سلاح فتاك.. هكذا استخدمت إسرائيل "الذكاء الاصطناعي" لإبادة مدنيي غزة

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بدأ يتكشف أحد أساليب جيش الاحتلال الإسرائيلي التي يستخدمها في تحديد الأهداف لضرب المدنيين في قطاع غزة الفلسطيني، وهو توظيف "الذكاء الاصطناعي" في العدوان الوحشي على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وأتاحت حرب "الإبادة الجماعية" على أهالي غزة، لإسرائيل فرصة غير مسبوقة لاستخدام مثل هذه التقنيات الذكية في مسرح عمليات أوسع بكثير من ذي قبل، من خلال نشر منصة لإنشاء الأهداف تعمل بالذكاء الاصطناعي تسمى "الإنجيل"، والتي أدت لإيجاد خط إنتاج فتاك "للقتل الجماعي".

وأدى اعتماد إسرائيل المتزايد على الذكاء الاصطناعي في غزة إلى ارتفاع حاد في عدد الشهداء المدنيين، مما دعا للتأكيد بأن استخدام مثل هذه التقنيات لم يفرق بين المقاتلين والمدنيين في اختيار الأهداف لقصفها.

اغتيالات جماعية

وأعلنت وزارة الصحة في غزة، في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2023 ارتفاع حصيلة شهداء الغارات الإسرائيلية على القطاع منذ 7 أكتوبر من العام ذاته، إلى 15 ألفا و523.

وكشف تحقيق أجرته مجلة "+972" ومجلة "Local Call" الصادرة باللغة العبرية عن العدوان الأخير على القطاع، نشر نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات "لعب دورا في إنتاج ما يعد واحدا من أكثر الحملات العسكرية دموية" ضد الفلسطينيين منذ نكبة عام 1948.

وذكر التحقيق أن العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 شهد توسيعا كبيرا لقصفه لأهداف ليست ذات طبيعة عسكرية واضحة، وتشمل المساكن الخاصة وكذلك المباني العامة والبنية التحتية.

وأكد العديد من المصادر، التي تحدثت إلى "+972" و"Local Call" بشرط عدم الكشف عن هويتها، أن "الجيش الإسرائيلي لديه ملفات حول الغالبية العظمى من الأهداف المحتملة في غزة – بما في ذلك المنازل – والتي تنص على عدد المدنيين الذين من المحتمل أن يكونوا قتلوا في هجوم على هدف معين". 

وشددوا على أن "هذا الرقم محسوب ومعروف مسبقا لوحدات استخبارات الجيش، التي تعرف أيضا قبل وقت قصير من تنفيذ الهجوم العدد التقريبي للمدنيين الذين من المؤكد أنهم سيقتلون".

وفي إحدى الحالات التي ناقشتها المصادر، "وافقت القيادة العسكرية الإسرائيلية عن علم على قتل مئات المدنيين الفلسطينيين في محاولة لاغتيال أحد كبار القادة العسكريين في حماس".

وقال أحد المصادر: "ارتفعت الأعداد من عشرات القتلى المدنيين المسموح بهم كأضرار جانبية كجزء من هجوم على مسؤول كبير في العمليات السابقة، إلى مئات القتلى المدنيين كأضرار جانبية".

فيما قال مصدر آخر: "لا شيء يحدث بالصدفة، عندما تُقتل فتاة تبلغ من العمر 3 سنوات في منزل بغزة، فذلك لأن أحد أفراد الجيش قرر أن قتلها ليس بالأمر الكبير - وأن ذلك ثمن يستحق دفعه من أجل ضرب هدف معين".

ويستند التحقيق الذي أجرته المجلتان إلى "محادثات مع سبعة أعضاء حاليين وسابقين في الاستخبارات الإسرائيلية –بما في ذلك أفراد المخابرات العسكرية والقوات الجوية الذين يشاركون في العدوان على غزة، بالإضافة إلى شهادات وبيانات ومعلومات فلسطينية ووثائق من غزة، وتصريحات رسمية للمتحدث باسم الجيش والمؤسسات الإسرائيلية الأخرى".

