أذكى من "جوجل".. ماذا تعرف عن محرك البحث الجديد "بيربليكسيتي"؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

عام 2022 ظهر محرك بحث جديد على الانترنت يسمي Perplexity (بيربليكسيتي) أو "مُحرك الإجابات"، كما يطلق عليه، حيث يعتمد على الذكاء الصناعي في الإجابة عن البحث المطلوب، ولا يحيل المستخدم إلي مراجع فقط، كما يفعل محرك البحث الشهير "جوجل".

المحرك الجديد صعد بسرعة كبيرة خلال عام 2023 حتى وصلت زياراته إلى 53 مليون زيارة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مقارنة بـ2.2 مليون زيارة عند إطلاق الخدمة في ديسمبر/كانون الأول 2022، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" في 4 يناير/كانون الثاني 2024.

اعتماد الشركة على الذكاء الاصطناعي كسلاح رئيسي لتحقيق تفوقها، وحصولها على دعم من شخصيات بارزة مثل الملياردير جيف بيزوس وأصحاب رؤوس أموال، وتحقيقه قفزات كبيرة طرح تساؤلات حول منافسة جوجل أو التفوق عليه.

نسخة متطورة

"بيربليكسيتي" محرك بحث جديد، مثل "جوجل"، ولكنه عبارة عن نسخة متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في البحث، لذلك يشكل ظهوره منافسة شديدة لجوجل الذي يسيطر على الانترنت منذ سنوات، ويتفوق على بقية محركات البحث الأخرى.

ويسعى هذا المحرك الجديد إلى الاستفادة من تطورات الذكاء الاصطناعي، بهدف تقديم إجابات مباشرة بدلا من توجيه المستخدم إلى روابط مواقع الويب.

ويستخدم محرك الشركة الناشئة التي تقع في مدينة سان فرانسيسكو حاليا حوالي 10 ملايين شخص شهريا، يدفعون اشتراكا شهريا متوسطا قدره 20 دولارا، ورغم هذا النجاح فإنها تدير عملياتها بواسطة فريق يتألف من أقل من 40 موظفا.

ويجذب تطبيق بيربليكسيتي العاملين في مجال التكنولوجيا الذين يسعون لاستخدام خدمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو البرنامج الذي يقف وراء تقنيات الدردشة مثل تشات جي بي تي.

وفور ظهور بيربليكسيتي وتميزه بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي كسلاح رئيسي لتحقيق تفوقه، نال دعما من شخصيات بارزة مثل الملياردير جيف بيزوس مؤسس أمازون وأصحاب رؤوس أموال آخرين.

وحصل "محرك الإجابات" القائم على الذكاء الاصطناعي على تمويل بقيمة 74 مليون دولار من مستثمرين مثل جيف بيزوس وشركاء آخرين، خلال جولة تمويلية.

وهو أكبر مبلغ تم جمعه من قبل شركة ناشئة للبحث على الإنترنت في السنوات الأخيرة، وفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وتقدر قيمة شركة بيربليكسيتي بمبلغ 520 مليون دولار، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" مطلع فبراير/شباط 2024.

وقالت "وول ستريت جورنال" إن  بيزوس يراهن على أن ينافس هذا المحرك الجديد الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي، جوجل "لمحاولة تحسين البحث على الإنترنت".

وهو ما يراهن عليه أيضا أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية الذين يريدون كسر هيمنة وسيطرة جوجل، بالاعتماد على أن الذكاء الاصطناعي الذي سيقلب الطريقة التي يجد بها الأشخاص المعلومات عبر الإنترنت.

ويبدو أن استثمار بيزوس في هذا المحرك البحثي الجديد والدعم المالي لها، يرجع لأنه يراهن على الإمكانات والطموح والنهج المبتكر للشركة الناشئة والذي يلقى صدى لدى جمهور كبير.

وقام كل من الرئيس التنفيذي السابق لموقع "يوتيوب" سوزان وجسيكي وجيف دين من موقع "جوجل" باستثمارات شخصية أيضا فيه.

وساعد على هذا أن تطبيق بيربليكسيتي وتطبيقات الهاتف المحمول الخاصة به شهدت ارتفاعا ملحوظا في عدد الزيارات، حيث وصلت إلى 53 مليون في نوفمبر 2023 ما أعطى انطباعا باكتساحه ساحة البحث الجديد بالذكاء الصناعي.

ورغم التقارير المتفائلة عن منافسة بيربليكسيتي لجوجل بصورة كبيرة خاصة أن الشركة الناشئة روجت له بقوة على منصة "إكس" (تويتر) لجذب مستخدمين جدد، ونجاحها في ذلك، يرى خبراء تقنية أن المنافسة مع جوجل تبقى تحديا صعبا.

