بعد إنشائها "هيئة حقوق الإنسان" بأيام.. مزاعم الإمارات تتهاوى أمام انتهاكاتها

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتطلع دولة الإمارات إلى إحداث تغيير في صورتها السيئة أمام المجتمع الدولي عبر إنشاء هيئة مختصة بحقوق الإنسان، فيما تعتقد منظمات أن الأمر يبدو وسيلة لدعم مرشحها لرئاسة الإنتربول (الشرطة الدولية) أحمد ناصر الريسي.

كثيرون شككوا في خطوة الإمارات واعتبروها محاولة للتغطية على الجرائم التي يرتكبها النظام في الداخل والخارج لتبييض وجهها أمام المنظمات الحقوقية التي كثيرا ما وجهت انتقادات لاذعة لها.

وبالفعل، فبعد أيام من إنشائها، أصدرت محكمة إماراتية حكما بسجن ناشط سوري، كانت قد اعتقلته وأخفته قسريا، بعد تقدمه بطلب لجوء إلى السفارة الفرنسية بسبب "خشيته على حياته".

وتتعرض دولة الإمارات العربية المتحدة إلى انتقادات بسبب تعدد الانتهاكات وعمليات التعذيب داخل السجون والإخفاء القسري للمواطنين والأجانب بالإضافة لدورها في استمرار حرب اليمن. 

سجل سيء

في نهاية أغسطس/آب 2021 أعلنت السلطات الإماراتية عن قرار بإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بزعم تعزيز وحماية حقوق الإنسان وتوعية أفراد المجتمع بها وتعزيز الحريات في البلاد.

وتضمن القرار الصادر عن رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آن نهيان أن الهيئة تعنى برصد أي تجاوزات أو انتهاكات لحق من حقوق الإنسان والتأكد من صحتها وإبلاغها إلى السلطات المختصة.

لكن الحملة الدولية للحرية في الإمارات أكدت في بيان أن الإعلان عن المنظمة الحقوقية جاء فيما لا يزال أكثر من 200 سجين سياسي محتجزين في سجون الدولة بسبب نشاطهم السلمي والشرعي في مجال حقوق الإنسان.

وقالت الحملة في 31 أغسطس/آب 2021: إن "حكومة الإمارات قامت في حالات عديدة بتعذيب المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في الحجز، وحرمت مواطنيهم من الحق في محاكمة سريعة والوصول إلى محام أثناء التحقيقات الرسمية".

للإمارات سجل حافل بانتهاكات حقوق الإنسان سواء بحق مواطنيها أو المغتربين لديها أو بحق الشعب اليمني من خلال مشاركتها في الحرب التي تقودها السعودية هناك.

ومما يؤكد عدم وجود نية لدى الإمارات لإصلاح الملف الحقوقي لديها، أصدرت محكمة أبو ظبي الاتحادية الاستئنافية في 8 سبتمبر / أيلول 2021 حكما بالسجن 10 سنوات على الناشط الحقوقي السوري عبدالرحمن النحاس بعد أيام من إعلانها عن إنشاء الهيئة. 

جرى اعتقال النحاس مؤسس منظمة "إنسان ووتش" المعنية برصد انتهاكات النظام السوري، في ديسمبر/كانون الأول 2019 على خلفية إرساله بريدا إلكترونيا للسفارة الفرنسية طلب فيه اللجوء السياسي خوفا على حياته، وتم إخفاؤه قسريا حتى بدء محاكمته في يناير/ كانون الثاني 2021. 

في تعليقه على القرار، يقول مركز الإمارات لحقوق الإنسان في تغريدة على تويتر: إن "إنشاء السلطات الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان دون تغيير فعلي على أرض الواقع يكاد يكون مجرد مجاملة ومحاولة لتبييض الواقع الحقوقي السيء حيث ما يزال يقبع في السجون العشرات من معتقلي الرأي". 

وبالتزامن مع الإعلان عن الهيئة نشر المركز عشرات الأسماء من المعتقلين الإماراتيين والأجانب وطالب السلطات بالإفراج عنهم.

واعتبر المركز الحقوقي في منشور آخر أن إنشاء الهيئة بمثابة استخفاف بقوانين حقوق الإنسان والشرائع الدولية. 

آخر التقارير التي تحدثت عن الانتهاكات الإماراتية تقرير مشترك للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومؤسسة إمباركت الدولية لسياسات حقوق الإنسان اتهمتا فيه الإمارات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق مئات العمال الأفارقة المهاجرين خلال الأشهر الماضية. 

وقال التقرير الذي استند إلى أكثر من مئة شهادة لعمال مهاجرين من الكاميرون ونيجيريا وأوغندا: إن الانتهاكات شملت التعذيب والاحتجاز غير القانوني والترحيل القسري بناء على دوافع عنصرية.

وسيلة تلميع

المحامي عبدالمجيد مراري مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة AFD لحقوق الإنسان في باريس يرى أن مسألة إنشاء الإمارات هيئة مختصة بحقوق الإنسان تعتبرها المنظمات الحقوقية محاولة للتغطية ولتلميع صورتها الحقوقية.

وفي حديث لـ"الاستقلال" أشار مراري إلى أنه كان الأولى أن تحسن الإمارات الوضعية الحقوقية في البلاد قبل إنشاء المؤسسات.

وأكد أن إنشاء المؤسسات بشكل عام يتم عندما يكون هناك ما يمكن أن يعطي قيمة لهذه المؤسسة. 

وأضاف: "إنشاء مؤسسة (لا يمكن أن يغطي) على الوضع الحقوقي المهترئ والكارثي، وممارسة التعذيب، والإخفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء، والسجون السرية، وغيرها من الممارسات اللاإنسانية التي تدينها الأمم المتحدة".

