أسرع مطالبة بالرحيل.. كيف أغضبت حكومة أخنوش المغاربة بمجرد تشكيلها؟

12

طباعة

مشاركة

موجة غضب شعبية في المغرب، فجرتها مجموعة من القرارات التي سنتها الحكومة الجديدة، قبل مرور أول شهر من تنصيبها، أبرزها إلزامية التطعيم ضد كورونا، وارتفاع الأسعار، والتراجع عن وعود انتخابية.

وشهدت أكبر المدن المغربية احتجاجات في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، رافضة قرار الحكومة بإلزامية "جواز التلقيح"، التي تزامنت مع ارتفاع صاروخي في أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات، حملت مسؤولية كل هذا إلى الحكومة الجديدة ورئيسها عزيز أخنوش.

وكان لافتا خلال هذه الاحتجاجات رفع شعار "أخنوش ارحل"، بعد أقل من شهر واحد على تشكيل الحكومة برئاسته، التي عينها الملك في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

جواز التلقيح

قرار الحكومة بإلزامية جواز التلقيح، أثار رفضا واسعا انطلق من مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل البرلمان، لتخرج بعدها الاحتجاجات في الشوارع.

وكانت الدعوات موجهة للقيام بوقفات فقط، لكنها بسرعة تحولت إلى مسيرات جابت أهم شوارع مدن الرباط، الدار البيضاء، طنجة، مراكش، وجدة، أغادير، وغيرها، بسبب الأعداد الحاشدة من المواطنين، الذين خرجوا رفضا لـ"قرار يحرمهم من حقوقهم الدستورية" كما قالوا.

ففي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، نشرت وكالة الأنباء الرسمية المغربية تقريرا صحفيا اعتمادا على ما أسمته "بلاغ حكومي"، أعلنت عبره إلزامية جواز التلقيح، للتنقل بين المدن، ودخول المؤسسات العمومية والخاصة.

هذا القرار أثار غضبا شعبيا، خاصة عندما شرع عدد من مؤسسات الدولة في إلزام المواطنين به، وتم منعهم من قضاء مصالحهم في الإدارات والمستشفيات والبنوك، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل انتقل إلى المدارس.

ورغم أن وزارة التربية الوطنية لم تصدر أمرا ملزما لتنفيذ البلاغ، فقد عمد بعض مديري أكاديميات الجهوية للتعليم (إدارة تمثل الوزارة) في إجبار الأساتذة على تلقي التلقيح بعد إحصائهم، والأخطر أنها شرعت في منع التلاميذ من دخول المدارس.

هذه القرارات، بلغت ذروتها مع منع النائبتين نبيلة منيب وفاطمة التامني من دخول البرلمان لعدم إدلائهما بجواز التلقيح، الأمر الذي حول جلسة الأسئلة الشفوية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلى منصة لتبادل الاتهامات بين نواب الأغلبية والمعارضة، حول خرق الدستور وتجاوز القانون والاعتداء على البرلمان والمشرعين.

ويعرف المغرب للأسبوع الثالث على التوالي، احتجاجات شعبية تتسع باضطراد ضد إجبارية جواز التلقيح، زاد من حدة الغضب الشعبي تزامنها مع ارتفاع الأسعار.

نار الأسعار

ولا يخفى على عين مراقب، أن الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، كان سببا مهما في دفع الناس إلى الاحتجاج في شوارع المدن الرئيسة بالمغرب.

ومنذ بداية سبتمبر/أيلول 2021، وبالتزامن مع الأسبوع الأخير للحملة الانتخابية، لامس المواطنون ارتفاعات مضطردة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، انطلقت من الدقيق والقمح والزيت والبقليات والشاي.

ونسبة الزيادات التي تجاوزت 25 بالمئة، واقتربت من 50 بالمئة كما هو الحال مادة "السميدة" (تدخل في صناعة أكلة الكسكسي)، حيث ارتفع سعرها بثلاثة دراهم ونصف الدرهم، منتقلا من 7 دراهم إلى 10.5 دراهم للكيلوغرام (من أقل من 1 دولار إلى 1.25 دولار)

وارتفع سعر "العدس" بثلاثة دراهم ونصف الدرهم، دفعة واحدة، منتقلا من 12 درهما إلى 15 درهما ونصف الدرهم (من دولار ونصف إلى حوالي 2 دولار)، وارتفع سعر الكيلوغرام من الشاي بنسبة 7 بالمئة، وقفز سعر اللتر الواحد 5 لتر زيت بالجملة إلى 85 درهما عوض 65 درهما في السابق.

