رئيس هيئة علماء فلسطين: الالتحام مع المقاومة بداية التحرر الكلي من الاحتلال (خاص)

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

أكد رئيس هيئة علماء فلسطين، نواف تكروري، أن العلماء "مهما عملوا لا يمكن أن يكافئوا ما قام به الأهالي في غزة من تضحيات وعطاء" في خضم العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر.

وأوضح تكروري في حوار مع "الاستقلال" أن "المخلصين في مصر نصحوهم أن يرسلوا مؤسسات المجتمع المدني الغربي، لأنه لا أحد يعتدي عليهم، بينما إذا جاء العلماء أو الدعاة أو المسلمون أو العرب فسيعتقلون أو يضربون أو يهانون".

وأضاف أن "هذا لا يعفي المسلمين والعلماء من القيام بدورهم مهما كانت المشاكل والمتاعب والمصاعب والعذابات، فليست دماؤنا بأغلى من دماء إخواننا في غزة".

ورأى أن "هذه المعركة (طوفان الأقصى) كانت كاشفة موضحة لحقيقة الجميع، وقد كشف كثير من الحكام موقفهم فكانوا إلى جانب الكيان الإسرائيلي بأموالهم ومواقفهم وقراراتهم".

ودعا تكروري المسلمين الموجودين في الغرب إلى "تحريك وفود من مؤسسات المجتمع المدني إلى مصر للضغط على النظام هناك لفتح معبر رفح، وللتوجه إليه".

ونواف تكروري من مواليد نابلس بفلسطين عام 1965، حاصل على الدكتوراه في الشريعة والفقه وأصوله من جامعة دمشق عام 1999، وهو عضو مجلس الأمناء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

معركة مفصلية

ما الدور الذي قمتم به في هيئة علماء فلسطين منذ عملية "طوفان الأقصى"؟

نشعر أننا مهما عملنا لا يمكن أن نباري أو نكافئ ما قام به أهلنا في قطاع غزة من تضحيات وعطاء تستحق منا أكثر مما قدمنا، وينبغي أن يكون لدينا المزيد ونسعى بجهدنا، وللأسف هو جهد المقل الضعيف، وما رغبنا أن نكون في إطار جهد المقل، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح لنا وأن يعيننا على فعل اللازم والواجب بتمامه.

أصدرنا المواقف الشرعية وهي واجب العلماء وأهل العلم منفردين أو مع مؤسسات العلماء، وأصدرنا البيانات وإن كانت غير كافية فوجودها ضروري ومهم، وأعلنا بكل وضوح أن الجهاد بكل صوره وكلٌ من موقعه وبأشكاله المختلفة صار واجبا على المسلمين كل حسب استطاعته.

وعممنا على أعضاء هيئة علماء فلسطين المشاركة بكل صور البذل الممكنة في مواقع وجودهم، وليس المقصود بالممكنة المسموح بها، وإنما الممكنة مع تحمل التبعات.

وشاركنا في كل حراك مؤيد للمجاهدين وجعلنا سقفنا الشرع، ولم نضع لأنفسنا سقفا مما تريده الأنظمة، ومما يتخوف به المتخوفون ممن يريدون العمل، ومهما يترتب على مواقفنا نحن جاهزون لتحملها، ونشعر أن ذلك دون ما يلاقيه إخواننا لنصرة الأقصى ودون تضحياتهم لتحقيق عزة هذه الأمة وكرامتها.

كما أرسلنا الوفود وشكلناها من علماء الأمة وأرسلناها لكي تجوب بلاد العالم الإسلامي لتحريك دعوة البذل والعطاء، وجدنا تجاوبا جيدا، ولكنه غير كافٍ وغير منسجم بما يحقق الغرض في معركة كهذه.

نحن في معركة ليست كغيرها وكسابقاتها من المعارك، نحن في معركة مفصلية ولذلك لا ينفع معها "المواقف العادية"، وما زلنا نقول إن أعمالنا في إطار الوضع العادي، ولا بد لنا من اجتراح الآليات الجديدة المناسبة لمستوى هذه المعركة.

عقدنا لقاءات مباشرة وإلكترونية للعلماء تحريضا لهم على التحريك وتقدم الصفوف وأحضرنا الدعم المالي فضلا عن الدعوة إليه.

وتجولنا في أنحاء تركيا أيضا نحرض ونحرك، وكل هذا لا نعده والله "استكثارا"، ولكن إجابة على سؤالكم مع إحساسنا وشعورنا بالتقصير وعدم القيام بمواكبة هذه المسيرة الجهادية العظيمة، نسأل الله أن يستخدمنا في نصرة دينه ونصرة هؤلاء المجاهدين الأبطال أطفالا ونساء ومسلحين وشيوخا كبارا على جهادهم.

