مبادرة فرنسا لإنهاء تصعيد حزب الله وإسرائيل.. لماذا تفشل حتى الآن؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

يأمل لبنان في انتزاع اتفاق دولي يمنح حدوده الجنوبية مع إسرائيل استقرارا دائما؛ وذلك لمنع تكرار اندلاع مناوشات بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي مستقبلا.

فقد شكل دخول حزب الله اللبناني المدعوم من إيران في تصعيد مع إسرائيل منذ اليوم الثاني للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تهديدا أمنيا جديدا للبنان.

وذلك لكونه لا يتعدى تبادل إطلاق النار من الجانبين تسبب بوقوع ما لا يقل عن 322 قتيلا لبنانيا منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

مبادرة فرنسية

وبرغم أن حزب الله ربط تلك المناوشات "بالتضامن مع قطاع غزة"، إلا أن بيروت عملت منذ بداية التصعيد مع المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين للتوصل إلى حل دبلوماسي للقتال عند الحدود ومنع جر البلاد لحرب جديدة.

وقد اجتهد الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية للمساهمة في خفض حدة التوتر في لبنان، لا سيما الأميركية والفرنسية.

إذ قدمت باريس اقتراحا مكتوبا إلى بيروت سمي بـ "المبادرة الفرنسية"، في 13 فبراير/شباط 2024 يهدف إلى إنهاء الأعمال القتالية مع إسرائيل والتوصل لتسوية بشأن الحدود المتنازع عليها مع لبنان.

وبعد أكثر من شهر، سلم وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب خلال اجتماعه في مقر الوزارة ببيروت مع السفير الفرنسي في لبنان هيرفي ماغرو، الرد اللبناني الرسمي على المبادرة الفرنسية المتعلقة بوضع تصور للاستقرار في جنوب البلاد.

وذكر بيان الخارجية اللبنانية أن "المبادرة الفرنسية خطوة مهمة للوصول إلى السلام والأمن في جنوب لبنان".

كما جددت الوزارة تأكيد الموقف اللبناني الذي لا يرغب بالحرب، ويطالب بالتطبيق الكامل والشامل لقرار مجلس الأمن الدولي 1701.

ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام اللبناني، عن بوحبيب قوله إن "مبادرة فرنسا فيها الكثير من النقاط الجيدة والمقبولة وهناك نقاط تحتاج إلى المزيد من البحث فيها".

وأضاف: "مهم لنا أن نتوصل إلى نوع من الاتفاق الذي يعطي الحدود الجنوبية الاستقرار الكامل والدائم".

وتحدد الخطة الفرنسية ثلاث مراحل تتوقف فيها العمليات العسكرية، ويسحب حزب الله  قواته المقاتلة من مسافة تراوح بين عشرة إلى 12 كيلومترا من الحدود، وتنتشر قوات الجيش النظامي اللبناني في الجنوب.

كما تقترح إنشاء لجنة رباعية تضم فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان لمراقبة وقف الأعمال العدائية.

وكي يتحقق النجاح، يتعين حصول أي اتفاق على موافقة حزب الله المدعوم من إيران والمتمتع بنفوذ كبير في الدولة اللبنانية.

ويقول حزب الله إنه لن يوقف الاشتباكات مع إسرائيل قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة.

اللافت أن الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية، لم يتناول الخطوات المحددة الواردة في المقترح الفرنسي، لكنه قال إن قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أنهى الحرب السابقة بين حزب الله وإسرائيل في 2006 يمثل "حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار الدائم".

ويدعو قرار مجلس الأمن الأطراف المسلحة غير الحكومية إلى الانسحاب من جنوب لبنان ونشر قوات الجيش اللبناني هناك.

وقالت رسالة بيروت إلى باريس، إن "لبنان لا يسعى للحرب"، لكنه يريد وقف ما وصفته الرسالة بالانتهاكات الإسرائيلية لسيادة أراضينا برا وجوا وبحرا.

وأضافت الرسالة أنه "بمجرد توقف الانتهاكات"، سيلتزم لبنان باستئناف الاجتماعات الثلاثية مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وإسرائيل لمناقشة كل نقاط الخلاف والتوصل إلى اتفاق للتنفيذ الكامل والشامل لقرار مجلس الأمن 1701.

