يستنجد بالأمم المتحدة لوقفها.. كيف أرقت قنوات الخارج منام السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قنوات المعارضة في الخارج، مازالت هي الشوكة الباقية في ظهر السيسي، تؤرقه أينما حل وارتحل، وجعلته يقف يوم 22 سبتمبر/ أيلول 2020، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مطالبا بأخذ موقف من الدول التي توفر الملاذ الآمن للأصوات المناهضة له، ولنظامه الذي دأب على قمع المعارضين.

يوم انقلابه في 3 يوليو/ تموز 2013 على الرئيس المدني المنتخب الراحل محمد مرسي، اجتاحت الأجهزة الأمنية وقوات الجيش مدينة الإنتاج الإعلامي، وداهمت مقرات القنوات المؤيدة لمرسي، وقبضت على العاملين الموجودين بداخلها.

وقتها ظهرت رغبة السيسي الجامحة في السيطرة على التلفزيون والإعلام، لتمهيد الرأي العام لقبول وصوله للسلطة، وكبح أي صوت معارض لخطته، ومنذ ذلك الحين اعتمد السيسي، سياسة تكميم الأفواه وغلق المنابر الإعلامية.

لكن خروج كثير من الإعلاميين المعارضين إلى خارج مصر، ساهم في إيجاد قنوات ومنابر، كشفت زيف أوهام قائد الانقلاب وخداعه للمصريين بأحلام وردية سقطت على صخرة الواقع الأليم، وباتت هذه القنوات غصة في حلق السيسي، لا يجد لتجاوزها سبيلا.

السيسي يستغيث 

في 22 سبتمبر/ أيلول 2020، وأثناء كلمته أمام الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال السيسي: "من المؤسف أن يستمر المجتمع الدولي في غض الطرف عن دعم حفنة من الدول للإرهابيين سواء بالمال والسلاح أو بتوفير الملاذ الآمن والمنابر الإعلامية والسياسية لهم".

لأول مرة يستنجد السيسي ويشكو أمام الأمم المتحدة من الإعلام المعارض، رغم أنه دأب على تكميم الأفواه واعتقال الصحفيين وإغلاق المؤسسات الإعلامية.

يبدو أن قنوات المعارضة قد زادت من حدة توتر السيسي خلال الفترة الماضية، فهاجمها بضراوة في أكثر من موضع، مثلما حدث في 29 أغسطس/ آب 2020وقوله غاضبا: "القنوات المسيئة اللي عايزة دايما تكلمكم كلام مايرضيش ربنا، بس هم والله ما يعرفوا ربنا، بقى إحنا بنهد جوامع ربنا؟ أستغفر الله العظيم، يارب تبقوا زينا في عمل حساب لربنا".

وفي 16 مايو/ أيار 2018، وخلال المؤتمر الوطني الخامس للشباب، قال السيسي متوعدا قنوات المعارضة في الخارج: "أي حد تاني بيتكلم علينا في القنوات التليفزيونية بره والله كله هيتحاسب".

نفذ السيسي بالفعل بعضا من تهديداته، عندما اعتقلت أجهزته الأمنية أهالي بعض الإعلاميين وذويهم داخل مصر، أو إجبارهم على مهاجمة أبنائهم وأقاربهم من الإعلاميين.

إعلام عسكري

أظهرت وثائق وتقارير إعلامية أصدرها مركز الإعلام العسكري في إدارة الشؤون المعنوية بوزارة الدفاع، تم الكشف عنها من خلال موقع "الجزيرة نت" يوم 31 يوليو/ تموز 2019، عن حجم التخوفات والترصد من أجهزة الدولة للإعلام المعارض.

كشفت التقارير التي يعود تاريخها إلى الفترة بين عامي 2016 و2017، استخدام الجيش، وتحديدا الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، وسائل إعلامية لمتابعة اتجاهات الرأي العام وأداء القنوات المؤيدة والمعارضة. 

كما يقر الجيش في بعض القضايا بتمكن وسائل إعلام المعارضة من التأثير على الرأي العام، ويقترح مجموعة وسائل لمواجهة ذلك التفوق.

وأظهرت التقارير تحسسا شديدا لدى إدارة الشؤون المعنوية من الأفكار المتداولة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وأنه في أكثر من مرة يتم التحذير من رواج دعوات لمناهضة النظام.

وعبر أذرعه الإعلامية التي تقودها شبكة من جهازي المخابرات العامة والحربية وعبر جرائدها القومية وبرامج التوك شو في القنوات المؤيدة للنظام، سعى السيسي لشن حملات ضد الإعلام المعارض لكبح جماحه.

