كليتشدار أوغلو.. سياسي بلا كاريزما أفرزته مساومات المعارضة لمواجهة أردوغان

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عندما جرى تهديد رئيس الوزراء التركي الأسبق الراحل نجم الدين أربكان، بعاصفة جنرال الجيش "محسن باتور" إبان انقلاب عام 1997، قال لهم: "كل الربيع يبدأ بزهرة واحدة". 

وما هي إلا سنوات قليلة وتحققت نبوءة أربكان، وبدأ ربيع تركيا ونهضتها بحكم حزب العدالة والتنمية الذي انطلق عام 2002، تحت قيادة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ورفيقه عبد الله غل، وطليعة من الإصلاحيين الأتراك. 

مرت السنوات سريعا، وتحققت الكثير من الأشياء والانتصارات والانكسارات، وها هو ربيع تركيا صار مهددا بزعابيب الخريف، بعدما جمعت المعارضة جمعها تحت قيادة زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، الذي أصبح الأمل الأخير لهم لإسقاط أردوغان بعد عقدين من الحكم. 

فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع عقدها في 14 مايو/أيار 2023، ستكون واحدة من أكثر الاستحقاقات حسما في تاريخ الجمهورية الحديث، لأنها تأتي في مفترق طرق، وفي ظل استقطابات غير مسبوقة، لمرحلة انتقالية ستمر بها الدولة. 

وقدر لـ"كليتشدار أوغلو" أن يكون الرجل الذي تصطف حوله المعارضة وخصوم أردوغان داخليا وخارجيا، سعيا لإزاحته، وإنهاء حكمه وتجربته التي وضعت البلاد في مصاف الدول القوية والمتقدمة، وإن كانت تعاني اقتصاديا في الآونة الأخيرة.

فمن هذا الرجل؟ وما تاريخه السياسي؟ وما خلفيته الاجتماعية والدينية والسياسية؟ وكيف صعد ليصل إلى هذه المرحلة الصعبة؟  

إيراني الأصل

ولد كمال كليتشدار أوغلو في 17 ديسمبر/كانون الأول 1948 في حي ناظمية بولاية تونغلي، التي تقع في شرق الأناضول.

نشأ كمال بين عائلة فقيرة ماديا تنتمي إلى الطائفة العلوية، وتعود أصولها إلى خراسان في إيران.

اسم والده "قمر خان" لكنه في عام 1950 غير كنيته من "خان" إلى "كليتشدار أوغلو"، وكمال هو الرابع بين أبناء العائلة السبعة.

أتم تعليمه الابتدائي والإعدادي في أماكن متعددة من مدن الأناضول مثل: تونغلي، وغنتش، وإلازيغ.

وفي عام 1971 تخرج في "أكاديمية العلوم التجارية والاقتصادية بأنقرة"، التي تعرف الآن باسم "جامعة غازي" حاصلا على درجة البكالوريوس في الاقتصاد. 

فور تخرجه، بدأ العمل بوزارة المالية كأخصائي حسابات مبتدئ،  ثم رقي إلى درجة محاسب. 

بعدها سافر إلى فرنسا ضمن بعثة تدريبية في مجال المحاسبة، ومكث هناك لمدة عام، ليعود ويرقى إلى درجة خبير حسابات. 

وفي عام 1983، جرى تعيينه بالإدارة العامة للإيرادات، ثم شغل وظيفة رئيس الدائرة الحكومية هناك، وبعد ذلك أصبح مساعدا للمدير العام في نفس المؤسسة.

وفي عام 1991، عُين في مؤسسة الضمان الاجتماعي التركية (SSK)، وفي 1992 تولى منصب مدير الإدارة العامة لمؤسسة الضمان الاجتماعي، ثم أصبح مساعدا لنائب وزير الضمان الاجتماعي والعمل بالجمهورية التركية لفترة قصيرة. 

وفي يناير/كانون الأول عام 1999، تقاعد كليتشدار أوغلو عن الوظيفة الحكومية ليتفرغ لنشاطه السياسي.

حينها حاول الحصول على بطاقة للترشح للبرلمان ضمن قائمة حزب اليسار الديمقراطي التركي تحت قيادة رئيس الوزراء الأسبق بولنت أجاويد، لكنه لم ينجح في مسعاه.

وقد وصفه أجاويد حينها بـ"نجم الحزب الصاعد" لكن كليتشدار أوغلو لم يستمر طويلا في أروقة الحزب، واتجه بعد أعوام قليلة إلى حزب الشعب الجمهوري.