هل تعد البيانات والفتاوى الشرعية كافية للضغط على الأنظمة والحكومات لوقف العدوان وفتح النظام المصري لمعبر رفح؟

قطعا لا تكفي، فالبيانات ضرورية وهي مواقف وهي بيان، والله تعالى أخذ العهد على العلماء أن يبينوا الأمور للناس، فقال تعالى "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه".

والبيان هو موقف وحكم وتأصيل وإيضاح للناس الذين ينتظرون كلمة العلماء، ولكنها لا تكفي لأنها لا تحرك الأنظمة، لا سيما إذا كانت غارقة في الخيانات والهوان والضعف والاستسلام، ولن يخيف العدو بياننا إن لم نجتهد وإن لم يكن الجيل قد أٌعد إعدادا يجعل من هذه البيانات وهذه الفتاوى وهذه المواقف صورا حية من عمليات ومواجهات.

وكان ينبغي على العلماء والدعاة والمربين أن يكونوا أعدوا جيلا إذا سمع هذه الفتاوى نزل بها إلى أرض الواقع.

فإن قيل إن الجهاد قد تعين بحث عن الآليات التي ينفذ فيها هذا الحكم الشرعي، وإن قيل إن العدو لا ينبغي أن يأمن، بذل قصارى جهده في نزع أمنه وخلخلة وجوده، عندئذ تكون الفتاوى ذات جدوى وذات قيمة.

ولا ينبغي إدانة صدور المواقف والبيانات والفتاوى، وإنما إدانة عدم التجاوب معها، وإن كان العلماء كما أشرت قد يتحملون جزءا من مسؤولية عدم التجاوب معها بضعف إعدادنا للجيل ومتابعتنا له فيما ينبغي أن يكون عليه، لأننا مسؤولون عن التربية وعن التعليم وعن التحريض وعن التحريك مع البيان والفتوى.

بل مسؤولون عن المشاركة والتنفيذ والقدوة، لا سيما عندما يهتز الحال فإن العلماء وأكابر الأمة ينبغي أن يتقدموا الصفوف وأن يروا الناس ألوان التضحية والفداء ليقتدى بهم.

حقيقة كاشفة

في الحروب الصهيونية السابقة على قطاع غزة وفلسطين كنا نسمع صوتا أعلى ودورا أكبر للعلماء الرسميين، لماذا خفت هذا الصوت حاليا؟

مع الأسف كان الوضع العربي الرسمي على سوئه أفضل حالا مما عليه الآن، كان على الأقل في خطابه في مظهره في تعهداته في كلامه أفضل، وإن لم يكن منه كبير فِعال لا في الماضي ولا في الحاضر.

أما هذه المرة فقد كشفت عملية "طوفان الأقصى" حقيقة هذه الأنظمة أو الكثير منها، وبان عوارها وجرائمها وهوانها وخذلانها وخيانتها، وإذا كان العلماء الرسميون جزءا من هذا الحال لذلك لا يستطيعون تجاوزه ومن هنا، تراجعت مواقفهم من جديد وصارت أسوأ مما كانت عليه.

خرجت ولازالت مظاهرات في العديد من العواصم الغربية في مختلف دول العالم بينما لا نراها في الدول العربية..

إن هذه المعركة تحتاج إلى كل الجهود من المسلمين ومن المنصفين من غير المسلمين، ولا شك أن هناك دورا لغير المسلمين مهما من المنصفين، ربما لا يستطيع المسلمون القيام به.

ولا شك أن بلادنا مع الأسف تقديرها لغير المسلم أكبر من تقديريها للمسلم، ولذلك المخلصون في مصر يقولون أرسلوا لنا مؤسسات المجتمع المدني الغربي، لأنه لا أحد يعتدي عليهم، بينما إذا جاء العلماء، أو الدعاة، أو المسلمون، أو العرب فسيعتقلون أو يضربون أو يهانون.

طبعا وينبغي أن يكون عندنا تضحية وتحمل، ولكن إذا كان لهؤلاء دور، فلما لا نستفيد منهم؟ أقصد غير المسلمين المنصفين، وهم يقومون بمهام طيبة في بلادهم من التحرك.

وندعو المسلمين الموجودين في بلاد الغرب إلى تحريك وفود من مؤسسات المجتمع المدني إلى مصر للضغط على النظام هناك لفتح معبر رفح، بل للتوجه إلى المعبر، وهؤلاء لن يهانوا ولن يضربوا ولن يعتقلوا، مع كل أسف هذا هو الواقع.

