منظمة "بدر".. مليشيا إيرانية تضم 100 ألف عراقي وتعتزم أميركا معاقبتها

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عبر مشروع قانون قدمه النائب الجمهوري جو ويلسون، عضو لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي، الذي يعتزم فرض عقوبات على منظمة "بدر" العراقية المدعومة من إيران، وتصنيفها بأنها كيان إرهابي أجنبي.

يرأس "منظمة بدر" في الوقت الحالي، النائب هادي العامري (64 عاما) رئيس تحالف "الفتح" في البرلمان العراقي (48 مقعدا)، وهو بمثابة الكتلة الممثلة لقوات الحشد الشعبي سياسيا، وتسيطر عليها مليشيات شيعية موالية لإيران.

"الوكيل الأقدم"

وقدر عدد عناصر "بدر" في عام 2016، بنحو 100 ألف عنصر مسلح تسليحا كاملا، إذ أعلنت المنظمة عام 2015 عن فتح باب التجنيد أمام المدنيين الشيعة للانتساب إلى صفوفها، بغية ترحيلهم إلى سوريا لمواجهة معارضي نظام الأسد بحجة التصدي لتمدد "تنظيم الدولة"، والدفاع عن المقدسات الشيعية هناك.

وتنشط تلك المنظمة في سوريا تحت إمرة وقيادة مباشرة من مليشيا "حزب الله اللبناني" التي تتخذ من بلدة "السيدة زينب" بريف دمشق مقرا، وكانت قد شاركت مع قوات نظام الأسد في العديد من المعارك، فقدت خلالها العديد من قادتها والعناصر، كما تنشط المليشيا مع الحرس الثوري الإيراني الذي يوجد في مناطق معروفة من سوريا.

مشروع القانون المقدم للغرفة الأولى بالكونجرس الأميركي، نص على أن "منظمة بدر هي أقدم وكيل لإيران في العراق ويدها ملطخة بدماء أميركيين وعراقيين وسوريين ولبنانيين".

ويلسون مقدم المشروع قال في بيان نشره على موقعه الرسمي في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2020: إن "منظمة بدر كانت تموّل وتقاد من قبل قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، كما أنها قادت الهجوم الإرهابي الذي استهدف السفارة الأميركية في بغداد قبل نحو عام".

وأضاف ويلسون: أن "منظمة بدر تعمل بشكل مباشر مع حزب الله اللبناني وكتائب حزب الله العراقية وعصائب أهل الحق والعديد من المنظمات الإرهابية المصنفة الأخرى"، مشددا على أنه "لسوء الحظ، لم يتم تصنيف منظمة بدر على أنها منظمة إرهابية أجنبية في السابق".

وأكد النائب الجمهوري أن "الولايات المتحدة وإذا ما أرادت ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، فيجب عليها تصنيف هذه المنظمة إرهابية"، داعيا  "وزارة الخارجية الأميركية إلى اتخاذ هذا الإجراء ضد منظمة بدر قبل الذكرى السنوية الأولى للهجوم على السفارة الأميركية الذي وقع في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020".

ورجح موقع "واشنطن فري بيكون" في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020 أن "يحظى التشريع بدعم واسع النطاق من الجمهوريين وصقور الديمقراطيين الذين ينظرون إلى نشاط إيران في العراق على أنه تهديد مباشر للولايات المتحدة ودبلوماسيتها في المنطقة".

نشأة إيرانية

تشكل فيلق "9 بدر" (منظمة بدر حاليا) في إيران بناء على فتوى للمرشد الإيراني روح الله الخميني، وعُهد إلى رجل الدين العراقي محمد باقر الحكيم زعامة التنظيم الذي تألف من الجنود العراقيين الهاربين، وأسرى الحرب العراقية الإيرانية ممن أعلنوا التوبة من نظام صدام السابق، والمسفرين الإيرانيين من العراق.

بدأت الحكاية عام 1979 عندما أصدر المرجع الشيعي، محمد باقر الصدر، فتواه بتحريم الانتماء إلى حزب البعث، الأمر الذي مهد لتشكيل مجموعات سرية مسلحة مناهضة لنظام صدام حسين، نفذت العديد من العمليات العسكرية داخل البلاد، وجوبهت بالرد على يد الأجهزة الأمنية.

بعد ذلك أجبر قرار إعدام محمد باقر الصدر، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، الكثير من الشيعة على الهروب إلى خارج العراق وإعادة تنظيم صفوفهم لمواجهة حكم نظام البعث، والتي تطورت مع مرور الوقت إلى ما عرف بقوات الشهيد الصدر.

في عام 1982، حولت القيادة الإيرانية فوج الصدر (الجناح الإيراني) إلى لواء "9 بدر"، وبتعداد يتراوح ما بين 187 و250 عنصرا، مقسمين إلى 3 أفواج: فوج "الصدر" (يمثل الدعاة الموالين لإيران).

أما الفوج الثاني فهو "دسته غيب" المختلط من المسفرين والدعاة الإيرانيين، والثالث فوج "بهشتي" الذي يشكل 98 بالمئة من أفراده العراقيين المسفرين (أغلبهم ذوو أصول إيرانية أو ينتمون لأحزاب موالية لإيران).

ونظرا لرغبة إيران بتوحيد الفصائل المسلحة، دمج تشكيل الشهيد الصدر بلواء "9 بدر"، ومن ثم تحول التنظيم إلى فيلق بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة محمد باقر الحكيم نجل المرجع الشيعي محسن الحكيم.

اعتمد فيلق بدر أسلوب التعبئة الجماهيرية عند كل معركة، رغم اقتصار واجباته على نقاط حراسة في الأهوار والكمائن والدوريات والتنصت في مناطق جنوبي العراق.

