قمر جديد.. كيف طورت إيران سرا برنامجا فضائيا عسكريا؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية الضوء على إعلان الحرس الثوري الإيراني إطلاق أول قمر صناعي عسكري في البلاد، وهي الخطوة التي اعتبرتها الولايات المتحدة الأميركية تحديا لقرارات مجلس الأمن الدولي.

وقالت الصحيفة: "يُظهر الإطلاق غير المسبوق لقمر صناعي عسكري أن طهران تواصل الخطوة التي أطلقها جنرال في الحرس الثوري توفي عام 2011".

وأضافت: "هناك جسم جديد لم يتم تحديده بشكل تام، يدور حول الأرض منذ صباح الأربعاء 22 أبريل/ نيسان 2020، واسمه نور، إنه قمر عسكري إيراني تقول طهران إنه استقر في مداره حول الأرض على مسافة 425 كيلومترا". 

وفيما أكدت الولايات المتحدة مساء نفس اليوم، أنها اكتشفت هذا الوافد الجديد في الفضاء، قال كزافييه باسكو، مدير مؤسسة البحوث الإستراتيجية والمتخصص في مجال الفضاء: "نظرا لهذا الارتفاع، فهو بالتأكيد قمر صناعي خصص للمراقبة".

ويوضح "عادة ما يتم وضع أقمار الاتصالات في مدار ثابت بالنسبة للأرض (تقريبا 36000 كم). أما المدارات الأقل ارتفاعا تكون للمراقبة على الأرجح، لذا يعتقد أن هناك مهمة خاصة لهذا القمر، خاصة وأن الإيرانيين هم من أرسلوه إلى الفضاء".

لكن أكثر ما يثير فضول كزافييه باسكو مثل المراقبين الآخرين، هي الإجراءات التي سبقت وضع القمر في المدار: أي الإطلاق. وتقول الصحيفة: "مركبات الإطلاق الفضائية بطبيعتها قريبة جدا من الصواريخ البالستية، التي دخلت طهران بسببها في مواجهة مع الأوروبيين والولايات المتحدة". 

فبالنسبة للغربيين، تنتهك الأنشطة الباليستية الإيرانية القرار 2231 الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي عام 2015 عند إبرام الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى في فيينا، وهو الأمر الذي تنفيه طهران، مشيرة إلى رسالة النص التي تحظر أي "نشاط مرتبط بالصواريخ البالستية المصممة لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية".

وبحسب "ليبراسيون"، فإن إطلاق طهران لـ "نور" يؤكد الاستثمار الذي تبنته البلاد في السنوات الأخيرة بهذا المجال، حيث قال وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد أزاري جهرومي في تغريدة على تويتر بتاريخ 22 من أبريل/نيسان: إنه زار موقع الإطلاق قبل ثلاثة أسابيع.

وأشاد "بالإنجاز الوطني العظيم"، معربا عن "تهانيه الخالصة للقوة الفضائية للحرس الثوري (الجيش الموازي الذي يتبع فقط للمرشد الأعلى علي خامنئي). وذكر أن العمل ممتاز، في إشارة إلى القمر الاصطناعي والقاذف الذي يعمل "بالوقود الصلب والمؤلف من ثلاث طبقات".

ويوضح خافيير باسكو أن "الدفع بواسطة الوقود الصلب هو تكنولوجيا معقدة ويمكن عسكرتها، إنه يسمح للصواريخ بأن تكون جاهزة للإطلاق في أي وقت"، مشيرا إلى أن هذه التكنولوجيا ذات أهمية خاصة لأولئك الذين يرغبون في الحصول على الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

البرنامج الصاروخي 

وتقول "ليبراسيون": "في إيران، هناك رجل عمل بجد وبشكل خاص على هذه التطورات، دون أن يعلم أحد حتى وفاته قبل ما يقرب من عشر سنوات".

ففي 12 نوفمبر/ تشرين ثاني 2011، شعر سكان بلدة كراج في الضواحي الغربية البعيدة للعاصمة، بهزات، ورغم أن المنطقة زلزالية، لكن حركة الصفائح التكتونية، لا علاقة لها بهذه الهزات.

وأشارت إلى أنه في هذا الوقت دوى انفجار قوي في منطقة تابعة لأحد مواقع الحرس الثوري، حيث قتل 39 جنديا، من بينهم الجنرال حسن طهراني مقدم، وهو قائد غامض في قيادة الحرس الفضائية ورئيس "منظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي" التي يرمز إليها بـ "SSJO".