وتساءل:  كيف يمكن للإمارات أن تنشئ هيئة مختصة لحقوق الإنسان وهي تتلقى عشرات المراسلات يوميا من قبل خبراء الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية تستفسرها عن وضع الصحفيين ووضع الناشطين داخل السجون الإماراتية. 

وفي 25 أغسطس/آب 2021 أعلنت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور أنها وثلاثة خبراء أممين خاطبوا الإمارات للإعراب عن قلقهم من محاكمة الناشط السوري عبدالرحمن النحاس. 

وقالت لولور: إن المقررين الأممين لديهم تخوفات تجاه ما يجري مع النحاس تمثلت في مزاعم انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة أثناء محاكمته، بما في ذلك حرمانه من حقه في تعيين محام من اختياره.

 وأعربت عن خشيتهم أن تكون هذه الأعمال نفذت على ما يبدو انتقاما لممارسة النحاس المشروعة لحقه في حرية التعبير والعمل السلمي لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.

 لم تغب وسائل الإعلام الإماراتي عن المشهد وتناولت القرار بترحيب كبير.

وقالت: إن الهيئة ستسعى للتعاون والتعامل مع الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

وهي خطوة تبرهن على عمل الإمارات لتحسين الصورة القاتمة والواقعية التي تنقلها المنظمات الحقوقية والدولية من خلال التقارير التي تصل إليها.

لكن مراري شدد على أن إنشاء مثل هذه الهيئات لن يحسن سمعة الإمارات، ولن يغير من نظرة المنظمات الحقوقية إلى الوضع الحقوقي الكارثي فيها، مؤكدا أن الحكم سيظل ثابتا مهما حاولت أبوظبي أن تغطي عليه بإنشاء مؤسسة من هنا وهناك. 

لن تغير الصورة

وعن الأسباب التي كانت وراء تأسيس الهيئة، عبر عن اعتقاده بأن هذه الخطوة جاءت بسبب ترشيح أبوظبي إماراتيا لرئاسة منظمة الإنتربول (الشرطة الدولية).

لكنه بين أن من بين شروط ترؤس هذه المؤسسة أن تكون دولة تحترم حقوق الإنسان لها مؤسسات وآليات الديمقراطية.

لذلك لا يعتقد مراري أن هذه الخطوة قد تساهم في ترؤس الإمارات هذه المؤسسة؛ لأن بينهما أمدا بعيدا على اعتبار أن هناك عددا من المنظمات الحقوقية التي ستقف في وجه الدولة الخليجية.

وأضاف: "يكفي الإمارات ما ترتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حق الشعب اليمني وحق مواطنيها في الداخل أيضا. 

وعن نظرة العالم لملف حقوق الإنسان أشار إلى أن هذه النظرة تعبر عنها المؤسسات العالمية والأممية، وأن هناك خبراء أمميون راسلوا في شهر أغسطس/آب 2021 الإمارات يستفسرونها عن عدد من الناشطين الذين جرى تعذيبهم وإخفاؤهم، وعلى مواطن صيني من أقلية الأويغور المسلمة تعرض للتعذيب بعد أن تم اختطافه من فندق.

وختم مراري حديثه قائلا: إن المجتمع الدولي لا تنطلي عليه مثل هذه الممارسات ولا يؤمن بالهياكل، ولكن يؤمن بما هو داخل هذا الهيكل من حقيقة وواقع، ويحكم على ما يرى لا على ما يسمع.

وشدد على أن الوضع الحقوقي في الإمارات لن يحسنه تأسيس هذه المؤسسة أو غيرها، وأن ما سيحسنه هو التصالح مع المواطن الإماراتي ومع المعتقلين وإطلاق سراحهم.

ولفت إلى أنه يجب إعلان أماكن المختفين قسريا، والانسحاب من اليمن، وتعويض الشعب اليمني عما ارتكبه بحقه، وتسليم المتورطين إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبتهم.

وأردف: "هذا ما سيحسن صورة الإمارات العربية وهذا ما سيعطي مصداقية للإمارات، وما دون ذلك يبقى ذرا للرماد". 

واتهم تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2020/ 2021 الإمارات بسجن 24 شخصا بينهم أحمد منصور المدافع عن حقوق الإنسان. 

وأشار التقرير الصادر في 6 أبريل/نيسان 2021 إلى أن الإمارات استمرت في تقييد حرية التعبير واتخاذ إجراءات الإسكات لأصوات المواطنين والمقيمين على خلفية انتقادات بشأن وباء كورونا وقضايا سياسية واجتماعية.

 بالإضافة إلى 94 شخصا تمت محاكمتهم جماعيا في 2013 بتهم السعي لتغيير نظام الحكم وأدين فيها 69 شخصا. 

من جانبها اعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان "ماري لولور" أن إصدار أحكام بالسجن على المدافعين فيما يتعلق بعملهم في المجال الحقوقي ليس فقط محاولة لإسكاتهم وجهودهم فقط، ولكن أيضا لترهيب وردع الآخرين عن الانخراط في هذا العمل المشروع في وقت حرج.

وقالت المقررة الأممية في تقرير أصدرته 10 فبراير/شباط 2021: إنها تلقت تقارير تشير إلى أن العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين في الإمارات يعانون أوضاعا وظروفا صعبة ويتعرضون للحبس الانفرادي المطول.

ودعت السلطات الإماراتية لإطلاق سراحهم من أجل مواصلة عملهم الهادف والضروري في مجال حقوق الإنسان.