نزار بنات.. ناشط فلسطيني انتقد عباس بشراسة فقتله بالضرب المبرح

12

طباعة

مشاركة

بمقتل نزار بنات، قضت السلطة الفلسطينية على واحد من أبرز وآخر الأصوات المعارضة داخل الضفة الغربية المحتلة، بعد سنوات من السجن والاضطهاد على خلفية الرأي.

وتوفي المعارض السياسي الفلسطيني، نزار بنات، فجر 24 يونيو/حزيران 2021، في ظروف غامضة، بعد ساعات على اعتقاله من قبل الأمن الفلسطيني، من منزله في بلدة دورا جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية.

عائلة المعارض أكدت أن ما حدث هو "عملية اغتيال مع سبق الإصرار والترصد، عقب اقتحام سكنه من قبل 25 عسكريا، والاعتداء عليه بالضرب المبرح بالهراوات على رأسه أثناء نومه ورشه بغاز الفلفل فور استيقاظه".

وطالبت العائلة "بتشكيل لجنة تحقيق، تضم عناصر من جهات حقوقية ومن طرف العائلة، لإثبات اغتيال السلطة للناشط".

من هو؟

كان بنات أحد الأشخاص المعروفين بمعارضتهم للسلطة منذ سنوات، فيما برز اسمه أكثر بعد ترشحه عن قائمة الكرامة لانتخابات المجلس التشريعي التي جرى تأجيلها من قبل الرئيس محمود عباس، وتعرض للمطاردة الأمنية عقب تصريحات انتقد وفضح فيها فساد السلطة.

يمتلك سيرة ذاتية واسعة في انتقاد السلطة الفلسطينية، وهو ما جعله أحد أبرز المعارضين.

ساند نزار بنات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، ولم يتردد مرة في انتقاد التنسيق الأمني للسلطة مع إسرائيل ومطاردة المقاومين من قبل الأجهزة الأمنية.

ووفق وكالة "صفا" الفلسطينية، فإن الناشط السياسي، الذي ينحدر من بلدة "دورا" جنوب الخليل، نشط ضد مشروع التسوية الذي تقوده السلطة الفلسطينية، وأنه كان يميل للفكر القومي.

حاول بنات باستمرار التأسيس لحرية الرأي ضد مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، حتى أصبح من الناشطين المعروفين على الساحة. 

عمل في النجارة منذ سنوات طويلة وفي التصميم، قبل أن يترشح عن قائمة "الحرية والكرامة" للانتخابات التي كان مقررا عقدها في 22 مايو/أيار 2021، والتي أجلها عباس إلى أجل غير مسمى.

كان نزار بنات، وأمجد شهاب، المرشحان على القائمة نفسها، قد أصدرا بيانا طالبا فيه الاتحاد الأوروبي بوقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، وفتح تحقيق في "ملفات الفساد المالي"، على خلفية قرار عباس تأجيل الانتخابات.

المناضل الفلسطيني بنات كان دائم الانتقاد للسلطة الفلسطينية، ما عرضه للاعتقال لأكثر من 8 مرات على أيدي أجهزة السلطة الفلسطينية، وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، تعرض منزله لإطلاق نار متكرر.

وفي كل مرة، كان يؤكد بنات، عقب الإفراج عنه، تعرضه للتعذيب والقمع في سجون السلطة، حيث قضى أشهرا طويلة.

من قتله؟

قبيل واقعة اعتقاله في 24 يونيو/حزيران 2021، نشر بنات مقطعا مصورا له ينتقد فيه "فضيحة اللقاحات"، وقال إن "قيادة السلطة مرتزقة تتاجر بكل شيء على حساب القضية الفلسطينية".

وعقدت السلطة اتفاقا لتبادل مليون لقاح لكورونا مع إسرائيل، قبل أن يتبين أن اللقاحات التي سلمت تل أبيب أول دفعة منها لرام الله منتهية الصلاحية، الأمر الذي أثار غضبا واسعا في الشارع الفلسطيني، ودفع السلطة في النهاية إلى إلغاء الصفقة بالكامل وإعادة اللقاحات.

وقال بنات في معرض انتقاده لقضية اللقاحات إن "قيادة السلطة مرتزقة تتاجر بكل شيء على حساب القضية الفلسطينية"، وإن ما حصل بـ"فضيحة اللقاحات ليس سلوكا جديدا على السلطة، بل هو أسلوب قديم متبع لدى قياداتها".

وأضاف بنات في الفيديو الذي كان سببا في اعتقاله، إن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية "محترف بإخفاء الفساد، لذلك تم وضعه في هذا المنصب من قبل محمود عباس رئيس السلطة".

وبمجرد اعتقاله، خرجت السلطة برواية مختلفة، إذ أعلن محافظ الخليل، اللواء جبرين البكري، في اليوم نفسه، "وفاة الناشط نزار بنات بعد تدهور صحته، عقب اعتقاله من قبل أجهزة الأمن بناء على مذكرة إحضار من قبل النيابة العامة".

