انقطاع الكهرباء في مصر.. كيف استهدف النظام المناطق الشعبية واستثنى مناطق الأثرياء؟

داود علي | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ مطلع يوليو/ تموز 2023 تشهد مصر درجات حرارة مرتفعة بلغت في بعض المدن 45 درجة، وزعمت حكومة عبد الفتاح السيسي أنه "لا سبيل أمام الدولة إلا ترشيد استهلاك الكهرباء".

وبناء على ذلك أعلنت الشركة القابضة لكهرباء مصر بدء تطبيق برنامج لتخفيف الأحمال في جميع أنحاء البلاد، وتنص على أن يتم بدء فصل الكهرباء 10 دقائق قبل رأس الساعة و10 دقائق بعدها، وألا تزيد المدة على ساعة واحدة من وقت فصل التيار.

لكن اللافت أن الشركة شددت في بيانها على عدالة توزيع الأحمال، وهو عكس ما يشتكي منه أهالي كثير من مدن ومحافظات مصر، من أن الكهرباء تُقطع عندهم لمدد أكبر من المعلن عنها. 

لكن تقارير صحفية وناشطين على منصات التواصل الاجتماعي يؤكدون بشكل متواصل الغياب الكامل لعدالة توزيع الكهرباء في هذا الحر. 

فبينما تظلم الكثير من الأماكن التي يغلب عليها الطابع الشعبي، تتواصل الأضواء بمناطق أخرى معروفة بمستواها المرتفع، ناهيك عن العاصمة الإدارية الجديدة ومدن الساحل الشمالي التي لا تنقطع عنها الكهرباء. 

أماكن مستثناة

وفي 25 يوليو 2023، أقر الرئيس السابق لقطاع الرقابة المركزية للأداء بشركة كهرباء مصر، المهندس محمد سليم بوجود اختلافات في تخفيف الأحمال.

وقال لموقع "المنصة" المحلي، إن "الشركة يجب أن تراعي أن يكون هناك عدالة في فصل التيار لأنه ليس من الطبيعي أن يكون هناك منطقة يفصل عنها التيار الكهربي 3 أو 4 ساعات ومنطقة أخرى لا يفصل فيها نهائيا".

لكنه نبه في الوقت ذاته إلى أن هناك بعض المنشآت لا تدخل ضمن جدول تخفيض الأحمال مثل المستشفيات ومحطات المياه والصرف الصحي وأقسام الشرطة والأماكن السيادية، حيث لا تستطيع الشركات فصل التيار الكهربائي عنها.

وادعى سليم أن "اللي مش هيقطع عنه الكهرباء هيبقى أكيد جنب مستشفى أو مكان من اللي ذكرناهم".

ورغم أن حديث رئيس شركة الكهرباء يبدو منطقيا في الجزئية الخاصة بضرورة استثناء المستشفيات والمناطق الصناعية من انقطاع الكهرباء، إلا أن ذلك لم يحدث على الوجه الأكمل.

ففي 4 يوليو 2023، انقطعت الكهرباء عن مستشفى "أم المصريين" بقطاع غرب محافظة الجيزة، الأمر الذي أدى إلى نقل 5 حالات حرجة، بينها رضيع حديث الولادة لـ3 مستشفيات للعلاج.

وفي 22 يوليو نشرت صحيفة "الفجر" المحلية، أن القطاع الصناعي المصري مني بخسائر كارثية جراء انقطاع الكهرباء. 

وقالت إن "قطاعا كبيرا من رواد الأعمال وأصحاب المصانع تضرروا من قرارات وزارة الكهرباء، ولا يمكن بكل المقاييس المعنية توقف عجلة الإنتاج لساعتين أو أكثر نتاج انقطاع الكهرباء".

وذكرت أن "سلاسل عقود التوريد توقفت وأيضا التعاقدات اليومية لتوريد السلع".

وأتبعت: "أيضا تضررت الأجهزة الكهربائية وماكينات المصانع من انقطاعات الكهرباء المتكررة، ما ألحق خسائر فادحة بالصناع والمواطنين". 

استثناء طبقي

 وإذا كان الحديث عن غياب عدالة التوزيع في قطاعات حساسة كالمستشفيات والمصانع، فإن هناك جانبا آخر أشد متعلق بالبشر وملايين المواطنين الذين يقطنون المدن والمحافظات. 

وفي 24 يوليو 2023، أكد الصحفي الاقتصادي عادل صبري، أن "قطاعا عريضا من المصريين البسطاء في مناطق القاهرة الكبرى ومحافظات الدلتا والصعيد، يعاني من انقطاع الكهرباء ما بين 3 و4 مرات في اليوم، بما يقترب من ساعتين في المرة الواحدة، بحجة تخفيف الأحمال".

وأضاف في مقال لصحيفة "العربي الجديد" القطرية: "في المقابل لا تنقطع الكهرباء عن تجمعات ومناطق سكنية بعينها، كونها محسوبة على الأثرياء وأسر العسكريين".

ونقل عن مصدر مطلع لم يسمه، قوله: "لدى وزارة الكهرباء تعليمات بعدم قطع التيار الكهربائي عن التجمعات السكنية المغلقة (المحاطة بسور) في منطقة شرق القاهرة، لا سيما التجمع الخامس والرحاب ومدينتي، وفي مدينة الشيخ زايد وبعض المناطق المجاورة لها بمحافظة الجيزة غربا".

