تصاعد التحرشات الروسية بالقوات الأميركية في سوريا.. هل تتحول إلى اشتباكات بينهما؟ 

لندن - الاستقلال | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

من المعروف أن ثمة معركة نفوذ بين واشنطن وموسكو على الأراضي السورية، إلا أن حوادث مضايقة الطائرات الروسية للقوات الأميركية تتزايد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ما يثير عديدا من المخاوف.

وشهد شهر يوليو/ تموز 2023، العديد من "التفاعلات غير الآمنة وغير المهنية" من قبل القوات الجوية الروسية ضد الطائرات الأميركية العاملة في سوريا، وفق  وزارة الدفاع الأميركية "بنتاغون".

واعتبرت الوزارة الأميركية في بيان، أن "هذه التصرفات تتحدى القواعد العسكرية والبروتوكولات المعمول بها، وتؤثر على سير المهمة المتمثلة بمكافحة تنظيم الدولة بسوريا".

استفزازات جوية

من بين الحوادث الأخيرة فوق سوريا التي خلقت توترا بين واشنطن وموسكو، حينما حلقت مقاتلة روسية من طراز SU-35 في مسار طائرة استطلاع توربينية أميركية من طراز MC-12 في 16 يوليو/ تموز 2023.

كما أمضت طائرة استطلاع روسية في 14 يوليو/ تموز 2023 "فترة طويلة من الوقت" فوق قاعدة التنف العسكرية، التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

وتأسست هذه القاعدة عام 2016، وتوصف بأنها "حصن حاسم ضد إيران" بسبب موقعها الإستراتيجي بالجنوب السوري وتحديدا بالقرب من المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

كما ضايقت الطائرات الروسية مرارا وتكرارا طائرات أميركية مسيرة من طراز أم كيو - 9 ريبير (MQ-9 Reaper) خلال يوليو 2023، بما في ذلك خلال مهمة جوية لها في 7 من الشهر ذاته أدت لمقتل أسامة المهاجر أحد قادة تنظيم الدولة عندما كان على متن دراجة نارية بريف حلب.

وفي 16 يوليو، نفذت مقاتلة روسية مناورة واقتربت كثيرا من طائرة استطلاع أميركية مأهولة، معرضة طاقمها للخطر، ما أجبرها على التحليق "المضطرب".

ما قلل من "قدرة الطاقم على تشغيل الطائرة بأمان"، وفقا لقائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأميركية، الجنرال أليكسوس غرينكويتش.

وفي 27 يوليو قال البيت الأبيض في إفادة صحفية إن طائرة مقاتلة روسية أطلقت قنابل إنارة وهاجمت طائرة أميركية مسيرة فوق المجال الجوي السوري، في سادس حادثة يجري الإبلاغ عنها خلال يوليو 2023.

وذكرت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، وقتها كارين جان بيير، أن "الطائرات الحربية الروسية تحلق بشكل خطير بالقرب من الطائرات الأميركية المأهولة وغير المأهولة، ما يعرض طواقم الطائرات للخطر، ويثير تساؤلات حول سبب حدوث ذلك"، مضيفة أن "الولايات المتحدة قد تحتاج إلى الرد على ذلك".

وأضافت: "لقد رأينا التقارير عن طائرة مقاتلة روسية ثانية هذا الأسبوع تحلق بشكل خطير بالقرب من طائرتنا من دون طيار"، مشيرة إلى أن "نهج روسيا الوثيق ونشر القنابل المضيئة فوق الطائرات الأميركية المسيرة خلال مهمة روتينية ينتهك المعايير الدولية".

ووفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، بتاريخ 27 يوليو 2023، فإن التطورات الحالية يمكن أن تتحول إلى "ساحة صراع".

ونقل تقرير الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن "مؤشرات خطر المواجهة (بين الروس والأميركان) قد ارتفعت".

ويتواصل القادة العسكريون الأميركيون والروس بشكل روتيني عبر خط هاتف لمنع التضارب موجود منذ عدة سنوات لتجنب الاشتباكات غير المقصودة في سوريا.

