أحمد عز.. عمود صلب لنظام مبارك صهرته ثورة يناير وشكله السيسي من جديد

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

عندما أسقطت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك بعد ثلاثة عقود من الحكم بقبضة بوليسية، لم يصدق أغلب المصريين تهاوي رموز نظامه بهذه السرعة، وفي مقدمتهم أحمد عز، محتكر حديد البلاد، وعراب الفساد، وممهد الطريق لجمال مبارك لوراثة حكم أبيه. 

مشهد عز وهو مكبل بالأصفاد ومقتاد إلى السجن بالبزة البيضاء لم ينس أبدا من مخيلة المصريين، الذين ظنوا أنها نهاية أشهر وأقوى رموز الفساد والاحتكار والغرور بالبلاد. 

واليوم، في العام التاسع من حكم قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي، وبالذكرى الـ11 لثورة 25 يناير، يستعيد أحمد عز إمبراطوريته، ويعيد السيطرة على صناعة الحديد في مصر، بعد إتمامه شراء جزء من أسهم شركة حديد المصريين بمصادقة وشراكة الجيش، ليكون لسان الحال بعد هذه السنوات "وكأن ثورة لم تقم". 

من عز؟ 

ولد أحمد عبدالعزيز عز في 12 يناير 1959 في محافظة المنوفية شمالي مصر، ووالده لواء عسكري اتجه بعد تقاعده من الخدمة إلى مجال التجارة، ثم دخل إلى صناعة الحديد في منطقة السبتية، حيث كانت معقل تجارة الخردة في القاهرة. 

أما والدته فهي عفاف حلاوة من أصل فلسطيني، وتنتمي إلى عائلة ميسورة من قطاع غزة. 

ويذكر أن والده اللواء عبدالعزيز عز، كان مقربا من الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، الذي منحه بعد تسريحه من الجيش حصة توزيع حديد تصل إلى 40 طنا شهريا، وهي حصة كبيرة قياسا باحتياجات السوق آنذاك، وكذلك حصة توزيع أنابيب كان يتولى توريدها إلى الجيش المصري. 

ورغم أن تلك الفترة كانت تسود فيها قوانين الاشتراكية، والسعي إلى الحد من دخل الفرد، وتأميم الشركات لصالح الدولة، لكن ساهمت هذه التجارة في تحقيق معدل رفاهية فائق لأسرة عز. 

وهو ما جعل أحمد عز يلتحق بإحدى أعرق المدارس الإنجليزية الخاصة في مصر في الستينيات، واعتبره والده خليفته في تجارته، فعرفه منذ نشأته على أعماله وأشركه في إدارتها.

وفي منتصف الثمانينيات تخرج عز في كلية الهندسة جامعة القاهرة، وشهدت تلك الفترة توجهات مختلفة لعز أبعد ما تكون عن التجارة وإدارة الأعمال، حيث كون فرقة "طيبة" الموسيقية مع أصدقائه حسين الإمام ومودي الإمام وآخرين، ليقدموا أغاني عربية على موسيقى غربية.

وكان عز يدق الـ"درامز"، وهو المقطع الذي اتهمه فيه أعداؤه بأنه عمل "طبالا لراقصة شرقية".

ولم يستمر عز في العزف والتطبيل كثيرا، لأن طموحه المادي والاجتماعي فاق ذلك كثيرا.

لذلك اتجه للسفر إلى ألمانيا للدراسة، لكنه سرعان ما عاد للقاهرة مرة أخرى. 

صعود خاطف 

بدأت حياة أحمد عز وأسرته تتبلور نحو الصعود السريع، والغزو المباشر لسوق الحديد في مصر في 1983، وفي ذلك العام أُلقي القبض على قطاع كبير من تجار الحديد المصريين، في قضية شهيرة عرفت آنذاك بـ "الحديد المغشوش".

بطريقة مريبة تم استثناء اللواء السابق عبدالعزيز عز، من تلك القضية، الأمر الذي أتاح له طرح مخزونه من الحديد في السوق المتعطش، وبدأت ثروة العائلة تتفاقم على نحو غير مسبوق.

عندها جاءت انطلاقة أحمد عز الحقيقية في السوق، عندما أسس بصورة منفردة شركة الجوهرة للسيراميك، في سوق خاضع بالكامل للسلطة وما تمنحه من امتيازات لرجال الأعمال أصحاب الولاء.

مع الوقت أصبحت شركة عز واحدة من رواد الصناعة في مصر وإحدى مجموعات شركات عز الصناعية، التي ضمت شركة عز لصناعة حديد التسليح، وعز لمسطحات الصلب، ومصنع البركة، وعز الدخيلة للصلب، التي اشتراها بعد أن حققت خسائر كبيرة اتهم بأنه تسبب فيها، ليتمكن من الاستحواذ عليها بثمن بخس، وتصبح درة إمبراطوريته الصاعدة. 

في مطلع التسعينيات بدأ يتردد اسم جمال نجل حسني مبارك، في مجال السياسة وريادة الأعمال، وأحاط نفسه بمجموعة من رجال الأعمال الشباب الصاعدين، كجيل جديد يستعد لاستلام المقاليد من الحرس القديم في الحزب الوطني الحاكم، وكان أحمد عز من تلك الدائرة المقربة.

في تلك الآونة حدثت مجموعة من المتلازمات، أهمها صعود جمال السياسي زامنه صعود عز أيضا، وصعود عز رافقه تضخم هائل في ثروته المالية وحجم نفوذه داخل مؤسسات الدولة. 

وجاءت اللحظة الأهم عندما عين نجل الرئيس أمينا للجنة السياسات بالحزب الوطني، وبالتبعية تم تعيين عز أمينا للتنظيم، واختير أيضا رئيسا للجنة الميزانية بمجلس الشعب (البرلمان) المصري.

