“حرب باردة”.. ما هي رسائل المناورات البحرية المشتركة بين إيران وروسيا والصين؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل التوتر القائم بممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر، أجرت روسيا وإيران والصين، مناورات عسكرية استمرت لمدة ثلاثة أيام في شمال المحيط الهندي، أطلق عليها "الحزام الأمني ​​البحري المشترك 2024".

المناورات بين الدول الثلاث التي تشكّل المحور المضاد للمعسكر الغربي، بدأت من يوم 12 إلى 14 مارس/ آذار 2024، وشارك فيها أيضا مندوبون بصفة مراقبين من خمس دول أخرى قريبة من مكان التدريبات العسكرية، ووصفتها وسائل إعلام أميركية بأنها "تحد" للغرب.

"ترسيخ الأمن"

وفي 14 مارس، أعلنت الوحدات الإيرانية والصينية والروسية انتهاء مناورات "الحزام الأمني ​​البحري المشترك 2024"، في شمال المحيط الهندي، بمشاركة الوحدات العائمة والطيران التابعة لبحرية لهذه الدول، حسبما ذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية.

وبحسب تقرير للوكالة التابعة للحرس الثوري الإيراني، في 14 مارس، فإن "الغرض من إجراء هذه المناورات هو ترسيخ الأمن ومرتكزاته في المنطقة وتوسيع التعاون المتعدد الأطراف بين الدول الثلاث، مع مندوبين من عُمان وأذربيجان وكازاخستان وباكستان وجنوب إفريقيا".

وتابعت: كذلك فإن الهدف من المناورات، هو إظهار حسن النية وقدرة هذه الدول في اتجاه الدعم المشترك للسلام العالمي والأمن البحري وخلق مجتمع بحري ذي مستقبل مشترك.

وتشمل الأهداف الأخرى لهذه المناورات تعزيز أمن التجارة البحرية الدولية، ومكافحة القرصنة والإرهاب البحري، والإجراءات الإنسانية، وتبادل المعلومات في مجال الإنقاذ البحري، وتبادل الخبرات العملياتية والتكتيكية، وفقا للوكالة.

وفي السياق ذاته، أعلن المتحدث الإيراني باسم المناورات الأدميرال مصطفى تاج الديني أن النسخة الرابعة منها ترمي إلى ضمان الأمن بالمنطقة وتوسيع التعاون مع الحلفاء، لافتا إلى أنها تهدف إلى تعزيز التجارة الدولية ومكافحة القرصنة والإرهاب البحري وتبادل المعلومات في مجال الإنقاذ.

وبخصوص مشاركة من أسماهم "دول صديقة" مثل باكستان وسلطنة عمان وكازاخستان وأذربيجان وجنوب إفريقيا، بصفة مراقبين، أوضح تاج الديني أن "التدريبات تشمل التعاون المشترك على إنقاذ السفن من الحرائق والاختطاف والرماية على أهداف محددة وإطلاق نار ليلي على أهداف جوية".

وقالت وزارة الدفاع الروسية خلال بيان لها في 12 مارس، إن مجموعة من سفنها الحربية وصلت إلى إيران للمشاركة في تدريبات مع بكين وطهران في خليج عُمان وبحر العرب.

وذكرت الوزارة الروسية، أن التدريبات المشتركة "ستشارك فيها سفن حربية وطائرات"، لافتةً إلى أن "الجزء العملي من التدريب سيجري في مياه خليج عُمان في بحر العرب، والغرض الرئيسي هو العمل على سلامة النشاط الاقتصادي البحري".

وأوضحت أن "المجموعة الروسية يقودها الطراد الصاروخي (فارياج) من أسطولها للمحيط الهادي"، مشيرة إلى أن ممثلين عن القوات البحرية لباكستان وكازاخستان وأذربيجان وسلطنة عمان والهند وجنوب إفريقيا سيوجدون كمراقبين.

بدورها، بيّنت وزارة الدفاع الصينية خلال بيان في 12 مارس، أن التدريبات تهدف إلى "الحفاظ على الأمن البحري الإقليمي بشكل مشترك"، لافتة إلى أنها "سترسل سفينتين مزودتين بصواريخ موجهة، وسفينة إمداد للمشاركة في التدريبات".