ولذلك لا امتناع أن يكون غير المسلمين لهم دور ويشقوا الصحيفة، أو يقتلعوا المعبر أو غير ذلك، لكن من كان بإمكانه- ولو بالتضحيات- من المسلمين شيء فلا ينبغي أن ينتظر، لا بد أن يتحرك المسلمون مع غيرهم. 

وهذا لا يعفي المسلمين والعلماء من القيام بدورهم ولو كما ذكرت، كانت هنالك مشاكل ومتاعب ومصاعب وعذابات في الطريق، فليست دماؤنا بأغلى من دماء إخواننا في غزة وليست حياتنا بأعز من حياتهم، فلا بد أن ننصرهم مع كل ما يترتب على ذلك من مصاعب وتضحيات.

لماذا تفاقم وتنامى دور تيار يسفه المقاومة ويتهمها في عقيدتها ولا يتحدث عن العدوان الإسرائيلي، حتى إن موقع "تايمز أوف" العبري احتفى بهذا الخطاب؟ 

السبب بوضوح هو أن هذا التيار تبع لحكام موقعه وزمانه، ولا سيما عندما يكون من الفساق ومن الطغاة، يصوغ أفعالهم، ويدافع عن جرائمهم، ويمضي على الناس طغيانهم، ويؤصل لجرائمهم.

فهؤلاء الحكام ربما كانوا في المعارك الماضية، أقل وضوحا في انحيازهم للكيان الصهيوني، ولذلك كان حديثهم أيضا أقل وضوحا في هجومهم على المقاومة وعلى المجاهدين وعلى القضية بشكل عام.

أما في هذه المعركة الكاشفة الموضحة لحقيقة الجميع، وقد كشف كثير من الحكام موقفهم فكانوا إلى جانب هذا الكيان بأموالهم ومواقفهم وقراراتهم وتطبيقاتهم..

لذلك فإن هذا التيار جاء دوره لكي يمارسُ التضليل وليست التأصيل على الناس، ويصوغ هذه الجرائم بدعوى الخذلان والخيانة، ولا أقول خذلان لأنه ربما يأتي من بعض الصادقين، أما الخيانة التي جاءت من حكامهم فجاؤوا يصورونها بدعوى أن هذا قتل الناس، وكأن شريعتنا لا تعرف الدفاع عن المقدسات وعن الحقوق وعن الدين وعن كرامة الأمة.

فهذا في اعتقادي فطبيعي في عقول هؤلاء وفي مهامهم التي وظفوا لها واختياراتهم التي تم اختيارهم على أساسها. 

وأما أن يرحب الكيان الصهيوني بهم فهذا شيء طبيعي، وهل يريد هذا الكيان أفضل من أن تنبري شخصيات بمظهر العلم والشرع وتدافع عن جرائمه، وتصوغ وجود الخونة الذين يقفون معه وتهاجم المجاهدين الذين يدافعون عن كرامة الأمة.

والكيان الصهيوني حاول أن يخرج من بين جيشه وقياداته، من يتكلم بهذه اللهجة، وبالتأكيد أن هذه ستكون قليلة القبول، فكيف إذا وجد من هو بلساننا وثوبنا، بل متحلٍّ بمظهر العلم، لا شك انه سيحتفي بذلك وهذا شيء طبيعي.

مستقبل الأمة في خطر

هل تتوقع أن الخطاب المدخلي سيؤثر في المواطن العربي الذي كان ينتظر من العلماء أن يقودوا الشارع لوقف العدوان وفتح المعبر؟

أرى أنه لا أثر يذكر لهذا الخطاب المهزوم الخائر والخائن أبدا، بالعكس أثره سيكون إيجابيا، فبعض الذين كانوا يرون بهذا الخطاب في أوقات مشتبهة ويرون له بعض المصوغ وبعض الوجاهة في مثل هذه المسألة الواضحة قد أصبح الأمر عندهم مكشوفا وجليا لا يقبل الريب في أن هؤلاء يصفون بصف الأعداء ولا علاقة لهم بالعلم ولا بالعلماء. 

والحقيقة يزيد ذلك وضوحا احتفاء الكيان الصهيوني بكلامهم، فإن البسطاء من هذه الأمة يجابهون ما يحتفي به الكيان، ولذلك أعتقد أن هذه المواقف المكشوفة في معركة تكاد تجمع عليها الأمة، ثم احتفاء الكيان بتصريحات هذه الفئة، كل هذا بإذن الله تعالى كفيل بأن يصون المسلمين والعامة من أن يتأثروا بمثل هذه الدعوات المهزومة والخائنة.

