تزور الحقيقة وتجند الناشطين.. كيف أظهرت الهند دعمها لإسرائيل رغم مجازرها في غزة؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قادت حسابات هندية يمينية متطرفة تنشط في العادة ضد الإسلام والمسلمين، حملة معلومات مضللة لصالح إسرائيل وشيطنة الشعب الفلسطيني ومقاومته.

ومنذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجنّد الهند ناشطين على منصات التواصل الاجتماعي بأعداد كبيرة لإدانة الفلسطينيين ودعم دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ومع اشتداد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، امتلأت منصة التدوينات القصيرة "إكس" (تويتر سابقا) بكمية غير مسبوقة من الصور ومقاطع الفيديو الكاذبة أو المفبركة، وتبين أن حسابات هندية تقف وراءها.

ادعاءات كاذبة

بعد فحص عدد من المنشورات التي نشرت حول المعركة، وجد موقع التحقق من صحة الأخبار الهندي "بوم" BOOM العديد من مستخدمي "إكس" الهنود يديرون حملة تضليل، تستهدف في الغالب فلسطين بشكل سلبي، أو يدعمون إسرائيل.

وقال الموقع في تقرير له 11 أكتوبر: "جمعنا ثمانية من هذه الحسابات الموثقة بالعلامات الزرقاء، كانت تبالغ في مشاركة المنشورات الكاذبة والمضللة حول النزاع".

وأِشار إلى أن حساب "ajaychauhan41" كان أحد هؤلاء المستخدمين الذين نشروا معلومات مضللة حول الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس".

وقد نشر مقطع فيديو غير مؤرخ يظهر مسلحا يسجل رسالة فيديو داخل غرفة تظهر فيها امرأة مسنة مستلقية على سرير، مع ادعاء مضلل بأنه يظهر مقاتلا من "حماس" يقتل المرأة طريحة الفراش. لكن في الحقيقة، فإن هذا المقاتل أنقذ حياة سيدتين.

ونشر الحساب خبرا آخر زعم أن الفلسطينيين يستخدمون الخداع لاتهام الجنود الإسرائيليين زورا بأنهم يقتلون الأطفال الفلسطينيين.

وشارك كذلك مقطعا يظهر مسؤولين عسكريين إسرائيليين رفيعي المستوى أسرتهم حماس، بينما الحقيقة أن الفيديو يتعلّق بجهاز أمن الدولة الأذربيجاني.

هناك مستخدم هندي آخر نشط في معركة الرواية وهو "@JIX5A"، وقد شارك أيضا عددا كبيرا من المنشورات المتعلقة بالحرب، وتحقق موقع "BOOM" من صحة أربعة منشورات نشرها الحساب منذ بدء الصراع.

على سبيل المثال، شارك المستخدم مقطع فيديو يظهر رجلا يزعم أنه من حركة "حماس"، يقطع رأس صبي صغير أثناء مهاجمة أطفال إسرائيليين، وتبين أن مصدر الفيديو سوريا ويعود إلى عام 2016.

شارك هذا المستخدم أيضا مقطع فيديو يُظهر طائرات شراعية عسكرية مصرية تهبط أثناء جلسة تدريبية على أنها هبوط لمقاتلي حماس في إسرائيل أثناء الهجوم في 7 أكتوبر 2023.

ونشر مستخدم يميني آخر، عنوان حسابه "MrSinha_"، مقطع الفيديو لقطع رأس صبي، وربطه كذبا بهجوم حماس على إسرائيل.

وشارك مستخدمان آخران من ذوي الميول اليمينية، @MeghUpdates و@ippatel صورا قديمة وغير ذات صلة، وربطوها بشكل خاطئ بالصراع المستمر.

كما شارك حساب @MeghUpdates صورة قديمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يودع ابنه لأداء الخدمة العسكرية، وادعى كذبا أنها صورة حديثة تظهره وهو يغادر لمحاربة حماس.

ويقول الخبراء إن الحرب بين إسرائيل وحماس أتاحت وصولا هائلا إلى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي في الهند -الكبيرة والصغيرة على حد سواء- والتي تمكنت من ركوب موجة من الحماس المناهض للمسلمين والمؤيد لإسرائيل.

وتزامنت هذه الفبركات والأكاذيب مع تصريحات رسمية هندية داعمة لإسرائيل، فبعد إطلاق عملية "طوفان الأقصى"، أعرب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في تغريدة عن "تضامن" بلاده مع تل أبيب، مبديا "صدمته العميقة" إزاء الأنباء عن الهجمات ضدها والتي وصفها بـ"الإرهابية".

كما هاتف مودي نتنياهو وأكد على "الوقوف بحزم" إلى جانب إسرائيل، فيما تجاهلت الهند إدانة المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة.

