زيارة بومبيو الخاطفة.. هل تبعد العراق عن خندق إيران؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رسائل عدة حملها وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو خلال زيارته المفاجئة لبغداد قبل أيام، بالتزامن مع حملة واشنطن ضد طهران، ورغم تأكيده، أن إيران هي سبب الزيارة، إلا أن ما شهدته الساحة الإعلامية ببغداد وواشنطن، تشير إلى أنها لم تكن فقط تطمينية، وإنما كان لها مآرب أخرى.

والتساؤلات التي صاحبت هذه الزيارة تنوعت بين أسبابها المفاجئة، ولماذا ألغى بومبيو زيارته التي كانت مقررة لبرلين، ووجه طائرته نحو الشرق في اللحظة الأخيرة؟ ولماذا نشر أحد أعضاء الكونجرس تغريدة، أوضح فيها أن الجنود الأمريكان في بغداد 50 ألفا، قبل أن يعدل الرقم إلى 5 آلاف؟ وهل الزيارة تهدف لغلق الأبواب الخلفية بين واشنطن وطهران؟ وفي النهاية هل تضحي بغداد بطهران من أجل واشنطن؟

أبرز الرسائل

بحسب تقرير موسع لوكالة "الأناضول" استطلعت فيه أراء عدد من الخبراء، فإن زيارة بومبيو إلى بغداد، حملت رسائل أمريكية محددة إلى القيادة العراقية تتعلق بتهديدات إيرانية مباشرة، أو غير مباشرة من قوات حليفة لها ضد مصالح أمريكية في المنطقة.

واعتمدت الوكالة على تقارير دولية تحدثت عن تناول المباحثات بين بومبيو ورئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لأمن الجنود الأمريكيين والمصالح الأمريكية وأمن الشركات والموظفين العاملين في العراق وضمان حمايتهم من "تهديدات" إيرانية مفترضة.

وما يدعم ما ذهبت إليه الوكالة التركية، هو ما نشره ماركو روبيو، عضو الكونجرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري، عبر حسابه بتويتر على مدار يومين متتاليين، حيث نشر ماركو تغريدة قال فيها: إن أي اعتداء على الجنود الأمريكان في العراق، والبالغ عددهم 50 ألف، يعد هجوما مباشرا من الميلشيات الإيرانية، إلا أن السيناتور الجمهوري، حذف التغريدة، وأعاد نشرها مرة أخرى بعد أن صحح الرقم إلى 5 آلاف جندي.

وتشير التقارير التي تناولت ما كتبه السيناتور الجمهوري، إلى أنه حمّل مباشرة ما سماه بالميلشيات الشيعية في العراق، والتي صنفها بـ "كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق"، مؤكدا أنها مليشيات شيعية مجهزة ومدرّبة ويتم إدارتها من الحرس الثوري الإيراني، وأن أي هجوم منها على أفراد الجيش الأمريكي، أو موظفين دبلوماسيين أو المنشآت الأمريكية في العراق، فلا ينبغي اعتبار ذلك مختلفا عن الهجوم المباشر من جانب إيران.

ورغم أن السيناتور الأمريكي، عدل عدد الجنود الأمريكان في تغريدته من 50 ألفا إلى 5 آلاف، إلا أن التغريدة في حد ذاتها، أثارت ردود أفعال قلقة داخل الوسط السياسي العراقي، حيث دعا النائب صباح طلوبي العكيلي العضو بتحالف "سائرون"، الحكومة العراقية بتأكيد أو نفي المعلومات التي أدلى بها السيناتور الامريكي، والذي يعد في نفس الوقت عضوا بلجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، واعتبر العكيلي في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن هذه التصريحات، تريد إشعال الوضع داخل الساحة العراقية.

من خلف الخطوط

وبالعودة إلى تحليل "الأناضول"، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ زيارته لقاعدة عين الأسد غرب العراق نهاية العام الماضي وتصريحاته بالإبقاء على جنود بلاده في العراق لأهداف تتعلق بمراقبة النشاطات الإيرانية بالبلد، فقد صعّدت الفصائل المسلحة التي تنتمي للحشد الشعبي من تهديداتها باستهداف الجنود الأمريكيين في العراق، وهي التهديدات التي تتعامل معها الولايات المتحدة بمحمل الجد، وتحاول العمل مع الحكومة العراقية لضمان أمن القوات والمصالح الأمريكية في العراق.

وتشير الوكالة إلى أن العراق يرتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، كما أنه يرتبط أيضا بعلاقات سياسية وأمنية وثيقة واقتصادية مع إيران التي لا يبدو أن العراق في المدى القريب قادر على الاستغناء عن إمدادات الطاقة الكهربائية أو الغاز الإيراني لتشغيل المحطات العراقية مع اقتراب حلول فصل الصيف.

وترى الوكالة، أنه إذا كان الوزير الأمريكي قد تحدث بثقة عن أن الحكومة العراقية قد وعدت بـ "حماية المصالح الأمريكية" فإن الواقع يشير إلى أن قوة ونفوذ المجموعات المسلحة الحليفة لإيران في العراق عادة ما ترجح المصالح الإيرانية على سواها من مصالح، سواء مصالح عراقية أو أمريكية، ما يجعل مثل تلك الوعود بعيدة عن الواقع فيما لو رأت إيران توجيه ضربات لجنود أمريكيين أو لمصالح أمريكية عبر تلك المجموعات التي تدين بالولاء لإيران.

