سمية الغنوشي لـ"الاستقلال": نضال تونس ضد سعيد لن يتوقف والثورة القادمة أشد ضراوة

إسطنبول - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

قالت الكاتبة التونسية سمية الغنوشي، إن دعوة ورسالة والدها الشيخ راشد، للمعارضة بأطيافها كافة واضحة، وهي "العمل على توحيد الصف الوطني في مقاومة انقلاب قيس سعيّد".

وأوضحت في حوار مع "الاستقلال"، أن الوضع الصحي لوالدها "جيد" ومعنوياته "عالية"، رغم بلوغه الـ82 عاما، وأن اعتقاله في حد ذاته "أكبر جريمة" لأنه يواجه اتهامات مضحكة في ظل الانقلاب والتحريض من سعيد.

وأضافت أن "المُنقلب (سعيد) حوّل القضاة إلى موظفين ينتظرون تعليمات القصر، وأصبحت تونس يحكمها فرد بالمراسيم المزاجية، وصار معهودا جدا عودة أساليب الاقتحامات والمداهمات الليلية للبيوت والمقرات من بوليس سعيد".

وشددت الغنوشي على أن "نضال آل الغنوشي وأطياف المعارضة للانقلاب في الداخل والخارج لن يتوقف حتى يستعيد الشعب حريته المغتصبة وترفع هذه المظالم".

وأكدت أن "ديناميت الثورات العربية ما زال يعمل في أحشاء الواقع العربي المأزوم، وظروف التغيير قائمة وستكون الموجة الثانية أشد ضراوة في تونس والمنطقة، لا سيما أن هذا النظام لا يمتلك مقومات الاستمرار طويلا".

وسمية الغنوشي، حاصلة على الدكتوراه، وباحثة مختصة في شؤون العالم العربي والشرق الأوسط، ورئيس تحرير مجلة "ميم" الإلكترونية.

توحيد الصف

ماذا تعني الرسالة التي وجهها زعيم حركة النهضة من سجنه في ذكرى تأسيس النهضة الـ42؟

حقيقة الرسالة بنصها لم يكتبها والدي، وقد فوجئت بتداولها على وسائل الإعلام، إلا أن هناك رسالة أرسلها لنا والدي بمناسبة الذكرى الـ42 لتأسيسه حركة "النهضة" ولكنها لم تنشر عبر وسائل الإعلام.

وهذه الرسالة عبّر فيها الشيخ الغنوشي عن رفضه للانقلاب ووجه من خلال دعوته للمعارضة بأطيافها كافة للعمل معا على وحدة الصف الوطني في مقاومة انقلاب سعيد على الديمقراطية في تونس.

ووجه الوالد دعوة خاصة لأعضاء حركة النهضة من مختلف الأجيال إلى الوحدة فيما بينهم والصمود والتضامن في مواجهة هذا الانقلاب الغاشم الذي دمر الأخضر واليابس، وثمن جهودهم وتضحياتهم قبل الثورة وبعدها.

ما طبيعة الوضع الصحي والنفسي للوالد في سجنه، وهل ارتكبت قوات الأمن انتهاكات بحقه أثناء التعامل معه؟ 

طبعا والدي بعد أيام قليلة فقط سيبلغ 82 عاما من عمره، لكن وضعه الصحي جيد عموما ومعنوياته دائما عالية بحمد الله، وهو يواجه محنة السجن بالصمود والاستعانة بالعبادة والمطالعة.

السجن لرجل بمكانة الشيخ راشد هو في حد ذاته اضطهاد وسوء معاملة لأنه يعني حرمانا من الحرية أولا وأخيرا.

ما خلفيات مقاطعة الشيخ للمحكمة؟

خلفية ذلك عبر عنها بوضوح مرات كثيرة وملخصها أنه لا توجد الشروط الدنيا لمحاكمة عادلة في ظل استيلاء سعيّد على القضاء وتحويل القضاة إلى مجرد موظفين تابعين يتلقون التعليمات من القصر مباشرة أو من وزيرة العدل ليلى جفال. 

