كارل نيهامر.. مستشار للنمسا ذو عقلية أمنية يعادي المسلمين واللاجئين

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

خلال حكم المستشار النمساوي السابق سيباستيان كورتس، الذي غادر منصبه على خلفية فضائح واضطرابات سياسية، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، كان الخناق يضيق على المجتمع الإسلامي العريض في البلاد رويدا رويدا.

 وما أن أخرج كورتس من الحكم حتى تنفس المسلمون الصعداء على أمل حدوث انفراجة سياسية بعد سنوات من الشدة. 

لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن عندما صعد الجنرال كارل نيهامر إلى حكم النمسا خلفا لـ "كورتس"، وتسبب في إثارة قلق المسلمين.

فهذا الحاكم الجديد، ذو الخلفية الأمنية، صاحب تاريخ سيئ ضد المسلمين والمهاجرين واللاجئين عموما، إضافة أنه واحد من رجال كورتس، وكلاهما من خلفية واحدة، هي حزب الشعب النمساوي.

وكان نيهامر وزير داخلية كورتس، وذراعه الضاربة بقوة ضد المجتمع الإسلامي، وفي فترة محدودة، ارتكب كثيرا من الأعمال العنيفة، وشن حملات أمنية شرسة ضد المساجد والمراكز الإسلامية، ما يجعل من صعوده إلى قمة الهرم السلطوي محل انزعاج وترقب في آن واحد.

الحرس القديم

يعد نيهامر من أفراد الحرس القديم داخل حزب الشعب النمساوي الحاكم، وهو ما سمح له بالصعود حتى يصبح الحاكم الأول للنمسا.

ففي 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، جرى تسمية وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر (49 عاما)، مستشارا جديدا للبلاد، خلفا لـ "سيباستيان كورتس" على أمل إنهاء فترة الأزمات السياسية، التي تخللت عهد المستشار السابق المستقيل. 

نيهامر من مواليد 18 أكتوبر/تشرين الثاني 1972، وهو سياسي نمساوي من أقطاب حزب الشعب النمساوي (ÖVP) اليميني المحافظ، وقد شغل من قبل منصب الأمين العام للحزب في الفترة من 2018 إلى 2020، وكان عضو المجلس الوطني أيضا من 2017 حتى 2020. 

نشأ نيهامر في العاصمة النمساوية فيينا وهناك التحق بكلية "كالكسبيرغ"، ثم تخرج فيها عام 1992.

بعدها أكمل خدمته العسكرية كمتطوع لمدة عام واحد، وانضم إلى الجيش لسنوات حتى عام 1996، ثم تقاعد برتبة ملازم. 

لكنه استمر في دائرة الأنشطة العسكرية عندما عمل كمدرب تعليمي لضباط المعلومات في الوزارة الفيدرالية للدفاع الوطني النمساوي، وكمدرب للتواصل الإستراتيجي لمختلف المؤسسات مثل معهد الترقية المهنية (BFI) والأكاديمية السياسية لحزب الشعب النمساوي. 

عام 2012، أكمل دورة جامعية لمدة عامين في الاتصال السياسي في جامعة الدانوب في كريمس وتخرج حاصلا على درجة الماجستير. 

نيهامر من صف المتدينين داخل حكومته، وهو عضو سابق في اتحاد الطلاب النمساويين الكاثوليكيين". 

وعلى مستوى حياته الشخصية، فهو متزوج من "كاتارينا نيهامر"، العضو بحزب الشعب النمساوي أيضا، ولديهما طفلان. 

وقد تعرض نيهامر وزوجته لانتقادات بالغة عام 2020، بعد تعيين كاتارينا متحدثة باسم وزارة الدفاع الوطني، حيث اتهمت الحكومة من قبل أحزاب المعارضة، بوضع السياسة الداخلية والدفاعية للبلاد بين يدي عائلة واحدة. 

صعوده السياسي 

الصعود السياسي لنيهامر لم يكن سهلا، إذ تمرس في هذا المعترك سنوات طويلة، وشغل مناصب سياسية وحزبية متعددة. 

فبعد تركه الجيش أصبح نيهامر ناشطا داخل منظمة حزب الشعب، وعمل في البداية مع أكاديمية الحزب، ثم أصبح رئيسا لقسم الخدمة والتعبئة في مقره، ثم رئيسا لقسم التدريب والشبكات. 

عام 2009 أصبح مديرا لاتحاد النمسا التابع لأكاديمية الحزب وكان يعتبر قريبا من القيادة العليا للحزب آنذاك، ما فتح له أبواب الصعود سريعا. 

في أكتوبر/تشرين الأول 2015، عين نيهامر نائبا للأمين العام ورئيسا تنظيميا فيدراليا لاتحاد العمال النمساوي.

وفي أبريل/نيسان 2017 ، أصبح رئيسا لحزب الشعب في فيينا. 

وفي نفس العام ترشح في الانتخابات الفيدرالية، وانتخب كممثل عن فيينا. 

بلغ كارل نيهامر أوج السلطة في 7 يناير/ كانون الثاني 2020، بعدما أدى اليمين، كوزير للداخلية النمساوي، ضمن حكومة سيباستيان كورتس الثانية. 

