تمديد الأمم المتحدة لمهمة "المينورسو" بالصحراء.. انتصار للمغرب؟

12

طباعة

مشاركة

ليلة 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وبمناسبة الذكرى الـ44 للمسيرة الخضراء، أعلن ملك المغرب محمد السادس: أن بلاده لا تزال متشبثة بقرار الحكم الذاتي في الصحراء المتنازع عليها، مضيفا: أن الدول التي لا تعترف بـ"جبهة البوليساريو" وصل عددها إلى 163 دولة.

الانتصارات الدبلوماسية في قضية الصحراء التي عددها الملك في خطاب تلاه على الشعب، جاءت بعد أيام قليلة من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء المعروفة اختصارا ببعثة "المينورسو"، لسنة واحدة. 

أُسست بعثة "المينورسو" بقرار أممي لمجلس الأمن للأمم المتحدة في أبريل/نيسان 1991، في مدينة العيون جنوب المغرب، وتقوم بالإضافة إلى الإعداد لاستفتاء في الصحراء، بعملية حفظ السلام ومراقبة تحركات القوات الموجودة في الصحراء. 

لا استفتاء

رفض المغرب -طيلة مراحل النزاع في أروقة الأمم المتحدة حول قضية الصحراء- إجراء استفتاء في الأقاليم الجنوبية، وهو الإجراء الذي تدعمه جبهة البوليساريو التي ترى: أنه "من حق الشعب الصحراوي، أن يٌقرر مصيره من خلاله استفتاء حر ونزيه".

مقابل ذلك يرى المغرب: أن مبادرة الحكم الذاتي هي السبيل الوحيد لتسوية نزاع الصحراء وأن "المملكة ستواصل العمل، بصدق وحسن نية، طبقا للمقاربة السياسية المعتمدة حصريا، من طرف منظمة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي".

وهذا هو الحل الذي تجسده مبادرة الحكم الذاتي، نظرا لـ"جديتها ومصداقيتها، وصواب توجهاتها؛ لأنها السبيل الوحيد للتسوية، في إطار الاحترام التام للوحدة الوطنية والترابية للمملكة"، كما يقول المغرب.

ويُعتبر الحكم الذاتي، أساس المبادرة التي طرحها المغرب كحل لإنهاء نزاع الصحراء الغربية، التي تمنح منطقة الصحراء حكما ذاتيا موسعا مع الاحتفاظ برموز السيادة كالعلم والسياسة الخارجية والعملة وغيرها.

صبري الحو الخبير في القانون الدولي والشؤون الصحراوية قال: إن الحل الوحيد الموجود حاليا لقضية الصحراء هو إجراء مبادرة الحكم الذاتي التي يدعو لها المغرب باستمرار، والتي فشلت أيضا الأمم المتحدة في تنفيذها.

ويرى في حديث لـ"الاستقلال": أنه يجب الابتعاد عن مقترح الاستفتاء لأن الأمم المتحدة فشلت في إجرائه، في حين أن الأقاليم الجنوبية من المفترض أن تكون تحت سيادة المغرب. 

ومقترح الحكم الذاتي، سيحفظ حقوق الجميع بما فيها حق المغرب التاريخي، والخطوة الجديدة التي تمت اليوم شكلا، لا يمكن اعتبارها إلا خطوة إيجابية نحو الأمام، لكن الأمور لن تكون يسيرة مستقبلا وفق الخبير القانوني، لأن تحقيق النجاح ليس بالأمر الصعب، بل الحفاظ على مكتسباته هو ما سيثقل كاهل الدبلوماسية المغربية في المستقبل.

إحصاء الانتصارات

يرى المغرب أن تمديد بعثة "المينورسو" انتصار ضمني لقضيته التي يُواجه فيها جبهة البوليساريو، وذلك بعد تأييد القرار من طرف 13 صوتا من دول أعضاء في مجلس الأمن، فيما امتنعت روسيا وجنوب إفريقيا، فقط، عن التصويت.

خلف قرار تمديد بعثة "المينورسو" 12 شهرا، انفراجا سياسيا للمغرب، الذي رأى أن الحدث هو انتصار لدبلوماسية المملكة التي تسعى إلى "كسب" الأمم المتحدة كطرف فاعل في قضية الصحراء المتنازع عنها مع جبهة البوليساريو.

بعد ساعات قليلة من إعلان التمديد، خرج وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ليُعبر عن ارتياح بلاده لقرار الأمم المتحدة خصوصا أن المغرب كان يسعى دائما إلى إعطاء وقت لملف مهم كملف الصحراء.

وقال بوريطة: إن تمديد مهمة البعثة الأممية هي رسالة قوية من مجلس الأمن الذي أعرب عن تشبثه بضمان الهدوء للمسلسل السياسي، وضرورة الأخذ بالاعتبار السياق الإقليمي الذي يستلزم مزيدا من الوضوح والرؤية ليكون في مقدور مختلف الفاعلين المشاركة الكاملة وبكل مسؤولية في البحث عن حل سياسي.

