"فضيحة مالية".. لهذا تشن النقابات الموريتانية حملة نارية ضد الحكومة

عالي عبداتي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

صدّق البرلمان الموريتاني في 26 يوليو/ تموز 2022 على تخصيص 62 مليون أوقية وربع المليون (نحو مليون و600 ألف دولار) في إطار قانون المالية العامة، كدعم خاص لاتحاد العمال الموريتانيين المحسوب على السلطة.

ويتجاوز هذا المبلغ مجموع الدعم الكلي المخصص للمركزيات النقابية مجتمعة، والبالغ 39 مليونا و400 ألف أوقية (نحو مليون و100 ألف دولار)، وهي خطوة جعلت النسيج النقابي الموريتاني يتحد لمعارضتها والتأكيد على مخالفتها للقانون.

ومرد اعتراض النقابات، أن العادة جرت بأن تخصص الحكومة دعما سنويا لكل النقابات البالغ عددها 38 مركزية نقابية، يوزع الدعم عليها جميعا، بصرف النظر عن ترتيب هذه النقابات.

وبدل تقوية هذا الدعم السنوي والزيادة فيه بشكل عام لصالح كل النقابات، خصصت الحكومة لاتحاد العمال الموريتانيين دعما مباشرا، ودون المرور بالآلية القانونية المخصصة للدعم، أي أن يشمل الجميع دون تمييز.

سابقة خطيرة

ووصف الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا، عبد الله ولد محمد، تخصيص المبالغ المالية لاتحاد العمال الموريتانيين المحسوب على السلطة، بأنه سابقة خطيرة وتبديد للمال العام.

وأشار ولد محمد في تصريح لموقع "الأخبار"، في 13 أغسطس/ آب 2022، إلى أن منح أموال لنقابة منافسة من أموال دافعي الضرائب، يقلل من مصداقية إشراف الدولة على التمثيلية النقابية.

وشدد المسؤول النقابي الموريتاني، على أن الدعم الذي قدم لهذه النقابة غير قانوني، وأن نقابته (الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا) تحتفظ بحقها في الرد المناسب بخصوص هذا الموضوع.

هذا التمييز الحكومي لصالح نقابة دون باقي النقابات، جعل الكاتب الصحفي الشيخ الهيبة سيداتي، يستعرض نتائج انتخاب المناديب في اثنتين من أهم الشركات الموريتانية، لإثبات أن هذا الدعم الاستثنائي لاتحاد العمال الموريتانيين لا يقوم على أي معيار موضوعي أو محايد.

ويقصد بالمناديب، العمال الذين يتم انتخابهم من طرف زملائهم في العمل، للقيام بدور الوساطة بين العمال وصاحب العمل، فيعرضون عليه المطالب ويوقعون معه الاتفاقات ويشعرونه بالاحتجاجات.

وقال سيداتي، إن انتخاب المناديب في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "SNIM"، وهي أكبر مشغل بموريتانيا بعد الوظيفة العمومية، خلال انتخابات فبراير/شباط 2022، جاءت خلاله نقابة الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا في المرتبة الأولى بـ9 مناديب، يليها اتحاد العمال الموريتانيين بـ5 مناديب.

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 14 أغسطس، أن  الكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية جاءت في المرتبة الثالثة بـ3 مناديب، بمعية الكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا بـ3 مناديب أيضا.

أما في الشركة الثانية، وهي شركة الصرف الصحي والنقل والصيانة "ATTM"، وفق سيدتي، فجاءت الكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية أولا بـ4 مناديب، تليها الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا بمندوبين، فاتحاد العمال الموريتانيين بمندوب واحد.

إذن، يتساءل المتحدث ذاته، "على أساس أي معيار يخصص دعم من ميزانية الدولة لاتحاد العمال الموريتانيين دون غيره من المركزيات النقابية والتي تفوقت عليه في انتخابات تمثيل العمال؟".