يعتبر من المخلصين بشدة لسياسات سيباستيان كورتس، الذي يجمعه به التشدد حول حق اللجوء، ومحاربة "الإسلام السياسي"، والأنشطة الإسلامية عموما في البلاد. 

محاربة الإسلام 

كارل نيهامر، حين كان وزيرا للداخلية اعتبر المتورط الثاني، بعد مستشار النمسا آنذاك كورتس، في عملية "الأقصر" الأمنية الشرسة.

ففي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، شنت أجهزة الأمن النمساوية، بأمر مباشر من نيهامر، واحدة من أشرس العمليات، وأشدها ضد مؤسسات وأفراد تابعين لجماعة الإخوان المسلمين في النمسا.

بلغ عدد الأماكن التي جرى اقتحامها في عموم البلاد، 60 عنوانا، ووصل عدد الاعتقالات إلى 30 ناشطا وأكاديميا مسلما.

وفي 5 أغسطس/آب 2021، انتقد اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا -المشرف على الجاليات الإسلامية والأنشطة بالقارة- استخدام جهاز الأمن النمساوي، بقيادة كارل نيهامر، القوة غير المتناسبة ضد أشخاص معروفين ومعاملتهم كإرهابيين.

القوة المفرطة من الشرطة النمساوية خلال المداهمات تركت بصماتها على أفراد عائلة مسلمة تعرضت للعنف من قبل قوات الأمن.

إذ بدأ أكثر من 10 أطفال في تلقي العلاج النفسي بعد العمليات، فيما واجه الأشخاص الـ30 الذين جرى اعتقالهم وعائلاتهم صعوبات مالية بسبب حظر حساباتهم المصرفية.

ودعت العديد من المنظمات غير الحكومية وصحفيون وكتاب إلى توضيح هذه المسألة على وجه السرعة.

ولا يمكن إخفاء أن الإمارات وهي داعمة اليمين المتطرف في أوروبا، وتسعى إلى تحجيم الأنشطة الإسلامية هناك، من أبرز الداعمين لنيهامر.

عبر عن ذلك موقع "سكاي نيوز عربية" الإماراتي، في 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، عندما نقل تصريحات جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والتطرف (مقره ألمانيا)، ومدعوم إماراتيا.

وقال محمد "بدون شك، تعيين كارل نيهامر وزير الداخلية السابق لحكومة النمسا سيعمل على تضييق أكثر لسياسات الإسلام السياسي بصفة عامة والإخوان خاصة". 

وأضاف جاسم "أن نيهامر كان وراء تشريع عدة قوانين أصدرها البرلمان النمساوي أحدثها كان في شهر يوليو (تموز 2021) تشمل حزمة من الإجراءات والتشريعات تتيح لوزارة الداخلية تتبع البيئة الحاضنة للتنظيمات الإسلامية، وكذلك فرض مراقبة أكثر لهم، إضافة إلى تشريعات تضم جملة إجراءات جديدة في محاربة خطاب الشعبوية الإسلامية عبر الإنترنت". 

تحديات وقلق

ومع ذلك يرتبط نيهامر بواحدة من أكبر الإخفاقات الأمنية في تاريخ البلاد، والتي حدثت في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

حينها، عندما وقع هجوم إرهابي في ضواحي العاصمة النمساوية فيينا، خلف أربعة قتلى وعشرات المصابين، وتبين أن وراءه أحد عناصر تنظيم الدولة، ويدعى "كوجتيم فيض الله".

فيض الله نمساوي الجنسية، ويحمل أيضا الجنسية المقدونية الشمالية، لكن الأمر المفاجئ أنه كان مرصودا ضمن قرابة 90 شخصية في النمسا تبنوا النهج المتشدد، وحاولوا السفر إلى سوريا للقتال، ما جعلهم محط أنظار المخابرات في تلك الدولة وعموم أوروبا.

 ورغم تحذيرات المخابرات التركية لنظيرتها النمساوية، بشأن هذا الشخص على وجه الخصوص، فإنهم تجاهلوا التحذيرات، ليواجهوا الإخفاق الفادح. 

وقتها أعلن نيهامر في مؤتمر صحفي: "منفذ الهجوم الدامي نجح في خداع برنامج إعادة تأهيل المتطرفين والمكلفين بمتابعته"، ليعبر عن الفشل الحكومي في تعقب الأشخاص الخطيرين، الذين قد يرتكبون هجوما إرهابيا مفجعا كما حدث في فيينا.

هذا الإخفاق سيظل ماثلا أمام نيهامر في ولايته الأولى للمستشارية النمساوية.

خاصة وأنه قبل عام 2020، شهدت الحياة السياسية النمساوية الكثير من الاضطرابات، وعرفت البلاد خمسة مستشارين منذ العام 2016 حتى 2021.

الأزمة الأخرى التي تواجه نيهامر، أنه منذ استقالة كورتس، على خلفية الفضيحة السياسية، تراجع حزب الشعب الحاكم منذ العام 1987 عن صدارة استطلاعات الرأي بعدما تجاوزه الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

لذلك كانت أول قرارات نيهامر طي صفحة كورتس، وإجراء تعديل وزاري واسع النطاق، يبعث برسائل التغيير داخل حزبه، حتى يلمس الجماهير ذلك، ويتدارك إخفاق مستقبلي كارثي في الانتخابات الفيدرالية، إذا استمر الوضع على ما هو عليه.