إسماعيل دقائقي، أحد الأعمدة المهمة في قيادة حرس الثورة الإيراني، شغل رئاسة أركان الفيلق وكان يساعده في القيادة بدر فريدون جوبان الملحق العسكري الإيراني بالعراق (1990-1994) ويغلب على رأس قيادة بدر الأمراء الإيرانيون ويساعدهم عراقيون مناصرون لولاية الفقيه.

جرائم منظمة

بعد الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، وقرار الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، حل الجيش العراقي بمختلف تشكيلاته، إضافة إلى مؤسسات أمنية أخرى، وجهت اتهامات لقوات بدر بتنفيذ عمليات اغتيال طالت طيارين عراقيين وضباط جيش شاركوا في الحرب ضد إيران.

كما وجهت اتهامات كثيرة للمنظمة بتنفيذ اغتيالات وانتهاكات واسعة النطاق ضد مواطنين من أهل السنة في العراق احتجزوا في سجون سرية كانت تديرها المنظمة بعد عام 2003.

دخلت عناصر فيلق بدر إلى العراق بعد سقوط نظام صدام عام 2003 بنحو 16 ألف عنصر مسلح، وعملت كمليشيات مسلحة قرابة عام كامل، قبل أن تتحول إلى منظمة سياسية بعد صدور القانون 91 في يونيو/حزيران 2004، خلال فترة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، والذي خيّر أعضاء المليشيات بين الانضمام لأجهزة الأمن الجديدة في العراق أو اختيار العمل المدني.

إثر ذلك تمكن المئات من أفراد منظمة بدر من الاندماج في صفوف الأجهزة الأمنية العراقية، مستفيدين من تولي قياديين فيها مناصب عليا في وزارة الداخلية.

ويشارك عدد كبير من عناصرها في صفوف قوات وزارة الداخلية العراقية، ولا سيما قوات الشرطة الاتحادية، ويشغلون مناصب حساسة في أغلب المؤسسات الحكومية، منذ أكثر من 10 سنوات، وهي متهمة باستغلال ذلك لتنفيذ عمليات قتل على أساس طائفي.

بعد حرب الخليج الثانية، ساهم فيلق بدر بشكل واضح في أحداث 1991 أو ما يعرف بـ"الانتفاضة الشعبانية" جنوبي العراق، حيث حشد المئات من المؤيدين له في محاولة للانقلاب على النظام الذي نجح في إجهاض الاحتجاجات المسلحة، وأجبر "بدر" على سحب عناصره إلى إيران، وهجرة المؤيدين الذين شكلوا فئة المهاجرين في الفيلق.

أبرز القادة

بمعزل عن هادي العامري القائد الحالي لمنظمة بدر الذي عاش عقدين من الزمن في إيران ويتكلم اللغة الفارسية بطلاقة، فإن عددا من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية الحاليين والسابقين، هم قادة في المليشيا التي تعتزم الولايات المتحدة تصنيفها على لوائح الإرهاب الأميركية.

في فبراير/شباط 2020، كشف تقرير صادر عن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "تنظيم الدولة" عن شبكة تضم قادة مليشيات تعتمد عليهم إيران لزيادة نفوذها في العراق، وضمان استهداف القوات الأميركية في هذا البلد.

التقرير أورد أسماء أبرز قادة المليشيات العراقية التي تعمل معهم إيران في الوقت الحالي والذين كانوا يتلقون الأوامر مباشرة من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي قتل بضربة أميركية في يناير/ كانون الثاني 2010، قرب مطار بغداد. 

وجاء اسم هادي العامري في المرتبة الثانية، بعد أبو مهدي المهندس (قتل مع سليماني) الذي كان يتولى قيادة "بدر" أواخر تسعينيات القرن العشرين، والذي تظهر مقاطع مصورة حضوره في معسكرات تدريب في إيران مع مؤسس المنظمة محمد باقر الحكيم.

وكذلك، فإن أحد قادة الجناح السياسي (المجلس الأعلى الإسلامي) لمنظمة "بدر" قبل انشقاقه، هو رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، الذي أطاحت به المظاهرات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وسقط فيها نحو 600 متظاهر وإصابة أكثر من 27 ألفا آخرين.

ويعتبر وزير الداخلية العراقي الأسبق (2005 ـ 2006) باقر جبر صولاغ الزبيدي، من أبرز قادة منظمة "بدر" الذين طالتهم الكثير من الاتهامات بارتكاب جرائم قتل وتعذيب بحق أهل السنة، لا سيما منهم أئمة وخطباء المساجد، إذ يجري العثور على جثثهم بعد اعتقالهم من قوات "الشرطة الاتحادية" وعليها آثار تعذيب بالمثقاب الكهربائي.

وتسلم إدارة وزارة الداخلية أيضا، الرجل الثاني في منظمة بدر، محمد الغبان الذي قدم استقالته في 5 يوليو/تموز 2016، على خلفية تفجير حي الكرادة وسط العاصمة، وخلفه القيادي في المنظمة قاسم الأعرجي.

ويشغل قاسم الأعرجي حاليا منصب مستشار الأمن الوطني (درجة وزير) في حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والذي كان قبل ذلك يرأس كتلة "بدر" في البرلمان.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2014، تبنى "تنظيم الدولة" قتل النائب عن كتلة بدر ووكيل وزارة الداخلية السابق أحمد الخفاجي، المتهم بتشكيل ما عرف بـ"فرق الموت" التي أودت بمئات آلاف العراقيين إبان الاحتلال الأميركي، إذ كان يعثر على جثث العراقيين السنة بعد اعتقالهم بساعات في نهر دجلة وعلى قارعة الطريق في بغداد.