علي شمخاني.. عسكري إيراني معاقب أميركيا يقود التقارب مع الرياض

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"عراب التقارب العربي الإيراني، ومحل ثقة (المرشد الأعلى) علي خامنئي"، هكذا يوصف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الذي حضر في الجولة الخامسة من المحادثات الإيرانية السعودية بالعاصمة العراقية بغداد في 21 أبريل/ نيسان 2022.

سلطت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الاستخباراتية الفرنسية، خلال عددها الصادر في 6 مايو/ أيار 2022، الضوء على أبرز المحطات المهنية للشخصية البارزة في النظام الإيراني والذي سطع نجمه عقب سقوط حكم الشاه وتأسيس دولة دينية بقيادة "آية الله الخميني".

نفوذ متزايد

وقالت المجلة الفرنسية إن "شمخاني يتجاوز بشكل منتظم حدود منصبه، ويعد نفسه مسؤولا عن النهوض بمصالح إيران في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من العديد من الفضائح العائلية، فإنه يحاول إحياء الثقة في شخصه والحفاظ على سمعته نظيفة".

يحظى علي شمخاني بأجندة مليئة بالمهام الدولية، ولذا أرسل إلى بغداد لحضور الجولة الخامسة من المفاوضات الجارية بين طهران والرياض برعاية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

وفي ظل إشرافه على مفاوضات الملف النووي في فيينا، والمباحثات مع الإمارات، إضافة إلى الملف الأفغاني في ظل حكم حركة طالبان، يزداد نفوذ شمخاني أكثر فأكثر، ويضيف المزيد من الأوراق إلى جعبته، وفقا للمجلة الفرنسية.

في الوقت نفسه، تضيف المجلة: "يتعين عليه الخوض في تعقيدات المشهد الإيراني الداخلي، حيث تقترن هيمنة المرشد الأعلى خامنئي بالسيطرة المتزايدة باستمرار للحرس الثوري على الأجهزة الأمنية في البلاد".

عام 2013، عين المرشد، شمخاني لرئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو المجلس المسؤول عن تحديد السياسة الدفاعية لإيران، وتنسيق الاستخبارات وتحديد التهديدات الداخلية والخارجية.

احتل شمخاني مكانة فريدة في قطاع الأمن الإيراني، كما أصبح أكثر نفوذا منذ اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020، في غارة أميركية ببغداد.

يأتي هذا النفوذ المتزايد في ظل عجز قائد فيلق القدس الحالي إسماعيل قاآني، نوعا ما، حيث يبدو غير قادر على الإمساك التام بزمام الأمور، تاركا الطريق مفتوحا أمام شمخاني الذي لعب بالفعل دورا كبيرا في العديد من ملفات سليماني الرئيسة في كل من العراق وسوريا.

يتنقل شمخاني بين عواصم المنطقة كمفاوض بارز لتعزيز موقف إيران. ففي مارس/آذار 2022، وقع اتفاقا أمنيا مع الجانب الأوزبكي في طشقند.

كما زار في يناير 2022 عُمان، وأجرى محادثات مع رئيس جهاز المخابرات العامة السعودي، خالد بن علي الحميدان، وزار العاصمة الهندية نيودلهي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، لمناقشة الوضع الأفغاني.

عربي الأصل

 ولد شمخاني عام 1955 بمدينة الأحواز في إيران، وينتسب إلى عشيرة الشماخنة التابعة لقبيلة بني ربيعة العربية، قتل أخواه محمد وحامد في مواجهات مع الجيش العراقي خلال الحرب الإيرانية العراقية.

درس في كلية الزراعة من جامعة الأهواز وتخرج منها، ثم نال شهادة الماجستير في الشؤون العسكرية، وماجستير في الإدارة، ورقي إلى رتبة قائد عام في سن الثلاثين.

وكان في طليعة "الثورة الإسلامية" ضد نظام الشاه في إيران منذ اندلاعها عام 1979، وقد كوفئ على خدمته المثالية.

اكتسب شمخاني، خبرته داخل الحرس الثوري، وحافظ على علاقات قوية معه، استفاد منها جيدا، حتى أثناء توليه منصبه في مجلس الأمن القومي، فهو يحسب على المحافظين ويحتفظ بالولاء للمرشد، الذي حصل على  ثقته.

وفضلا عن صعود نجمه السريع، يتمتع شمخاني، المنحدر من عائلة عربية، بمكانة متميزة في إيران، كونه  موكلا بملفات الحوار مع جيران طهران العرب.

كما أنه الإيراني الوحيد الذي أعطي عام 2002 وسام الملك عبدالعزيز بالرياض تقديرا لجهوده في الوساطة بين البلدين.

