مواطَنة على المقاس.. هكذا يطعن مودي "العلمانية" الهندية لبقائه في الحكم

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد سلسلة قوانين وقرارات تضطهد المسلمين، أعلنت الهند بدء فرض القواعد الخاصة بتنفيذ قانون للمواطنة صدر عام 2019 واحتج عليه المسلمون لأنه يمهد لنزع الجنسية عنهم.

وجاء ذلك قبل أسابيع من الانتخابات التي يسعى رئيس الوزراء ناريندرا مودي للفوز بها للمرة الثالثة واستمرار حكومته القومية الهندوسية المتطرفة.

وحددت لجنة الانتخابات الهندية 19 أبريل/ نيسان 2024 موعداً للانتخابات العامة و4 يونيو/ حزيران التالي لإعلان النتائج. 

"قانون المواطنة" المعدل يمنح الجنسية الهندية للهندوس والبارسيين والسيخ والبوذيين والجاينيين والمسيحيين الذين يعيشون في أفغانستان وبنغلاديش وباكستان وانتقلوا إلى الهند، لكنه يستثني المسلمين منها.

منظمات وجماعات إسلامية أكدت أن هذا القانون، إلى جانب نظام مقترح لتسجيل المواطنة، يمكن أن يشكل تمييزا ضد مسلمي الهند البالغ عددهم 200 مليون نسمة.

أبدوا خشيتهم من أن تسحب الحكومة بموجب هذا القانون الجنسية من المسلمين الذين ليس لديهم وثائق في بعض الولايات الحدودية، ضمن خطتها لتحويل البلاد لأمة هندوسية خالصة، وتغيير الطبيعة الديمغرافية في البلاد.

قانون المواطنة 

وفي 9 ديسمبر/كانون أول 2029، اتخذت الهند خطوة كبيرة نحو التهميش الرسمي للمسلمين، حين أقر البرلمان تعديلا في قانون المواطنة (الجنسية) يسمح بتجنيس غير المسلمين من المقيمين أو المهاجرين ويستثني المسلمين.

لم يكتف التعديل بذلك، بل اشترط إجراء "اختبار ديني" هندوسي للمهاجرين الذين يريدون أن يصبحوا مواطنين بهدف تعزيز الأجندة القومية الهندوسية التي يسعى وراءها رئيس الوزراء المتطرف ناريندرا مودي.

بموجب هذا الإجراء أصبح من الممكن منح المهاجرين من جميع الديانات في جنوب آسيا (بوذيون ووثنيون ومسيحيون وغيرهم) الجنسية الهندية.

مسلمون ومحللون هنود رأوا أن هذه الخطوة الأكثر أهمية ضمن خطط الهندوس المتطرفين لتغيير طبيعة الهند العلمانية التاريخية، والتي كرسها قادتها المؤسسون عندما حصلت البلاد على استقلالها في عام 1947.

​​​​​​​
 

فور ظهور نتيجة التصويت، 311 صوتًا مقابل 80 في مجلس النواب، ونقل القانون إلى مجلس الشيوخ ليعتمده كي يبدأ تطبيقه، احتج المسلمون في مظاهرات لتتصدى لهم الشرطة الهندية بعنف وتقتل 100 منهم وتجرح العشرات.

وانتشرت الاحتجاجات عام 2019 في جميع أنحاء الهند بسبب هذا القانون، الذي عده المسلمون الهنود خطوة أولى يتخذها الحزب الحاكم لجعل المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية، ويجعل العديد منهم عديمي جنسية.

ما زاد من اشتعال آنذاك أن التشريع كان يسير جنباً إلى جنب مع برنامج مثير للجدل بدأ في ولاية آسام الشمالية الشرقية حيث كان على جميع سكان الولاية البالغ عددهم 33 مليون نسمة أن يثبتوا، بأدلة موثقة، أنهم أو أسلافهم مواطنون هنود.

وبموجب هذا البرنامج المشبوه، جرى استبعاد ما يقرب من مليوني شخص غالبيتهم من المسلمين، ممن يقيمون في الهند مدى الحياة، من قوائم جنسية الولاية ونزع جنسيتهم ومن ثم تعرضهم للطرد خارج بلادهم.

ويمنع القانون الحالي، الساري منذ 64 عاما حصول أي مهاجر غير شرعي على الجنسية الهندية.

لكن التعديل الجديد، يسمح بهذا الأمر بشرط أن يثبت المهاجرون (من غير المسلمين) أنهم وصلوا الهند قادمين من باكستان أو أفغانستان أو بنغلاديش قبل نهاية عام 2014.

