مع دعمها القوي لحفتر.. هل تتمكن فرنسا من دفع الليبيين نحو الانتخابات؟

منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يدرك كثير من الليبيين أن استمرار الحرب في البلاد لن يغير شيئا من الجغرافيا السياسية المؤلمة والانقسامات التي باتت تهدد وحدة البلاد. 

ويرى المهتمون بالشأن الليبي أن التحدي الرئيس الذي تواجهه البلاد في الوقت الراهن هو إدارة العملية الانتخابية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 والتداول السلمي للسلطة والدفع نحو إجراء تلك الانتخابات في موعدها. 

من هنا يعول البعض على مؤتمر باريس المنعقد في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لإعطاء دفعة قوية لتلك الانتخابات وإنهاء حالة الانقسام والاحتراب الداخلي. 

كما يرى البعض أن المؤتمر هو آخر دفعة دولية في اتجاه إجراء الانتخابات الليبية وثمرة للجهود التي رعتها الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية.

ومن المفترض أن تطوي هذه الانتخابات حال انعقادها، صفحة عقد من الفوضى التي دخلت فيها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011 وأن تضع حدا للانقسامات والصراعات بين المعسكرين المتنافسين بحسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية. 

ويشير تقرير للصحيفة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى عودة التوترات للظهور مرة أخرى مع اقتراب موعد الاقتراع.

ويشك كل معسكر في أن الآخر يريد سحب الغطاء عنه مما يجعل إجراء الانتخابات غير مؤكد في ظل نظام أمني لا يزال هشا. 

وفيما يشدد الموقف الفرنسي على ضرورة جعل العملية الانتخابية غير قابلة للطعن ولا رجوع فيها وضمان احترام نتيجة الانتخابات بعد ذلك، يشكك البعض في الدور الفرنسي الداعم للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، خلال الفترة السابقة.

مشاركة واسعة 

تعطي المشاركة الواسعة من عدد من الدول الغربية زخما كبيرا للمؤتمر بما في ذلك مشاركة كمالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي والمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل.

كما يشارك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وممثلون لدول أخرى تربطها علاقات واتفاقات مع ليبيا مثل تركيا وتونس والجزائر والنيجر وتشاد. 

ويرى موقع ناشيونال إنترست الأميركي أن حضور هاريس للمؤتمر يعني أن البيت الأبيض يولي اهتماما وأن الإدارة تمهد الطريق لنيل الفضل لما قد يكون إنجازا تاريخيا في إنهاء الحرب الأهلية التي اجتذبت جحافل من المرتزقة الأجانب وقتلت عشرات الآلاف من الليبيين. 

ونقل الموقع عن مسؤولين بالبيت الأبيض في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قولهم: "نريد أن نظهر دعمنا للشعب الليبي وهو يتجه نحو الانتخابات الوطنية بينما يجرى التركيز على أهمية انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة" .

واعتبر الموقع أن الولايات المتحدة من خلال ضغطها لإجراء الانتخابات الوطنية وطرد المقاتلين الأجانب والمرتزقة خارج البلاد قد انتصرت في كلا الأمرين. 

وقال: "في حين أن الليبيين قد يكونون قادرين على تقرير مستقبلهم في انتخابات حرة ونزيهة في نهاية العام، فمن غير المرجح أن تخرج القوات التركية (تدخلت وفق اتفاق بين البلدين) ونظيرتها المدعومة من روسيا دون ضغوط إضافية".

ومن بين الدول المشاركة أيضا فرنسا التي ترعى المؤتمر والمعروفة بدعمها للجنرال الانقلابي حفتر. 

وعثر في يوليو/تموز 2019 على صواريخ فرنسية في قاعدة عسكرية جنوب العاصمة طرابلس تابعة لمليشيات موالية لحفتر.

واعترفت فرنسا بأن الأسلحة مملوكة لها لكنها نفت إمداد حفتر بها قائلة إن القوات الفرنسية في ليبيا فقدت أثرها.

بالإضافة إلى ذلك يشارك رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي المعروف بمساندته لحفتر بالعتاد والطيران الحربي في المؤتمر.

كما تشارك روسيا في المؤتمر وهي أيضا معروفة بمد حفتر بمرتزقة فاغنر خلال هجومه الفاشل للسيطرة على العاصمة طرابلس عام 2019 ومساندتها له رغم المطالب الدولية بإخراجهم.

الباحثة في منظمة هيومان رايتس ووتش "حنان صلاح" شددت على أهمية ضمان إجراء عملية انتخابية حرة وضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة. 

واعتبرت صلاح في مقال منشور على موقع المنظمة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن الانتخابات المقبلة فرصة لإجراء إصلاحات ضرورية للغاية في ليبيا.

وطالبت القادة الدوليين باغتنام هذه الفرصة لضمان حصول الليبيين، عندما يذهبون للتصويت، على أفضل فرصة لانتخاب رئيس وبرلمان جديدين بطريقة عادلة.