بدوره، شدد سفير إسرائيل لدى الهند، ناؤور جيلون، على أهمية دعم نيودلهي لتل أبيب، مشيرا إلى "أهمية الدولة الآسيوية في السياسة العالمية وكفاحها الطويل ضد الإرهاب"، وفق وصفه.

انخراط كبير

وبهذه التصريحات والنشاطات، أصبحت الهند منخرطة بشكل ما في هذا الصراع بسبب علاقتها القوية مع إسرائيل وتحركاتها لقمع أي مظاهرات داعمة للفلسطينيين. 

وقمعت الشرطة الهندية مظاهرة داعمة لفلسطين في العاصمة نيودلهي واعتقلت عددا من المتظاهرين، لكن الآلاف نجحوا لاحقا بتنظيم مسيرة في ولاية أخرى.

الشرطة الهندية تقمع مظاهرة داعمة لـ #فلسطين في العاصمة #نيودلهي وتعتقل بعض المتظاهرين#الهند pic.twitter.com/bK3TaoMVKX

— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) October 27, 2023

وبتنظيم من حزب الرابط الإسلامي، انطلقت مسيرة ضخمة في ولاية كيرلا جنوبي الهند تنديدا بالعدوان الإسرائيلي وجرائم الحرب في غزة، رغم تضييق حكومة مودي العنصرية.

مسيرة ضخمة في ولاية #كيرلا جنوبي #الهند تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي وجـ ــرائم الحـ ــرب في #غزة#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/LVPPiPEbPF

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 28, 2023

وفي ظل الدعم الهندي الرسمي لتل أبيب، نظم نحو 20 هنديا وقفة أمام السفارة الإسرائيلية في نيودلهي، طالبوا فيها بالحصول على الجنسية الإسرائيلية من أجل السماح لهم بالانضمام إلى الجيش الإسرائيلي حتى يتمكنوا من القتال ضد حماس.

Hindu supremacists in India demanding in front of Israeli embassy in New Delhi to be allowed to join Israeli army so they can fight against Hamas. But, these Hindu supremacists also want citizenship of the Jewish state, Israel! pic.twitter.com/rmiRI3l5rm

— Ashok Swain (@ashoswai) October 22, 2023

وبسبب دعمهم اللامحدود لإسرائيل، اقترح وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات في 22 أكتوبر "بشكل عاجل" المصادقة على خطوة لجلب 160 ألف عامل أجنبي ليحلوا محل العمال الفلسطينيين، معظمهم من الهند.

وألغت إسرائيل كل تصاريح عمال غزة التي كانوا يعملون بها قبل بدء العمليات العسكرية في السابع من أكتوبر واعتقلت من كانوا لديها ونكلت بهم، وفق ما قال وزير العمل الفلسطيني نصري أبو جيش، في 23 أكتوبر.

وأضاف الوزير أن 18 ألفا و200 عامل من غزة كانوا يعملون في إسرائيل، عاد منهم تسعة آلاف إلى القطاع في فترة الأعياد اليهودية، وبقي 9200، لم يتمكنوا من العودة بعد الحرب.

ولذلك، قال نير بركات: "في ظل حالة الطوارئ مطلوب منا زيادة حصة العمالة الأجنبية في إسرائيل بشكل عاجل"، مقترحا تغطية العجز من الهند.

وفي مايو/أيار 2023، وقّعت إسرائيل مع الحكومة الهندية اتفاقية لاستقدام 10 آلاف عامل هندي إليها.

وازدادت مخاوف الهند من اتساع هذه الحرب لتشمل جبهات أخرى، لأن ذلك من شأنه أن يلقي بظلاله على الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي الذي يحظى باهتمام عالمي كبير. 

وأعلن عن الممر الاقتصادي بين الهند والاتحاد الأوروبي (IMEC) في قمة مجموعة العشرين خلال سبتمبر/أيلول 2023.

وهو مشروع طموح من شأنه أن يربط الهند وأوروبا من خلال خطوط السكك الحديد والنقل البحري عبر الشرق الأوسط، فيما يُعد ردا محتملا على مشروع "طريق الحرير" الصيني.

وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" في 23 أكتوبر إن الحرب بين حماس وإسرائيل "ستؤثر على كل من مستقبل الممر وتطبيع العلاقات بين تل أبيب والدول العربية".

ولفتت إلى أن "الممر سيجلب فوائد اقتصادية وجيوسياسية للهند وسيجعلها لاعبا مهما في التجارة العالمية، لكن يبدو أنه سيتعثر لأن إسرائيل التي تواجه صراعات في الشرق الأوسط تمثل جزءا مهما منه".

أسباب الدعم

ومنذ عام 2014، حدث تحول ملحوظ في العلاقات الهندية الإسرائيلية نحو نهج أكثر ودية، وفق ما قالت صحيفة "إيكونوميست تايمز" البريطانية في 26 أكتوبر.

