لماذا توقع تقرير روسي أن تكون أميركا الخاسر الأكبر من التعريفات الجمركية؟

حرب ترامب التجارية تُمول من خلال استنزاف الطبقة المتوسطة الأميركية
في تصعيد كبير للصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رسوما جمركية مرتفعة على السلع الصينية، مما دفع بكين إلى الرد بالمثل.
وفي هذا الصدد، رأى موقع "روسيا اليوم" أن هذا التصعيد يعكس تحولا جذريا في العلاقات الاقتصادية بين القوتين، وينذر بتغيرات عميقة في النظام الاقتصادي العالمي.
وفي المقابل، أوضح أن الصين اتجهت إلى تعزيز استقلالها الاقتصادي من خلال بناء سلاسل توريد بديلة وزيادة نفوذها في الأسواق الدولية.
وهو ما يشير إلى بداية مرحلة جديدة من التنافس التجاري بين البلدين، مع آثار محتملة على التجارة العالمية وتوازنات القوى الاقتصادية.

نحو القطع الاقتصادي
ورفع ترامب الرسوم الجمركية على جميع السلع الصينية إلى 104 بالمئة، مما دفع الصين إلى زيادة رسومها إلى 84 بالمئة.
ومن وجهة نظر الموقع الروسي، فقد أغضب هذا الرد الرئيس الأميركي بشدة، ما دفع واشنطن لاحقا إلى رفع رسومها ضد بكين إلى 125 بالمئة.
وهذه الأخيرة تضاف إلى 20 بالمئة سابقة ليصبح المجموع 145 بالمئة.
وبعد هذا الرفع المتتالي، زادت الصين الرسوم الجمركية على السلع الأميركية إلى 125 بالمئة.
وفي هذا السياق، يقول الموقع الروسي: "هذه الخطوة -التي تُعد فعليا أول تحرك حاسم نحو قطع العلاقات الاقتصادية المباشرة- تمثل بداية لتحول في النظام العالمي الذي عهدناه على مدار نصف قرن".
وذلك “إذا أخذنا في الحسبان أن السوق العالمية الموحدة قد بُنيت خلال الخمسين عاما الماضية على تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، ودمج بكين في الاقتصاد الأميركي العالمي”.
ومن جهة أخرى، ينوه الموقع أن بكين حاولت إقناع واشنطن بفرض رسوم جمركية قطاعية (مخصصة لقطاعات معينة) حتى أبريل/ نيسان 2025.
لكنها، وبعد أن واجهت "جنون الرسوم الجمركية" من ترامب، لم تجد خيارا سوى التصعيد غير المسبوق في التوتر مع واشنطن.
و"أصبح هذا النهج بمثابة إستراتيجية اقتصادية أساسية للصين، التي أدركت ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال أُعيد انتخاب ترامب".
ومن هنا، يشير الموقع إلى أن "بكين اختارت مسار إنشاء منظومة توريد عالمية مستقلة عن الولايات المتحدة (التنمية بالاعتماد على الذات)، وهو ما عدته واشنطن شكلا من أشكال العزلة".

