دعوات تعديل المادة 47 من الدستور المغربي.. لماذا الآن؟

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد شهر واحد من نجاح التونسيين في خلع الرئيس زين العابدين بن علي وإجباره على الفرار إلى السعودية في 14 يناير/كانون الثاني 2011، ونزول ملايين المصريين إلى الشوارع في 25 يناير/كانون الثاني 2011 لتغيير النظام، ومن بعدهم اليمنيون والليبيون؛ لم يتخلّف المغاربة أيضا عن ركب الشعوب العربية الطامحة للتغيير.

العاهل المغربي الملك محمد السادس التقط رسالة حراك 20 فبراير/شباط 2011 سريعا، فبادر إلى تقديم إصلاحات عميقة في شكل النظام الملكي، بدأها بمقترح لدستور جديد، يعيد تنظيم إدارة الدولة ويمنح صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة الذي يختاره الملك من الكتلة البرلمانية الأكبر.

التعديلات الدستورية ساهمت في وصول الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية (إسلامي) عبد الإله بن كيران لرئاسة الحكومة عام 2011، والأمين العام الحالي للحزب سعد الدين العثماني بعد انتخابات عام 2016.

ومع اقتراب الانتخابات التشريعية للعام 2021، تزايدت الدعوات إلى تعديل الدستور المغربي بشكل يوسع خيارات الملك في تعيين رئيس الحكومة، وهو تعديل دستوري يرى البعض أنه ضروري حتى لا يعاد سيناريو "البلوكاج".

و"البلوكاج"، اسم بات يطلق على فشل رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران من تشكيل الحكومة بعد انتخابات العام 2016، في حين يؤمن آخرون بأن الهدف الرئيس من دعوات تعديل الدستور هو تقليل فرص الإسلاميين في الاستمرار بالسلطة أو على الأقل إبعادهم عن قيادة الحكومة.

الفصل 47

يعتبر الفصل 47 من الدستور المغربي وخاصة الفقرة الأولى منه، مكسبا دستوريا مهما، واستجابة تاريخية بارزة لمطالب الفاعلين السياسيين الذين نادوا به منذ حكومة التناوب ( 1998-2002) والتي عيّن فيها الملك الراحل الحسن الثاني عبد الرحمن اليوسفي الزعيم الاشتراكي والكاتب الأول (الأمين العام) لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية - أقوى أحزاب المعارضة آنذاك - وزيرا أول (رئيسا للحكومة).

ودعا عدد من الأحزاب السياسية إلى ضرورة دسترة تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي الذي يتصدر الانتخابات التشريعية، وهذا ما أكدته جل مذكرات الأحزاب السياسية المقدمة للجنة الاستشارية المكلفة بصياغة دستور 2011، الأمر الذي تمت ترجمته من خلال الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور.

وينصّ هذا الفصل من الدستور الجديد على أنه "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها"، وإن كان هذا الفصل يعتبر إصلاحا جدّيا للسلطة في المغرب، بعد أن تجاوز ما كان معمولا به منذ الاستقلال، حيث كان للملك الحق المطلق في تعيين وزير أوّل مهما كانت نتيجة الانتخابات التشريعية.

إلا أنّ هذا الفصل فتح نقاشا حادا وجدلا واسعا بين  الفرقاء السياسيين والخبراء بالقانون الدستوري، خاصّة مع تعثر تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران عقب الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وطول مدة المشاورات التي لم تؤدّ إلى أي نتيجة إيجابية.

الباحث في القانون الدستوري عبد السلام التواتي اعتبر أنّ الفصل تحوم حوله عدّة تساؤلات قانونية، قائلا لموقع هسبريس المغربي: "من يتفحص مضمون هاتين الفقرتين سيخلص إلى ملاحظتين أساسيتين بأنّه ليس هناك تحديد لصفة الشخصية المعينة من الحزب السياسي المتصدر لانتخابات أعضاء مجلس النواب، والمكلفة بتشكيل الحكومة، كما أنّه ليس هناك تحديد لمدة زمنية معينة، بين لحظة تعيين الملك لرئيس الحكومة، وبين لحظة اقتراح هذا الأخير لأعضاء الحكومة".

ويضيف التواتي في تعليقه على ما يعتبرها نقائص وثغرات تشوب هذا الفصل: "إذا افترضنا جدلا أن سعد الدين العثماني هو أيضا فشل في تشكيل الحكومة، أو أن حزب العدالة والتنمية اختار الاصطفاف في صفوف المعارضة، فهل يبقى الاختيار الوحيد هنا هو حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات جديدة؟".

استباق للصناديق

ورغم حالة الاستقرار السياسي التي يعيشها المغرب طيلة هذه السنوات، إلا أنّ عددا من الأحزاب السياسية المعارضة وكذلك من المشاركة في الحكومة، خرج قياديوها للمطالبة بتعديل الدستور وبالتحديد في فصله 47.

ودعا حكيم بنشماش، الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة (أكبر حزب معارض)، في مارس/ آذار الماضي، إلى تعديل تلك المادة، وقال خلال لقاء حزبي في العاصمة المغربية الرباط، إن حزبه "يهدف إلى فتح النقاش بين الأحزاب حول أهمية إجراء تعديل دستوري، يركز بالأساس على الفصل 47 الخاص بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر الانتخابات".