وأشاروا إلى أن شركة "مايكروسوفت" نفسها وهي شركة عملاقة، واجهت صعوبات طويلة في إثبات وجودها عبر الإنترنت مع وجود محرك جوجل.

من جانبه، قال المتخصص في الخدمات الرقمية، سعيد الكلباني، إن "هناك اختلافات بين جوجل والمحرك الجديد بيربليكسيتي، وأيضا المحركات الأخرى مثل You (يو) وyandex (ياندكس) تختلف باختلاف ما يتم البحث عنه".

وأوضح الكلباني، عبر حسابه على منصة "إكس" في 30 يناير، أنه "لا يمكن الاستغناء عن جوجل في البحث العادي، ولكن لا يمكن أيضا الاعتماد عليه وحده وخاصة في الموضوعات الحساسة، حيث يتفوق عليه محرك (ياندكس) الأكثر انفتاحا على المعلومات الحساسة".

بين Google و yandex

شخصياً استخدم Google +You+ perplexity للبحث عن المعلومات في مختلف الموضوعات. رغم قوة You المظلوم وقوة perplexity المدعومان بالذكاء الاصطناعي ولكن أجد البحث التقليدي في Google أكثر حيوية وعمق في الوصول إلى ما أريد.

وبالصدفة كنت أبحث في موضوع "ما علاقة… pic.twitter.com/vtIrZhvor7

— سعيد الكلباني (@smalkalbani) January 30, 2024

وأضاف أن "بيربليكسيتي ممتاز، ولكن لا يمكن أن يلغي طرق البحث التقليدية، أما المحرك (يو) فلا يستهان به في البحث وتقديم ملخص ممتاز بالذكاء الاصطناعي".

منافسة جوجل

وحين سئل مؤسس بيربليكسيتي، أرافيند سرينيفاس، عن الهدف من وراء هذا المحرك الجديد، تحدث عن طموحات كبيرة أبرزها "جعل محرك جوجل يبدو قديما، مقارنة بمحركنا البحثي".

وأوضح لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن بيربليكسيتي، الذي يُجيب بشكل مباشر على استفسارات المستخدمين على عكس جوجل الذي يقدم روابط لما يسألون عنه "سيجعلنا نتفوق عليه".

وأشار إلى أن ما يقدمه محرك البحث الجديد هو "إجابات في فقرة منسقة، يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي"، بجانب روابط "مصادر" تقود إلى مواقع الويب المتصلة بالموضوع الذي يجري البحث عنه.

ولكن، مع إعطاء الأولوية لـ"الإجابات المباشرة" على قائمة الأسئلة المقدمة له لتحسين تجارب البحث. 

وييرى موقع "أناليتيكس فيديا" التقني في مقال نشره في 17 يناير 2024 أن شركة جوجل تواجه تحديا من المحرك الجديد، رغم أنها اللاعب المهيمن في سوق محركات البحث، حيث تبلغ حصتها السوقية أكثر من 92 بالمئة على مستوى العالم. 

وأوضح أنه رغم أن جوجل نجحت في الطريقة التي نبحث بها عن المعلومات، إلا أن هناك مخاوف بشأن احتكارها السوق والقيود التي تضعها لأن المحرك الجديد يقدم بديلا يتحدى هذه الهيمنة ويمنح المستخدمين المزيد من الخيارات.

وأدركت شركة جوجل نفسها أهمية أن تشمل إجابات البحث، الذكاء الاصطناعي، لهذا قدمت تجربة مشابهة للبحث عبر الذكاء الصناعي، وهذه الميزة موجودة حاليا في تطبيق "Search Labs"، ويعتقد أن جوجل تختبر الوضع قبل دمجها بالكامل في بحث محركها الرئيسي.

ولا يزال جوجل يحتل حصة سوقية تقدر بنسبة 92 بالمئة، ومنافسه "بنغ" التابع لمايكروسوفت يعتبر الأقرب له في هذا السياق، بحسب تقرير نشره موقع "أنبريشن" المختص في المقارنة بين محركات البحث، في 8 يناير 2024.

ومع تزايد التحديات التي تواجه أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، بدأت جوجل في اتخاذ خطوات فعّالة بسرعة لتفادي أي خسارة محتملة.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" مطلع فبراير، أن مؤسسي جوجل، لاري بيج وسيرغي برين، تم استدعاؤهما للمساعدة في إضافة ميزات مشابهة لـ"تشات جي بي تي" إلى محرك البحث الذي أطلقوه قبل أكثر من 25 عاما.

وقالت إن رئيس جوجل، ساندر بيتشاي، يسعى لتسريع خطط الشركة لتضمين الذكاء الاصطناعي في مجال المحادثات في منتجاتها وخدماتها.