إجراء غير قانوني

من جانبه، عبر ‏الأمين العام‏ للنقابة الحرة للمعلمين الموريتانيين سيد محمد ولد اصنيب، عن تعجبه الشديد من تخصيص اتحاد العمال الموريتانيين بمبلغ 62 مليون أوقية، من ميزانية الدولة الموريتانية دون مسوغ واضح، في حين توزع على 38 مركزية نقابية من ضمنها أيضا الاتحاد مبلغ 40 مليون أوقية!

ولمن لا يعلم، يردف ولد اصنيب في تدوينة عبر فيسبوك في 16 أغسطس، فإن الدولة ملزمة بتقديم دعم سنوي للمركزيات النقابية، بيد أن هذا الدعم من شروط توزيعه معايير تصر وزارة "الوظيفة العمومية والعمل" إصرارا على إهمالها بتنكرها لمقتضيات التمثيلية النقابية.

وتابع المسؤول النقابي، كما أن وزارة الوظيفة العمومية والعمل لا تعير اهتماما للمعايير الموضوعية التي تم الاتفاق عليها هذا العام، ومنها تعهد الوزير باستكمال التمثيلية النقابية قبل انقضاء 2022، عادّا أن هذه الوعود غير صادقة.

ومن هذه المعايير، يقول ولد اصنيب لـ"الاستقلال": امتلاك النقابة لمقر، ووجود منتسبين لها، وتسديدها لفواتير الماء والكهرباء، وامتلاكها موظفين يعملون لصالحها، ووجود منتسبين، ووجود نقابات قطاعية.

وتابع ذكر المعايير قائلا: وأن يكون لها حضور إعلامي، وأن تتوفر على علاقات خارجية مع نقابات دولية وإقليمية، ثم أن يكون لها تمثيل في مؤسسات العمال.

وكان وزير الوظيفة العمومية والعمل محمد عبد الله ولد عثمان، قد صرح في البرلمان، في 9 يونيو/حزيران 2022، بأن قطاعه سيحسم مسألة التمثيل النقابي في البلاد ولأول مرة في الآجال الضرورية، مؤكدا ثقته في إرادة الإصلاح الجاد الذي تنتهجها الحكومة.

وذكر ولد عثمان بالتصديق على خارطة طريق لإكمال مسار التمثيل النقابي، وذلك بعد التشاور مع المركزيات النقابية على الآلية التمثيلية النقابية خلال الورشة التي جرى تنظيمها في ديسمبر/كانون الأول 2021. 

وأشار إلى أن حسم الأمر يتطلب الكثير من الإجراءات كـ"إنشاء لجنة وزارية لقيادة مسار تحديد تمثيلية المنظمات المهنية، والقيام بمهمة إلى بلدان سبقت إلى تنظيم انتخابات مهنية، للاستفادة من تجاربها، وتشكيل لجنة وطنية ثلاثية التمثيل للإشراف على الانتخابات".

وأضاف الوزير الموريتاني، كما يتطلب "التصديق على النصوص المتعلقة بتحديد تمثيلية المنظمات المهنية، وإرشاد الموظفين والوكلاء العقدويين للدولة وعمال المقاولات والمؤسسات بشأن الإطار التنظيمي للانتخابات، والتصديق على مقرر يحدد الجدول الزمني والقواعد العملية لتنظيم الانتخابات المهنية".

فيما شدد ولد اصنيب على أن وزارة الوظيفة العمومية والعمل سوت عند تقسيم المبلغ المخصص للنقابات، والذي وصفه بـ"الزهيد"، بين المركزيات النقابية الشامخة وبين تلك الموجودة في حقيبة المسترزق المتاجر بها!

وخلص إلى أن المعايير الموضوعية لا تخدم نقابة اتحاد العمال الموريتانيين للحصول على مبلغ 62 مليون أوقية، موضحا أنها في انحسار وتقهقر، ولم تتصدر أيا من انتخابات المناديب في المؤسسات الموريتانية الكبيرة، كما أنها لا تمتلك نقابات فاعلة في التعليم ولا في الصحة.