وطرحت صلاح العديد من الأسئلة على الزعماء المشاركين في المؤتمر حول إمكانية أن تضمن السلطة انتخابات خالية من الإكراه والتمييز والترهيب للناخبين والمرشحين والأحزاب السياسية، وكيف يمكن للسلطات ضمان أن يكون التصويت شاملا.

وتساءلت: هل هناك خطة أمنية قوية لمراكز الاقتراع؟ وهل النظام القضائي قادر على التعامل بشكل سريع وعادل مع النزاعات المتعلقة بالانتخابات؟ 

كما تساءلت: هل يستطيع منظمو الانتخابات ضمان وصول المراقبين المستقلين إلى مراكز الاقتراع، حتى في المناطق النائية؟ وهل نظمت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عملية تدقيق خارجية مستقلة لسجل الناخبين؟

وقالت الناشطة الحقوقية إنه بالنظر إلى الوضع في ليبيا يمكن للمرء أن يشك في ذلك، مشيرة إلى وجود قوانين مقيدة لحرية التعبير وتكوين الجمعيات. 

بالإضافة إلى قيام الجماعات المسلحة بترهيب الصحفيين والناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومضايقتهم وتهديدهم والاعتداء عليهم جسديا واحتجازهم بشكل تعسفي دون عقاب. 

تخوفات كبيرة

تشوب الانتخابات الليبية العديد من المخاوف والتهديدات التي يمكن أن تؤدي في نهايتها إلى تأجيلها في ظل عدم وضوح القوانين التي أقرها البرلمان بعيدا عن المجلس الأعلى للدولة.

صحيفة لاكروا الفرنسية أثارت تساؤلات حول إمكانية تبديد هذا المؤتمر للغيوم التي تتجمع قبل الانتخابات والتشكيكات المتصاعدة حول إمكانية إجرائها. 

وتتزايد الشكوك حول إجراء الانتخابات في ليبيا بعد تأجيل البرلمان الانتخابات التشريعية لمدة شهرين في مخالفة لخارطة الطريق السياسية الليبية ومخرجات مؤتمر برلين الثاني.  

وكررت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا دعوتها في 30 أكتوبر/تشرين الأول لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول.

الباحث في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، جليل حرشاوي، شكك في إمكانية تنفيذ أي وساطة على الصعيد الدولي بعمل مقنع في الأزمة الليبية وخاصة فرنسا. 

وأضاف حرشاوي في تصريحات لصحيفة لاكروا في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021: "لجعل هذا الاحتمال ذا مصداقية ولضمان إجراء انتخابات بدون تزوير واسع النطاق أو من دون إغلاق المليشيات لمراكز الاقتراع، على الأقل ليس عن طريق فرنسا".

وبين أن دبلوماسية فرنسا تتميز بالعديد من التوترات والتي دعم مستشارها المؤثر للإليزيه، بول سولير، هجوم المشير حفتر على طرابلس.

واعتبر حرشاوي أن من بين أهم المخاطر والخلافات هي عدم وجود ضمانة قانونية لتزامن الانتخابات التي كانت إحدى النقاط الأساسية في خريطة الطريق. 

وبين أن ذلك سيتطلب تعديلات على قوانين الانتخابات التي جرى تبنيها بطريقة مبهمة تماما في 8 سبتمبر/أيلول و4 أكتوبر/تشرين الأول.

وأشار إلى أن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق شرق ليبيا، يمثل عقبة خطيرة وأنه وضع قانون الانتخابات بطريقة تناسبه حتى يتمكن من الجري دون المخاطرة بفقدان وظيفته.  

وقال: "يريد عقيلة صالح أن يرى نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية للنظر في موعد الجولة الثانية، والتي من المحتمل أن يتم دمجها مع الانتخابات التشريعية، لكن لا شيء يلزمها، يمكن تأجيلها بشكل دائم".

وسواء أجريت الانتخابات على الرغم من كل الخلافات، أو تم تأجيلها فجأة دون ضمانات، في كلتا الحالتين، "فإننا نواجه مخاطر سيناريوهات ضارة للغاية"، وفق قوله.

صحيفة جون أفريك الفرنسية رأت أيضا أن إجراء الانتخابات الليبية يبقى غير مؤكد في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى حيث تعتقد الأحزاب أن البلاد غير مستعدة لها، رغم أنها تمنح الليبيين قادة شرعيين. 

ويشير تقرير جون أفريك في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى تزامن الانتخابات مع توترات تدور في الكواليس بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة.

وتصاعد الخلاف بين الطرفين بعد قرار المجلس الرئاسي تعليق عمل وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش وتحويلها للتحقيق في تصريحات منسوبة لها بوسائل إعلام أجنبية قالت فيها إن الدولة ستتعاون مع الولايات المتحدة في تسليم أحد المتهمين الليبيين في قضية لوكربي.

 وهو ما اعتبرته المؤسسة الرئاسية تدخلا في شؤونها والانفراد بالملف الخارجي بعيدا عن الرئاسة.