حكم مطلق

ما طبيعة الاتهامات الموجهة إلى زعيم حركة النهضة، وكيف علق عليها محامي الشيخ؟ 

كل التهم تدور حول التآمر على الدولة والتحريض وحمل السكان على معاداة بعضهم البعض، وهي تهم مضحكة خاصة حينما تصدر عن شخص غير فعلا هيئة الدولة، بانقلاب عسكري، وألغى الدستور الذي أصبح بموجبه رئيسا وأقسم على احترامه. 

والمفارقة العجيبة أكثر أن تهمة التحريض تصدر عن شخص لم يبرع في شيء غير السب والشتم وبث روح العداوة بين التونسيين، فهو الذي وصف خصومه بالجراثيم والسرطان والشياطين والخونة والمتآمرين وغيرها من قائمة النعوت الطويلة البشعة.

هناك حديث عن انتهاكات بحق عائلة الغنوشي ومنازل أبنائه التي تم اقتحامها.. ما التفاصيل؟

نعم مثل هذا الأمر لم يحصل حتى في عهد زين العابدين بن علي المقبور.

فقد عمد رجال أمن سريين إلى اقتحام بيت شقيقتي الكبرى وفتشوه في غيابها دون الاستظهار بإذن قضائي لأي فرد من أفراد العائلة، ثم غيروا قفل البيت وأخذوا معهم أوراقا وأغراضا شخصية ليركبوا سيناريوهات وهمية على طريقة الأفلام الخيالية.

كما فتشوا بيت شقيقتي الصغرى أيضا وعبثوا بمحتوياته.

هذا الأمر صار معهودا جدا اليوم عودة أساليب الاقتحامات والمداهمات الليلية للبيوت والمقرات من "بوليس" سعيد.

علما أن شقيقتي اللتين اقتحموا بيتيهما أكاديميتان حاصلتان على الدكتوراه ولا تمارسان السياسة.

لكن لا أحد اليوم في مأمن على نفسه أو أقاربه من نزعة التنكيل وتلفيق التهم التي تلاحق المناضلين وعائلاتهم في ظل هذا النظام الانقلابي الغادر.

هل للعائلة أو الحركة آلية محددة للتعامل مع الوضع القانوني للشيخ وتلك الانتهاكات بحق عائلته؟

ليس أمامنا إلا التظلم للهيئات الحقوقية والدولية، وقد أصدرت العديد من المنظمات الحقوقية بيانات في هذا الغرض.

كما تقدمنا للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان وحق الشعوب، إلى جانب عائلات أخرى من ضحايا القمع بقضايا عدلية.

وسبق للمحكمة الإفريقية أن أصدرت حكما سابقا يرى أن ما أقدم عليه سعيّد في 25 يوليو "مناقض للقانون الدولي والقوانين التونسية نفسها وتشريعات الاتحاد الإفريقي".

كما أن نضالنا في الداخل والخارج لن يتوقف حتى ترفع هذه المظالم ويستعيد الشعب التونسي حريته المغتصبة.

اتهامات مضحكة 

من هم أبرز رموز النهضة والمعارضة الذين تم اعتقالهم وتلفيق اتهامات لهم وتعرضوا للانتهاكات بحقهم؟ وكيف تتعامل الحركة مع هذه الأزمة؟

كل رموز الحركة الذين تم اعتقالهم  بني ذلك على أساس تهم كيدية ملفقة ومضحكة أحيانا كثيرة.

ومنهم نائب رئيس النهضة ورئيس الحكومة الأسبق علي لعريض، ووزير العدل الأسبق ونائب رئيس الحركة نورالدين البحيري، والبرلماني والقيادي في النهضة سيد الفرجاني وغيرهم من القيادات الأخرى، وجلهم تعرضوا لانتهاكات وبعضهم تم اختطافه من بيته أو من الطريق العام ومنعوا من مقابلة محاميهم في الأيام الأولى.