وبحسب التحقيق، هناك سبب آخر للعدد الكبير من الأهداف، والأضرار الجسيمة التي لحقت بحياة المدنيين في غزة، وهو الاستخدام الواسع النطاق لنظام يسمى "الإنجيل"، والذي يتم إلى حد كبير مبنيا على الذكاء الاصطناعي ويمكنه "توليد" الأهداف تلقائيا تقريبا بمعدل يتجاوز بكثير ما كان ممكنا في السابق. 

وقد وصف ضابط مخابرات إسرائيلي سابق نظام الذكاء الاصطناعي بأنه يسهل بشكل أساسي "مصنع الاغتيالات الجماعية".

ووفقا للمصادر، فإن الاستخدام المتزايد للأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي مثل "الإنجيل" يسمح "للجيش بتنفيذ غارات على المنازل السكنية التي يعيش فيها عضو واحد من حماس على نطاق واسع، حتى أولئك الذين هم من صغار عناصر حماس".

ومع ذلك، فإن شهادات الفلسطينيين في غزة تشير إلى أنه منذ 7 أكتوبر 2023، هاجم جيش الاحتلال أيضا العديد من المساكن الخاصة حيث لم يكن هناك أي عضو معروف أو ظاهري من حماس يقيم فيها. 

وأكدت المصادر أن مثل هذه الضربات "يمكن أن تقتل عائلات بأكملها عمدا في هذه العملية".

فضح الاستخدام

وأسهم نظام "الإنجيل"، المبني بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي، في ارتفاع عدد الأهداف وإلحاق أضرار جسيمة بحياة المدنيين في غزة.

وتقنية "الإنجيل" أحدثت ثورة في عملية اختيار الهدف لقصفها، وقد أدى هذا النظام إلى زيادة كبيرة في وتيرة تحديد الأهداف، مما مكن الجيش الإسرائيلي من التحول من تحديد 50 هدفا سنويا في غزة إلى 100 هدف يوميا.

وذلك بتحليل الذكاء الاصطناعي مجموعات كبيرة من المعلومات من لقطات الطائرات بدون طيار والاتصالات التي تم اعتراضها وبيانات المراقبة.

وفي أوائل نوفمبر 2023، قال الجيش الإسرائيلي إنه تم تحديد "أكثر من 12 ألف" هدف في غزة من قبل قسم في مديرية المخابرات التابعة للجيش يحدد الأهداف التي سيتم قصفها وهو قسم سري جرى تشكيله عام 2019.

وأمام ذلك، فقد كشف استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي في عدم تقليلها من الأضرار التي لحقت بالمدنيين، وأكد أن تحليل البيانات لم يؤثر على قرارات تكرار الضربات على الأماكن السكنية والمستشفيات ودور العبادة.

كما فضح استخدام إسرائيل لتقنية "الإنجيل" في عدم استثمارها في استهداف أهداف أكثر دقة ضد حركة حماس وليس المدنيين.

بحسب ما أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في تقرير له بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فإن القصف الإسرائيلي نال عددا من المساجد التي دمرت كليا بسبب الحرب "بلغ 88 مسجدا، بينما دمر 174 مسجدا بشكل جزئي، إضافة إلى استهداف 3 كنائس".

فيما بلغ عدد الوحدات السكنية التي تعرضت إلى هدم كلي جراء القصف الإسرائيلي قرابة 50 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى 240 ألف وحدة سكنية تعرضت للهدم الجزئي.

من جانبها، دعت حركة المقاومة الإسلامية حماس الصحفيين والوكالات الإعلامية إلى تكثيف حضورها إلى قطاع غزة لمعاينة حجم الدمار الذي حل بالقطاع.

وقالت الحركة في بيان على منصة "تليغرام" في 27 نوفمبر 2023: "ندعو الصحفيين والوكالات الإعلامية العالمية إلى تكثيف حضورها إلى قطاع غزة للاطلاع على حجم الدمار ومعالم الإبادة التي ارتكبها جيش الاحتلال النازي بحق الأطفال والمدنيين العزّل والبنى التحتية كافة".