وغالبا ما تكون هناك مكالمات عديدة يوميا، وفي بعض الأحيان تؤدي إلى تهديدات غاضبة حيث يتجادل القادة حول عملية مستمرة، وفقا ما نقلته وكالة "أسوشيتد برس" عن مسؤول أميركي كبير لم تسمه.

مضايقات مقصودة

لكن محاولات روسيا لتشتيت الطائرات الأميركية في هذا التوقيت الحساس الذي تواجه فيه موسكو واشنطن بشكل غير مباشر في أوكرانيا يقرأ في أكثر من سياق.

ويقول جون هاردي، مدير البرنامج الروسي لمنظمة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية، لوكالة "أسوشيتد برس"، إن "عمليات الاعتراض جزء من جهد منسق من قبل روسيا وإيران لمحاولة إخراج أميركا من سوريا، إنه مجرد نوع من الضغط مع مرور الوقت".

من جهته، قال مسؤول دفاعي أميركي كبير لوكالة "أسوشيتد برس"، إن "إيران تريد أن تكون قادرة على نقل المساعدات الفتاكة بسهولة أكبر إلى حزب الله اللبناني، بينما تعتمد روسيا على دعم إيران لعمليات الكرملين الحربية في أوكرانيا".

ولتحقيق هذه الغاية، يجب حدوث مزيد من التعاون والتنسيق والتخطيط وتبادل المعلومات الاستخبارية، بشكل رئيس بين القادة الروس وقادة فيلق القدس الإيراني متوسطي المستوى في سوريا، وفق المسؤول الأميركي الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

وأمام هذا الاحتكاك الروسي الأميركي، فإن هناك عسكريين يرون أن وقوع هذه الأخطاء غير المهنية، هي نتيجة لتباين حيز النفوذ بينهما بسوريا، ووجود مناطق شبه متنازع عليها وأخرى خالية من نفوذها كما في مناطق البادية السورية.

وفي هذا السياق، يقول الخبير العسكري السوري العقيد إسماعيل أيوب، إن "الروس كما أسقطوا سابقا الطائرة الأميركية المسيرة من طراز (MQ-9 Reaper) بالبحر الأسود عبر إلقاء الوقود عليها ونزع مروحيتها عبر طائرة روسية، يقومون أيضا في الأجواء السورية بإلقاء قنابل SAB المضيئة على الطائرات الأميركية".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "هذا الاحتكاك المتكرر أو ما يسمونه الأميركان بعدم المهنية في التصرفات الروسية قد يؤدي في مرحلة من المراحل إلى احتكاك عسكري جوي".

وأوضح أنه "حال حدث وأنا استبعده يعني أنه سيفتح الباب على مصراعيه للتوتر بين الطرفين، وخاصة أن الروس قادرون على تزويد المليشيات بصواريخ محمولة على الكتف متطورة تؤثر على الوجود الجوي للتحالف الدولي دون أن تتدخل روسيا".

وبالمقابل "الولايات المتحدة يمكنها أن تدعم قوات أو مليشيات على الأرض بصواريخ أرض جو تؤثر على الوجود الجوي الروسي"، وفق الخبير العسكري.

وألمح أيوب إلى أنه "من غير المعقول استمرار هذه الاحتكاكات بين الطيران الروسي والأميركي في المستقبل لأن ذلك يعرض المنطقة للتصادم بين قوتين عظميين، خاصة في ظل التصادم غير المباشر في الحرب الأوكرانية".

وأردف قائلا: "لذلك فإن مقر القيادة المشترك المسؤول عن الحركة الجوية فوق الأجواء السورية أعتقد أنه بصدد إبلاغ الروس بلهجة شديدة بأن هذا التصرف يعرض المنطقة لأخطار التصادم وأنه ينبغي تنشيط الخط الساخن بينهما لمنع تكرار مثل هذه الحوادث".

وذهب أيوب للقول: "ما يجري الآن من تصادم في السماء السورية هو أمر مختلف في ظل انخراط الناتو في حرب أوكرانيا، ولذلك فإن زيادة الاحتكاكات قد تفلت من العقال وتؤدي إلى احتكاك عسكري مباشر".