وتقول "ليبراسيون": "هذا ما كشفه بحث لمركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار، وهو مركز أبحاث مقره في مونتيري بولاية كاليفورنيا الأميركية، عن البرنامج الذي صممه مقدم". 

فابيان هينز، القائم على البحث، جمع معلومات من وسائل الإعلام الإيرانية وصور الأقمار الصناعية للتوصل إلى استنتاج مفاده، أن مقدم كان يحاول تطوير قاذفات تعمل بالطاقة الصلبة بمدى أكبر من 2000 كم، وهو الحد الرسمي الذي حدده المرشد الأعلى. 

ونوهت الصحيفة بأن هناك أسرارا أعلن عنها، لأول مرة خلال تكريم مقدم في ذكرى وفاته، من قبل مسؤولين إيرانيين.

ولفتت إلى أن ذلك ظهر لأول مرة علنا على صورة نشرت في 2017 لمقدم بصحبة المرشد الأعلى. وما زالت المزيد من صور زيارة كبار الضباط للموقع العسكري الذي وقع فيه الانفجار، تؤكد أنه تم استخدامه لاختبار وسائل دفع جديدة.

هل نجا هذا البحث التطبيقي من حادث مقدم؟ نعم، كما أوضح فابيان هينز في فبراير/ شباط (2020)، بعد دراسة التجهيزات في موقع آخر بالصحراء بالقرب من شاهرود شمال إيران.

وتظهر صور الأقمار الصناعية أنها تستخدم لاختبار أنظمة دفع الوقود الصلب، وأن هذه الاختبارات تكثفت من عام 2016 بشكل أكثر انتظاما وأنظمة أكثر قوة.

وفي 9 فبراير/ شباط، نشر الحرس الثوري بشكل مباشر صورا للموقع ونظام دفع جديد، أطلق عليه اسم سلمان، والذي أدخل البلاد رسميا في عصر محركات الاحتراق الصلبة.

لذلك لم يتفاجأ هينز عندما وجد كل هذه العناصر خلال إطلاق أبريل/نيسان 2020، حيث انطلق الصاروخ من شاهرود، وشكر رئيس الحرس "منظمة جهاد الاكتفاء الذاتي" الشهيرة على هذا الإطلاق. 

فالصاروخ الجديد يعمل بمحرك سلمان، المرحلة الأولى هي نظام مثبت، يعتمد على تقنيات قديمة إلى حد ما، والثانية هي تقنية متطورة للغاية (محرك صغير لكنه يُظهر جميع التقنيات الرئيسية لتطوير الصواريخ طويلة المدى)، كما أوضح الباحث، الذي فسر صور الإطلاق.

تاريخ الميلاد

وتساءلت "ليبراسيون": "هل إيران قادرة على تصميم صواريخ باليستية عابرة للقارات؟".

وأشارت إلى أنه وفقا لفبيان هينز، فإن تطوير هذا النوع من أجهزة الإطلاق من قبل الحرس الثوري سيزيد بشكل كبير من المخاوف بشأن التزامات إيران بالحد من مدى صواريخها البالستية إلى أقل من 2000 كم.

لكن الصاروخ ليس صاروخا بالكامل، كما يبين كزافييه باسكو "فمشكلات إعادة التوجيه والإرشاد تكون في الغلاف الجوي بالنسبة للصواريخ، وليس القاذفات"، في حين أن الدول القليلة التي تطور أجهزة الإطلاق الفضائية لديها أيضا صواريخ بالستية، باستثناء اليابان.

وتابعت الصحيفة: "إيران تتقدم والحرس الثوري يريد أن يعرف الجميع ذلك. أولا للجمهور الداخلي، كما يتضح من التغطية الإعلامية الواسعة، حيث يرغب من ذلك أن يغطي على إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية مطلع العام 2020 التي كان على متنها 176 شخصا، معظمهم من الإيرانيين وألقيت المسؤولية عليه". 

أما بالنسبة لإطلاق 22 أبريل/نيسان، فاختار الحرس الثوري هذا اليوم لأنه يتزامن مع الذكرى السنوية لتأسيسه من قبل الخميني والتي تأتي هذا العام في خضم فترة جديدة من التوترات القوية مع الولايات المتحدة.

ففي نهاية أبريل/نيسان، أبلغ البنتاجون عن حادثة في الخليج العربي بين البحرية الإيرانية والأميركية، وقال الرئيس دونالد ترامب: "أمرت البحرية بإطلاق النار وتدمير أي زوارق إيرانية تتحرش بسفننا في البحر". لكن لم يكن هناك رد فعل آخر على إطلاق قمر طهران.