وأضافت: "امتنعت الهند عن التصويت في الأمم المتحدة بشأن إذا ما كان ينبغي لإسرائيل أن تواجه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة عام 2014".

ومنذ أن تولى مودي السلطة في مايو/أيار 2014، بدأت العلاقات بين إسرائيل والهند نشاطا قويا ووقع الطرفان سلسلة من الاتفاقيات في مجالي الدفاع والتكنولوجيا أكدت على "العلاقة التجارية والسياسية المزدهرة".

وفي عام 2017، أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، ووصف حكومة الاحتلال وقتها بأنها "صديق حقيقي لبلاده"، قائلا إنه يشعر خلال زيارته "كما لو كان في بيته".

وتعود جذور العلاقة بين الهند وإسرائيل إلى عام 2006 عندما كان مودي رئيس وزراء ولاية جوجارات وزار المنطقة بحثا عن أفكار جديدة في مجال الري حيث الخبرة الإسرائيلية، وفق ما قالت وكالة "رويترز" البريطانية في تقرير نشرته عام 2014.

وتعد الهند في الوقت الراهن واحدة من أكبر عملاء الأسلحة لإسرائيل، وكذلك أنظمة الدفاع (والمراقبة) المتقدمة والحساسة، وهذا يؤكد أيضا أنها "صداقة" تحظى بمباركة الولايات المتحدة.

وعن أسباب تطور العلاقات بعد أن كانت الهند أحد أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية، يرى الأكاديمي في جامعة دلهي "أبو ورفاناند"، وجود صلة بين "المشاعر المعادية للمسلمين" الحالية وصعود الأيديولوجيات القومية الهندوسية مثل هندوتفا، وخاصة في ظل حكومة مودي.

وقال إن أنصار هندوتفا “يحملون المسلمين المسؤولية عن كل العلل وكل شيء سيئ. لقد بدأوا ينظرون إلى إسرائيل كمثل أعلى، كنموذج يجب اتباعه لأنها تفعل ما تريد الهند أن تفعله بالمسلمين”، وفق ما نقل موقع "الجزيرة" الإنجليزي في 27 أكتوبر.

بدوره، قال الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية بجامعة لايدن الهولندية، نيكولاس بلاريل، إن هناك "تحولا في الأجيال" يجرى في الهند.

فعلى مدى العقد الماضي، لاحظ بلاريل أن البلاد "أصبحت أكثر انبهارا بإسرائيل، بما في ذلك كيفية دفاعها عن نفسها ضد هجمات جيرانها، وهذا الوضع أصبح له صدى كبير في نيودلهي"، وفق زعمه.

وأردف: "بالإضافة إلى التوغلات الحدودية من الصين في الشرق، تعرضت الهند أيضا لهجمات على جناحها الغربي من جانب ما تقول إنها جماعات مسلحة تدعمها باكستان التي تخوض معها صراعا مستمرا للسيطرة على إقليم كشمير المتنازع عليه".

وتابع: "هذه العلاقات الدولية المتوترة، جزئيا، دفعت حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي إلى السعي نحو علاقات أكثر دفئا مع إسرائيل".

وقال بلاريل: “الإرهاب هو الشيء الذي جعل حزب بهاراتيا جاناتا أقرب إلى إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، وبمعنى أدق، كيفية التعامل بشكل أفضل مع مكافحة الإرهاب”، وفق زعمه.

وأوضح أنه نتيجة لذلك، تحول المجال السياسي في الهند من "نظام حصري مؤيد لفلسطين إلى آخر معاكس تماما ومتعاطف اليوم مع الموقف الإسرائيلي".

ووفق ما قال موقع "ذا واير" الهندي في 13 أكتوبر، هناك أسباب أخرى للعلاقة القوية مع إسرائيل وغياب التوازن تجاه الفلسطينيين.

ويرجع ذلك جزئيا إلى أن "حماس تواجه الآن انتقادات من بعض الدول العربية، بما في ذلك السعودية والإمارات، وهما أيضا أكبر شركاء الهند التجاريين في الشرق الأوسط، ولذلك تشاطرهم نيودلي ذات الموقف".

ويلعب كلا البلدين أيضا دورا محوريا في الممر الاقتصادي الطموح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، إلى جانب إسرائيل.

وأضاف الموقع: "هناك أيضا جانب داخلي لاختيار الهند إسقاط القضية الفلسطينية يتعلق بإقليم كشمير" المتنازع عليه بينها وبين باكستان.

وأردف: "على مر السنين، قال المتظاهرون ضد السلطات الهندية في كشمير مرارا وتكرارا إنهم استلهموا الاحتجاجات من الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 ضد إسرائيل".

الكلمات المفتاحية