محمد الأمين.. "تاجر بشر" استخدمه السيسي ثم جعله عبرة لرجال أعمال مصر

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"نهاية مأساوية" لرجل الأعمال المصري محمد الأمين، بعد سنوات من سيطرته على إمبراطوريات الإعلام إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وبعد سقوط نظام حسني مبارك عقب 3 عقود من الحكم (1981-2011).

وداهمت قوة أمنية قصر "الأمين" بحي التجمع الخامس الراقي في العاصمة القاهرة، واقتادته مكبلا إلى قسم الشرطة ليبدأ التحقيق معه في قضية أخلاقية، تكمن في اتهامه بالاتجار بالبشر واستغلال فتيات في أعمال منافية للآداب.

وبعد فترة في خدمة النظام إثر صعوده على الواجهة كرائد من رواد السلطة والإعلام، وانتشار اسمه كالنار في الهشيم، سقط "الأمين" في "فخاخها".

وكون الأمين إمبراطورية هائلة بامتلاك العديد من الفضائيات التي تبنت وجهة نظر السلطة والمجلس العسكري، ثم كانت معارضة لأول رئيس مدني منتخب الراحل محمد مرسي، وساهمت في الانقلاب عليه عام 2013، وإسقاط الديمقراطية. 

فضيحة الأمين

في 7 يناير/كانون الثاني 2022، تحفظت الأجهزة الأمنية على محمد الأمين داخل قسم للشرطة بعد القبض عليه، وصدور قرار نيابة القاهرة بحبسه على ذمة التحقيق في القضية رقم 188/2022، بتهمة الاتجار بالبشر، وممارسة أعمال منافية للآداب مع عدد من الفتيات (بعضهن قاصرات) في دور الأيتام التي أسسها بمحافظة بني سويف.

جاء ذلك بعد أن أعلنت الجهات الأمنية  تلقيها بلاغات رسمية تفيد ارتكاب محمد الأمين "جرائم مروعة" يعاقب عليها القانون.

وسرعان ما طالبت النيابة العامة من إدارة مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، كشف ملابسات القضية.

وفي 9 يناير/ كانون الثاني 2022، وجهت منظمة العدل والتنمية الحقوقية، النيابة العامة، بضرورة سرعة إتمام التحقيق حول الاتهامات التي تتعلق بتأجير رجل الأعمال الأمين للقاصرات اليتيمات بدار الأيتام التى يمتلكها، لأثرياء عرب في بيوت المصيف (الشاليهات) الساحل الشمالي أو بعض الفنادق.

يذكر أن الدور المعنية بالبحث والتحري التابعة لـ"الأمين" قد أسست في مارس/آذار 2021، وافتتحها الأمين بنفسه رفقة مجموعة من كبار المسؤولين، على رأسهم وزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين القباج.

ووضعوا حجر الأساس لمشروع مؤسسة "المستقبل الأمين" للخدمات المتكاملة بمحافظة بني سويف، وتتضمن دارا للفتيات بلا مأوى ودارا لرعاية المسنين، ودارا لرعاية الأطفال الأيتام معلومي وكريمي النسب والأطفال بلا مأوى.

كما ضمت أيضا مركزا طبيا متكاملا، وحضانة نموذجية، ومدرسة مجتمعية، وقاعة متعددة الأغراض، وذلك على مساحة 3500 متر. 

تلك الدور موضوعة حاليا تحت الحراسة الأمنية، وخاضعة لإجراءات المراقبة والتفتيش، بعد أن أصبحت محل جريمة مالكها محمد الأمين. 

 

رمز فاسد

محمد الأمين رجب أحمد، من مواليد ستينيات القرن الماضي بمحافظة الإسكندرية، وفيها نشأ وحصل على بكالوريوس علوم الهندسة في جامعة الإسكندرية. 

كانت بداية دخول الأمين إلى سوق العمل من خلال تأسيسه شركة مقاولات صغيرة في الإسكندرية، كانت تصنع قواعد الحمامات، وغيرها من المرافق.

بعدها سافر إلى الكويت للعمل وظل هناك لفترة طويلة، وفي عام 2002 قرر الأمين العودة إلى مصر، وإنشاء شركة استصلاح زراعي حصل على موافقاتها من "يوسف والي" وزير الزراعة الأسبق (الذي اتهم في عديد من قضايا الفساد بعد ثورة 25 يناير)، ثم قرر إنشاء شركة "عامر جروب"، مع رجل الأعمال منصور عامر. 

كانت لدى الأمين علاقات متجذرة بنظام مبارك، وكان على شراكة مع وزير الإسكان الأسبق، محمد إبراهيم سليمان، أحد أكبر رموز الفساد في عصر مبارك.

ولا تخفى صداقته المباشرة برجل الأعمال المسؤول عن تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، حسين سالم، وقد فر إلى إسبانيا عقب اندلاع "ثورة 25 يناير". 

وفي مرحلة ما قبل الثورة، كان "الأمين" من رجال الأعمال غير المعروفين، ولكن فوجئ المصريون ببروز اسمه، وبزوغ نجمه بقوة في عالم الإعلام، عقب الثورة مباشرة، حيث أصبح بين يوم وليلة أحد أكبر مالكي القنوات الفضائية في مصر،  بـ14 قناة فضائية و3 صحف، إضافة إلى شركة "فور ميديا" للإعلان.

كانت أهم قناة امتلكها الأمين هي "سي بي سي" الشهيرة التي أطلقت في يوليو/تموز 2011، وهي من أهم القنوات التي ساهمت في الانقلاب على الثورة والحكومة المنتخبة، ثم تبعها عدة قنوات تحمل نفس الاسم مثل "سي بي سي 2".

