يني شفق: كيف غابت إسطنبول عن مناظرة مرشحي انتخابات البلدية؟

12

طباعة

مشاركة

لا يكون بناء المدن بتشييد الطرق والجسور والأضواء فقط، بل وقبل هذا كله بالإنسان ونور قلبه. وهذا ما يجب أن يدركه المواطنون في إسطنبول في خضم إعادة الانتخابات لاختيار رئيس بلدية مدينتهم الكبرى، بعد أن شاهد الناخبون "الاصطدام الكبير" بين المرشحين لرئاسة البلدية.

وضّحت الكاتبة والصحفية التركية، المتخصصة في علم الاجتماع، ليلى ايبكتشي، ذلك في مقال لها على صحيفة "يني شفق" التركية، مشيرة إلى المناظرة التي دارت الأحد الماضي بين مرشح حزب "العدالة والتنمية" بن علي يلدرم ومرشح حزب "الشعب الجمهوري" أكرم إمام أوغلو.

ووعلّقت قائلة: "أشعر بعدم الارتياح كمواطنة من إسطنبول حيث يستخدم المرشحون الذين يديرونها شعارات سياسية للتعبير عن ما يربطهم بالمدينة". واستطردت: "المكان مع الإنسان ويهدر معه كالقلب الذي ينبض؛ يعني يحيا داخله دومًا وينمو مع نمو المدينة وتسمو روحه معها حتى تصبح مدينة عالمية بعد أن أراد أن تكون كذلك".

مناظرة دون روح

وتابعت الباحثة في علم الاجتماع، موضحة أن تطور المدينة يكون بتصور وإحساس المجتمع، وأن المدينة تجمع ثقافة الجمهور الذي يحيا داخلها، وهو ما يمكن أن يسمى بالوعي. فالمكان أو المدينة التي تحيا داخل أحدهم، تصبح مدينة عالمية كأنها الدنيا، وكأنه قلب أحدهم أو حبيبته، أينما وُجد الحبيب يوجد القلب وتوجد الأبواب المفتوحة في وجه الجميع.

واعتبرت الكاتبة أن كل شيء مرتبط ببعضه، بدءا من المحراب والمنبر والمياه والحدائق والمدرسة والأسواق والمشافي والطرق والمناطق الصناعية والوحدات السكنية، التي لا زالت تتوسع تدريجيا، مضيفة: "بما أن خطة تقسيم المناطق تتم بشكل صحيح، فإن القلوب المحبوبة ستكون قادرة على البناء وستتسع لها القلوب؛ كما هو الحال في إسطنبول، حيث تصبح الروح داخل الروح".

وشددت ايبكتشي على أن المدن لا تبنى بالحجارة والإسمنت فقط، "إنه لمن العار الشديد ألا يتم طرح أي أسئلة على المرشحين حول المدينة والبرامج المعنوية لها كالثقافة والفن"، منتقدة ما جاء في مناظرة الأحد بين المرشحين.

وزادت قائلة، إن المدينة ليس فقط هي أن تبنى الجسور والمباني والأضواء هنا وهناك، ولا حتى مواقع سياحية لجذب الزوار فقط، بدون معنى، المدينة هي أن تلبسها ثوب الحياء ونمط الحياة، وأن تعبّد طريق الثقافة إليها، حتى يصبح الفن أسلوب حياة والقلب مضيئا.

واستدلت باحثة علم الاجتماع على رأيها، بمثال عن بناء مدينة منيرة قائلة: "بنيت المدينة لإحياء القلوب، ولم يكن لأحد أن يتخيل أن مدينة يمكن أن تتحول حياتها إلى ثقافة وفن، وهو حال إسطنبول؛ بالنسبة للناس الذين عرفوا حالتها القديمة".

إسطنبول يمكن أن تكون كذلك، بحسب الكاتبة، مذكّرة أن الأسبوع المقبل سيعرف انتخابات، تنتج صاحب القرار الأول في المدينة.

بصمة دائمة

منذ سنوات، لم يكن لمدينة المالي غرب أنطاليا جنوب تركيا، أي معنى، غير أنها مسقط رأس العلامة الإسلامي حمدي يازير، ولكن حين ألف كتابا حمل اسم مدينته، ظلت ولسنوات مركزًا جاذبا. وعُرف أيضا، باسم المعلم حمدي يازير كان رجل شريعة تركي ومترجمًا للقرآن، وباحثًا في التفسير القرآني وأكاديميًا قانونيًا إسلاميًا فيلسوفًا.