رفع عتب

وضمن هذه النقطة، رأت وسائل إعلام لبنانية أن الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية مجرد "رفع عتب وغير جاد وفضفاض"، ولا يضع حدا للتوتر القائم في جنوب البلاد.

وقال موقع "نداء الوطن" في هذا الإطار: "تبين أن الحكومة اللبنانية تجاهلت كليا جوهر المبادرة، والمتصل بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 ولا سيما ما يتعلق بإخلاء منطقة جنوب نهر الليطاني من الوجود المسلح لحزب الله".

وفي 11 أغسطس/ آب 2006، تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1701 الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، وإيجاد منطقة بين "الخط الأزرق" ونهر الليطاني جنوب لبنان، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة "يونيفيل".

ووفق معلومات "نداء الوطن" فإن رد بيروت كان في صفحة واحدة، حيث تجنبت الحكومة الإجابة على كل ما له علاقة بالبنود المتعلقة بانسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني.

كما تجنبت الرد على ما له صلة بأمور تقنية ذات صلة بانتشار الجيش بمؤازرة قوات "اليونيفيل".

وأتت نتيجة ذلك "الأجوبة على ما تطلبه المبادرة الفرنسية في إطار العموميات على غرار اللغة الجوفاء التي ترددها الحكومة حول التنفيذ الكامل للقرار 1701 ووقف الاعتداءات الإسرائيلية"، وفق الموقع.

أما في ما يتعلق باللجنة الأمنية الثلاثية، وهي نقطة أساسية في المبادرة الفرنسية، والتي تضم ممثلي لبنان وإسرائيل و"اليونيفيل"، فاقتصر الجواب الرسمي على القول: "إن معاودة اللجنة اجتماعاتها في مقر قيادة الأمم المتحدة في الناقورة مرتبط بتوقف الاعتداءات الاسرائيلية".

ولهذا لا يبدو وفق المراقبين أن الرد اللبناني نهائي وحاسم على المبادرة الفرنسية، فهو يسير معها ببطء طبقا لما ستسفر عنه التطورات والتي ستحدد إنهاء الحرب في غزة.

إذ إن حزب الله لن يسمح وفق المراقبين بتمرير أي اتفاق دون موافقته على قرار "السلم والحرب" الذي يهيمن به على لبنان بقوة السلاح الإيراني في وقت تتحكم طهران بهذا الملف.

إذ إن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني زار بيروت في فبراير 2024 لبحث المخاطر التي قد تنشأ إذا استهدفت إسرائيل حزب الله، وهو هجوم قد يلحق ضررا جسيما بالشريك الإقليمي الرئيس لإيران.

وذكرت مصادر لوكالة رويترز البريطانية أن قاآني اجتمع في العاصمة اللبنانية مع زعيم حزب الله حسن نصر الله للمرة الثالثة على الأقل منذ عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية في عمق مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، وأدت لمقتل وأسر المئات من الإسرائيليين. 

وأضافت المصادر أن الحديث تحول إلى احتمال أن تشن إسرائيل هجوما شاملا في لبنان.

وقالت ثلاثة مصادر، وهم إيرانيون من الدائرة الداخلية للسلطة، إن مثل هذا التصعيد قد يضغط على إيران للرد بقوة أكبر مقارنة بما فعلته حتى الآن منذ السابع من أكتوبر 2023، وذلك فضلا عن الآثار المدمرة على حزب الله.

وأشارت جميع المصادر إلى أنه في الاجتماع الذي لم يعلن عنه سابقا، طمأن نصر الله قاآني بأنه لا يريد أن تنجر إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة وأن حزب الله سيقاتل بمفرده.

وقال نصر الله لقاآني "هذه معركتنا"، حسبما قال مصدر إيراني مطلع على المباحثات.

وسبق أن أشار وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت في فبراير 2024 إلى أن إسرائيل تعتزم زيادة الهجمات لإخراج مقاتلي حزب الله نهائيا من منطقة الحدود في حالة وقف إطلاق النار في غزة، لكنه ترك الباب مفتوحا أمام الدبلوماسية.