أمضى عدة سنوات مع عائلته في لوس أنجلوس الأميركية، أثناء المرحلة النهائية من دراسته الثانوية، ما منحه اطلاعا واسعا على الثقافة الأميركية، وغالبا ما يحظى شخص كهذا بتقدير كبير لدى النخبة الإيرانية، حتى لو لم يوافق على هذه الثقافة.

ساهم بتأسيس قوات الحرس الثوري الإيراني، وكان أول قائد لها في إقليم خوزستان، ثم قائدا للقوات البرية التابعة لها، فنائبا للقائد العام لقوات الحرس.

وإبان الحرب الإيرانية العراقية تولى العديد من المناصب، فكان قائد القوات العسكرية في إقليم خوزستان، وقائدا بالإنابة للقوات الإيرانية المشرفة على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (598) لإنهاء الحرب بين إيران والعراق، كما تولى منصب قائد القوات البحرية.

وفي عهد حكومة مير حسين موسوي أصبح وزيرا لقوات الحرس الثوري، ثم عينه خامنئي قائدا لقوات البحرية التابعة لها وللجيش في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني، وتولى منصب وزير الدفاع في الفترة ما بين 1997-2005 في عهد الرئيس محمد خاتمي.

عينه خامنئي عضوا في المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ورئيسا للمركز الإستراتيجي للقوات المسلحة الإيرانية في عهد الرئيس أحمدي نجاد.

ثم عين أمينا للمجلس الأعلى  للأمن القومي عام 2013 في بداية رئاسة حسن روحاني.

نشط على الصعيد السياسي والديني في الشارع الإيراني، ورشح نفسه للانتخابات الرئاسية عام 2001، فاحتل المركز الثالث من بين عشرة مرشحين خاضوا الانتخابات التي أدت إلى فوز محمد خاتمي للمرة الثانية.

لكن نشاطه سبق ذلك بكثير، ففي أواخر عهد الشاه وعشية الثورة الإيرانية كون علاقات مع آية الله المنتظري الذي كان منفيا في إقليم خوزستان.

وانتسب في هذه الفترة إلى مجموعة دينية مسلحة سرية في مدينة الأهواز، نفذت بعض العمليات العسكرية المناوئة لنظام الشاه.

معاقب أميركيا

بقيت علاقة شمخاني ومير حسين موسوي قوية حتى ما بعد انتخابات 2009 عندما تحول رئيس الوزراء السابق إلى معارض في الإقامة الجبرية.

شمخاني تمايز في موقفه من احتجاجات ما بعد انتخابات 2009 حيث قال "لقد فوجئنا بطريقة التعامل مع الأحداث، وكان بإمكاننا القيام بعمل أفضل، إلا أن الظروف لم تسمح".

ورفض شمخاني إطلاق وصف الفتنة على تلك المرحلة؛ لأن ذلك لن يغير من الأمر شيئا، وأنه لا يجب وضع اتهامات لإخراج أحد من سفينة الثورة (في إشارة إلى مخالفته لاعتقال موسوي).

عام 1999، حاز شمخاني على رتبة "أدميرال" (ما يعادل اللواء)، إضافة إلى ثلاث ميداليات شجاعة من المرشد خامنئي، وفي عام 2001، وخلال زيارته إلى موسكو، أعجب بصاروخ (Sunburn) الإستراتيجي، عالي الفاعلية.

وقتها أشار على القيادة في طهران بإجراء مباحثات لشرائه ونجحت العملية، واليوم يعد الصاروخ رافعة قوية للبحرية الإيرانية.

عام 2005، اندلعت احتجاجات في الأحواز اعتراضا على ما سمي بسياسات إيران للعمل على تغيير النسيج السكاني للإقليم.

فحاول شمخاني لعب دور الوسيط بين الحكومة والمنتفضين، إلا أن سكان المحافظة رفضوا تدخله ورموه بالحجارة والطماطم عندما حاول زيارة أحد معاقل الانتفاضة بحي الدايرة في الأهواز.

في 11 يناير/ كانون الثاني 2009، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية ثمانية مسؤولين كبار في إيران على قائمة العقوبات، كان من بينهم علي شمخاني.

ورغم القبول الواسع الذي تحظى به شخصية كشمخاني، فإن فضيحة عائلية قد أفسدت هذه السمعة.

ففي فبراير/شباط 2022، عثر قبالة السواحل الهندية على وثائق شخصية مزورة على متن سفينة مستأجرة من قبل شركة "الأدميرال للملاحة"، التي يملكها ولداه حسين وحسن شمخاني.

كما سبق أن قبض على صهره حسين مير محمد علي عام 2018، في قضية تتعلق بتصاريح بناء مزورة في حي فاخر يعرف باسم "بيفرلي هيلز الإيراني".

هذا الصهر نفسه سبق أن فتح أيضا حسابات باسم ابنه، والذي لم يكن قد تجاوز حينها ثلاثة أعوام فقط، وذلك لتسجيل عدد من ممتلكاته.