الطرد الكبير

لأن هذا القانون هو أحد وعود "مودي" لمؤيديه الهندوس عقب انتخابات 2019، وتأجل، فقد سعى لتمريره بالقوة مع اقتراب الانتخابات الهندية (أبريل 2024) لحصد أصوات المتطرفين في بلاده لفترة حكم ثالثة.

بعدما جمدت الحكومة الهندية التصديق على القانون مؤقتا عقب احتجاجات المسلمين عام 2019 ووقوع قتلى وجرحى، بدأت في 12 مارس/آذار 2024 الإجراءات الرسمية لتعديله.

وتعهدت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي بدخول القانون حيز التنفيذ قبل الانتخابات المتوقعة في منتصف أبريل 2024، والتي من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز فيها مودي بولاية ثالثة كرئيس وزراء، ما يعني طرد أعداد كبيرة من المسلمين من الهند بحجة أنهم غير هنود.

وقال وزير الداخلية الهندي أميت شاه 11 مارس 2024 على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه سيتم منح الجنسية للأقليات الهندوسية، والسيخية، والبوذية، والجانية والبارسية والمسيحية، الذين يعيشون في الدول الإسلامية المجاورة.

وخشية وقوع اضطرابات، تعهد العديد من رؤساء الوزراء في الولايات التي تحكمها أحزاب المعارضة، مثل ولاية البنغال الغربية وتاميل نادو، بعدم تطبيق قانون تعديل المواطنة. 

ومع ذلك، وبموجب القواعد الجديدة، لن يكون لحكومات الولايات دور كبير في عملية تقديم الطلبات، والتي ستكون إلى حد كبير تحت سيطرة الحكومة المركزية، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية 12 مارس 2024.

وحاولت الحكومة الهندوسية المتطرفة الظهور كأنها تقف ضد "الاضطهاد" الذي تتعرض له الأقليات غير المسلمة في آسيا، وأعلنت قبولها تجنيس "غير المسلمين" القادمين من دول إسلامية مثل باكستان وبنغلاديش، وأفغانستان.

وبذلك سيوفر القانون مسارًا سريعًا للتجنس بالنسبة للهندوس والبارسيين والسيخ والبوذيين والجاينيين والمسيحيين الذين فروا إلى الهند من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان قبل 31 ديسمبر 2014، لكنه يستثني المسلمين، الذين يعدون أغلبية في الدول الثلاث.

وزعمت حكومة الهند أنها فعلت ذلك لأن هؤلاء مضطهدون دينيا هربوا من بلادهم للهند، ولكنها سعت، بالمقابل، لحجب الجنسية عن مواطنيها المسلمين المقيمين في أرض بلادهم منذ مولدهم.

وقال منتقدو التعديل من الأحزاب الهندية، إن القانون "انتقائي"، ويتخطى مبدأ العلمانية في الدستور، الذي يمنع التمييز بين الناس بسبب دينهم، واتهموا الحكومة بمحاولة استغلال مشاعر الناخبين قبل الانتخابات العامة المنتظرة.

وتنص المادة 25 من الدستور الهندي على أن "لجميع الأشخاص الحق على قدم المساواة في اعتناق وممارسة ونشر الدين بحرية". 

كيف يضر المسلمين؟

التشريع الجديد من شأنه أن يزيد استقطاب هندوس وبوذيين ومسيحيين وغيرهم للهند من دول مجاورة، وبالمقابل يُسهل حبس وترحيل السكان المسلمين، حتى أولئك الذين ظلت أسرهم في الهند لأجيال، إذا لم يتمكنوا من تقديم إثبات المواطنة.

وقد أفصح وزير الداخلية الهندوسي أميت شاه عن أن المسلمين كانوا الهدف من القانون، إلى جانب "حماية الهندوس وغيرهم".

ووصف المهاجرين غير الشرعيين المسلمين من بنغلاديش بـ "النمل الأبيض"، ووعد بفرض "اختبار الجنسية" الذي نفذته ولاية آسام ضدهم "على الدولة الهندية بأكملها".

وهناك مخاوف من أن تستخدم حكومة مودي قانون تعديل المواطنة، إلى جانب "الاختبار الديني"، لإعلان المسلمين الهنود، الذين يتركز الكثير منهم في الولايات الشرقية مثل ولاية البنغال الغربية وآسام، مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش المجاورة.

وذلك إذا لم يتمكنوا من إثبات جنسيتهم، بحسب شبكة "CBS NEWS" الأميركية 12 مارس/آذار 2024.


 

وقد شهدت ولايتي آسام وكيرالا وبعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة في العاصمة نيودلهي احتجاجات في 11 و12 مارس 2024 بعد أن أعلنت الحكومة الفيدرالية تنفيذ هذا القانون، ونشر الشرطة والقوات شبه العسكرية هناك.

