الدفة تتجه لروسيا والصين.. ما أسباب فشل أميركا في القارة الإفريقية؟
تحاول أميركا الحفاظ على علاقات مستقرة مع دول إفريقية شهدت انقلابات عسكرية
يواجه الوجود الأميركي في إفريقيا الوسطى والغربية تحديات متزايدة، بسبب موجة الانقلابات العسكرية الأخيرة في القارة السمراء.
ودفعت تلك الانقلابات دفة الدول الإفريقية إلى الاتجاه شرقا نحو روسيا والصين، مما أدى إلى تعزيز نفوذهما في القارة على حساب المعسكر الغربي.
وذلك ما تناوله بالتفصيل تقرير صدر عن مركز الدراسات السياسية والدولية الإيرانية حدث عن مآلات السياسة الخارجية الأميركية في القارة الإفريقية خلال الفترة القادمة.
عداء للغرب
يشير المركز في البداية إلى إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن "انسحاب منظم ومسؤول" لأكثر من 1000 جندي أميركي منتشرين في النيجر، بالإضافة إلى تقارير أن وزارة الدفاع "البنتاغون" ستسحب 75 من أفراد قواتها الخاصة من تشاد المجاورة.
ووفقا للمركز الإيراني، تحاول أميركا جاهدة الحفاظ على علاقات مستقرة وقوية مع الدول التي شهدت أخيرا انقلابات عسكرية، خاصة تشاد والنيجر.
يتمثل الهدف من ذلك بـ "الحفاظ على شراكات مكافحة الإرهاب طويلة الأمد وضمان استمرار وجودها العسكري، خاصة قاعدة الطائرات بدون طيار التي كلفت 110 ملايين دولار في مدينة أغاديز النيجيرية، حيث كانت بمثابة مركز مراقبة رئيس لمنطقة الساحل بأكملها".
وتأكيدا على مساعي واشنطن للحفاظ على علاقات متماسكة بتلك الدول، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا، في 24 أبريل/نيسان 2024، أشارت فيه إلى "ترحيب واشنطن برغبة الحكومة العسكرية في النيجر بالحفاظ على علاقات ثنائية قوية بين البلدين".
ويرى المركز الإيراني أنه "لطالما كان الوجود العسكري الأميركي محل تقلبات خلال الستة عقود الأخيرة، لكن تلك العوامل تفاقمت في الآونة الأخيرة وباتت تهدد هذا الوجود أكثر من أي وقت مضى".
و"يسهم ذلك في تفاقم تحديات السياسة الخارجية الأميركية في القارة الإفريقية مع اقتراب نهاية ولاية إدارة الرئيس جو بايدن، مما يثير انتقادات متزايدة داخل الولايات المتحدة".
ويلخص المركز أسباب زيادة العداء للغرب في هذه الفترة، بقوله: "على مدى السنوات الأربع الماضية، شهد العالم اضطرابات سياسية في منطقة الساحل، بما في ذلك اتجاهان تفاعلا لتغذية الانتقادات الحالية لسياسة واشنطن الخارجية".
وأشار إلى أن "الاتجاه الأول عبارة عن موجة من الانقلابات العسكرية وارتفاع حاد في المشاعر المعادية للغرب، خاصة المعادية لفرنسا".
ويأتي ذلك على الرغم من أن المشاعر المعادية لفرنسا في منطقة الساحل ليست ظاهرة جديدة.
أما الاتجاه الآخر بحسب المركز، فهو "ارتفاع الشعور المشروع بالمظلومية بشأن الماضي الاستعماري والنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري الثقيل لفرنسا في الوقت الحاضر".
ولفت إلى أن باريس "اتخذت أشكالا أخرى ووصلت إلى الأجيال الجديدة، على وجه الخصوص، حيث أصبح كثيرون من سكان الساحل يشعرون بخيبة أمل من عواقب عملية سيرفال الفرنسية في مالي عام 2013".
ويستطرد بالقول: "أدت مهمة ضد التطرف إلى حالة من عدم الاستقرار الدائم في مواجهة الإرهاب، بينما شهدت مالي وجيرانها، بوركينا فاسو والنيجر، انخفاضا في مستوى الأمان".
انقلابات الساحل
ويشير إلى أن "الانقلابات في الساحل، التي حدثت في جميع أنحاء المنطقة منذ عام 2020، كانت في الواقع استجابة للاحتجاجات الشعبية ضد عدم الأمان، وأدت إلى إقالة النخب غير العسكرية المؤيدة للفرنسيين في هذه البلدان".
ويوضح المركز الإيراني الإستراتيجية التي يتبعها قادة الانقلاب العسكري لتثبيت أركان حكمهم، حيث نُفذت تلك الخطة في النيجر عام 2023 بعد أن طبقتها حكومتا مالي وبوركينا فاسو من قبل.
وتتمثل تلك الطريقة في "ارتداء قادة الانقلاب رداء الوطنية، ثم يعلنون تشكيل قوة جديدة وعزما قويا في الحرب ضد الجهاديين والجيش الفرنسي وغيرهم من الشركاء".
وكذلك "التخلص من الأمن المدعوم من الغرب، وزيادة التعاون مع روسيا ودول المحور الشرقي مثل الصين وإيران. وهكذا يسيطر الحكام الجدد على زمام الأمور".
على الجانب الآخر، يرى المركز الإيراني أن "الولايات المتحدة اتخذت نهجا غير متناسق، وفشل في النهاية".