ذكر المقال مجموعة من أعلام المدينة مثل، وهاب أومي، إير أوغلو نوري وسنان أومي ونيازي مصري، وبصرف النظر عن أن لكل منهم اهتماماته المختلفة، إلا أنهم تركوا أعمالا في الثقافة التركية؛ فهؤلاء الأدباء قاموا بتشكيل تراث المدينة، وقراءة تراثهم يشبه قراءة الذات لا ينتهي أبدًا.

وعن المدينة قالت ليلى ايبلكتشي: "ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها في المالي أن التقاليد التي جعلت العديد من مدن الأناضول مدن حب وحكمة استمرت في تخمير هذه الأراضي بصمت؛ لقد تغيرت المالي بسرعة منذ تلك الأيام؛ فجددت المقابر وأصلحت المساكن وفتحت الطرق".

ونظرًا لأن مدن الأناضول تتحول بسرعة إلى مدن كبرى وتتسارع أنشطتها في مجال البلديات، وتتطور أكثر وأكثر، فالمالي هي الأخرى نالت حظها، لكنها في ذات الوقت لم تنس جذورها  مثل عبدال موسى وسنان أومي.

وعاد المقال، للكتاب في مدينة المالي، وقالت الباحثة التركية: إن "سماع صوتهم مستمر دون انقطاع في جميع الأوقات". مضيفة "في الواقع المدينة حاضرة أيضًا في روايتي، التي على خطى نيازي مصري، وتناقش علاقة المريد بمرشده (التلميذ والمعلم بمعنى متصوف)".

أثناء قراءة هذه الأعمال، يمكنك أن ترى بطريقة ملموسة كيف يمكن أن يكون العثور على خطة كاملة للبناء مع وسيلة لمعرفة الذات في مختلف صنوف الأدب الصوفي الواصل إلينا ومنها التنفس العميق (عن طريق أخذ روح الروح إلى الحالة الأصلية للإحياء).

وواصلت الكاتبة، كما تتنفس في الكلمة، يمكنك القيام بثقافتك وأداء فنك الخاص بك. وتتساءل، إذا لم تكن المدينة مدينة منيرة فما هو مفهوم المدينة؟ وأين الذين يرغبون في إدارة المدن الكبيرة من هذه المفاهيم؟

استثمار الإرث

"أنا أعتبر أنها خسارة كبيرة للتضحية بجماعتك مقابل دعاوى مجتمعية مادية -إذا كان لديك بالفعل أدب صوفي-، إذا كان هناك أشخاص لديهم بالفعل مثل هذه الخدمات العظيمة التي نمتلكها وورثناها من أدب المخطوطات التركية"، قالت باحثة علم الاجتماع مضيفة: "إن سلاطين القلوب، الذين يجعلون مدينتهم مركزًا، يبقون على قيد الحياة دومًا".

والذي يقع علينا، تضيف الكاتبة، مثل الوعي المعنوي والرغبات المادية التي نبحث عنها عند مرشحي بلدية إسطنبول، أن نواصل المطالبة بحقوقنا دومًا، "وكما قال السلطان الفاتح، هناك أمور لابد من السيف فيها"، وتقصد هنا الكاتبة الإصرار والمطالبة دوما بالحقوق دون كلل أو ملل.

وأوضحت: "إذا استخدمت السيف مع الغضب يصبح احتلالاً، لكنك إذا استخدمته بدون غضب يصبح فتحًا، والدم المراق على هذه الطريق يبقى حيًا وينقل حكمة عن وهابي أومي الذي قال: (حكمتي، الروح الحقيقية وهي مصدر إلهامي، إلهامي هو الحقيقة.. الحقيقة هي أنه ليس لدي أي قرار في هذا الجسد!)".

وطالبت الكاتبة في نهاية المقال بأن تتيح المؤسسات التي تنظم ندوة دولية في المالي، الفرصة لعدد من الأساتذة الذين يمكنهم أن ينعشوا روح المدينة، واستبعاد أولئك الذين ينشرون أعمالهم بأشكال مكثفة.

وختمت ايبلكتشي، قائلة: "إذا كان السيف يقف بجانب الحق، فإن الاجتماع المستنير للجنود الحقيقيين سيواصل توسيع القلوب من المالي إلى إسطنبول".