إيران الأهم

ولم تكن الوكالة التركية وحدها التي تحدثت عن الدور الذي تخشاه الإدارة الأمريكية من المليشيات الموالية لإيران، حيث أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المليشيات العراقية المتهمة بتهديد الولايات المتحدة، تشكل مأزقا للعراق، ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي قوله: إن "قوات الحشد الشعبي مزيج خطير من المليشيات والمافيا، ولا يُمكن السيطرة عليها".

وقالت مديرة مكتب الصحيفة في بغداد، أليسا روبين في تقريرها الذي ترجمه مركز أبحاث الجزيرة، أن ما يثير التساؤلات أن هذه المليشيات المرتبطة بإيران معترف بها وممولة من الحكومة العراقية، رغم أنها لا تخضع لوزارتي الدفاع أو الداخلية.

أما أنتوني كوردسمان، محلل الأمن القومي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، فقد حذر من تحول هذه المجموعات إلى دولة داخل الدولة إذا لم توضع لها ضوابط، موضحا أن هناك مجموعة تنضوي تحت راية الحشد الشعبي العراقي، بعضها سنّي، وبعضها موال للحكومة العراقية، وبعضها الآخر على صلة بفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني. مع ذلك، تطغى على هذه المسألة حقيقة أن هذه الجماعات مُموّلة ومعترف بها من الحكومة العراقية.

وحسب التقرير نفسه الذي ترجمه مركز الجزيرة للبحوث، فإن هناك نحو 30 مليشيا تنضوي تحت الحشد الشعبي، وتضم ما لا يقل عن 125 ألف مقاتل في الخدمة الفعلية، وهي المجموعات التي وصفتها مديرة الصحيفة الأمريكية في بغداد، بأنها تلعب دورا إيجابيا نسبيا وتضطلع بمسؤوليات محلية بشكل حصري تقريبا، إذ أنها تقدم خدمات الشرطة في الأماكن التي تغيب عنها عناصر الشرطة.

ويشير التقرير إلى أن كبار المسؤولين في الحكومة العراقية يشعرون بالقلق إزاء نفوذ الجماعات التي أثبتت أنها الأقرب إلى إيران وتعتبر منيعة ضد الجهود المبذولة لإخضاعها لسيطرة الحكومة، لكن المسؤولين يُحجمون عموما عن التحدث علنا عن هذه المسألة.

ردود أفعال

ورغم أنه لم يصدر عن الحكومة العراقية، أي رد فعل علي زيارة بومبيو، أو كيفية تنفيذ مطالبه، إلا أن مسؤولين عراقيين بارزين، حذروا حكومتهم من التورط في صدام مع إيران، مقدمين العديد من المقترحات للخروج من الأزمة الراهنة، دون أن تنغرس أقدام العراق فيها، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء العراقي السابق زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، والذي أكد في بيان رسمي إلى أن "إنهاء التصعيد العسكري في المنطقة من خلال الحوار وبعيدا عن سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة".

ووفق بيان المالكي الذي نشرته وسائل الإعلام العراقية، فإن "التصعيد العسكري في المنطقة ودق طبول الحرب والتلويح بالمواجهة المصحوبة بفرض عقوبات اقتصادية منفردة من الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجارة الجمهورية الإسلامية، والتي تتعارض مع القوانين والأعراف الدولية، كل ذلك سيفرض تداعيات خطيرة على الشعب الإيراني المسلم وجميع شعوب المنطقة سيما الشعب العراقي الذي خرج للتو من حرب مدمرة مع تنظيم داعش والتي مازالت خلاياه النائمة تهدد استقراره وأمنه".

ودعا المالكي حكومته لإعلان موقف محايد من هذه الأزمة، وحسب ما جاء في البيان: "انطلاقا من حرصنا الأكيد على المصالح العليا للشعب العراقي، وتضامنا مع الشعب الإيراني المسلم وجميع شعوب المنطقة، وحفاظا على الأمن والاستقرار لدول وشعوب المنطقة والعالم، وحفاظا على النظام الدولي واستقراره، نطالب الجميع بإعلان موقف موحد إزاء السياسات التي تهدد مصالح شعوب المنطقة والعالم، وندعو الى تحكيم لغة العقل والحوار، ونبذ سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة على الآخرين، وحل المشاكل العالقة بين الدول بأساليب حكيمة وواقعية ومنتجة ووفق القرارات الدولية لا بالقوة والحصار والتجويع والترويع من أي طرف كان".

ضغوط وتذمر

وقد تناولت تحليلات عديدة تذمر العراق من الضغوط الأمريكية المستمرة لتقليص علاقاتها مع طهران، حيث يرى المتابعون أن الولايات المتحدة بدأت تقليم أظافر إيران في العراق، عندما طلبت واشنطن من الحكومة العراقية تجميد 67 ميلشيا على رأسها منظمة بدر بزعامة هادي العامري، وكتائب حزب الله العراقي، ولواء أبي فضل العباس، وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، وخطوات أخرى من شأنها حفظ المصالح الأمريكية، ومواجهة أي تمدد إيراني، لكن رئيس الحكومة العراقية نفى لاحقا أن تكون واشنطن قد طلبت منه ذلك.

ووفق المحللين، فإنه في ظل السياسة الأمريكية، فإن الصراع الأمريكي الإيراني سوف يتزايد على جميع المستويات، خاصة في ظل حدة الخلافات التي تتزايد يوما بعد يوم بسبب اختلاف المصالح، وسعي كل طرف لإثبات وجوده وتثبيت نفوذه.