ولفت إلى أن واشنطن "رأت أن موجات التغيير هادئة وضعيفة، وظنت أنها يمكنها الفوز في نفس الوقت على حكومة النيجر العسكرية وفرض شروطها".
وبالحديث عن دولة تشاد؛ يرى المركز الإيراني أنها "تتمتع بديناميكيات مختلفة، لكنها تتجه بوضوح نحو نتيجة مماثلة".
وبخصوص انقلاب تشاد عام 2021، يرى المركز أنه "لم يكن للإطاحة بالنظام، بل للحفاظ عليه".
وتابع أنه "عندما قتل إدريس ديبي، الرئيس السابق والصديق الوفي لباريس وواشنطن، في الحرب، نفذ ابنه محمد وكادر من أصحاب النفوذ انقلابا في القصر".
وأكمل المركز أنه "من أجل الحفاظ على مصالحهما، لم تظهر فرنسا والولايات المتحدة الاهتمام بمبادئ الديمقراطية، حتى إنهما تقبلتا أهمية محمد ديبي، وبدا أنهما توافقان على الانتقال شبه الدموي؛ بصفته نتيجة محسومة".
وأضاف: "في الواقع، بدا أن واشنطن ترغب في تعميق علاقاتها مع إنجامينا، كما أنها حاولت تنبيه حكومة البلاد بشكل وقائي من تداعيات وجود مجموعات فاغنر المرتبطة بالكرملين وطموحات روسيا في المنطقة".
ويرى المركز أن "تشاد قد لا ترضخ بالضرورة لرغبات وتطلعات الغرب". ويبدو "أن السلطات هناك تقيم متطلباتها الداخلية، وقد تبتعد عن الولايات المتحدة مثل البلدان الأخرى في المنطقة".
فشل أميركي
وينتقد المركز الإيراني سياسة واشنطن في إفريقيا، ويرى أنها أدت إلى تفاقم أزمة الإرهاب.
واستشهد بدراسة جديدة أجراها معهد أبحاث البنتاغون للدراسات الإستراتيجية في إفريقيا، كشف فيها أن "الوفيات الناجمة عن الإرهاب في القارة زادت بأكثر من 100 ألف بالمئة خلال تنفيذ إستراتيجية الحرب الأميركية على الإرهاب".
ورأى المركز الإيراني أن ذلك يناقض ادعاءات القيادة الأميركية في إفريقيا "أفريكوم" بنجاحها في تحييد التهديدات الإرهابية في القارة وتعزيز الأمن والاستقرار.
ورصد وقوع 9 هجمات إرهابية فقط، في عامي 2002 و2003 في جميع أنحاء إفريقيا أسفرت عن مقتل 23 شخصا، وفقا لإحصائيات وزارة الخارجية الأميركية.
وأوضح أنه "في ذلك الوقت، بدأت واشنطن جهودا استمرت لعقود من الزمن لتوفير مليارات الدولارات من المساعدات الأمنية، وتدريب الآلاف من العسكريين الأفارقة، وإقامة عشرات المواقع الاستيطانية، وإرسال قوات خاصة في مجموعة واسعة من المهام، وإنشاء وكلاء تابعين لها".
أما في عام 2023، فقد رصد المركز ارتفاع عدد القتلى بسبب "العنف المسلح في إفريقيا" بنسب كبيرة.
إذ بلغ عدد القتلى 19412 عام 2022، ووصل إلى 23322 في عام 2023. وعليه، أشار المركز إلى أن المشهد وصل إلى "مستويات غير مسبوقة من العنف المميت".
ويسرد تفاصيل التعاون بين الولايات المتحدة والصومال في مجال مكافحة الإرهاب، ويقول إنه "بالرغم من السنوات الطويلة التي قضتها واشنطن هناك تحارب الجماعات المتشددة، فإنها -كما هو الحال في دول غرب إفريقيا- شهدت زيادة كبيرة في الحوادث الإرهابية عام 2023".
ويعود بداية الوجود العسكري الأميركي في الصومال إلى عام 2002، حين أُرسلت قوات العمليات الخاصة الأميركية ثم أرسلت مساعدات عسكرية ومستشارون ومقاولون من القطاع الخاص إلى مقديشو.
ويضيف المركز: "وبعد مرور أكثر من 20 عاما، لا تزال القوات الأميركية تنفذ عمليات لمكافحة الإرهاب هناك، خاصة ضد حركة الشباب الإسلامية".
ووفقا لتقرير عام 2023، قدمت واشنطن مليارات الدولارات كمساعدات لمكافحة الإرهاب، كما نفذ الأميركيون أكثر من 280 غارة جوية وقوات كوماندوز هناك، وأنشأوا العديد من القوات بالوكالة لتنفيذ عمليات عسكرية.
وأكمل: "شهد الصومال زيادة بنسبة 22 بالمئة في الوفيات عام 2023، ليصل إلى رقم قياسي بلغ 7643 حالة وفاة، ويمثل هذا زيادة في جرائم القتل بمقدار ثلاثة أضعاف منذ عام 2020".
أما عن الدول في منطقة الساحل، فالوضع أكثر سوءا، حيث باتت تعاني بلدان غرب إفريقيا من الجماعات الإرهابية بشكل متزايد.
وبين أن تلك الحركات وتطورت وتفرعت وأعادت إحياء نفسها من جديد، متوقعا أن "تزداد الخسائر في دول الساحل ثلاثة أضعاف تقريبا عن المستويات التي شهدتها عام 2020".