بالإضافة إلى ذلك، اعتبر وزير الخارجية المغربي: أن القرار الأممي حافظ على مكاسب الرباط وقواها وعلى رأسها التأكيد على أولوية مبادرة الحكم الذاتي، وأيضا، الدعوة إلى إحصاء سكان مخيمات تندوف، كما كرر تحذيراته إلى البوليساريو بالامتناع عن "القيام بأي عمل استفزازي من شأنه زعزعة المسلسل الأممي".

ترجمة القرار

من جهته رأى السفير الدائم للمغرب بالأمم المتحدة عمر هلال، بحسب تصريح صحفي له عقب الاجتماع الذي خلص إلى تمديد البعثة: أن "الأنشطة الاقتصادية وإنجاز مشاريع مهيكلة في الجنوب كلفت في مدة أربع سنوات، حوالي 8 ملايين دولار، مثل الميناء الضخم على المستوى القاري المرتقب تشييده في مدينة الداخلة، الذي سيشكل منصة للربط بين إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين".

واعتبر سفير المغرب: أن قضية الصحراء ليست قضية الحكومات المتعاقبة أو الأحزاب السياسية، بل هي قضية تجمع كل المغاربة، الأمر الذي يُقوي موقف المغرب، لأن هذا الإجماع وطني ولا يمكن لأحد أن ينال منه.

وأضاف المتحدث: أن المغرب تلقى دعما لموقفه لدول كانت ضده في كل من إفريقيا والمحيط الهادئ وآسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك نتيجة "للدبلوماسية الهجومية، المبادِرة والقائمة على الاقتناع هناك قناعة راسخة بعدالة القضية الوطنية تم الحفاظ عليها وإلهامها وتوجيهها من خلال الالتزام الشخصي للملك محمد السادس".

واعتبر صبري الحو أن قرار تمديد مهمة البعثة هو ترجمة بأن: مجلس الأمن بالأمم المتحدة لم يعد يرى أن ملف الصحراء المغربية له طبيعة استعجالية، كما كان معمولا به في السنتين الأخيرتين، وفي نفس الوقت تعود الأمم المتحدة إلى القاعدة التي كانت متبعة من طرف الأمم المتحدة التي تشرف على دراسة الأوضاع بالأقاليم الجنوبية للمملكة.

وقال المتحدث: إن المغرب انتصر تقنيا وشكليا، لأنه كان يطالب بشكل دائم بإعطاء كل الأطراف الوقت الكافي لدراسة الملف، وأن لا يكون النظر فيه بشكل مستعجل.

خبير القانون الدولي زاد موضحا: "انتصار المغرب يبقى تقنيا رغم بساطته، لأن الملف المثير للانتباه يقلق الدبلوماسية المغربية، كما أن إسناد مضامين مراجع قرارا أكتوبر/تشرين الأول 2018 وأبريل/نيسان 2019 كمرجعين أساسين في القضية، هو يخدم وجهة النظر المغربية، التي تسعى إلى ضمان السلم والأمان بالمنطقة مع إعطاء كل الأطراف وقتا كافيا للتفاوض".

غضب الجبهة

بعد يوم من خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء، الذي أعلن فيه تشبث المغرب بمقترح الحكم الذاتي كحل وحيد لقضية الصحراء المغربية، خرجت قيادة جبهة البوليساريو ببلاغ غاضب. وتحدثت الجبهة عن انتصارها في الجلوس مع المغرب على الطاولة نفسها في محافل قارية، معتبرة: أنه "لا سلام إلا بتحقيق مطالبها".

قرار تمديد بعثة المورينسو حسب أستاذ العلوم السياسية محمد الزهراوي: "يأتي في ظل غياب أو ذهاب أبرز المدافعين عن أطروحة خصوم المغرب من داخل الإدارة الأمريكية، وبالتحديد مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون الذي أقاله الرئيس الأمريكي ترامب بسبب مواقفه إزاء مجموعة من الملفات الحيوية والإستراتيجية".

وأضاف الزهراوي: "بأن القرار يأتي أيضا في وقت لا زال فيه منصب المبعوث الخاص للأمين العام شاغرا بعد استقالة هورست كوهلر في شهر ماي-أيار الماضي".

ويرى أن مضمون القرار 2494 يكرس الوضع القائم واصفا إياه بـ"الستاتيكو"، (أي الجمود والهدوء، والمحافظة على الوضع الحالي في البقعة الجغرافية على ما هو عليه).

وقال عن البيان الذي أصدرته البوليساريو مباشرة بعد القرار: "بيان ذو نبرة يائسة ومكسورة، حاولت الجبهة إخفاء انتكاستها فيه، من خلال توظيف مفردات ومصطلحات تهديدية وتصعيدية".