تلك القنوات، استطاعت أن تسيطر على الرأي العام بمعظم تكويناته، خاصة وأن منها ما يبث للدراما الرياضة، ومنها ما يختص بنقل الأحداث في مصر مثل "سي بي سي إكسترا". 

وفي سبتمبر/أيلول 2011 استحوذ الأمين على 85 بالمئة من شبكة قنوات النهار الفضائية والنهار للدراما، بعدها استحوذ على مجموعة قنوات مودرن (مودرن سبورت، كورة، حرية) من مالكها آنذاك وليد دعبس.

لم يكتف الأمين بجانب الإعلام المرئي، فامتلك إلى مجموعة من الصحف الأخرى كشريك رئيس، منها جريدة "الوطن" التي أسسها الأمين ورأس مجلس تحريرها آنذاك مجدي الجلاد.

كما ساهم في صحف مختلفة مثل جريدة "الفجر"، التي امتلك فيها النصيب الأكبر، و"اليوم السابع" أحد أشهر وسائل نقل المعلومات في مصر.

هذه المجموعات الإعلامية والصحفية شكلت رأس حربة ضد الحريات والديمقراطية والمؤسسات المنتخبة، وساهمت بشكل واضح في إسقاط الحكومة الشرعية إبان الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، بقيادة رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك، وحظي بتأييد كامل من قنوات "الأمين".

فساد مستشر

لم يكن الأمين ببعيد عن اتهامات الفساد التي لاحقت نظام مبارك، وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2012، نشرت صحيفة "الأهرام" (حكومية)، تحقيقا مطولا عنه تحت عنوان "ملياردير فلول الإعلام"، ذكرت خلاله مجموعة من وقائع التلاعب والفساد المتورط فيها. 

كان أهم ما أوردته الأهرام أن "الأمين أخرج من مصر 600 مليون جنيه (نحو 38 مليون دولار) إلى سوريا تحت مسمى إنشاء قرية سياحية فى طرطوس، تحمل اسم (بورتو طرطوس)، وقد أشيع أنها أموال لبعض أفراد نظام مبارك يتم تهريبها، ولم ينف الأمين، ولم يحقق النائب العام في بلاغ موجود لديه فى الأمر". 

وذكرت أيضا أن "النائب العام السابق عبد المجيد محمود، تجاهل البلاغ رقم 1691 الذي يتناول مشاركة الأمين في (موقعة الجمل) الشهيرة التي سقط فيها ضحايا من المواطنين المشاركين في ثورة 25 يناير". 

وأوردت الأهرام أن "هناك علاقة مباشرة بين الأمين، ورجل الأعمال الهارب آنذاك حسين سالم، مدير صفقات عائلة مبارك، وصاحب عقود الغاز مع إسرائيل، كما لهما شراكة في شركة شرق المتوسط وبعض الشركات الأخرى". 

وقالت الصحيفة الحكومية إن "الأمين ضخ في وسائل الإعلام بعد الثورة، نحو 50 مليار جنيه (نحو 3 ملايين دولار)، للترويج لعدم الاستقرار وإثارة الفتن".

فيما اعتبر البعض أن سقوط الأمين يتجاوز فكرة القضية المتهم بها، إلى أن يكون للأمر دافع سياسي في إطار التجاذبات والمتغيرات الإقليمية الواقعة، وهو ما أكده الصحفي المصري سليم عزوز في مقالة لموقع "عربي21" في 10 يناير/كانون الثاني 2022، تحت عنوان "تصفية الحزب الإماراتي في مصر".

وقال عزوز: "شهدت المرحلة المبكرة تأسيس إعلام جديد، كان من بينه قنوات سي بي سي وجريدة الوطن، لصاحب الشبكة وصاحب الصحيفة محمد الأمين، وثبت مع الأيام أنه لم يكن أكثر من واجهة لدولة الإمارات، والتي كانت في الحقيقة واعية لأهمية الإعلام، وضرورة أن يكون لها أذرعها الإعلامية في مصر". 

وعلل الصحفي المصري ما تعرض له الأمين مؤخرا، قائلا: إن "المذكور هو أحد ركائز الحزب الإماراتي المصري، وهو قريب من دوائر الحكم، ومتغلغل في الأجهزة بهذا الانتماء، وهو ما يخيف السيسي، لا سيما وأنه يدرك خطورة هذا الحزب وما فعله في الثورة وفي الرئيس مرسي، وهو دائما يأخذ في أموره بالأحوط".

وأضاف: "تبدو العلاقة بينه وبين أبو ظبي ليست في أحسن حالاتها، فلا بد من أن يتوجس خيفة من هذا الحزب ونفوذه، وإذ بدأت عملية ضربه بما جرى للسيد البدوي، في ظل شهر العسل، فإن ما حدث بعد ذلك لأحد سدنة هذا الحزب وهو حسن راتب، جاء بعد انتهاء هذا الشهر". 

فيما غرد الصحفي المصري جمال سلطان، عبر حسابه قائلا: "الأمين عراب الاستثمارات الإماراتية في السوق السري للإعلام المصري، قنوات فضائية وصحف ومواقع سيطر عليها وكان مجرد واجهة للمالك الحقيقي، تم اعتقاله، واتهامه بتهم مشينة، رغم كل ما قدمه للسلطة من ولاء، مؤشر واضح على أن العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي تتجه نحو الأسوأ".