فقدان الثقة بترامب.. هل يدفع أوروبا لعلاقات دفاعية أقوى مع تركيا؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

تسعى تركيا إلى تعزيز دورها كشريك أمني أساسي لأوروبا، مستغلة حالة عدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة كحليف موثوق. 

ومع توجه الاتحاد الأوروبي نحو تعزيز قدراته العسكرية، تطرح أنقرة نفسها كلاعب رئيس في الهيكل الأمني الأوروبي، مؤكدة أن أمن أوروبا لا يمكن تحقيقه دون تعاونها.

وفي هذا الصدد، يوضح موقع "دويتشه فيله" الألماني أن تركيا تمتلك قوة عسكرية كبيرة وصناعة دفاعية متنامية، إذ نجحت في تطوير قطاعها الدفاعي بشكل ملحوظ رغم العقوبات الغربية.

ومن ناحية أخرى، قال: إن أنقرة، عبر تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا وأوكرانيا والغرب وتوسيع نفوذها في الصناعات الدفاعية، تسعى إلى لعب دور أكبر في الأمن الأوروبي. 

ولفت إلى أن اندماجها الكامل في المنظومة الدفاعية الأوروبية لا يزال مشروطا بإبرام شراكات رسمية مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يحد من استفادتها من برامج التسلح الأوروبية.

محادثات مكثفة

وأكد الموقع أن "الدول الأوروبية، وفي ظل تزايد الشكوك حول دور الولايات المتحدة (في عهد دونالد ترامب) كحليف موثوق، تتساءل بشكل متزايد عن كيفية الدفاع عن نفسها". 

وبين أن هذه الدول تسعى إلى إيجاد حلول مشتركة لهذه التحديات. ولتوفير الاستثمارات اللازمة في قطاع الدفاع، خفف الاتحاد الأوروبي قواعده المالية الصارمة، كما أنشأ صندوقا أوروبيا للتسلح لتمويل المشاريع الدفاعية المشتركة. 

وفي هذا السياق، يشير الموقع إلى أن أوروبا تمر بمرحلة تحول كبيرة، ساعية إلى تعزيز قدراتها العسكرية بشكل واسع.

ووفقا لوكالة الأنباء الألمانية "DPA"، قرر القادة الأوروبيون خلال قمتهم الربيعية، مساء 20 مارس/آذار 2025، بذل كل الجهود الممكنة لتعزيز جاهزية أوروبا الدفاعية بشكل حاسم خلال السنوات الخمس المقبلة.

وفي هذا الإطار، يلفت الموقع إلى أن تركيا تسعى إلى ترسيخ موقعها بقوة؛ حيث أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال لقائه رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك في أنقرة أخيرا، على طموحات بلاده. 

وأكد أردوغان أن "تركيا لا تزال تسعى للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي". 

كما أعرب عن قناعته بأن "الاتحاد الأوروبي لا يمكنه منع تراجع نفوذه الحالي في ظل التحديات الأمنية العالمية إلا من خلال تعاون وثيق مع تركيا".

أما وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، فقد عبر عن ذلك بوضوح أكبر؛ حيث أكد أن "بناء هيكل أمني أوروبي جديد دون تركيا أمر غير وارد".

وبالإشارة إلى أن فيدان معروف بعلاقته الوثيقة بأردوغان، ينوه الموقع إلى أنه يجري حاليا محادثات دبلوماسية مكثفة. 

فخلال أسابيع قليلة، استقبل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في أنقرة، كما شارك في قمة أوكرانيا في لندن.

وقبل ذلك، عقد دبلوماسيون روس وأميركيون محادثات في إسطنبول لمناقشة سبل تطبيع العلاقات بين البلدين.

قوة عسكرية

وفي هذا الإطار، يشير "دويتشه فيله" إلى أن تركيا تقع في موقع إستراتيجي مميز بين أوروبا وآسيا وتمتلك قوة عسكرية كبيرة. 

ووفقا للتقرير الأخير لمنصة "Global Firepower"، يحتل الجيش التركي المرتبة التاسعة ضمن أقوى جيوش العالم، متفوقا على دول مثل إيطاليا وألمانيا وإسرائيل.

وتضم القوات المسلحة التركية حوالي 884 ألف جندي، من بينهم أكثر من 355 ألف جندي في الخدمة الفعلية. 

علاوة على ذلك، تمتلك القوات الجوية التركية أكثر من 940 طائرة عسكرية، منها حوالي 200 مقاتلة حربية. 

كما تمتلك أكثر من 2230 دبابة قتالية، مما يجعلها صاحبة ثاني أكبر أسطول دبابات داخل الناتو (حلف شمال الأطلسي) بعد الولايات المتحدة (4640).

ومن ناحية أخرى، يلفت الموقع الألماني إلى أن البحرية التركية مجهزة جيدا، إذ تضم 13 غواصة.

وعلى مدى العقود الماضية، سعت تركيا بشكل مستمر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعتها الدفاعية وتقليل اعتمادها على الدول الأجنبية. 

وجاء ذلك كـ "رد فعل على العقوبات الغربية المتكررة، التي تسببت في نقص الإمدادات للقوات المسلحة التركية، مما أدى إلى تأخير عمليات التحديث والصيانة وإنتاج أنظمة الأسلحة المحلية".

واليوم، بدأت الاستثمارات طويلة الأمد في البحث والتطوير وتوسيع قطاع الصناعات الدفاعية تؤتي ثمارها، بحسب الموقع. 

إذ أعلن رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية خلوق غورغون، مؤخرا، أن "نسبة المكونات المحلية في هذه الصناعة ارتفعت من 20 بالمئة عام 2002 إلى 80 بالمئة عام 2023".