ويعتبر حزب الأصالة والمعاصرة الذي  تأسس سنة 2008 وجمع شخصيات سياسية ومالية و5 أحزاب صغيرة حلت نفسها، بأنه مقرّب من المخزن، أي المؤسسة الملكية، حيث ترأسه الصديق المقرب من الملك محمد السادس ومستشاره ورجل الأعمال فؤاد عالي الهمة.

كما دعا إدريس لشكر، الكاتب الأول (الأمين العام) لحزب الاتحاد الاشتراكي (حزب يساري مشارك في الائتلاف الحكومي)، إلى تعديل تلك المادة، وقال لشكر، في مقابلة مع جريدة "الصباح" المغربية، في أبريل/ نيسان الماضي: "لابد من التفكير في الفهم الضيق، الذي يعرّفه الفصل 47 من الدستور".

ويبدو أنّ عدم نجاح هذه الأحزاب في الفوز بأي من الاستحقاقات الانتخابية منذ العام 2011، وفي ظل اقتراب الانتخابات المقبلة، جعلت من دفعهم لتعديل هذا الفصل استباقا لنتائجها التي من الممكن أن تعيد نفس المشهد الحالي الذي يتصدّره الإسلاميون ممثلين في حزب العدالة والتنمية الحائز على المرتبة الأولى في الانتخابات الفارطة دون حصوله على غالبية مقاعد البرلمان المغربي.

مناكفات سياسية

الظرفية السياسية الحالية التي تعيشها المغرب، وتعدد الملفات المطروحة اجتماعيا وسياسيا، توحي بانطلاق حملات انتخابية سابقة لأوانها، وهو الأمر الذي يظهر أن دعوات تعديل الدستور هي مجرّد جدل سياسي أكثر منه دستوري، خاصة أنها لن تعدو أن تكون دعوات يحاول أطرافها طرح هذا التعديل الدستوري في إطار مناكفات سياسية، وتمهيدا لما بعد الانتخابات المقبلة من مشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة.

ويعتبر حزب العدالة والتنمية المترئس للحكومة المغربية منذ العام 2011 أنّ الدعوات لتغيير تلك المادة  47 من الدستور تستهدف قطع الطريق عليه نحو ترؤسه للحكومة المقبلة أيضا، في حال تصدره لانتخابات .2021.

سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وصف الدعوة إلى تعديل الفصل 47 من الدستور، بشهادة اليأس، داعيا الذين أطلقوا هذه الدعوة إلى الاشتغال وممارسة العمل السياسي الجاد وإقناع المواطنين بالتصويت لصالحهم.

وقال العثماني، في الندوة الوطنية لشبيبة العدالة والتنمية: "هل تم حل جميع المشاكل التي يعاني منها المغرب؟ ولم يتبق إلا تعديل الفصل 47 من الدستور؟".

من جهته انتقد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله الدعوة الى تعديل الفصل 47 من الدستور، معتبرا في الندوة ذاتها أنه "إن كان هدفها فقط هو التعامل مع نتائج الانتخابات كما يريدون، إذن هذا ليس قصدا نبيلا ولا علاقة له بمصلحة الوطن".

إلاّ أن البعض يخشى من أن يكون هذا التوجّه انتكاسة للإنجازات التي تحققت في العام 2011، ومهدت لإرساء نظام برلماني ديمقراطي في ظل ملكية دستورية حقيقية.

المحلل السياسي المغربي عبد الصمد بلكبير، اعتبر في تصريح لموقع "سيت أنفو" أن "هذه الدعوة تعبر عن الاتجاه الرجعي في المخزن، وتأويلا أسوأ لمخرجات الدستور، وفيه نوع من المناكفة لتصرف الملك السابق الذي تم تأويله وقتها بشكل إيجابي، بأنه تخلي عن الشخص وليس عن الحزب".

وأضاف أن "الأجهزة المخابراتية الوطنية والدولية تؤكد أن حظوظ حزب العدالة والتنمية هي الراجحة، ليس لأن لديه امتيازات، بل لأن الآخرين كلهم سوءات، والتعديل من عدمه مرتبطة بموازين القوى داخل النظام" .

وحسب رأى عدد من المهتمّين بالشّأن المغربي فإن هذه الدعوات لا تخرج عن السياق العام في المنطقة العربية التي تتجه نحو الارتداد عن مكتسبات الربيع العربي.

مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد مصباح أكد في تصريح لموقع العمق المغربي "وجود علاقة بين الدعوة لتعديل بنود في الدستور وبين ما يحدث في تجارب دول أخرى سعت إلى كتم الحريات وإنهاء الهامش الديمقراطي الذي أتاحته انتفاضات الربيع العربي".

وأضاف مصباح: "هذا ما وقع في مصر، وهناك محاولات لمزيد من الانغلاق الديمقراطي في المغرب تأثرا بالبيئة الإقليمية".

وأمام كلّ هذه التجاذبات والمناكفات والتخوفات أيضا حول مستقبل العملية الديمقراطية في المغرب، يبقى الحكم في كل ذلك هو الملك الذي يمتلك السلطة الأكبر في البلاد، والشرعية الدستورية من أجل تقديم أي مشروع للتعديل على الاستفتاء فيما تبقى من مدّة نيابية حالية، وهو ما قد يقطع الشك باليقين حول الحديث المتداول حول موقفه من حزب العدالة والتنمية.