رومان أبراموفيتش.. أخطبوط روسي يدير المفاوضات بين بوتين وزيلينسكي

علي صباحي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ذو وجه بشوش ملائكي، وظهوره الإعلامي يرتبط في الغالب بيخوته وطائراته الفارهة وأعماله الخيرية الوفيرة، يهتف باسمه آلاف من مشجعي كرة القدم، ويدافع عنه لاعبون كبار، مقابل اتهامات بأنه يخفي وجها أسود آخر من الفساد والصفقات القذرة.

إنه الملياردير الروسي اليهودي رومان أبراموفيتش (55 عاما)، صورة الرئيس فلاديمير بوتين المشرقة، التي أطفأها الغزو الروسي لأوكرانيا، وفتح عليه أبواب جهنم من العقوبات والاغتيالات المعنوية المتواصلة.

ومنذ بداية الحرب في 24 فبراير/ شباط 2022، لا تتوقف وسائل الإعلام الدولية عن ذكر قصص مختلفة عن أبراموفيتش وثروته وناديه تشيلسي الإنجليزي، وهروبه، وتسممه، ورحلاته المكوكية بين عدة عواصم، أبرزها موسكو وكييف وإسطنبول.

ومن آخر هذه القصص، ظهور أبراموفيتش في 29 مارس/ آذار 2022، إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في محادثات السلام الروسية الأوكرانية بإسطنبول، ما دفع وسائل إعلام دولية لوصفه بـ"عراب المفاوضات".

رحلة صعود

ولد أبراموفيتش عام 1966، لأسرة يهودية من الطبقة المتوسطة شمالي روسيا، وفقد والدته ثم والده قبل أن يكمل الرابعة من عمره، فترعرع على يد عمه في العاصمة موسكو.

وشرح أبراموفيتش أمام محكمة في لندن في صيف عام 2012 كيف ترك المدرسة وهو في سن الـ16 من عمره وعمل ميكانيكيا وقضى فترة من حياته في الجيش الأحمر (بالاتحاد السوفييتي) قبل أن يبدأ حياته المهنية في بيع اللعب والدمى البلاستيكية، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وفي أوائل تسعينيات القرن العشرين، عندما كان لا يزال في العشرينيات من عمره، وجد الفرصة سانحة لكسب المال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، مستفيدا من الإصلاحات الاقتصادية الجديدة.

فشق طريقه نحو مزيد من الأعمال، وبدأ بتجارة ونقل النفط والغاز والمنتجات الصناعية الأخرى، إلى أن أصبح عام 1994 رجل أعمال ناجحا.

لاحقا سيطر أبراموفيتش تدريجيا على عدد من الأصول النفطية الروسية، التي جرت خصخصتها، وأهمها المجموعة النفطية "سيب نفط" (SibNeft) بمبلغ زهيد لم يتجاوز 100 مليون دولار، وهو ما أدى إلى تغيير جذري في حياته.

إذ اندمجت لاحقا مع مجموعة "يوكوس" النفطية لتصبح رابع أكبر شركة نفط في العالم، وعقب ذلك اشترى حصة كبيرة في شركة الطيران الروسية "إيروفلوت"، كما حقق ثروة من الاستحواذ على شركات في صناعة الألمنيوم الروسية.

وفي عام 2000 عاد إلى الجامعة وحصل على شهادة في القانون، وفي نفس السنة انتخب حاكما لمنطقة تشوكوتكا النائية في أقصى شرق روسيا، وهناك اكتسب شعبية بعد الاستثمار طوال ولايتين في الخدمات الاجتماعية، لكنه ترك منصبه في 2008.

لكن الاستثمار الأبرز الذي جعل أبراموفيتش مشهورا خارج روسيا، كان شراءه نادي تشيلسي الإنجليزي عام 2003، بنحو 170 مليون دولار، ومثل هذا الاستحواذ أوج نجاح القوى الناعمة الروسية، وتغيير الصورة السيئة في أذهان الأوروبيين حيال دب أوروبا المخيف.

إذ دعم أبراموفيتش تشيلسي بصفقات ساهمت في إعادة النادي إلى سكة المجد الكروي، ليحقق تشيلسي في عهده 19 لقبا، بينها بطولتان دوري أبطال أوروبا، ومثلهما بالدوري الأوروبي وكأس الاتحاد القاري، وخمس بطولات بالدوري الممتاز.

وتزوج أبراموفيتش ثلاث مرات، الزيجة الأولى من أولغا ليسوفا (1987-1990)، والثانية من إيرينا مالاندينا (1991-2007)، والثالثة من داريا زوكوفا (2008-2017)، ولديه سبعة أبناء.

رجل بوتين وإسرائيل

تؤكد عديد من مراكز الأبحاث ووكالات الأنباء، بينها رويترز البريطانية، أن أبراموفيتش كان مقربا جدا من الكرملين في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين (1991 - 1999).