وكان "أسد الدين عويسي"، النائب المسلم، الذي مزق نسخة من مشروع القانون أثناء إلقاء كلمة في البرلمان قال: "نحن نتجه نحو دولة فاشية شمولية وحكومة تسعى لجعل الهند دولة ثيوقراطية"، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" 16 ديسمبر 2019.

ويقول منتقدو مشروع القانون إن مشروع قانون الجنسية جزء من حملة لترحيل المسلمين الذين يعيشون في الهند منذ سنوات. 

وقالت منظمة العفو الدولية لمراقبة حقوق الإنسان في بيان 11 مارس 2024 إن القانون "يضفي الشرعية على التمييز على أساس الدين".

ويخلط مودي بشكل متزايد بين الدين والسياسة في صيغة لاقت صدى عميقا لدى الأغلبية الهندوسية في الهند، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية 12 مارس 2024.

كما يلتزم الصمت بشأن العنف وخطاب الكراهية من أنصاره ضد المسلمين، وإعدام عشرات المسلمين على يد حشود هندوسية بسبب مزاعم عن أكل لحوم البقر أو تهريب الأبقار، التي تعد مقدسة لدى الهندوس.

تحدي وجود

وتتواطأ حكومته في خطط هندوسية لمقاطعة الشركات الإسلامية وتجريف مناطق المسلمين وإحراق المساجد والدعوات المفتوحة للإبادة الجماعية.

كما يعتنق مودي أيديولوجية ترى الهند كأمة هندوسية خالصة بدون مسلمين، وفق الوكالة الأميركية.

وضمن هذه السياسة التي تعادي المسلمين، جرد "مودي" كشمير من الحكم الذاتي بعدما كانت الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند.

وتحدى المسلمين ببنائه معبدا جديدا على أنقاض مسجد مهدم في مدينة أيوديا المضطربة، كما يسعى مع حزبه لهدم مساجد تاريخية أخرى بحجة أن أصلها معابد.

وفي 11 ديسمبر/كانون أول 2023، أحكم الهندوس في حكومة الهند المتطرفة قبضتهم على جامو وكشمير.

المحكمة العليا في الهند، صادقت على قرار حكومي يلغي الحكم شبه الذاتي لولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، ما يعني موافقتها بصورة نهائية على ضم الهند للجزء الذي تحتله من الولاية.

وقد حاول أنصار "مودي" تبرير استبعاد تجنيس المسلمين القادمين من دول مجاورة من مشروع القانون، بالقول إنهم لا يتعرضون للاضطهاد في باكستان أو بنغلادش أو أفغانستان.

لكنهم يزعمون أنه عندما مُنحت باكستان والهند الاستقلال في عام 1947، جعل البريطانيون الأولى ملاذًا للمسلمين، بينما ظلت الثانية ذات أغلبية هندوسية.

لهذا يطالبون المسلمين بمغادرة الهند والبحث عن ملجأ في الدول المجاورة ذات الأغلبية المسلمة.

وضمن عمليات اضطهاد والسعي لتهجير المسلمين، لجأ الحزب الهندوسي الحاكم في يونيو 2023 لفرض قانون "موحد" للأحوال الشخصية يفرض قيم وقوانين لزواج المسلمين تخالف الشريعة، بهدف تحويل الأسر المسلمة لاتباع التعاليم الهندوسية جبرا.

وكانت قضية القانون المدني الموحد كذلك أحد بنود البرنامج الانتخابي لـ "مودي" في انتخابات عام 2019، وفي برنامج حزبه للانتخابات التي عقدت أخيرا بولاية كارناتاكا الجنوبية، ويعيدون التأكيد عليها في انتخابات 2024.

وقد أصدرت عدة جمعيات واتحاد إسلامية هندية بيانات تؤكد أن الحكومة الهندوسية "تتآمر لتقسيم شعوب الهند مرة أخرى باسم القانون المدني الموحد".

وأكدت المنظمات والاتحادات الإسلامية أن فرض القانون الموحد" هو محاولة خبيثة من قبل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا لتحريض الهندوس ضد المسلمين وترويج سياسات انقسامية وخلافات.

ووصف الكاتب حارس زرغار، من المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية بجامعة إراسموس روتردام، في مقال بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني 12 يوليو/تموز 2023، القانون الموحد بأنه "سلاح مزعوم لاستهداف المسلمين الهنود الذين يعانون بالفعل تحت وطأة السياسات الهندوسية المتشددة للحزب الحاكم".