 

"حرب باردة"

وبخصوص الرسائل التي تحملها هذه المناورات، علق الباحث في "المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب"، مصطفى النعيمي، قائلا: "نحن أمام مشهد تصعيدي وتحدٍّ للولايات المتحدة بشكل مباشر وذلك لحساسية تموضع الأسطول الخامس الأميركي في مياه الخليج العربي".

وأردف النعيمي عبر تدوينة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 13 مارس، قائلا: "تحالف محور الشر المتمثل بروسيا والصين وإيران على ما يبدو مُصّر على مزاحمة الولايات المتحدة بالقرب من تموضعها البحري في أسطولها الخامس".

وتابع: “ما يجري يقودنا إلى سؤال مهم في هذه المرحلة التي تشهد تسخينا دائما في منطقة الشرق الأوسط: هل تمادي محور الشر في مزاحمة الولايات المتحدة سيسخن المشهد ويسهم في تصعيد مبطن لهذا التزاحم؟”

وتساءل النعيمي، أيضا: "وهل سنشهد ردودا أميركية مباشرة على هذه المناورات التي أصبحت إحدى أهم أدوات الحرب الباردة بين التحالفات البحرية أم أننا سنشهد أفول القطب الأميركي على حساب صعود نظيره الشرقي، أم نحن أمام مرحلة احتواء أميركي لتعاظم محاولة ظهور عالم متعدد الأقطاب وتفكيكه تدريجيا؟".

من جهته، يعتقد مجتبى فردوسي بور، مدير دائرة الأبحاث لشؤون غرب آسيا وإفريقيا بوزارة الخارجية الإيرانية، أن "منطقة المناورات اختيرت بعناية لتتوسط ثالوث المضايق الذهبية هرمز وباب المندب وملقا، مما يزيد من أهمية الحزام الأمني التي تشكله شمالي المحيط الهندي لضمان مرور السفن التجارية لا سيما تدفق الطاقة العالمية".

وأضاف سفير إيران السابق في الأردن خلال تصريح لموقع "الجزيرة نت" في 13 مارس، أن "أهمية المناورات الجارية تأتي من تزامنها مع الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة وتداعياتها على غطرسة التحالف الأميركي البريطاني في مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي والمياه الإقليمية".

ولفت فردوسي بور إلى أن "المناورات الثلاثية تبعث رسالة للجهات المعنية أن الأطراف الشرقية المشاركة فيها عازمة على ضمان المضايق الإستراتيجية في المنطقة دون الدول الغربية".

ورأى أن "هذه المناورات تجدد سياسة الدول المشاركة فيها بعدم قبولها أي تغييرات جيوإستراتيجية وجيوسياسية في المحيط الهندي، لا سيما المناطق البحرية التي تقع شماله وغربه".

وأعرب عن اعتقاده أن "حزام الأمن البحري يثبت لدول المنطقة تفوق الأمن الإقليمي على نظيره المستورد من القوى الغربية"، داعيا إلى "توسعة التعاون العسكري المشترك ومشاركة الدول المطلة على أعالي البحار والمحيط الهندي في التحالف الشرقي الصاعد والتعاون معه لضمان الأمن البحري الإقليمي وسلامة النشاط الاقتصادي هناك".

وشدد فردوسي بور على "أهمية السيطرة على المحيط الهندي والمياه الإقليمية الأخرى بالنسبة لطهران وبكين وموسكو وإقصاء القوى الغربية منها".
 

وأكد أن "عدم إلغاء المناورات والإصرار على تنفيذها في نطاقها الجغرافي وحيزها الزماني المعتاد يثبت عزم الدول المشاركة فيها على مواجهة الحضور العسكري الغربي في المنطقة".

وشدد على أن "جماعة الحوثي (اليمنية) تتحدى الهيمنة البحرية للقوى الغربية في البحر الأحمر بما يتناسب وسياسات الدول المشاركة في مناورات حزام الأمن البحري 2024، طالما تنظر الولايات المتحدة إلى هذه الدول كونها تمثل تهديدا لأمنها القومي وبذلت ما بوسعها لفرض العقوبات والتضييق على القوى الشرقية".

قلق غربي

وفي المقابل، نشر موقع "المونيتور" الأميركي تقريرا في 12 مارس، بعنوان "إيران وروسيا والصين تجري مناورات عسكرية جديدة في تحد للضغوط الغربية"، مشيرة إلى أن "إيران قد قدمت أفضل ما لديها من قدرات بحرية معروفة علنا".