وكان أبراموفيتش من أوائل الشخصيات التي أوصت يلتسين باختيار بوتين من بين آخرين، عندما أراد التنحي عن منصبه وتعيين بديلا له في 1999، بوصفه مسؤولا بارعا معروفا بالكفاءة، كما يرغب في مواصلة تحرير الاقتصاد.

وبعد تسلمه مقاليد الرئاسة عام 2000، عرض بوتين "ميثاقا" على كبار رجال الأعمال، مفاده أن يدعم مساهمتهم بالمشاريع الكبرى لبناء روسيا ومنحهم الحرية في تنفيذ أعمالهم بالطريقة التي تناسبهم، في مقابل الابتعاد عن المشاركة بالحياة السياسية أو معارضته.

وتؤكد كل المؤشرات أن أبراموفيتش التزم بهذا الميثاق بكل تفاصيله، حيث لم يُسمع عنه أنه عارض أو انتقد سياسات بوتين.

في المقابل فإن أغنى رجل أعمال روسيا بداية الألفية الثالثة "خودور كوفسكي" اعترض على هذا الميثاق وأراد المشاركة بالسياسة ضد بوتين، فكان مصيره السجن سنة 2003 لمدة 10 سنوات، وهو لاجئ حاليا في أوروبا.

وفي كتاب عن بوتين نشر عام 2020، اتهمت الصحفية البريطانية كاثرين بيلتون، أبراموفيتش بأنه إحدى أدوات بوتين، وبأن الكرملين استغل شراء نادي تشيلسي لكسب القبول والتأثير لروسيا في بريطانيا.

كما قالت الكاتبة، إن الملياردير الروسي قد أُرسل إلى الولايات المتحدة من قبل بوتين للتأثير على عائلة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ما جعل أبراموفيتش يعترض على الادعاءات، ويلجأ إلى القضاء لتكذيبها.

وتتهم جهات عديدة في بريطانيا تحديدا، أبراموفيتش بالفساد، وكشف تحقيق لـ"بي بي سي" في 14 مارس 2022، عن وثيقة بشأن صفقات الفساد التي صنعت ثروة أبراموفيتش.

وأكدت الوثيقة أن الحكومة الروسية خسرت 2.7 مليار دولار على الأقل في صفقة استحواذ أبراموفيتش على المجموعة النفطية "سيب نفط"، وهو ادعاء يدعمه تحقيق برلماني روسي عام 1997، نظرا لأنه كان مدعوما من الرئيس السابق يلتسين.

وأضافت أن أبراموفيتش ظل في الدائرة المقربة من الكرملين عندما تولى بوتين السلطة، وبعد عدة سنوات باع المجموعة نفسها للحكومة مقابل 13 مليار دولار في عام 2005.

وفي عام 2018، انتهت صلاحية تأشيرة أبراموفيتش لدخول الأراضي البريطانية من فئة "مستثمر".

وتعذر حصول أبراموفيتش على تأشيرة دخول جديدة وسط توتر العلاقات بين لندن وموسكو إثر تسميم الجاسوس الروسي السابق، سيرغي سكريبال، وابنته في جنوب إنجلترا.

وأفادت تقارير إعلامية إسرائيلية حينئذ بأنه حصل على بطاقة هوية في إسرائيل بموجب قانون العودة، الذي يسمح لليهود بالحصول على المواطنة.

ويسمح لحملة جواز السفر الإسرائيلي بدخول بريطانيا والإقامة فيها لمدة زمنية قصيرة دون الحصول على تأشيرة دخول.

وكشف تحقيق أجرته “بي بي سي”، في سبتمبر/ أيلول 2020، أن أبراموفيتش يسيطر على شركات تبرعت بـ100 مليون دولار لـ”إلعاد”، وهي جمعية استيطانية تعمل في شرق القدس المحتلة.

وأبلغ متحدث باسم أبراموفيتش الهيئة البريطانية حينها بأن رجل الأعمال المذكور "ملتزم وسخي في دعم إسرائيل والمجتمع المدني اليهودي، وتبرع خلال السنوات الـ20 الماضية بأكثر من 500 مليون دولار لدعم الرعاية الصحية والتعليم والجاليات اليهودية حول العالم".

تداعيات الغزو

ومباشرة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على أبراموفيتش، ضمن سبعة أباطرة أعمال روس (أوليغارشية)، شملت تجميد الأصول وحظر السفر.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إنه "لا يمكن أن يوجد ملاذ آمن لأولئك الذين دعموا الغزو".

وأوضح أن نادي تشيلسي من بين الأصول التي جمدت كجزء من العقوبات المفروضة على أبراموفيتش، وأصبح بيعه الآن معلقا.