نفوذ عز المتمدد تسبب في التأثير على مجالين رئيسين في البلاد، الاقتصاد والسياسة، فصار نموذجا فجا لتزاوج رأس المال بالسلطة. 

وفي 3 أبريل/ نيسان 2010، اعتبرت حركة مواطنون ضد الغلاء أن أحمد عز "عدو المستهلكين رقم واحد في مصر" لتلاعبه بالمستهلكين ومخالفته للقانون الخاص بحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بحسب بيانها.

ونشرت صحيفة "الأسبوع" المصرية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2007، تحقيقا أكدت خلاله حصول عز على صافي أرباح سنوية من تجارة الحديد يبلغ أكثر من 5.3 مليارات جنيه سنويا (مليار دولار آنذاك).

وهو ما تسبب في ازدياد حالة الغضب والحنق لدى قطاع رجال الأعمال، وعلى الصعيد المجتمعي الذي تأثر بالمناخ المضطرب، بعد أن أصبح أحمد عز واحدا من أهم وأقوى الرجال في مصر. 

إلى الهاوية 

تمثلت بداية سقوط إمبراطور الحديد، وثاني أهم رجل في الحزب الوطني بعد جمال مبارك، عندما وضع خطة إدارة حملة انتخابات مجلس الشعب عام 2010، التي اتسمت بإلغاء إشراف القضاء عليها بإيعاز منه وسبقتها تعديلات دستورية قالت المعارضة عنها إن "عز وضعها لتخدم خطة توريث الحكم لجمال".

وكانت الانتخابات كارثية، واتسمت بالتزوير الشديد، وانعدام فرص المعارضة في تحقيق أي نجاح.

واعتبرت هذه الانتخابات فيما بعد من الأسباب الرئيسة في قيام ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بحكم مبارك.

ومثّل 29 يناير 2011، وهو ثاني أيام جمعة الغضب، لحظة مفصلية لأحمد عز، وبداية التهاوي الحقيقي، عندما استقال من الأمانة العامة للحزب الوطني الحاكم.

وقبلت استقالته فورا بعد ضغط شعبي، بعدها هربت زوجته رفقة زوجة جمال مبارك إلى لندن، مع تداول أخبار آنذاك عن محاولاته للهرب خارج مصر. 

وفي 3 فبراير/ شباط 2011 صدر أمر من النائب العام بمنعه من السفر خارج البلاد وتجميد أرصدته ضمن قائمة طويلة ضمت بعض الوزراء في حكومة أحمد نظيف المقالة. 

وفي 18 فبراير أصدر النائب العام عبد المجيد محمود قرارا باعتقال عز رفقة عدد من الوزراء على رأسهم وزير الداخلية حبيب العادلي.

بعدها قضت محكمة جنايات القاهرة في 15 سبتمبر/ أيلول 2011، بمعاقبة عز بالسجن المشدد 10 سنوات حضوريا، مع تغريمه مبلغ 660 مليون جنيه. 

الضربة الأخرى التي تلقاها عز كانت في 6 مارس/ آذار 2013، حيث قضت محكمة جنايات الجيزة بالسجن 37 عاما على عز، في قضية الاستيلاء على أسهم شركة الدخيلة لتصنيع الحديد. 

رحلة العودة 

كان أحمد عز رمزا لأواخر أيام حكم مبارك، ومن أهم أسباب الثورة الشعبية عليه، ثم كانت محاكمته ووضعه في السجون رمزا لمرحلة الثورة والانتصارات الشعبية عقب 25 يناير، أما المرحلة الحالية فبدأت عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، عندما أطاح السيسي بالحكم المدني، ورسخ لديكتاتورية عسكرية. 

معها تنفس عز ورفاقه الصعداء، وبدأت تجليات تلك الحقبة المأزومة تظهر في 7 أغسطس/ آب 2014، بعد أشهر قليلة من حكم السيسي، عندما خرج عز بكفالة قدرها 250 مليون جنيه، ما مثل صدمة لجموع الشعب، الذين ظنوا أن عز انتهى بالكلية. 

وفي 12 أغسطس/ آب 2018، أعلنت الحكومة المصرية التصالح مع عز، وبناء عليه تمت إزالة اسمه من قوائم المنع من السفر. 

ولم يكتف رجل الأعمال الذي تورط في إفساد الحياة السياسية والاقتصادية بما حصل عليه من مكتسبات في ظل الوضع القائم، بل سعى إلى استعادة إمبراطوريته الضائعة مرة أخرى. 

وأعلن في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2021، عبر شركته حديد عز الدخيلة للصلب، عن موافقة مجلس إدارتها على شراء حصة رجل الأعمال المصري، أحمد أبو هشيمة، في شركة حديد المصريين، التي تمتلك فيها القوات المسلحة حصة الأسد.

ليستحوذ عز، على حصة أحمد أبو هشيمة، ما يعني أن أبو هشيمة، أخرج كليا من استثماراته في صناعة الحديد والصلب، والحرس القديم عاد مرة أخرى إلى ملعبه. 

وبحسب موقع "أحوال مصرية" في 20 يناير 2022، عاد عز للسيطرة على صناعة الحديد في مصر، بعد إتمامه شراء 18 بالمئة من أسهم شركة حديد المصريين، مقابل 2.5 مليار جنيه (160 مليون دولار).

فيما ستمتلك القوات المسلحة المصرية عبر جهاز الخدمة الوطنية باقي الأسهم البالغة (82 بالمئة)، لتعتبر هذه أول شراكة بين عز والقوات المسلحة بشكل مباشر.