لكن مع ذلك، فقد تحدث خبراء أخيرا عن قلقهم من أن الجيش الإسرائيلي يستخدم أنظمة توصية غير موثوقة تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف للعمليات القاتلة، وفق ما ذكرت صحيفة "بوليتكو" الأميركية في تقرير لها بتاريخ 25 نوفمبر 2023.

كما اعتمدت  إسرائيل في قصفها على غزة على نظام "هبسورا"، وهو نظام مبني أساسا على الذكاء الاصطناعي يقوم بمسح كمية هائلة من المعلومات يعجز عشرات الآلاف من ضباط المخابرات عن معالجتها. 

تشكيك بالتقنية

وفي السياق، نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير لها نشرته مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023 عن خبراء في الذكاء الاصطناعي والنزاعات المسلحة تشكيكهم في التأكيدات على أن الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي "قللت من الضرر الذي يلحق بالمدنيين من خلال تشجيع الاستهداف الأكثر دقة".

وقال محام (لم تسمه) يقدم المشورة للحكومات بشأن الذكاء الاصطناعي والامتثال للقانون الإنساني للصحيفة، إن هناك "القليل من الأدلة التجريبية" لدعم مثل هذه الادعاءات. 

بدوره، قال ريتشارد مويس، الباحث الذي يرأس منظمة "المادة 36"، وهي مجموعة تقوم بحملات للحد من الأضرار الناجمة عن الأسلحة، للغارديان: "انظر إلى المشهد المادي في غزة".

وأضاف مويس: "إننا نشهد تسوية واسعة النطاق لمنطقة حضرية بالأسلحة المتفجرة الثقيلة، لذا فإن الادعاء بوجود دقة وضيق في استخدام القوة لا تدعمه الحقائق".

ولعل هذه التحقيقات حول استخدام إسرائيل لـ"الذكاء الاصطناعي"، يشكل إدانة جديدة توثق قتل المدنيين بشكل متعمد بدلا من استخدام تلك التقنية العالية في تجنب الأهداف المدنية في غزة.

ورصدت "منظمة العفو الدولية" أدلة جديدة على ارتكاب إسرائيل "جرائم حرب" في غزة، حيث تم قصف مدنيين في مدارس ومستشفيات بشكل مباشر دون سابق إنذار، لكنها أكدت أن مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية "صعبة".

ونقلت "وكالة أنباء العالم العربي" (مقرها لندن) عن العضو في "العفو الدولية"، سامي عبد المنعم، قوله في 20 نوفمبر 2023 إن المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان تلقت "استغاثات من الضحايا بشأن قصف أماكن الإيواء التي كانوا فيها دون إنذار، وهو ما يخالف القوانين الدولية وقواعد الحروب".

وحثت منظمة العفو الدولية، المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية على "اتخاذ إجراءات فورية وملموسة لتسريع التحقيق في جرائم الحرب بقطاع غزة".

وأضافت المنظمة أن القوات الإسرائيلية أظهرت مجددا "لامبالاة تقشعر لها الأبدان إزاء الخسائر الكارثية التي لحقت بالمدنيين بسبب قصفها المستمر بلا هوادة لقطاع غزة".

وفي السنوات الأخيرة، ساعد قسم الأهداف الجيش الإسرائيلي على بناء قاعدة بيانات لما قالت المصادر إنه يتراوح بين 30 ألفا إلى 40 ألفا للأفراد المسموح باغتيالهم، حيث لعبت أنظمة مثل "الإنجيل" دورا حاسما في بناء قوائمه.

اللافت أنه في مايو/أيار 2021، قال مسؤولون إن إسرائيل خاضت "حربها الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي" خلال قصف غزة لمدة 11 يوما باستخدام التعلم الآلي والحوسبة المتقدمة.

وقبل أشهر من عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في عمق مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، كشف الجيش الإسرائيلي عن دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات الفتاكة.