خلفية طائفية 

وعند الحديث عن "كليتشدار أوغلو" لا يمكن فصل الخلفية الدينية والاجتماعية التي جاء منها، فهو منحدر من منطقة "تونجلي" التي كانت تسمى في الماضي محافظة "ديرسم" حتى عام 1935. 

وسبق أن وصف المفتش العام التركي حمدي بك، في عام 1926، محافظة ديرسم بأنها "دملة" في جسد الجمهورية التركية، ولا بد من استئصالها لسلامة البلاد.

ومرجع ذلك الوصف أن الجمهورية كانت ترى في ذلك الوقت أن الخطر يزداد مع تكاثر العنصر الكردي هناك. 

وبالفعل في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، شهدت "ديرسم" أو "تونجلي" أحداثا دامية عقب حملة عسكرية شنتها الحكومة التركية تحت حكم مؤسس الجمهورية "مصطفى كمال أتاتورك".

كان هدف الحملة وضع المنطقة الكردية تحت السيطرة، وهو الأمر الذي انتهى بقتل وتهجير الآلاف من السكان، الأمر الذي يصفه الأكراد حتى الآن بـ "المجزرة".

وتعرضت الإثنية المنتمي إليها "كليتشدار أوغلو" لذلك الصدام، وكان هو من أبناء الأكراد العلويين، المنتشرين في "تونجلي". 

وكانوا يطمحون لمحاولة التمتع بالإدارة شبه ذاتية، لكنهم اصطدموا برؤية أتاتورك الرامية لدمج الإثنيات في الأناضول، بصفتها "وطنا قوميا للأتراك".

وعاشت عائلة "كليتشدار أوغلو" في ذلك المناخ الصعب، إضافة أنهم ينتمون للمذهب "العلاهي" وهو من فروع الطائفة العلوية. 

ويقول الباحث المختص بالشأن التركي جو حمورة، في حديثه مع موقع "بي بي سي" البريطاني، في 15 أبريل/نيسان 2023، إن المذهب العلوي غير معترف به كطائفة دينية في تركيا، بل كثقافة.

ولذلك فإن العلمانية تحميهم كأقلية، وهو ما يفسر دخول "كليتشدار أوغلو" إلى السياسة من ذلك الباب، وترقيه في مدارجها.

وللمفارقة فإنه خلال عام 2011، أصبح أردوغان أول زعيم تركي يعتذر رسميا عن أحداث "ديرسم"، وأعلن أن حزب الشعب الجمهوري (الذي يتزعمه كليتشدار أوغلو، ابن هذه المنطقة) كان وراء هذه الكارثة الدموية وعليه مواجهة هذه الحادثة المؤسفة.

صعوده السياسي

وشهد عام 2002 انضمام كليتشدار أغلو إلى حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك.

وفي نفس العام خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني خاض انتخابات البرلمان التركي، ليفوز بمقعد عن ولاية إسطنبول. 

وفي أغسطس/ آب 2007، فاز للمرة الثانية بعضوية البرلمان عن الدائرة الثانية في إسطنبول.

وفي عام 2009 قرر "كليتشدار أوغلو" الترشح لرئاسة بلدية إسطنبول، لكنه نال 37 بالمئة فقط من الأصوات، ليخسر المنصب لصالح مرشح حزب "العدالة والتنمية"،  قادر توباش.

وجاءت اللحظة الحاسمة في حياة "كليتشدار أوغلو" السياسية، في 10 مايو/أيار 2010، حين قدم زعيم حزب الشعب الجمهوري (آنذاك) دنيز بايكال استقالته من رئاسة الحزب.

وحدث ذلك في أعقاب نشر شريط مصور فاضح له مع إحدى النائبات عن الحزب في البرلمان على عدد من مواقع الإنترنت.

ليأتي دور "كليتشدار أوغلو" الذي انتخبته الهيئة العامة لحزب الشعب الجمهوري رئيسا له. 

بعدها مباشرة في عام 2011 قاد معركة الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو/حزيران، فحل ثانيا فيها بنسبة 26 بالمئة من الأصوات. 

رؤيته السياسية 

على مستوى السياسة الداخلية التركية يصف "كليتشدار أوغلو" نفسه بأنه حامي ميراث أتاتورك وقيم العلمانية في الجمهورية التركية.

وتعده الصحف المعارضة لتوجهاته، مثل "يني شفق" و"ديلي صباح"، أنه سياسي يستغل هفوات منافسيه، وأن مشروعه الأول إسقاط أردوغان. 