وكانت ليبيا قد أقرت عام 2003 بمسؤوليتها عن حادث تفجير طائرة أميركية أثناء تحليقها فوق منطقة لوكربي في إسكتلندا عام 1988.

وتتعلق القضية بتحديد هوية الأشخاص والجهات التي تقف وراء تفجير الطائرة التي تحمل الرحلة الجوية رقم 103 بان أم الأميركية بعد 38 دقيقة من إقلاعها من لندن باتجاه نيويورك.

وبدوره، عبر موقع ميدل إيست آي البريطاني عن تخوفات أخرى ناتجة عن عدم وجود ما يضمن أن تجرى هذه الانتخابات كما هو مخطط لها. 

وقال في تقريره في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إنه لا يزال هناك حاجة للتغلب على العديد من العقبات، بما في ذلك اعتماد إطار تشريعي ودستوري مناسب.

واعتبر الموقع أن الحلول السابقة التي توصل إليها المجتمع الدولي خلال السنوات التي أعقبت سقوط القذافي كانت كارثية وأضرت بالانتخابات، بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت أخيرا والتي اعتبرها أنها لم تفرق عن سابقتها والتي شكلتها الأمم المتحدة. 

وأضاف التقرير: "نظرا لأن البلاد أصبحت منقسمة أكثر من أي وقت مضى، فلا يوجد سبب لتخيل أن الانتخابات الجديدة ستخفف التوترات التي تمزق البلاد، يمكن أن يجعلوا الوضع أسوأ".

فيما تخوف موقع ناشيونال إنترست من أن القوة العسكرية التي يتمتع بها حفتر ونفوذه السياسي يمكن أن يحبط أي خطط للسلام خاصة وأنه يسيطر على المناطق النفطية الكبرى في البلاد. 

معركة الرئاسة

وتعد الانتخابات الرئاسية أشد تعقيدا من التشريعية حيث سيواجه الرئيس المقبل العديد من الانقسامات الإقليمية والسياسية العميقة داخليا وخارجيا.

 ومن الصعب رؤية كيف سيتمكن أي من الشخصيات السياسية المرشحة للمنصب من تجاوز هذه الانقسامات وتحقيق الإجماع الداخلي والخارجي.

وبعد أن فتحت المفوضية العليا للانتخابات الليبية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني باب الترشح تقدم عدد من الشخصيات البارزة الأخرى بينهم وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، ومندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي ورجل الأعمال عارف النايض، وممثل ليبيا لدى الاتحاد الأوروبي حافظ قدور.

وخلال الأيام الأخيرة برزت العديد من الأسماء التي يمكن أن تتنافس في هذا المضمار من بينها رئيس الحكومة الحالية عبدالحميد الدبيبة ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح بالإضافة إلى الانقلابي خليفة حفتر. 

وعن حظوظ صالح في تلك الانتخابات يرى موقع ميدل إيست آي البريطاني أنه شخصية غير مرغوب فيها في غرب وشرق البلاد، في الوقت الذي يتمتع فيه حفتر بدعم أوسع منه في الشرق لكنه يواجه انتقادات شديدة في الجانب الغربي من الدولة. 

وعلى الرغم من أن حفتر سيكافح لكسب الأصوات خارج برقة وأجزاء من الجنوب للفوز برئاسة البلاد، وسعيه لتقديم نفسه على أنه رجل ليبيا، إلا أنه يظل خطا أحمر للعديد من الفصائل في غرب البلاد بحسب الموقع.

ونقل عن وزير الدفاع الليبي السابق مهدي البرغثي قوله إنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار لليبيا طالما أن حفتر موجود. 

وأضاف البرغثي: "بالإضافة لذلك فإن الدعم الذي كان يمكن أن يحصل عليه حفتر ذات مرة في أجزاء من الغرب، مثل الزنتان وترهونة وبعض المدن الساحلية، قد تبدد إلى حد كبير بعد حربه الأخيرة على طرابلس".

وبالنظر إلى أن الغالبية العظمى من الشعب الليبي تعيش في طرابلس ويجب انتخاب الرئيس بأغلبية الأصوات يرى التقرير أن حفتر لديه أمل ضئيل في العثور على جمهور في غرب البلاد. 

وإذا كان غرب ليبيا أكثر كثافة سكانية من الشرق والجنوب، فإن إقليم طرابلس مقسم أيضا، ولن يكون الأمر سهلا على المرشحين هناك. 

ورجح التقرير أن يتم تقسيم الأصوات في الغرب بين حفنة من المرشحين الذين لا تختلف أجنداتهم السياسية أو أيديولوجياتهم مما يصعب الأمر عليهم. 

وتدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الانتخابات القادمة بشكل رسمي ومعلن.

ومن المهم لدول الاتحاد الأوروبي رغم تباين مواقف بعض دوله، إرساء أسس السلام والاستقرار في ليبيا للسيطرة على الهجرة غير المشروعة والتهديدات الإرهابية المحتملة.

بالإضافة إلى مساهماتها في ملف إعادة الإعمار والاستثمار في القطاعات الإنتاجية المختلفة، مثل قطاع الطاقة.