وكان بيان الجبهة قد جدد رفضه لمشروع الحكم الذاتي، قائلا: "كان أولى بملك المغرب أن يقترح لما يسميه بمشروعه للحكم الذاتى على الريف أو سوس لأن الصحراء الغربية ليست جزءا من المغرب ولم تكن منه ولن تكون قطعا باعتراف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى ومحكمة العدل الدولية ومحكمة العدل للاتحاد الأوروبي وجميع الهيئات والمؤسسات الجهوية والقارية و الدولية".

لم يذكر محمد السادس للمغاربة، بحسب البيان: أن "العالم لا يعترف بأي سيادة مغربية على الصحراء الغربية وأن الأمم المتحدة جددت منذ ثلاثة أسابيع فقط، وبإجماع أعضائها ال193، تشبثها بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وبطبيعة القضية الصحراوية بصفتها قضية تصفية استعمار". 

واعتبرت الجبهة: أن الرباط تراهن على جهات ودوائر معروفة وعلى رأسها فرنسا منذ سنة 1975. من جهته رأى أستاذ العلوم السياسية: ملف الصحراء يتجه نحو نقطة الصفر، ما ينذر بانفجار أو انفلات ممكن في مخيمات تندوف.

صمت دبلوماسي

أدخلت الأمم المتحدة الجزائر كطرف مهم في قضية النزاع على الصحراء بالإضافة إلى المغرب وجبهة البوليساريو -في الوقت الذي اضطرت فيه الجزائر إلى التزام الصمت "الدبلوماسي"- لكنها التزمت بحضور جميع جلسات المفوضات التي احتضنتها أروقة الأمم المتحدة بالعاصمة السويسرية جنيف.

وفي الوقت الذي فضلت فيه الجزائر التزام الصمت، وعدم الإدلاء بأي تصريح رسمي حول القضية، خرج قبل أسابيع قليلة الأمين العام السابق لحزب "جبهة التحرير الوطني"، والرئيس الأسبق للمجلس الشعبي الوطني (البرلمان الجزائري) عمار سعداني، في حوار عبّر فيه عن مواقف داعمة للسيادة المغربية على الصحراء.

سعداني قال: إنه ومن الناحية التاريخية "الصحراء مغربية، وقد اقتطعت من المغرب في مؤتمر برلين (عُقد في العاصمة الألمانية عام 1884 بين القوى الاستعمارية الأوروبية لاقتسام مناطق النفوذ في إفريقيا). وفي رأيي أن الجزائر التي تدفع أموالا كثيرة للمنظمة التي تُسمى "البوليساريو" منذ أكثر من 50 سنة دفعت ثمنا غاليا جدا دون أن تقوم المنظمة بشيء أو تخرج من عنق الزجاجة". 

تصريحات المسؤول السياسي والقائد الحزبي في الجارة الشرقية للمغرب، اعتبرتها الرباط انتصارا لأطروحته التي أقرت مع تعاقب العقود أن الجزائر هي الداعم الأول لجبهة البوليساريو، باعتبارها تسعى إلى انفصال الصحراء عن المغرب، وتدفع الأموال الطائلة سنويا لمساعدة قيادة "الدولة" الجنوبية.

أستاذ العلوم السياسية محمد الزهراوي قال في تصريح لـ"الاستقلال": إن الوقت حان للفصل بين الجزائر كدولة شقيقة، وبين الجيش الجزائري الذي يسعى إلى ضمان استمرار تجميد العلاقات بين البلدين، معتبرا: أن هناك فئات عريضة مثقفة داخل المجتمع الجزائري تؤمن بمغربية الصحراء.

أصل الأزمة

بدأت أزمة الصحراء الغربية في عهد الاستعمار الفرنسي، الذي لم يرسم الحدود بشكل دقيق، ولم يهتم إلا بعد اكتشاف حقول من النفط ومناجم حديد في المنطقة الحدودية، حيث أعادت باريس ترسيم الحدود وأدخلت منطقتي "الحاسي والبيض" و"كولومب بشار" ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر.

بعد استقلال الجزائر عام 1962 ومن قبله المغرب عام 1956، طالبت الرباط باسترجاع سيادتها على المنطقتين، بالإضافة إلى مناطق أخرى كانت تعود إليها قبل الاستعمار، استنادا إلى خريطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال المغربي في عام 1956.

إلا أن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندونج المنعقد في 1956.

وازداد التصعيد بالمناطق الحدودية بين البلدين في أعقاب رفض الجزائر تغيير خريطة الاستعمار، إلى أن اندلعت مناوشات تحولت إلى حرب ضروس في أكتوبر/تشرين الأول 1963، سميت بحرب الرمال. تكبد الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتنتهي هذه الحرب بتدخل منظمة الوحدة الإفريقية، التي أرست اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 20 فبراير/شباط 1964.