وفي أول تعليق لمسؤول رسمي، خرج وزير الفلاحة، محمد الصديقي، في الندوة الصحفية للحكومة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ليقول إن أسعار المنتجات الغذائية المحلية تشهد استقرارا أو انخفاضا مقارنة بالسنة الماضية، مقابل ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة بسبب صعودها دوليا.

واكتفى الوزير بالقول "لقد تم وضع برنامج محكم من طرف الحكومة للعمل على ضمان التزويد العادي والمستمر للأسواق الوطنية بالمواد الغذائية والفلاحية كافة بأسعار معقولة وفي متناول المستهلك".

هذه الزيادات لم تستثن عالم المحروقات، الذي يعرف زيادات متتالية بدوره، ما جعل الغاضبين يعلقون مسؤولية ارتفاع الأسعار على رئيس الحكومة أخنوش، الذي يعتبر أكبر مستثمر في قطاع المحروقات بالمغرب، ويقترب من احتكار السوق.

وفي أعقاب تصريحات الوزير الصديقي، لم تتراجع الأسعار عن الارتفاع، كما أن الشارع لم يهدأ، حيث شهد 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مسيرات حاشدة في عدد من المدن؛ رفضا لغلاء الأسعار وارتفاعها الصاروخي.

وعود انتخابية 

خلال الحملات الانتخابية، قدمت أحزاب التحالف الحكومي الحالي، وعودا كثيرا للمواطنين، كما استهدفت بتلك الوعود فئات بعينها كرجال التعليم، والمتقاعدين.

تناوب حزبا "التجمع الوطني للأحرار"، و"الاستقلال"، على استدراج فئة رجال التعليم عموما، وتخصيص الأساتذة المتعاقدين (العمل بعقود مؤقتة)، بوعود انتخابية من قبل رفع الحد الأدنى للأجور من 5500 درهم (نحو 600 دولار) إلى 7500 (نحو 850 دولارا).

كما روج الحزبان أنهما سيعملان على إدماج الأساتذة المتعاقدين في الوظيفة العمومية، خلال السنة الأولى لولايتهما داخل الحكومة، وهو ما غاب عن قانون المالية.

رجال التعليم يصلون لأكثر من 300 ألف موظف في الوظيفة العمومية، كما أن الأساتذة المتعاقدين يمثلون أكثر من 100 ألف.

وبعد تشكيل أخنوش حكومته التي شاركه فيها حزبا "الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة"، غاب هذان الوعدان من البرنامج الحكومي، كما أن قانون المالية الذي يناقشه البرلمان خلا من تخصيص أي التزامات مالية تعبر عن وعود الحزبين بخصوص رجال التعليم والأساتذة المتعاقدين.

الوعود التي لم تر النور، أعادت الأساتذة المتعاقدين إلى الشارع، حيث عرفت شوارع العاصمة في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 مسيرات احتجاجية للأساتذة.

كما دعت "التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد" إلى ثلاثة أيام من الإضراب العام أيام 9و10 و11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مع الدعوة إلى مساندة الاحتجاجات ضد إلزامية جواز التلقيح.

ضرائب جديدة

حفل قانون المالية بزيادات غير منتظرة من طرف المغاربة، حيث أقرت الحكومة رفع الضرائب على التجهيزات الإلكترونية، وتوسيع لائحة البضائع والمصوغات المفروض عليها ضريبة الاستهلاك الداخلي.

وضمت لائحة المواد التي فرضت عليها ضرائب جديدة، المنتجات والآلات والأجهزة التي تشتغل بالكهرباء، والآلات الإلكترونية، والبطاريات الخاصة بالمركبات.