لعبة حزب الله

ويجمع كثير من المراقبين أن "باب الدبلوماسية" في بيروت ما يزال مفتوحا، لأن الأخيرة تريد فرض التهدئة بشكل نهائي جنوب لبنان عبر تطبيق القرارات الدولية وإلزام إسرائيل بذلك.

ومن هنا يقارن كثير من المراقبين مسار التهدئة جنوب لبنان "بنجاح" بيروت وتل أبيب سابقا في ترسيم الحدود البحرية بينهما في أكتوبر 2022.

ولهذا فإن البعض يقول إن الاتفاق على تهدئة جديدة في جنوب لبنان سيكون مرتبطا بالتمهيد لتسوية الحدود البرية اللبنانية مع إسرائيل بعد عامين من تسوية الحدود البحرية التي ما كانت لتجرى لولا موافقة حزب الله عليها وضمان شروطه.

وفي هذا الصدد، رأى الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة، أن "الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية إنشائي لا معنى له وهروب من الرد الحقيقي، لأن حزب الله (ومن وراؤه إيران) الذي يستعمل الحكومة اللبنانية لا يفاوض إلا مع الأميركيين".

وأضاف بشارة قائلا لـ "الاستقلال": "إيران تعرف أن الولايات المتحدة هي القوة الأولى التي يمكن لها أن تضمن موقع طهران في حال حصل تفاهم في لبنان". 

ومضى يقول: "الحوار الأميركي الإيراني قائم ويتمحور حول كل الجبهات المفتوحة في المنطقة وبالتالي فإن المبادرة الفرنسية باتت للأسف على هامش الحدث في جنوب لبنان".

وذهب بشارة للقول: "يوحي الرد اللبناني الذي حصل برعاية حزب الله بأن الأخير لا يريد لفرنسا أن تلعب أي دور ولا يؤمن أن  لباريس دورا مستقلا للجلوس على طاولة المفاوضات".

وفي ذات السياق، رأت صحيفة "الأخبار" أن الرد على المبادرة الفرنسية أتى كـ"رفع عتب، بعد رسائل فرنسية عدة تستفسر عن سبب التأخير وشعور الفرنسيين بالتجاهل".

وأشارت مصادر بارزة للصحيفة، إلى أنه "بعد زيارة الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين لبيروت في 4 مارس 2024، جرى إهمال الورقة لأكثر من سبب.

أهمّها موقف القوى الأساسية التي رأت أن الورقة تتبنى مطالب العدو الإسرائيلي بالدرجة الأولى، ولاقتناع هذه القوى بأن باريس لا تحظى بتأييد أميركي، وأن الولايات المتحدة لن تترك هذا الملف في عهدة فرنسا.

وقد حملت زيارة هوكشتاين الأخيرة مقترحا للهدنة بين لبنان وإسرائيل، وربطا بمفاوضات الهدنة في غزة.

وتشير "الأخبار" إلى أن المسؤولين اللبنانيين الذين التقوا الموفد الأميركي استشفوا أن "زيارة الأخير تحمل في جوهرها أهدافا عدة".

"من بينها إيصال رسالة بأن ملفي الهدنة وتسوية الحدود البرية هما في عهدة الأميركيين وحدهم ولا أحد غيرهم، وأن كل المبادرات التي يحملها موفدون غربيون وعرب إما أنها منسقة مع الأميركيين، لذلك جرى التعامل مع الورقة بتجاهل بعدما حضر الأصيل للتفاوض".

ولعل هذا ما أشارت إليه مصادر دبلوماسية أوروبية عبر صحيفة "الجمهورية" اللبنانية بقولهم: "إن خيوط الهدنة الطويلة الأمد في غزة تتجمّع، برغم التصعيد ورفع سقف الشروط من قبل إسرائيل وحركة حماس".

إذ إن  "الجانبين مُدركان أن سقف الشروط سينخفض في نهاية المطاف، ولا مفر من بلوغ هدنة تتأسّس عليها هدن".

وبينت تلك المصادر أنه "على الخط الموازي، تتحرك جهود الحل السياسي على جبهة لبنان، لصياغة تضبط المنطقة على تفاهمات ترسخ الأمن والاستقرار على جانبي الحدود".