لمصلحة الجنوب العالمي
أما عن تأثير ذلك على حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة، يقول: إن "الرسوم الجمركية تضرب بشكل مباشر صادرات الصناعات الصينية الخفيفة، مثل الملابس والأحذية، والتي تشكل نحو ثلث صادرات بكين، ما قد يترك الأميركيين بدون هذه المنتجات".
ولكن، يضيف أن "الجزء الأكبر من صادرات الصين يتمثل في الإلكترونيات، وهي منتجات يصعب على الأميركيين الاستغناء عنها".
وهنا يتساءل: "هل الولايات المتحدة مستعدة، بسبب تقلبات ترامب التجارية لأن تدفع ضعف السعر مقابل الأجهزة والتقنيات الصينية؟".
وفي هذا الإطار، يصف الموقع الوضع بالقول: إن "الولايات المتحدة تطلق النار على قدمها"، مفسرا ذلك في ثلاث نقاط.
أولا، أن “فرض الصين لرسوم جمركية بنسبة 84 بالمئة على السلع الأميركية سيضر بشكل خاص صادرات المواد الخام الأميركية”؛ إذ يمكن للصين بسهولة استبدال النفط والغاز والخشب والقمح والذرة الأميركية ببدائل من دول أخرى.
وثانيا، أن "شركات عملاقة مثل "بوينغ" وغيرها من عمالقة التكنولوجيا ستواجه صعوبات كبيرة في المنافسة مع نظيراتها الصينية، التي ستكسب حصة أكبر في السوق المحلي، حتى وإن كان إنتاجها أقل جودة".
"وقد يبدو الأمر غريبا"، على حد وصف الموقع لكن الرسوم تحولت إلى "عيد" بالنسبة للشركات الوطنية الصينية المتخصصة في التكنولوجيا المتقدمة، التي قد تكون نفسها وراء الضغط السياسي للرد الصيني الحازم.
“إذ تُعد هذه الصناعة الوطنية، المحرك الرئيس للنزعة الاقتصادية والسياسية القومية في الصين، ولا خيار أمام بكين سوى السعي وراء الأسواق الخارجية لتأمين لقمة العيش لمليار يد عاملة”.
أما فيما يخص النقطة الثالثة، يذكر الموقع أن "الصين ستصبح أكثر تأثيرا بين دول الجنوب العالمي". وأوضح أن "السوق الصينية ستستقبل موارد قادمة من البرازيل وإندونيسيا وإفريقيا، وكذلك روسيا بدلا من المواد الخام الأميركية".
علاوة على ذلك، ستزداد عمليات التوريد غير المباشرة إلى الولايات المتحدة عبر هذه الدول نفسها. “وبذلك، سيكون الجنوب العالمي ممتنا للصين بسبب هذه التدفقات الاقتصادية”.

السلاح السري للصين
وفي هذا الصدد، يؤكد موقع "روسيا اليوم" أن "الولايات المتحدة بالطبع هي من ستدفع ثمن هذه الوليمة".
وبشكل أدق يقول: إن "حرب ترامب التجارية تُمول من خلال استنزاف الطبقة المتوسطة الأميركية بينما تؤدي في المقابل إلى إثراء الطبقة المتوسطة الصينية".
فهذه الرسوم المرتفعة على الصين قد تؤثر بشكل واسع على الاقتصاد الأميركي؛ إذ إن العديد من السلع والمنتجات منخفضة السعر التي يشتريها الأميركيون تأتي من الصين، ومن ثم قد تؤدي الرسوم المرتفعة إلى زيادة في الأسعار للمستهلكين.
ومن ناحية أخرى، ينوه الموقع إلى أن الصين تملك أيضا "سلاحا سريا" فعالا يتمثل في خفض قيمة اليوان، وهو خيار لم تلجأ إليه منذ عقود.
ولفت إلى أنه "كلما تراجع حجم الصادرات، ستخفض الصين من سعر صرف عملتها لتعزيز تنافسية منتجاتها عالميا، مما يجعلها أكثر جذبا في الأسواق الدولية".
"ولهذا السبب لا تسود حالة من الذعر في الصين، بل تتسم تحركاتها بالسرعة والحزم"، على حد وصف الموقع.
وفي النهاية، يذهب إلى أنه "لا يمكن القول: إن الاقتصاد الصيني لن يتأثر بالضغوط، إذ ستتضرر قطاعات يعمل فيها عشرات الملايين".
ومع ذلك، في رأيه، "يبدو أن الصين قد استعدت لهذا السيناريو، بما في ذلك على المستوى السياسي؛ حيث يسود توافق غير مسبوق بين النخب حول ضرورة التصدي للولايات المتحدة".