وشخص مثل سيد الفرجاني يخضع لظروف اعتقال سيئة، إذ وضع في محبس مكتظ بمساجين حق عام ومجرمين بما يعرض حياته للخطر أصلا.

ما تأثير اعتقال والدك على المعارضة التونسية عامة وعلى حركة النهضة بشكل خاص؟

حركة مقاومة الانقلاب مستمرة لأن لها قضية كبرى وعنوانا هو استعادة الحرية والديمقراطية المغتصبة.

ورغم أن والدي شخصية وازنة في المشهد التونسي إلا أن خطه السياسي القائم على النضال السلمي المدني إلى غاية دحر هذا الانقلاب قد فرض نفسه اليوم في الساحة التي توحدت تقريبا على رفض الانقلاب وكل ما تولد عنه من مؤسسات وشرعيات مزيفة، وبالتالي منهجه وخياراته فاعلة ومؤثرة في الساحة السياسية.

كيف ترى الغنوشي مستقبل الحريات والديمقراطية بالبلاد في المنظور القريب؟

إذا نظرنا للمسألة من الزاوية الراهنة فالوضع قاتم، سعيّد فكك المؤسسات التي أفرزتها الثورة لتقييد سلطة الحاكم. 

ولكن إذا نظرنا للمسألة من الزاوية الإستراتيجية فإن هذا المنهج لا أفق له، وبالتالي ستعود تونس آجلا أم عاجلا إلى سكة الثورة والحرية والديمقراطية.

"النهضة" وقفت إلى جانب انتخاب سعيد رئيسا لتونس، فما سر انقلابه وتحريضه الدائم على زعيم الحركة؟

وقع نوع من الاستقطاب والفرز في انتخابات 2019، حيث دعمت كل الأحزاب والقوى الثورية سعيّد الذي رفع شعارات "الشعب يريد" و"التطبيع خيانة" وما شابه ذلك، مقابل قوى النظام القديم التي انحازت للمرشح الرئاسي الثاني نبيل القروي.

لكن الذي فعله سعيد أنه استخدم هذه الشعارات مجرد مطية للوصول إلى السلطة وتغيير هيئة الدولة، ثم شرع في ضرب كل القوى التي دعمته وتحالف مع القوى التي لم تصوت له أصلا، وهذا ما جعل النهضة تتقارب مع القروي لاحقا حينما تبين لها خطورة الأجندة الانقلابية التي يخطط لها سعيد، وهذه سريالية المشهد التونسي.

غريزة الكراهية

هناك بيان لأكثر من 300 من رموز الفكر والسياسة طالبوا بالإفراج عن الغنوشي، هل تستجيب الحكومة لهذه الضغوط الدولية؟

نعم صدرت بيانات متعددة مطالبة بإطلاق سراح الشيخ راشد الغنوشي وكل معتقلي الرأي عن جمهرة واسعة من المفكرين والأكاديميين الغربيين وعن علماء مسلمين في مختلف الأقطار، وليس من المنتظر من سعيد الاستجابة لهذه الدعوات، لأنه محكوم بغريزة الكراهية والحقد والانتقام ولا يصغي لأحد. 

ولكن مثل هذه البيانات والتغطيات الإعلامية مهمة لفضح نظام سعيد الانقلابي أمام الرأي العام الدولي والإسلامي والعمل على عزله.

ما تقييمكم لردود الفعل الدولية في ظل تسييس القضاء والشرطة وبعض الجيش تجاه الحريات في تونس؟

ردود الفعل متفاوتة إلى حد الآن، وهي محكومة باعتبارات المصالح أكثر من المبادئ، أغلب القوى الدولية أصدر أغلبها بيانات تعبر عن قلقها من الإجراءات التي اتخذها سعيد. 

الأطراف الدولية أرادت في البداية إعطاء شيء من الوقت لقيس سعيد لفرض سياسة الأمر الواقع، ودليل ذلك أنها لم تسم ما حدث يوم 25 يوليو انقلابا رغم توفر كل مواصفاته.