ووصل الأمر إلى التحريض على قتل الإعلاميين المعارضين في الخارج، مثلما فعل رئيس مجلس إدارة صحيفة الدستور محمد الباز، في حلقة برنامج "90 دقيقة" يوم 12 سبتمبر/ أيلول 2018، عندما قال: "لو في حد مصري يطول معتز مطر أو أيمن نور أو محمد ناصر يقتلهم، ولو هاتقول لي أنت بتحرض على القتل، آه باحرض على القتل، وإذا أتيح لأحد أن يقتلهم فليفعل".

وفي 21 يناير/ كانون الثاني 2020، أفرد الإعلامي نشأت الديهي حلقة في برنامجه "بالورقة والقلم" على قناة "TeN" الفضائية، المملوكة للإمارات لمهاجمة إعلام المعارضة، وما أسماه "فضح رواتب العاملين بتلك القنوات"، في إطار حملة ممنهجة ومنظمة، من أذرع إعلام السيسي، التي لا تلبث أن تعاود الهجوم كرة بعد كرة.

الأداة الوحيدة

الإعلامي المصري أسامة جاويش، قال لـ"الاستقلال": "وجهة نظري أن جميع الشواهد خلال السنوات الماضية تؤشر على أنه لا يوجد لدى المعارضة مشروع سياسي جامع حقيقي، ولم تعد هناك قوة معارضة لها تأثير في الداخل أو في الخارج، من خلال التواصل مع حكومات الدول المختلفة".

مضيفا: "الرافعة الوحيدة الآن لمشروع المعارضة المصرية بمختلف أطيافها، أو المعسكر المناهض لهذا الانقلاب العسكري، تتمثل في القنوات الفضائية المعارضة، والإعلاميين المعارضين، في إسطنبول والدوحة ولندن".

وتابع جاويش: "تلك الآلية أصبحت الوحيدة التي تواجه السيسي، فمن أراد أن يخاطب الجماهير من قادة المعارضة أو النشطاء أو كل صاحب رأي مخالف، عليه أن يتوجه إلى تلك المنصات، للتأثير على الرأي العام".

وأردف الإعلامي المصري: "خوف السيسي من القنوات، بسبب أنها العمود الباقي لمواجهة هذا النظام العسكري، فكم من مرة خرج السيسي لمهاجمة ومواجهة تلك المنصات، فخرج أيام التسريبات الشهيرة عام 2014، بل وقبلها عندما هاجم قناة (مصر الآن) وبعض القنوات الأخرى.

جاويش استشهد على تأثير هذه القنوات المعارضة على قلق السيسي بقوله: "في (حديث الرئيس) الذي كان السيسي يخاطب من خلاله الجماهير، أكثر من مرة رد على التسريبات، قائلا: (أنا سجلت أكثر من 1000 ساعة وعمري ما أخطأت في أحد) وبعدها لجأ إلى التهديدات، عندما قال (والله كل اللي بره هيتحاسبوا)، وبدأ التنفيذ عندما آذى الناس في استخراج جوازات السفر والهويات، وفي مهاجمة بيوت الإعلاميين وعوائلهم في مصر، مستخدما أقصى وسائل الضغط لإيقافهم، والآن يتحدث عنهم في الأمم المتحدة، وقبلها قال: (سيبونا في حالنا، وكفوا ألسنتكم)".

شوكة في حلقه

وذكر جاويش: "خلاصة القول إن هذه القنوات أثبتت على الرغم من قلة إمكانياتها، ونقص الكوادر المدربة، أو تلك التي عملت طوال عمرها في مجال الإعلام، لكنها استطاعت أن تثبت أنها شوكة  في حلق السيسي، وأكبر من الثورة المضادة للربيع العربي، ورأينا هذا في كم المواد التي أنتجت في الإعلام الإماراتي والسعودي عن قنوات مكملين والشرق ووطن (مصر الآن سابقا)، والرموز التي تعمل في هذه القنوات، واستهدافهم بطريقة عدائية".

وشدد: "لا يمكن أن نفصل استهداف تلك القنوات داخل مصر فقط، بل هناك أصوات حركتها المخابرات المصرية في إسطنبول والعديد من الدول لمهاجمة القنوات، تحت مظلة المعارضة، وأرى بما لا يدع مجالا للشك أن من يحرك هؤلاء هو عباس كامل رئيس جهاز المخابرات، لتدمير هذه القنوات، أو التشويش على صوتها". 

واختتم جاويش حديثه قائلا: "لو لم تكن هذه القنوات موجودة، كانت مصر لتعيش نكسة جديدة كالتي حدثت عام 1967، ولكن الفارق أنه في عهد عبد الناصر كانت إسرائيل تحتل أراضي سيناء بأكملها في الوقت الذي كان أحمد سعيد وإعلام السلطة يقنع المصريين بحصر أعداد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطها الجيش المصري، فلو لم تكن مكملين والشرق وغيرهما لتنازل السيسي عن تيران وصنافير ومياه النيل وغاز مصر، ولقتل من قتل وحبس من حبس، ولما عرف المصريون شيئا عن تلك الجرائم".