ولفت الموقع إلى أن "التدريبات الحالية هي الأخيرة في سلسلة شهدت اجتماع الأطراف الثلاثة في نفس المنطقة البحرية تقريبا في أعوام 2019 و2021 و2022 و2023".

وأكد أن "إجراء التدريب يأتي وسط توترات إقليمية متصاعدة ناجمة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وصلت آثارها المتموجة بالفعل إلى حركة المرور الدولية في البحر الأحمر".

وبحسب المونيتور، فإنه كثيرا ما عمل الحوثيون في اليمن، المرتبطون ارتباطا وثيقا بالمؤسسة الإيرانية، على ضرب السفن الدولية في المياه الإستراتيجية كجزء من سياستهم للانتقام من إسرائيل.

ردا على ذلك، قصفت القوات الأميركية والبريطانية البنية التحتية للحوثيين في اليمن لشل قدرات الجماعة الشيعية وإحباط هجماتها، ودعت طهران إلى التوقف عن تزويد المتمردين بأسلحة متطورة، وهي تهمة تنفيها طهران، بحسب الموقع.

وفي هذه الأثناء، يرى أن "شراكة إيران المتنامية مع الصين وروسيا أثارت قلقا متزايدا بين المسؤولين الغربيين".
 

و"يعني التحالف مع موسكو تورط طهران المتزايد في حرب أوكرانيا من خلال التسليم المتكرر للطائرات المقاتلة بدون طيار إلى موسكو".

لكن موقع "الخنادق" التابع لحزب الله اللبناني، والمختص بالشؤون والقضايا الجيوستراتيجيّة والعسكرية والأمنية في منطقة غرب آسيا، يرى أنه "رغم أن هذه المناورات لم تحصل لأول مرة، فقد بدأ إجراؤها منذ عام 2019، في المحيطين الهندي والأطلسي وبحر عُمان، فإنها توجّه رسالة واضحة لأميركا".

وأوضح أن "توقيت المناورات المتزامن مع معركة طوفان الأقصى - وتداعياتها على الساحة البحرية خاصةً من خلال جبهة اليمن في البحرين الأحمر والعربي وصولا إلى آخر منطقة المحيط الهندي عند رأس الرجاء الصالح- يحمل رسالة لأميركا بأنها لم تعد الدولة المهيمنة على البحار".

ولفت إلى أنه "يمكن التعبير مجازا أن البحار استعادت جزءاً من حريتها من البلطجة الأميركية والغربية، التي حصلت طوال السنوات الماضية ولا تزال".

وبحسب الموقع التابع لحزب الله الموالي لإيران، فإنه "من اللافت أن منطقة المناورات تشبه مثلثا لمضائق هرمز وباب المندب وملقا، ما يعني بأن هذه الدول قادرة على التعامل مع أي تهديد، قد يطال مسار مرور السفن التجارية وتدفق الطاقة العالمية في هذه المنطقة، وأن بإمكانها ضمان المضائق الإستراتيجية دون أي مشاركة من الدول الغربية".

ومن جهة أخرى، يرى أن "هذه المناورات تثبت لدول المنطقة (خاصةً الخليج)، بأن الأمن الإقليمي يشكّل خيارا أفضل بكثير، من أي تحالفات بحرية تشارك فيها الدول الغربية بقيادة أميركا".

وأكد الموقع أن "الحضور العسكري الروسي في هذه المنطقة، يشكّل تحديا للهيمنة البحرية الغربية وتجاوزا للخطوط الأميركية الحمراء. وعليه قد تكون سلسلة هذه المناورات البحرية ليست سوى بداية لسياسة إستراتيجية طويلة المدى، تهدف لمواجهة الحضور البحري الغربي والأميركي في المنطقة".

وفي مارس 2023، كانت آخر مناورات عسكرية بحرية مشتركة من هذا النوع جرت بين روسيا، إيران، الصين في خليج عمان، بهدف "تعميق التعاون الفعلي بين القوات البحرية للدول المشاركة".

وتعد موسكو وبكين نفسيهما قوة جيوسياسية في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، فيما تُتهم إيران بإرسال أسلحة وذخيرة إلى روسيا تستخدمها في هجومها على أوكرانيا منذ 21 فبراير/ شباط 2022، وخصوصا المسيّرات المتفجرة، والتي أقرت الأخيرة أنها زودتها، لكن قبل اندلاع الحرب بين البلدين.