ويقضي مشروع قانون مالية سنة 2022، بإضافة ثلاث نقاط، الأولى تعنى بـ"المنتجات والآلات والأجهزة التي تشتغل بالكهرباء"، والثانية "الآلات الإلكترونية"، والثالثة "البطاريات الخاصة بالمركبات". 

وحدد القانون الضريبة بالنسبة للثلاجات ومكيفات الهواء وأجهزة غسل أو تجفيف الألبسة وآلات غسل الأواني، في 100 درهم للوحدة بالنسبة لفئة الطاقة B وC (حوالي 11 دولارا)، و200 درهم للوحدة بالنسبة لفئة الطاقة E وD (22 دولارا)، و500 درهم للوحدة بالنسبة لفئة الطاقة F وG.

ولم يفوت القانون رفع الضريبة إلى 100 درهم للتلفاز الواحدة، و150 درهما للحواسيب المحمولة، و200 درهم للحواسيب المستعملة بالمكاتب مع الشاشة، و150 درهما للحواسيب بدون شاشة، ثم 50 درهما لشاشات الحواسيب، و200 درهم للألواح الإلكترونية.

ضد المجتمع

أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، قال إن "الأسباب التي دفعت المواطنين للخروج إلى الشارع ورفع الشعارات ضد الحكومة، هي أكثر من مجرد جواز التلقيح".

وتابع: "بل إن تراكمات كثيرة، كان يضمرها المواطن، أو بدأت تثقل كاهله هي التي دفعت الكثير من المواطنين للاحتجاج، لا سيما الذين لم يسبق لهم أن شاركوا في أي احتجاج، وغالب الظن أن جل الذين شاركوا في احتجاجات أيام الآحاد السابقة هم من هذه العينة".

ولفت العلام في حديث مع "الاستقلال"، إلى "أننا بصدد أول حكومة منذ ما قبل عبد الرحمان اليوسفي (عام 1997)، تُخرج قراراتها كل هذه التظاهرات قبل نهاية شهرها الأول، ويُكتشف زيف وعود أحزابها منذ أول قانون مالية، بل يرفع في وجه رئيسها شعار (ارحل) بعد شهر من تنصيبه".

وتابع: "هذا الأمر وإن كان غريبا، فإن مبرراته قوية نظرا للأخطاء الكثيرة التي راكمتها خلال مدة قليلة".

ومن أبرز هذه الأخطاء، جمع رئيس الحكومة ووزرائه بين عدة مناصب ومسؤوليات، فرض جواز التلقيح، أسرع تعديل وزاري (بين وزيري الصحة)، تكنوقراط تحولوا إلى متحزبين، ضعف التواصل وانعدامه، قمع المتظاهرين الرافضين لجواز التلقيح، سابقة منع برلمانيين وموظفين وتلاميذ من ولوج مؤسساتهم (بسبب الجواز).

وأشار العلام إلى أن "هذه الحكومة لما أرادت فرض جواز التلقيح، اختبأت خلف وزير تكنوقراطي (وزير الصحة خالد آيت الطالب)، عبر قصاصة إخبارية (خبر قصير) أصدرتها بالليل، ورحل رئيسها إلى السعودية (للمشاركة في فعالية دولية)، تاركا أبناء الشعب المدنيين المحتجين والأمنيين المأمورين بقمعهم، يتصارعون بسبب قرار اتخذته حكومة لا تمتلك شجاعة الدفاع عن قرارات منسوبة إليها".

وسجل أنه "عندما أرادت الحكومة أن تنقلب على أول وعودها، أوكلت المهمة إلى وزير تكنوقراطي مصبوغ حزبيا (الوزير المنتدب لدى وزارة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع)، لكي يخبر أكثر من 100 ألف أستاذ مفروض عليه التعاقد، بأن وعود ما قبل الانتخابات لم تُكتب إلا بقلم رصاص، وقد تم محوها صبيحة الإعلان عن النتائج".

وختم العلام حديثة بالقول: "ربما لا تدرك الحكومة أن ما تقوم به لا يزيدها إلا نقمة وغضبا، حيث ينضاف الناقمون الجدد إلى الغاضبين القدامى، مما يقوي جبهة الرفض، ويجعل الحكومة منزوعة الجذور التي لم تتوفر عليها من الأصل".