اكتشاف بالصدفة.. ماذا وراء ظاهرة اختفاء الأطفال اللاجئين في النمسا؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ما تزال قضية اختفاء الأطفال القصر غير المصحوبين بذويهم ممن تقدموا بطلبات لجوء في النمسا، تثير تساؤلات عريضة حول أسباب شيوع هذه الظاهرة، وسط مخاوف من تعرضهم لشبكات الاتجار بالبشر

و"بالصدفة" أثارت البرلمانية النمساوية عن حزب "نيوس" الليبرالي ستيفاني كريسبر، في 7 أبريل/ نيسان 2022، مسألة اختفاء الأطفال.

ووجهت كريسبر أسئلة إلى وزير الداخلية النمساوي غيرهارد كارنر بشأن الأطفال، الذي رد بأن الحكومة ليس لديها أي معلومات حول ما حدث لـ4489 من هؤلاء "الأطفال غير المصحوبين بذويهم".

اختفاء الأطفال

ونقل موقع "مهاجر نيوز" الإلكتروني المختص بأخبار اللاجئين، هذه الحادثة، مؤكدا أن نحو 4500 طفل ممن تقدموا بطلب لجوء بالنمسا عام 2021 وكانوا غير مصحوبين بذويهم، اختفوا وفق السلطات النمساوية، مشيرا إلى مخاوف حول تهديدهم من قبل تجار البشر.

وأوضح الموقع أنه في عام 2021، وصل نحو 5770 طفلا ومراهقا إلى النمسا دون أحد الوالدين أو دون وصي قانوني، أو من يطلق عليهم "القصر غير المصحوبين بذويهم"، وتقدموا بطلبات لجوء هناك.

ولفت إلى أن غالبية هؤلاء الأطفال من أفغانستان (3401)، وسوريا (1345)، إضافة إلى آخرين وصلوا من الصومال وبنغلاديش وباكستان والمغرب ومصر، ما يعني أن 78 بالمئة من الأطفال المهاجرين إلى النمسا وحدها عام 2021 مفقودون.

وتعرف اتفاقية حقوق الطفل الأممية، بأنه يطلق اسم طفل على كل شخص تحت عمر الثامنة عشر، ويحب توفير له حقوق الحياة، والحصول على اسم وجنسية، والرعاية من والديه والحفاظ على صلة معهما.

وتقع النمسا وسط أوروبا ويبلغ عدد سكانها نحو تسعة ملايين نسمة، ويبلغ عدد اللاجئين السوريين بها أكثر من 50 ألفا، لكنهم يعانون من نقص الدعم الحكومي، رغم ظروف الرفاهية التي تنعم بها البلاد.

ويرجع جذر المشكلة إلى أن النمسا لا تعين وصيا على القصر غير المصحوبين بذويهم على الفور، كما هو الحال في البلدان الأوروبية الأخرى.

وبحسب ليزا ولفسيغر من منظمة تنسيق اللجوء غير الحكومية، التي تقوم بحملات منذ سنوات عديدة من أجل حماية أفضل للأطفال غير المصحوبين بذويهم، فإنه على الأرجح أن عددا كبيرا من هؤلاء الأطفال سافروا إلى أقارب في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

إذ إن الانضمام إلى أفراد الأسرة من غير الدرجة الأولى في أوروبا يعني بالضرورة الاختفاء من السلطات بالنمسا والسفر عبر طرق "غير قانونية"، لأن لم شمل الأسرة القانوني عبر الاتحاد الأوروبي مفتوح فقط للآباء والأشقاء، ويتم استبعاد الأقارب البعيدين.

لكن لفسيغر أبدت تخوفها من احتمالية أن يكون بعض الأطفال قد وقعوا ضحايا للاتجار بالبشر، فالمخاطر التي يتعرض لها الأطفال المهاجرون الذين يسافرون بمفردهم شديدة بشكل خاص.

ففي كل عام يجرى الاتجار بآلاف الأطفال المهاجرين في أوروبا، بما في ذلك النمسا، حيث تظهر أحدث البيانات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر (UNODC)، أن الفتيان والفتيات يمثلون ثلث ضحايا الاتجار في جميع أنحاء العالم.

تبرير النمسا

في هذا الإطار، أكد رئيس تحرير منصة "IG ميديا" العاملة في النمسا، الصحفي أحمد مراد، لـ "الاستقلال"، أن "موضوع الأطفال المختفين خرج بالصدفة بعد مساءلة من برلمانية نمساوية من الحزب الليبرالي شتيفانيك كريسبر، حول مكان هؤلاء الأطفال".

وأضاف مراد أن "وزير الداخلية النمساوي رد بأنه غير معروف أين ذهبوا؟ وأين وصلت بهم النقطة الأخيرة؟ وأن هؤلاء الأطفال القصر ليس لهم حضانة قانونية يستطيع أي أحد من أقربائهم أن يقوم باحتضانهم ورعايتهم ولذلك هم في حكم المفقودين، وبرر بأنهم على الأرجح ذهبوا إلى دول أوروبية أخرى على أساس لهم أقارب هناك".

ولفت مراد إلى "أن قدوم هؤلاء الأطفال بدون ذويهم سيجعلهم حتما في عداد المفقودين، وخاصة أنه خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة كان الوصول إلى أوروبا حكرا على الأفراد أي بعض أفراد الأسرة للاستفادة لاحقا من قضية لم الشمل".