ولكن الحقيقة هذا الأمر يقتضي دورا أوسع وأوضح من العلماء، صحيح أنهم أصلوا وتحدثوا، ولكن يقتضي دورا عمليا من العلماء الربانيين العاملين لا سيما في دول الطوق، يحركون فيه الناس نحو الجهاد، ونحو مهمتهم ويهزون عروش الطغاة والخونة الذين يقدمون للعدو العون ويمارسون معه الإجرام من وراء الستار، بل أصبح مفضوحا بلا ستار.

تحرك العلماء الصادقين كفيل بأن يمنع أي أثر لهؤلاء العملاء الذين يرددون ما يريده أسيادهم من أذناب الكيان.

في العدوان الأخير ظهرت فئة جديدة في العرب يدافعون عن الصهاينة ويؤيدون ما يقومون به من إبادة جماعية في غزة وفلسطين، ما حكم الشرع في هؤلاء؟

الله سبحانه وتعالى يقول "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ومن يتولهم منكم فإنه منهم" ولذلك هؤلاء الذين يأتون في مسألة غاية في الوضوح، واضح الحق فيها والباطل وضوحا لا زيف فيه، هؤلاء الذين يرون الدماء تسفك بغزة خاصة وفلسطين عامة على أيدي الصهاينة، ثم يبدون تأييدا لهذه الجرائم، هؤلاء لم يبقوا في حيز هذه الأمة.

هؤلاء تولوا الكافرين والصهاينة وهم جزء منهم، وأنا أقول ينبغي أن يعاملوا لا سيما إذا تحولوا إلى الحالة العملية كما هو الحال في بعض الدول العربية من الدعم والمساندة، فإن هؤلاء يتحولون إلى جزء من العدو.

وعلى شعوبهم أن تعاملهم كذلك وعلى المثقفين والواعين والعلماء أن يفضحوا هذه الشخصيات، وبيان انتمائها الحقيقي وولائها الحقيقي، وهي لا تمت لهذه الأمة بصلة.

 ومن كان منهم ذا شأن وذا موقع وذا مسؤولية وظاهر الأعداء بكلامه أو بماله أو بقراره أو بتسيير الدعم لهذا الكيان فهو معتدٍّ يواجه مواجهة المعتدين.

ليس مطلوب من أهل غزة هم أن يأتوا لمواجهته، على شعوب هؤلاء أن تواجههم. 

والله تعالى يقول "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم" فهذا العون سواء كان لفظيا أو ماديا أو بأي صورة من الصور، هو عون يقتضي المواجهة ويوجب جعل صاحبه في حيز المعتدين والمظاهرين على العدوان، وهذا واجب الشعوب لا سيما المحيطة بفلسطين.

إن الذين يغلقون المعابر عن فلسطين والذين يمدون العدو بالدعم وتمر من أرضهم ومن سمائهم ومن فوق رؤوسهم المعونات للكيان الصهيوني، هؤلاء ينبغي أن يعاملوا معاملة المحتل، وعلى شعوبهم أن تعاملهم معاملة المحتلين وأن تواجههم وأن تهز عروشهم وأن تفضحهم، وعلى الأمم جميعا أن تقف في مواجهتهم.

كيف ترى مستقبل غزة وفلسطين والأمة كلها بعد "طوفان الأقصى"؟

إن مستقبل الأمة بعد "طوفان الأقصى" يحدده موقعنا وموقفنا من العملية، فإن اكتفينا بالتعاطف الخجل والتفاعل الضعيف، ولا قدر الله موكلا لهذا العدو، فإن بلاد المسلمين كلها في خطر، بل والله إن العالم إذا تمكن هذا العدو الصهيوني المجرم، كله في خطر.

وأما إذا أخذ كل دوره وأدى كل مهمته وتحرك الحراك اللازم، وقمنا بالجهاد الواجب، وأحيينا الجهاد في كل بقعة تضيق على هذا العدو، ولم نترك هذا العدو يستفرد بغزة وحدها، فإننا على أبواب نصر ومفتاح للخير وبداية التحرير الكلي لأرضنا المقدسة، بل للخروج من الوهن والضعف والخور الذي أصاب هذه الأمة.

"طوفان الأقصى" جاء ليبث فينا حياة إن كانت تنفعنا العمليات الإسعافية، فإما تجدد قلوبنا النبض وإما لا قدر الله يعلن عن الوفاة الرسمية لهذه القضية ولكرامة هذه الأمة، وبالتالي المسألة في هذه المعركة ليست مسألة أمل وانتظار أي تحرك، وإنما هي حياة أو موت هي عزة وكرامة، أو ذلة ومهانة، لا بد للكل أن يأخذ موقعه.