 لكن ما أزعجها لاحقا هو أن قيس شخصية متقلبة، رعناء غير قابلة للضبط، ومن ثمة باتت لديها خشية من ولادة قذافي جديد على الضفة الجنوبية للمتوسط. 

كما بدأت تشعر بالانزعاج من توجهات سعيد الشعبوية وإمكانية عقد تحالفات مع الروس والصينيين، فسعيد مستعد للتحالف مع الشيطان، لتوفير الغطاء والدعم لنظامه السياسي. 

فشل مضاعف

ما طبيعة مداخلتكم في ندوة البرلمان البريطاني حول الأوضاع الحقوقية والسياسية في تونس؟

في هذه الندوة بينا أن تونس تعيش خليطا مركبا من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المركبة والقابلة للاشتعال في أي وقت من الأوقات.

كما بينا أن سعيد قد حول الصعوبات إلى كوارث وفشل مضاعف، وقد اغتصب مكتسب الحرية دون أن يأتي بالتنمية.

وقلنا لهم إن المراهنة على الديكتاتورية لا أفق لها، لأنها فعلا هشة وضعيفة رغم ما يبدو عليها من بطش.

وطالبناهم بأن يكونوا منسجمين مع أنفسهم وشعاراتهم وكل ما نطالبهم به أن يسموا الأشياء بمسمياتها، أي يصفوا ما جرى في 25 يوليو وما ترتب عنه بكونه انقلابا وخروجا على الشرعية والدستور.

ما سيناريوهات المستقبل في تونس؟

لا أحد يستطيع أن يجزم بشأن السيناريوهات المستقبلية على سبيل اليقين، ولكن ما هو مؤكد أن هذا النظام لا يمتلك مقومات الاستمرار طويلا لأنه فاقد للشرعية الشعبية على نحو ما بينه الاستفتاء على الدستور ثم فيما سمي الانتخابات التشريعية بلا ناخبين. 

كما أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تستفحل يوما بعد يوم، بما يرشح انفجار الأوضاع في أي وقت، وقد يتحول الأمر إلى ثورة جديدة تقتلع الديكتاتورية من جذورها.

ما  الدور الذي يمكن أن تلعبه "جبهة الخلاص الوطني" في إجهاض الانقلاب؟

"جبهة الخلاص" تمثل المظلة السياسية الرئيسة التي تتحرك تحتها القوى المناهضة للانقلاب.

ورغم عمليات الاستهداف التي تعرضت لها بسجن قياداتها مثل جوهر بن مبارك ورضا بلحاج وشيماء عيسى وغيرهم وإغلاق مقرها في العاصمة، إلا أنها تظل الإطار الأكثر حضورا من الناحية الشعبية والسياسية في مقاومة الانقلاب.

ما إمكانية الاستجابة للدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة في ظل الأوضاع الحالية؟

طبعا لن يستجيب سعيد لأي من المطالب، لأن سلوكه السياسي يقوم على العناد وتحدي الجميع باستعمال القوة الغاشمة، ولكن هذا المطلب أصبح تقريبا محل إجماع من مختلف القوى المعارضة على اختلافها، ولذلك يجب أن يفرض على قيس بقوة النضال والضغط الدؤوب.

ما مستقبل الربيع العربي وهل يمكن الحديث عن جولة ثانية؟

الأوضاع العربية الراهنة مهتزة ومأزومة ولا يتوفر لديها الحد الأدنى من شروط الاستقرار.  

كانت حجة الأنظمة التي انقلبت على الربيع العربي ولا تزال أنها أنقذت الأوطان من الانهيار، ولكن الواضح اليوم أنها أفرزت أوضاعا أشد تأزما وانهيارا. 

ديناميت الثورات ما زال يعمل في أحشاء الواقع العربي وشروط التغيير قائمة، لذا لا أستغرب أن نشهد موجات جديدة وأشد ضراوة لثورات الربيع العربي المجهضة بقوة القمع والغدر والمؤامرات.