وأوضح أنه "يكفي وصول الأب أو الأم أو الطفل تحت الـ18 ليلم شمل باقي أفراد العائلة وذلك بخلاف الأعوام السابقة التي كانت تخرج فيها الأسرة بشكل كامل في الغالب".

لكن النقطة الأهم وفق رئيس تحرير "IG ميديا" هي، أن "هؤلاء الأطفال بما أنهم دخلوا الأراضي النمساوية فإنه جرى توثيق أسمائهم ضمن جداول وزارة الداخلية النمساوية، ما يعني أن خروجهم سيكون تحت أعين السلطات النمساوية".

وتعرف النمسا بعدم وجود منظمات عربية فيها لدعم اللاجئين، وكذلك لا يوجد تمثيل حقيقي في البرلمان النمساوي للعرب.

ووفق إحصائيات نشرها "مكتب الإحصاء الأوروبي" (يوروستات)، في 23 أبريل 2021، فإن 13 ألفا و600 طفل تقدموا بطلبات لجوء في بلدان الاتحاد الأوروبي عام 2020.

وبلغت نسبة من تتراوح أعمارهم بين 16 و17 سنة 67 بالمئة، وبلغ عددهم تسعة آلاف و100 طفل، بينما من تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عاما وصلت نسبتهم إلى 22 بالمئة مع ثلاثة آلاف طفل، وكان 11 بالمئة منهم دون سن 14 عاما وبلغ عددهم ألفًا و500 طفل.

واستحوذت اليونان على أكثر من 20 بالمئة من جميع طالبي اللجوء القصر غير المصحوبين بذويهم في دول الاتحاد مع تسجيل 2800 طلب في عام 2020، وتلتها ألمانيا 16 بالمئة، والنمسا 10 بالمئة، وبلجيكا 9 بالمئة، وهولندا ورومانيا 7 بالمئة في كل منهما.

وشكلت هذه الدول الست مجتمعة أكثر من 70بالمئة من طلبات اللجوء المقدمة من القصر غير المصحوبين بذويهم في الاتحاد الأوروبي.

احتماليات الاختفاء

وتنتهج النمسا سياسة مقيدة للهجرة منذ سنوات عديدة، ومثل ألمانيا تعد النمسا واحدة من الوجهات الرئيسة للمهاجرين، الذين وفقا للسلطات غالبا ما يأتون لأسباب اقتصادية وهربا من الحروب.

وأكد تحقيق نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، اختفاء نحو 18 ألفا و292 من الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، بعد وصولهم إلى دول أوروبية في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2018 وديسمبر/كانون الأول 2020.

وأوضح التقرير، الذي نشر في 21 أبريل 2021، أن 90 بالمئة منهم كانوا من الذكور، وحوالي واحد من كل ستة لم تتجاوز أعمارهم الـ15 عاما.

وذهب الصحفي أحمد مراد للقول، إن أسباب اختفاء الأطفال متعددة وتتنوع، إذ "ربما يرجع للإتجار بالبشر، أو يكونون قد ذهبوا مع أقارب لهم إلى بلدان أوروبية أخرى، أو يمكن أن يكون هناك منظمات سحبتهم من أجل الرعاية والحضانة".

واستدرك قائلا: "لكن كل ذلك يحدث بلا مسؤولية ولا اكتراث من الداخلية النمساوية حول هؤلاء الأطفال الذين قدموا من مناطق الحروب بالمشرق المنكوب وجرى تسجيلهم في النمسا وعقب ذلك فقدوا".

ومضى مراد يقول: "مع ذلك لا نستطيع أن ننفي أو نؤكد أن هؤلاء الأطفال يجرى أخذهم وإعطاؤهم لعائلات أخرى، وبالتالي هذا الموضوع يحتاج إلى تحقيق برلماني أو من منظمات غير حكومية للوقوف على حقيقة الأطفال المفقودين".

ودرجت ظاهرة إرسال الأهالي لأولادهم تحت سن الـ 18 إلى دول أوروبية عبر مهربين أو رفقة أقارب لهم، بهدف حصول هؤلاء على اللجوء، ثم يتمكنون من الاستفادة من قانون لم الشمل لذويهم.

ويؤكد أحمد سعيد وهو لاجئ في النمسا لـ"الاستقلال" أن "كثيرا من الأطفال منذ عام 2020 قدموا إلى النمسا مع أقرباء لهم ومكثوا فيها لأشهر ثم هربوا نحو ألمانيا أو هولندا".

وأرجع السبب في ذلك إلى أن ميزات اللجوء أفضل أولا، ولوجود أقارب لهم حيث يختفي هؤلاء لفترة عندهم قبل تقديم اللجوء بشكل نظامي للسلطات الألمانية من أجل لم الشمل".

وختم بالقول: "اضطرار التبصيم في النمسا هو السبب الرئيس وراء تركها لأن سمعتها بالنسبة للجوء تختلف عن باقي الدول من ناحية الميزات وصعوبة تأمين السكن".

أضف لذلك ضرورة قيام اللاجئ بكورسات اللغة الرسمية الألمانية وتحقيق مستوى معين منها، كما أن هناك أطفالا يصلون من دول يمكن ترحيلهم من هناك إلى بلدهم الأم، وفق سعيد.