وتابع: "علاوة على جميع الأحياء التي يوجد فيها منشآت عسكرية، أو مشروعات سكنية مخصصة لعائلات ضباط الجيش، في محافظتي القاهرة والإسكندرية ومدن القناة".

من جانبها، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 26 يوليو 2023، تقريرا عن تأثير أزمة الكهرباء على المواطنين في مصر.

وقالت إن قطع الكهرباء من قبل الحكومة استهدف بصورة أكبر المناطق السكنية المزدحمة والشعبية والفقيرة على غرار أحياء السلام والمرج وعين شمس والمطرية والشرابية والزاوية الحمراء وشبرا وبولاق والخليفة والبساتين ودار السلام في القاهرة.

وأضافت: والوراق وإمبابة والكيت كات وبولاق الدكرور والهرم والعمرانية والمنيب في الجيزة، وشبرا الخيمة والخانكة وقليوب في محافظة القليوبية.

وتابعت: وخارج زمام محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة - الجيزة - القليوبية) فشمل الانقطاع أحياء كرموز والعطارين والرمل وسيدي جابر ومينا البصل واللبان والمنشية والجمرك والعامرية في الإسكندرية.

وعواصم المحافظات في مناطق الدلتا والصعيد، وأبرزها مدن الزقازيق والمنصورة وبنها وطنطا وشبين الكوم ودمنهور والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا.

وكل هذه المناطق يغلب عليها الطابع الشعبي البسيط.

"السواحل منورة"

هذه الطبقية البغيضة، دفعت حتى إعلاميين محسوبين على نظام السيسي، للحديث عنها وتوجيه انتقادات على استحياء للحكومة دون تسمية السيسي. 

ففي 24 يوليو 2023، قالت الإعلامية لميس الحديدي خلال برنامجها عبر فضائية "on" إن "السواحل منورة بشكل مستفز؟ وأنا كنت في الساحل الشمالي"، وهو منطقة يتردد عليها الأثرياء.

وأضافت: "لو بنتكلم عن عدالة تخفيض الكهرباء لم تكن مطبقة. هناك مناطق في الصعيد (فقيرة) تم فصل الكهرباء عنها بالـ7 ساعات وفي المعادي (راقية نسبيا) بالـ3 ساعات". 

وتابعت: "بينما الساحل الشمالي متلألئ (ثرية جدا)، والعمارات تحت الإنشاء في العلمين الجديدة والعاصمة الإدارية، مليئة بالإضاءة هذا ليس سلوك دولة تعاني من مشكلة كهرباء، هذه ليست عدالة توزيع الأضرار". 

وأكملت: "الناس في الصعيد بتصرخ والكهرباء ليست رفاهية، وأنا بتكلم كمواطن هتعوضني إزاي (كيف)؟ في فاتورة الكهرباء ولا هتطلع تعتذر لي، الناس بتتقلي (دلالة على شدة الحر) من الحر، كبار السن والمرضى والناس اللي بتتحبس  في الأسانسيرات (المصاعد) واللي مش عندهم مياه، عايزين نعرف من سبب الأزمة ومين اللي غلطان وهتنتهي إمتى؟"

 

فيما تقدم النائب عن منطقة العمرانية بالجيزة (شعبية) في البرلمان، إيهاب منصور بسؤال إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في 22 يوليو، حول الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وتلقيه عددا كبيرا من الشكاوى عن معاناة المواطنين من الانقطاع المتكرر للكهرباء لساعات طويلة خلال اليوم.

وقال النائب إنه في بعض المناطق الشعبية مثل العمرانية وصلت مدة انقطاع  إلى 15 ساعة، تخللتها عودة التيار لمدة ساعتين فجرا ثم انقطاعه مجددا، ما أدى إلى تلف بعض الأجهزة الكهربائية المملوكة للأهالي.

وتساءل منصور: "ماذا يفعل كبار السن وذوو الإعاقة والمرضى من سكان الأدوار العليا مع توقف المصاعد؟ وما حقيقة ترشيد الحكومة للمواد البترولية بخفض استهلاك الكهرباء؟ وإلى متى تستمر هذه المعاناة للمواطنين، مع درجة حرارة اقتربت من 50 درجة مئوية في بعض المدن؟"

وتعليقا على المشهد، يقول الباحث السياسي محمد ماهر، إن "أزمة الكهرباء كانت كاشفة من عدة أوجه، فلم يكن مفاجئا أن تتخلى الدولة عن الفقراء والكادحين، وتكدرهم في أسس الحياة كالكهرباء".

وأضاف لـ"الاستقلال": "لكن المفاجئ دخول قطاعات وأحياء جديدة إلى تلك الطبقة والشريحة التي ينظر إليها النظام بغير اكتراث، مثل المعادي والزمالك والدقي ومدينة نصر وغيرها". 

ومضى ماهر يقول: "الطبقات العليا الآن في الساحل الشمالي والعلمين الجديدة والتجمع والرحاب وغيرها، وهي لا تمس لا لاعتبارات مادية، ولكن لأن يسكنها قطاع كبير من الدوائر السيادية كالجيش والقضاء والشرطة". 

وختم قائلا: "نحن هنا لا نتحدث عن مجرد فشل للنظام، بل توحش كامل للدولة ومنظومة الحكم، التي لا تكتفي بإرهاق الناس اقتصاديا ومعيشيا، بل تقطع آمالهم في المعيشة الآدمية الطبيعية الموجودة في دول مجاورة بعضها كانت تعيش الحروب والأزمات كـ (ليبيا والعراق)، وهم الآن أفضل حالا من وضعية المواطن المصري".