وأكد الفاعل النقابي أن اتحاد العمال الموريتانيين الذي سينال نصيبه من الأربعين مليون أوقية المخصصة لدعم النقابات، سيستفيد أيضا من 62 مليون أوقية أخرى، بغير مبرر سوى لتبعيته للحكومة وللحزب الذي يقودها، حزب "الانصاف"، المسمى سابقا "الاتحاد من أجل الجمهورية"، مشددا أن هذا الأمر واضح ولا يحتاج لمزيد تدليل.

اعتراض شامل

تفاعلا مع الحدث، اجتمعت منظمات نقابية موريتانية لبحث الأمر، بلغ عددها 36 منظمة ومؤسسة نقابية وعمالية ومهنية، وأصدرت بيانا مشتركا، بتاريخ 16 أغسطس، توصلت صحيفة "الاستقلال" إلى نسخة منه.

وعبرت هذه النقابات عن إدانتها لهذا العمل الذي وصفته بـ"الفاضح"، والذي لا يقتصر على استخدام الأموال العامة بطريقة غير أخلاقية وغير قانونية لصالح جهة غير حكومية يفترض أنها مؤسسة مستقلة، بل هو تصرف يدوس على أحكام اتفاقيات منظمة العمل الدولية.

وأضافت: ولا سيما الاتفاقية 87 الصادرة سنة 1948م بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم، والاتفاقية رقم 144 الصادرة سنة 1976م بشأن المشاورات الثلاثية المتعلقة بمعايير العمل الدولية، كما يدوس تشريعات العمل الوطنية، خاصة مدونة الشغل.

ورأت النقابات الموقعة على البيان، أن هذا الدعم المخصص لاتحاد العمال، هو "تمييز صارخ"، تبدو معه الحكومة مستمرة في تبني دعم منظمة نقابية عمالية على حساب المنظمات النقابية الأخرى، ضاربة بعرض الحائط استقلال المنظمات الذي هو ضرورة للدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمهنية للعمال.

وشددت على أن "مثل هذا العمل يسيء إلى سمعة الحكومة ويلقي بظلال من الشك على حيادها في العلاقات مع النقابات، وخاصة فيما يتعلق بتحديد التمثيلية النقابية".

ودعت النقابات الـ 36، الحكومة الموريتانية "إلى التراجع الفوري عن هذا الخرق الواضح وتوجيه المبالغ إلى دعم المركزيات النقابية وتوزيعها عليها بالتساوي إلى حين تنظيم التمثيلية النقابية".

وأعلنت للرأي العام الموريتاني والدولي عن "رفض هذا الاستفزاز الجديد الذي يستهدف القضاء على العمل النقابي ومصالح العمال الموريتانيين، محملا "الحكومة المسؤولية الكاملة عما يمكن أن ينتج عنه".

وخلصت إلى التأكيد أن النقابات "ستبقى جاهزة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لاحترام الحقوق والمساواة".

من جانبه، قال الأمين العام للكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية "CNTM" محمدو الرباني، إن هذا الإجراء الذي قامت به الحكومة في غاية الغرابة والشذوذ والبعد عن القانونية، وهو صرف لموارد الدولة صرفا في غير حله ولا محله.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن الحكومة تخصص 40 مليون أوقية لكافة المركزيات النقابية، ورغم أنه مبلغ زهيد جدا، إلا أنها لم تحدد التمثيلية النقابية حتى تؤثر مركزية بدعم خاص، مشددا أن مؤشرات الواقع لا ترجح كفة المنظمة المدعومة بهذا المبلغ.

وعليه، يردف المتحدث ذاته، هذا التصرف فيه تمييز مرفوض، وهو قرار يجعل الحكومة تتخلى عن الحياد الواجب في العلاقات مع النقابات، ويفقد حديثها عن التمثيلية النقابية أي مصداقية.

وتابع الرباني، هناك شبه إجماع من المركزيات النقابية على رفض هذا القرار والعمل على إلغائه بكل السبل المشروعة المتاحة.

وخلص إلى أنه كان واضحا وجود دعم غير مباشر، والضغط على العمال لتوجيههم نحو نقابة معينة، ومضايقة بعض النقابات الجادة، لكن "لم يكن متخيلا أن يصل الأمر إلى هذا الحد من الانحياز".