على مستوى السياسة الخارجية يعد صديقا للنظام السوري برئاسة بشار الأسد، وهو ما يرجعه مراقبون إلى خلفيته الطائفية العلوية الشيعية وكون حزبه محسوبا عموما على هذه الطائفة، كما تجمعه علاقة قوية بنظام الحكم في العراق وإيران.

وفي 2008 انتقد قطع العلاقات مع إسرائيل لأنها تضر بتركيا وفق وصفه، قبل عودتها لطبيعتها في أغسطس/آب 2022.

وفي أغسطس 2013، أجرى زيارة مثيرة للجدل إلى العراق والتقى برئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي.

وسجل "كليتشدار أوغلو" موقفا مناهضا للانقلاب العسكري في 15 يوليو/تموز 2016، وانتقد المشاركين فيه رغم كونه يقود أكبر حزب معارض للنظام الحاكم.

وفي صبيحة اليوم التالي للمحاولة، كان حاضرا بين زملائه في البرلمان لإعلان وقوفهم إلى جانب الديمقراطية.

ومن ميدان تقسيم الشهير وسط إسطنبول، تلا بيان حزبه على شكل وثيقة تدين الانقلابات، وذلك أمام مئات الآلاف من التيارات السياسية كافة الذين شاركوا في "مسيرة الديمقراطية" التي جمعت الحكومة والمعارضة في 24 يوليو 2016.

وفي اليوم التالي، لبى دعوة وجهها إليه الرئيس رجب طيب أردوغان للقائه في القصر الجمهوري 25 يوليو 2016، وهو اللقاء الذي عد تحولا مركزيا في العلاقات الوطنية التركية.

لكن ما هي إلا فترة قصيرة واتهم "كليتشدار أوغلو"، الرئيس أردوغان بأنه مدبر الانقلاب، بينما اتهم هو من قبل الرئيس والسلطة بتماهيه مع المحاولة الانقلابية في بدايتها، حتى تبين فشله، فسارع إلى معارضتها. 

تحالف الأمة 

أثبتت الاستحقاقات الانتخابية المتعاقبة استحالة هزيمة "كليتشدار أوغلو" وحزبه، للحزب الحاكم والرئيس أردوغان، منفردا.

فقرر عام 2018 تأسيس "تحالف الأمة" جنبا إلى جنب مع سياسيين معارضين هما زعيمة الحزب "الجيد" ميرال أكشينار ، ورئيس حزب "السعادة" تمل كراملا أوغلو، ورئيس الحزب "الديمقراطي" غولتكين أويصال.

وفي فبراير/شباط 2022، توسع التحاف وانضم إليه رسميا 6 من قادة أحزاب المعارضة، بانضم أحمد داود أوغلو رئيس حزب "المستقبل"، وعلي باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، الذين أصبح يشار إليهم أيضا باسم "الطاولة السداسية".

وفي 7 مايو 2023 قال الكاتب الأميركي بوبي جوش، في مقالة لمجلة "التايم" الأميركية، إن كليتشدار أوغلو سياسي مخضرم ولكنه يفتقر إلى الكاريزما بشكل واضح، في مواجهة أردوغان، أحد أقوى الزعماء في تاريخ البلاد. 

وأضاف: "لذلك يعتمد كليتشدار أوغلو على 3 شخصيات تتمتع بهذه الصفة إلى حد ما، هما: ميرال أكشينار، ومنصور يافاش عمدة أنقرة، وأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول.

وفي 5 مايو 2023، قال الكاتب التركي "أورهان آقزاده": "إن كليتشدار أوغلو حالة أفرزتها سياسات خاطئة، لكن بالنظر إلى التركيبة التركية عموما على المستوى الشعبي، والسياسي، والعسكري والأمني فإن هذه الحالة لن تدوم طويلا".

وأضاف: "الأحزاب السياسية لن تقبل بمن سيعيد تركيا إلى عصور الظلام، والجيش لن يسمح بأن يمس أمن الوطن، وأن يعود احتياجه وتسليحه مرهونا بالخارج بعد أن شعر بالقوة والاستقلالية"، وفق موقع "عربي بوست".

وأوضح: "لن يقبل بأن تعود تركيا لتنغلق على نفسها، وتبتعد عن عمقها التركي الإستراتيجي بعدما شعرت بالتنفس ورحابة فضاء حركتها وتواصلها، وهكذا فإنه حتى لو نجح فلن يستمر طويلا، رغم ما سيكون لهذه الخطوة من ارتدادات على الداخل والخارج".