تاريخ من الاستفزازات

وبالعودة إلى الحرب الباردة، فإن لدى الروس تاريخا طويلا في التصرف بشكل استفزازي حول القوات الأميركية، وهذا ما دفع الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاقية الحوادث في البحر في عام 1972 والتي تملي كيف ينبغي على سفن وطائرات البلدين التفاعل ومنع الاحتكاك.

إلا أن المضايقات المستمرة لسلاح الجو الروسي للقوات الأميركية في سوريا، وخاصة مع تقاسم النفوذ في هذا البلد وهدوء جبهات القتال منذ عام 2020، هي جزء من الصراع الجديد بينهما على الأراضي الأوكرانية.

إذ إن الروس في الوقت الحالي غير راضين عن الولايات المتحدة لتزويدها أوكرانيا بمليارات الدولارات من الدعم العسكري، ويريدون أيضا خلخلة الوجود الأميركي بسوريا.

وضمن هذه الجزئية ينظر جوناثان لورد، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد في واشنطن العاصمة، إلى أن مواجهة الجيش الأميركي للطيارين الروس في سوريا على "أنه محاولة من الروس لتذكير الولايات المتحدة بأن القضايا الأمنية بين البلدين تمثل قلقا متعدد المسارات يمتد إلى ما وراء أوكرانيا".

وقال لورد لموقع "Task & Purpose" بتاريخ 24 يوليو: "إذا أراد الروس في النهاية، كما أعتقد، إثارة اشتباك عسكري فعلي مع القوات الأميركية في سوريا، فإنهم يعرفون كيفية القيام بذلك، لقد أتيحت لهم كل الفرص لضغط الزناد حرفيا ولا يفعلون ذلك".

وربما هذا ما ألمح إليه قائد القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال أليكسوس غرينكويتش، بقوله في تصريحات صحفية نقلتها قناة "الجزيرة"، في 24 يونيو/ حزيران 2023: "الطيران الروسي يحلق منذ مارس/ آذار بشكل غير مهني في سوريا، ويناور بشكل استفزازي وعدواني، محملا بذخيرة حية".

وراح يقول غرينكويتش: "الروس يقوضون جهودنا ويرفضون التزام البروتوكولات المتفق عليها".

وللتذكير فإن الخارطة العسكرية السورية كثيرا ما شهدت عمليات احتكاك مباشرة بين الدوريات الأميركية والروسية عند نقاط التماس شمال شرقي سوريا.

فعلى سبيل المثال اتهم المركز الروسي للمصالحة في 17 يونيو 2023، عربات عسكرية تابعة للتحالف الدولي بالسير عبر مسارات غير متفق عليها مع الولايات المتحدة ضمن آلية تفادي الصدامات في محافظة الرقة.

كما تبادلت واشنطن وموسكو اللوم في 27 أغسطس/ آب 2020 بشأن اصطدام مركبتين عسكريتين أميركية وروسية في شمال شرقي سوريا، وهو ما أسفر عن إصابة عسكريين أمريكيين.

ووقتها انتشر تسجيل مصور للحظة الاصطدام على موقع روسي، ثم انتشر عبر تغريدات على موقع تويتر.

وتظهر في الفيديو مركبة عسكرية روسية في قافلة تصدم عربة مصفحة أميركية، بينما تحلق مروحية روسية على ارتفاع منخفض.

كما أنه في حادثة شهيرة وقعت بتاريخ 18 يوليو 2020، أظهرت مطاردة ساخنة بين دورية روسية لأخرى أميركية بريف الحسكة شمال شرقي سوريا.

وبحسب وسائل إعلام روسية حينها فإن ضابطا روسيا ظهر في الفيديو وهو يوجه كلاما للعسكريين الأميركيين قال فيه "نحن هنا بدعوة بشار الأسد، وأنتم على أي أساس هنا؟ أنتم محتلون".

وتكرر وسائل إعلام روسية نشر مقطع مصور تظهر اعتراض دورية للشرطة العسكرية الروسية طريق دورية أميركية خاصة في ريف الحسكة.