ووفقا له، يضم القطاع الآن أكثر من 2400 شركة ويشغل ما يقارب 100 ألف موظف. 

ومن جهة أخرى، يضيف الموقع الألماني أن تركيا نجحت في تصدير طائرات مسيرة ودبابات قتالية وأنظمة أسلحة وسفن عسكرية إلى 180 دولة، متجاوزة أهدافها بحجم صادرات بلغ 7.1 مليار دولار أميركي.

والدول المستوردة للأسلحة التركية تشمل العديد من بلدان إفريقيا والخليج العربي وآسيا وأوروبا، فيما بدأت أنقرة منذ عام بتوسيع نطاق صادراتها ليشمل أميركا اللاتينية.

"كما تصدر تركيا الأسلحة إلى دول ذات أنظمة استبدادية وإلى مناطق تشهد نزاعات مسلحة"، بحسب الموقع.

إصلاحات شاملة

وفي إطار تركيزه على السياسة الدفاعية التركية، كان الخبير الاقتصادي ينز باستيان يجري أبحاثا في هذا الصدد حتى نهاية عام 2024 في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين.

ويشير الخبير إلى أن "تركيا شهدت تحولا كبيرا في هذا القطاع، خاصة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ بزعامة أردوغان". 

حيث نفذت تركيا إصلاحات جذرية في صناعتها الدفاعية وأعادت هيكلتها المالية، كما أنشأت نظاما يربط الجامعات والشركات الناشئة ومراكز الأبحاث بالجيش.

وهنا، ينوه الخبير أن شركة "بايكار" التركية لإنتاج الطائرات المسيرة والتي يديرها سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس أردوغان، تعد مثالا بارزا على هذا النجاح. 

إذ حققت الشركة إنجازات عالمية في تصدير الطائرات المسيرة العسكرية والمدنية، وأثبتت فعاليتها في أوكرانيا وليبيا وقره باغ، وأخيرا في سوريا، وفقا لما ذكره باستيان.

وفي بداية مارس 2025، وقعت شركة "بايكار" اتفاقية مع شركة "ليوناردو" الإيطالية لتطوير طائرات مسيرة مشتركة. 

ومن ناحية أخرى، أضاف الخبير أن "إندونيسيا تخطط أيضا للتعاون مع تركيا في إنتاج الطائرات المسيرة، بينما تُنتج بالفعل في أوكرانيا".

وبخلاف ذلك، يتحدث موقع "دويتشه فيله" عن شركة الدفاع التركية "STM" التي سجلت نجاحا آخر مؤخرا، حيث حصلت على عقد من البحرية البرتغالية لبناء سفينتين للدعم اللوجستي والإمداد البحري. 

ويمثل هذا العقد "أول تصدير" لسفن عسكرية تركية إلى دولة في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

ولكن رغم أن واشنطن شريكا غير موثوق.. فهل تكون تركيا "مفتاح أمن أوروبا"؟، ذكر باستيان أن "تركيا لا تزال تعاني من نقاط ضعف تكنولوجية، خاصة في إنتاج الرقائق الإلكترونية وتكنولوجيا الكم، حيث تعتمد على استيرادها من شركاء الناتو".

الصناعات الدفاعية

وبالحديث عن مؤسسة الصناعات الدفاعية، يقول الموقع إنها "لعبت دورا حاسما في صعود تركيا كقوة تصدير في هذا القطاع". 

وتأسست المؤسسة عام 2018 تحت إشراف أردوغان مباشرة، وتمكنت من إجراء استثمارات كبيرة في تحديث وتطوير تقنيات جديدة للقوات المسلحة التركية، وذلك من خلال صندوق خاص، وقد أدى ذلك إلى نمو ملحوظ في صناعة الأسلحة المحلية.

وبهذا الشأن، يرى باستيان أن "توسيع قطاع الصناعات الدفاعية يعد وسيلة من وسائل السياسة الخارجية والاقتصادية لأنقرة. فبفضل نجاحاتها في تصدير الأسلحة، أصبحت تركيا منافسا قويا في هذا المجال".

ومن ناحية أخرى، يعتقد الخبير الاقتصادي أن "تركيا تساهم في تعريف البنية الأمنية الأوروبية". 

وتابع أنه "بفضل دورها في سياسة الهجرة والخيارات الاقتصادية والسياسية في سوريا، بالإضافة إلى أهميتها في الشرق المتوسط والبحر الأسود، أصبحت تركيا قوة متوسطة يجب أن يأخذها الاتحاد الأوروبي وشركاؤها في الناتو والصين في حساباتهم الاستراتيجية".

وهنا، يلفت الموقع الألماني إلى احتمالية استفادة أردوغان من هذا الوضع على المستوى المحلي في تركيا.

وأردف: "إذ أصبح القادة الأوروبيون يوجهون انتقادات أقل بشأن نقص الديمقراطية في أنقرة، مما أدى إلى تراجع معارضة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في تركيا". 

وفي هذا الصدد، يقول باستيان: "هذا الصمت يضعف الفرص السياسية المتبقية لأحزاب المعارضة التركية وأعضاء المنظمات المدنية".

وفي النهاية، يشير الموقع إلى أنه "لا يزال من غير الواضح، حتى الآن، ما إذا كانت تركيا ستلعب دورا في بناء البنية الأمنية الأوروبية في المستقبل". 

ولكن وفقا لخطط المفوضية الأوروبية الأخيرة، يمكن للشركات التركية الاستفادة من صندوق التسلح الأوروبي الذي يبلغ حجمه 150 مليار يورو، إذا "وقعت تركيا اتفاقية شراكة أمنية ودفاعية مع الاتحاد الأوروبي".