشي، أعلنت النيابة العمومية تأجيل تقديمهم للاستماع لهم أمامها يوم 5 أبريل/ نيسان 2022 إلى موعد غير محدد، كما لم تتم دعوة بقية النواب من قبل فرقة مكافحة الإرهاب.

وبحسب تصريحات الغنوشي لوكالة رويترز البريطانية عقب التحقيق معه، فإنه تعهد بعدم الرضوخ لما سماه سعيا محموما من سعيد بتجميع كل السلطات. 

وقال الغنوشي: "خارطة طريق سعيد خلاصتها وهدفها فقط احتكار السلطات في يديه.. سننسق مع المعارضة للرد بشكل جماعي على خطوات الرئيس لاستعادة الديمقراطية.. النهضة كبيرة ويمكنها حشد الناس في الشوارع".

جلسة جديدة

من جهتها، أكدت عضو مكتب مجلس نواب الشعب النائب جميلة الكسيكسي، أن المشاورات جارية بين مختلف مكونات البرلمان التونسي من أجل عقد جلسة برلمانية جديدة، ربما ستكون خلال الأسبوع الثاني من أبريل 2022.

وأضافت الكسيكسي لـ"الأناضول"، "عدد كبير من نواب البرلمان متفقون على ضرورة عقد جلسة جديدة للمجلس حتى يتطرق للمشاكل والأزمات التي تعيشها البلاد ولكي يخاطب التونسيين حتى يفهم الجميع أن هنالك وجهة نظر مختلفة لما يروجه قيس سعيّد منذ 8 أشهر" .

وأكّدت الكسيكسي أن جلسة البرلمان في 30 مارس، حققت أهدافها وأزعجت الرئيس ودفعته ليتخذ القرار بحل البرلمان بشكل تعسفي على عكس ما كان يدعيه بأنه يحترم الدستور الذي لا يسمح له بالمس بالمجلس النيابي، لذلك فإن جلسات أخرى ستكشف حقيقة الوضع الذي تسير فيه البلاد وما يقوم به الرئيس". 

واعتبرت عضو مجلس النواب أن ملاحقة البرلمانيين من أجل القيام بواجبهم هي فضيحة جديدة وجريمة أخرى من جرائم الانقلاب وهي محاولة لترهيب النواب وتخويفهم ولكننا مستمرون في النضال لمقاومة الاستبداد والانفراد بالسلطة" . 

وفي انتظار عقد جلسة قادمة للبرلمان متحدية قرارات قيس سعيد، تواصل القوى السياسية المعارضة الحشد لتظاهرات في الشارع.

حيث دعت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" إلى مظاهرة بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة في 10 أبريل 2022.

فيما دعت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى إلى مسيرة أطلقت عليها مسيرة الزحف نحو قصر قرطاج للمطالبة بانتخابات رئاسية وتشريعية.