وفي بيان نشر على صفحة المحافظة على موقع "فيسبوك"، قال البكري: "إثر صدور مذكرة إحضار من قبل النيابة العامة لاعتقال المواطن نزار خليل محمد بنات، قامت فجر اليوم قوة من الأجهزة الأمنية باعتقاله".

وزاد البيان: "وخلال ذلك تدهورت حالته الصحية، وفورا حول إلى مستشفى الخليل الحكومي، وعاينه الأطباء، حيث تبين أن المواطن المذكور متوفى، وعلى الفور أبلغت النيابة العامة التي حضرت وباشرت إجراءاتها وفق الأصول".

من جهتها، كذبت عائلة بنات رواية البكري، مشددة على أن ما جرى للناشط "عملية اغتيال واضحة مع سبق الإصرار والترصد".

لم تكن هذه محاولة التصفية الوحيدة التي يتعرض لها بنات، ففي مايو/أيار 2021، أطلق مسلحون الرصاص وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع على منزله بالقرب من مدينة الخليل بالضفة الغربية، حيث كانت زوجته بالداخل مع أطفالهما.

وألقى نزار باللوم في الهجوم على حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، التي يتزعمها عباس، والتي تهيمن على قوات الأمن، قائلا إنها "فقط من يمكنها الحصول على الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية".

وقال في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، في ذات الشهر: "يحتاج الأوروبيون إلى معرفة أنهم يمولون هذه المنظمة بشكل غير مباشر".

أضاف بنات: "إنهم يطلقون نيران بنادقهم في الهواء في احتفالات "فتح"، ويطلقونها في الهواء عندما يقاتل قادة "فتح" بعضهم البعض، ويطلقونها على من يعارضون فتح".

كما اتهم أنصار حركة "فتح" البارزين بشن حملة تحريضية ضده عبر مواقع التواصل الاجتماعي اتهموه فيها بالتعاون مع إسرائيل، وهو ادعاء خطير في الأراضي الفلسطينية يصل إلى حد الخيانة، نافيا صحة الاتهام.

اعتقالات سابقة

تداولت الصحف المحلية والعربية باستمرار أخبار اعتقال المعارض، في الوقت الذي تعج فيه مواقع التواصل الاجتماعي بمطالبات للإفراج عن بنات، وكانت السلطة تستجيب للضغط الشعبي. 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اعتقلت السلطة بنات بعد انتقاده وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ، وحديثه عن "انتصار" السلطة الفلسطينية بعودة الاتفاقات والتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي. 

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، حينها، غضبا عارما بعد رفض الجهات الأمنية الإفراج عن بنات، وعبر عن الغضب قضاة ومحامون وحقوقيون، وكذلك عبرت مؤسسات حقوقية عن استنكارها لما جرى.

ورغم قضاء المحكمة بالإفراج عنه، ظل بنات معتقلا لدى جهاز المخابرات العامة الفلسطيني في أريحا شرقي الضفة الغربية.

في عيد الأضحى الذي صادف أغسطس/آب 2020، اعتقل الأمن نزار بنات بعد نحو أكثر من شهر على ملاحقته، بعد أن داهم منزله.

تشريح الجثمان

ولساعات عقب إعلان مقتل بنات، ظلت الأسرة تجهل مكان جثمانه، وقال عمار بنات، ابن عم الناشط نزار لموقع "الجزيرة نت"، إن العائلة بحثت عن جثمان نزار في المستشفيات الرئيسة الثلاثة في محافظة الخليل ولم تجده.

وطالب عمار بعدم تشريح جثمانه من قبل السلطة الفلسطينية، وبأن تقوم جهة أخرى مستقلة بذلك لكشف حقيقة ما حصل من أن الاعتداء عليه هو ما تسبب في وفاته.

أوضح عمار بنات أن "السلطة وجهت لنا سابقا تهديدات قبل تنفيذ عملية اعتقال الناشط بنات"، وأكد  أن "العائلة تفاجأت ببيان وفاته من المحافظة.

وقال "إن نزار كان نائما في أحد منازل العائلة في الخليل، وعند الساعة 3:35 فجرا داهمت قوة من الأمن الفلسطيني المنزل، وقامت بالاعتداء عليه وضربه في أرجاء جسده وعلى رأسه وهو يصرخ، قبل نقله من المنزل إلى جهة غير معلومة".

وقال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سامي أبو زهري إن الحركة تدين ما وصفها بجريمة اغتيال نزار بنات، كما دعا إلى محاكمة من وصفهم بالقتلة. وأضاف أن رئيس الحكومة محمد اشتية يتحمل المسؤولية الأولى عما حدث.

من جهتها، حملت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين السلطة الفلسطينية المسؤولية عما وصفته باغتيال الناشط المعارض الوطني نزار بنات من خلال إقدام أجهزة الأمن على اعتقاله ووفاته بعد ساعات قليلة من هذا الاعتقال.

وأدان المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي طارق سلمي ما وصفها بالجريمة التي أدت إلى استشهاد نزار، مضيفا أنه تم الاستقواء عليه في وقت يعربد فيه الاستيطان في كل مدن الضفة ويقتل الأبرياء على الحواجز، مشددا على رفض الاعتقال والاغتيال السياسي، وفق تعبيره.