أيضا تستثمر مايكروسوفت مليارات الدولارات في "أوبن إيه آي" (OpenAI)، الشركة التي قامت بإطلاق "تشات جي بي تي"، ما يعزز فرصها في تكامل هذه التقنية في خدماتها، بما في ذلك "مايكروسوفت أوفيس"، لمواجهة المحرك المنافس الجديد.

مخاطر التطبيقات

وبحسب صحف أميركية، يقول خبراء تقنية أن محركات البحث التي تستخدم الذكاء الاصطناعي "قد تنطوي على عدة مخاطر ومشكلات".

ومن هذه المخاطر، تقدم محركات البحث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي إجابات غير صحيحة أو مطولة بشكل غير منطقي، وهو أمر يمكن أن يؤثر على جودة الخدمة.

كما أن إحدى مشكلات محركات البحث المعتمدة على الذكاء الاصطناعي هي "أنها تميل إلى الهلوسة، أو اختلاق الإجابات، وفي بعض الأحيان تبتعد عن مصدرها"، حسبما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" مطلع فبراير 2024.

وأوضحت أن "هذه المشكلة طاردت العديد من عمليات البحث الهجينة للذكاء الاصطناعي.

أيضا يتعذر على محركات البحث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة، وهو تحدي قد يواجه المستخدمين ويجعل الاعتماد على الإجابات المقدمة، معضلة.

وقد تعرِض لك محركات البحث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي معلومات خاطئة، أو أخبارا زائفة إذا تم تصنيع النموذج باستخدام "مصادر غير موثوقة".

أيضا يمكن لمحركات البحث عبر الذكاء الاصطناعي جمع كميات ضخمة من البيانات الشخصية، ما يُثير مخاوف بشأن انتهاك الخصوصية واستخدام هذه البيانات بطرق قد تكون غير مرغوب فيها.

كذلك قد تؤدي محركات البحث التي تستخدم الذكاء الاصطناعي إلى فقدان الوظائف في بعض القطاعات، مثل أمناء المكتبات أو مساعدي الأبحاث أو الصحفيين، لأنها يمكن أن تقدم موضوعا مكتوبا جاهزا بناء على أسئلة ومطالب محددة.

والأخطر أنه يمكن أن يفرض استخدام محركات البحث بالذكاء الاصطناعي رقابة على نوع معين من المعلومات، ما قد يؤدي إلى قمع أفكار أو آراء معينة.

لهذا تقول صحيفة "وول ستريت جورنال إنه يتعين على الشركات والمستهلكين معا توخي الحذر وتقييم الفوائد والمخاطر عند استخدام محركات البحث التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأن يتم التركيز على تحقيق التوازن بين الابتكار وحقوق المستخدم والخصوصية.

كما يجب أن يكون هناك توازن بين التطور التكنولوجي والقيم الاجتماعية والأخلاقية، وينبغي أيضا للمجتمعات والشركات أن تتأكد من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تخدم الصالح العام، ولا تتسبب في آثار سلبية كبيرة.

وحين ظهر الذكاء الاصطناعي، حذر خبراء كبار من مخاطر سرعة التقدم في الذكاء الاصطناعي والتي تثير القلق بشأن الأخطار المحتملة للتكنولوجيا على البشرية.

وذلك بعدما أثار تطبيق الدردشة "تشات جي بي تي" القائم على الذكاء الاصطناعي، الذي تصنعه شركة "أوبن إيه آي" لمايكروسوفت، عاصفة من الجدل تبعتها تحذيرات خطيرة من جانب مشاهير ومتخصصين في مجال التكنولوجيا.

ثم بدأ نشطاء يستغلون برامج الذكاء الصناعي في نشر صور وموضوعات مفبركة، بعضها مسيء لمن تم إعدادهم لهم.

وكان أشهر مثال حديث على الانزعاج من استخدام هذه التقنية بصورة سيئة هو نشر صور غير لائقة بالذكاء الاصطناعي للمغنية الأميركية تايلور سويفت، وتدخل البيت الأبيض بانتقاد ذلك ووصفه بأنه "مثيرة للقلق".

White House has called the AI deepfakes of Taylor Swift ‘alarming’ pic.twitter.com/30JCH7UTfy

— Pubity (@pubity) January 27, 2024

ودعا البيت الأبيض، الكونغرس لاتخاذ إجراءات تشريعية لمعالجة الصور المزيفة المسيئة عبر الإنترنت.

وحذر تقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية في 7 مايو/آيار 2023 من أن هذه التقنية لديها القدرة على اختراق العديد من مجالات حياتنا وإحداث أضرار مؤثرة فيها، سواء كان ذلك بالتدمير المحتمل لكثير من الوظائف أم بتطوير أنظمة أسلحة مستقلة يمكن أن تنتهك قوانين الحرب.