وأكد أن أبراموفيتش، الذي تقدر ثروته الصافية بنحو 15 مليار دولار، هو "واحد من القلة القليلة من الأوليغارشية من حقبة التسعينيات الذين حافظوا على مكانة بارزة في عهد بوتين".

وكان أبراموفيتش اضطر لعرض تشيلسي للبيع مع تصاعد الضغوط عليه بسبب أزمة أوكرانيا، زاعما أنه سيتبرع بالأموال لمساعدة ضحايا حرب أوكرانيا.

وفي أول ظهور له منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، أظهرت صور للملياردير أبراموفيتش جلوسه في صالة كبار الزوار بمطار بن غوريون في تل أبيب.

وكان الرجل في انتظار طائرته الخاصة للسفر إلى إسطنبول، وفق ما نشر موقع "فلايت رادار 24" المتخصص في تتبع الرحلات الجوية، منتصف مارس 2022.

وقال موقع "آر إم سي" الفرنسي، إن هدف رحلة أبراموفيتش إلى تركيا حماية أحد أغلى ممتلكاته من نيران العقوبات، والأمر يتعلق بيخته الفاخر "سولاريس" الذي تقدر قيمته بأكثر من 600 مليون دولار، الذي وصل أخيرا إلى بودروم جنوبي تركيا.

وكشفت تقارير أخرى أن أبراموفيتش دخل بقوة على خط المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا الذي تقوده تركيا، لوقف إطلاق النار، وفتح ممرات آمنة لإخلاء المدنيين الأوكرانيين من المدن المتواصل قصفها.

عراب المفاوضات

وفي 28 مارس 2022، كشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن أبراموفيتش يلعب دور "صانع السلام" في الحرب الروسية، إذ يجري جولات مكوكية بين إسطنبول وموسكو وكييف لنقل الرسائل بين بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وأضافت أنه يحاول إنقاذ سمعته بعد تعرضه لعقوبات من قبل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب قربه من بوتين. وجرى تجميد أصوله في جميع أنحاء بريطانيا والقارة وبدأ في بيع ممتلكات في لندن، بالإضافة إلى نادي تشيلسي.

لكن يخوته وطائراته، التي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية، لم تصادر لأنها تتفادى المياه والمجال الجوي الخاضع للعقوبات.

وأوضحت الصحيفة أن زيلينسكي ناشد الرئيس الأميركي جو بايدن تأجيل اتخاذ تدابير ضد أبراموفيتش بسبب دوره في المفاوضات.

وكانت وكالة رويترز كشفت في 28 فبراير 2022، أن أبراموفيتش أسند إليه مهمة التوسط بين روسيا وأوكرانيا من أجل إيقاف الحرب التي قد تأكل ثروته ومجده.

وأضافت نقلا عن مصدر مطلع لم تسمه أن أبراموفيتش وافق على طلب أوكراني للمساعدة في التفاوض على إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا،

وأوضحت أن أوكرانيا أرادت العثور على شخص للمساعدة في السعي لحل سلمي، وقد أوصتهم الجالية اليهودية بالاتصال بأبراموفيتش.

ووفق ما نقلت "ديلي ميل" عن مصدر مقرب من أبراموفيتش، سلم الأخير مذكرة مكتوبة بخط اليد من قبل زيلينسكي تحدد شروط السلام لأوكرانيا، ولم تعجب بوتين ليرد عليه: "قل لهم إنني سأضربهم".

وأضافت: عاد أبراموفيتش إلى إسطنبول وتواصل مع السياسي الأوكراني رستم عميروف، الذي قيل إنه كان يعمل مفاوضا نيابة عن كييف.

والتقيا في فنادق خمس نجوم بالعاصمة التركية، بوساطة من إبراهيم قالن المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويبدو أن الطرفين يحرزان تقدما بشأن المحادثات.

وبعد أحدث جولة مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في 29 مارس بإسطنبول التي شارك بها أبراموفيتش، قال قالن في تصريحات لقناة "تي آر تي خبر" التركية إن الأطراف باتت قريبة من التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الرئيسة المتعلقة بحلف شمال الأطلسي ونزع السلاح ووضع الحماية للغة الروسية.

واستدرك في الثاني من أبريل/ نيسان 2022: "لا تزال هناك خلافات حول مستقبل شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، وسط أطروحات محتملة حول إيجار المنطقتين من قبل موسكو بموجب عقد طويل الأجل مثلما حصل مع بريطانيا وهونغ كونغ بين عامي 1898 إلى 1997".

ويبدو أن وساطة تركيا مع مساعي أبراموفيتش، بدأت تؤتي أكلها، وسط حديث أوكرانيا أخيرا عن انسحاب القوات الروسية "بشكل سريع" من الشمال والغرب نحو الشرق والجنوب، وأنباء عن "تحرير" كامل العاصمة كييف.