على عكس الاقتصاد.. لماذا لا تتحسن العلاقات السياسية بين فرنسا والمغرب؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في السنوات الأخيرة، كثرت الأحاديث عن تدهور العلاقات السياسية والدبلوماسية بين المغرب وفرنسا، ورغم ذلك، فإن الجانب الاقتصادي والتجاري ظل في أعلى مستوياته بين البلدين.

وفي هذا الإطار، يسرد موقع "أتلانتيكو" الفرنسي مظاهر هذا التعاون الاقتصادي المتنامي، موضحا في الوقت ذاته أسباب عدم تحسن العلاقات السياسية والدبلوماسية.

موجات من الاضطراب

يتحدث الموقع عن التاريخ المشترك الطويل بين فرنسا والمغرب، والذي يمتد إلى نحو نصف قرن، مشيرا إلى أن هذه المدة تخللتها بعض المواقف السلبية والأزمات التي لم تضر أبدا بالعلاقة الثنائية القائمة على الاعتراف والاحترام المتبادل بالثقافات، والتقدير المتبادل للمصالح الثنائية.

ومع ذلك، يوضح أن "العلاقات السياسية والدبلوماسية أصبحت معقدة في السنوات الأخيرة بين الجانبين"، في الوقت الذي يشير فيه إلى أن "العلاقات لم تكن بهذا المستوى العالي من الديناميكية والتفاعل في الجانب التجاري".

ويذكر الموقع أنه بعد جائحة كوفيد، استعاد الاقتصاد المغربي عافيته بسرعة كبيرة، حيث سجل نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 زيادة بنسبة 7.9 بالمئة، وهو ما يفوق النسب المحققة في اقتصادات منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. 

ثم في عام 2022، أوضح الموقع أن الاقتصاد المغربي تأثر بالتوترات الجيوسياسية والاضطرابات في سلاسل التوريد، تماما كما حدث للاقتصاد العالمي. 

والتي أدت بدورها إلى ضغوط تضخمية قوضت القوة الشرائية الداخلية وتدهور الميزان التجاري بسبب ثقل تكلفة الواردات الهيدروكربونية.

وبعد أن كان عام 2022 صعبا للغاية، سمح 2023 باستعادة التوازن مرة أخرى، وفق الموقع الفرنسي.

الشريك الأول

وعلى الرغم من منافسة الصين والولايات المتحدة، تدرك الإدارة العامة للخزينة الفرنسية أن "باريس هي الشريك الاقتصادي والمالي الأول للمغرب". 

وكما ورد عن الموقع، فإن صعود الصناعات المغربية ساهم بشكل كبير في زيادة التجارة الفرنسية مع المغرب خلال السنوات العشر الماضية. 

ويفسر "أتلانتيكو" هذا الاتجاه بشكل رئيس بـ "الاندماج المتزايد للمغرب في صناعات السيارات والطيران".

وتوضح أن جزءا من التدفقات المغربية إلى فرنسا يأتي من إعادة التصدير من الشركات الفرنسية التي لديها مصانع بناء وتجميع في المملكة، مثل مصنع رينو في طنجة، أو ستيلانتيس في القنيطرة.

وفي الوقت نفسه، بحسب ما ورد عن الموقع، تُعد فرنسا المستثمر الأجنبي الرائد في المغرب، مع التزام قوي بالقطاعات الصناعية (رينو وستيلانتس على وجه الخصوص) وكذلك الخدمات (العقارات والتجارة الرقمية والأنشطة المالية). 

إلى جانب ذلك، تظل الجالية المغربية في فرنسا المصدر الأول للتحويلات المالية من المهاجرين ذوي الأصول المغربية لذويهم في المغرب.

ولذلك، يؤكد الموقع الفرنسي أن "كل هذا بطبيعة الحال يجعل من فرنسا المورد الرئيس للعملة الأجنبية للمغرب". 

ومع نهاية عام 2023، يتوقع الموقع أن يمتلئ المغرب بالسياح من جميع أنحاء أوروبا، وخاصة الفرنسيين الذين يتدافعون على ساحل المحيط الأطلسي. 

يُضاف إلى ذلك وصول موجة جديدة من المقيمين المغربيين في فرنسا، والذين يقتربون من الشيخوخة ويأتون للاستقرار في المغرب، حيث يجذبهم المناخ الجيد وانخفاض أسعار الخدمات والأمن. 

أما بالنسبة للمستثمرين، فهم "يتصارعون أيضا على الاستثمار في السوق المغربية، نظرا لإمكانات السوق المحلية والتركيبة السكانية".

ومما لا شك فيه أن المملكة تولي اهتماما كبيرا للاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد، لذلك فهي تعمل على تطوير عدد من مشاريع البنية التحتية وعدد من الموارد الجديدة، لا سيما في مجال الطاقة.

وفي المقابل، يلفت "أتلانتيكو" إلى أن المغرب يعاني من فقر شديد في المحروقات، وهو ملتزم بالطاقات المتجددة وإنتاج بطاريات الهيدروجين والليثيوم. 

وإضافة إلى كونه واحدا من أكبر منتجي الفوسفات في العالم، واكتشف مهندسو المغرب أن الفوسفات يحتوي على نسبة عالية من الليثيوم الضروري لعمل البطاريات.  

علاقات معقدة

في مثل هذه البيئة الاقتصادية التعاونية، يتساءل عالم الأعمال الأوروبي: "لماذا لا تبذل فرنسا بعض الجهود لتدفئة علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب؟". 

والحقيقة أن العلاقات الدبلوماسية بين باريس والرباط متوترة للغاية، فعلى سبيل المثال، يُذكر أنه في اليوم التالي للزلزال الذي أصاب المغرب، رفض ملك المغرب محمد السادس عرض المساعدة الذي قدمته باريس.

وفي الواقع، يوضح "أتلانتيكو" أن العلاقات بين العاصمتين تدهورت خلال العامين الماضيين بسبب قضية الصحراء الشائكة.

لافتا إلى أن هذه المستعمرة الإسبانية السابقة لا تزال موضع وساطة في الأمم المتحدة، حيث تطالب الرباط بسيادتها الكاملة عليها. 

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة اعترفت بسيادة المغرب عليها في 10 ديسمبر/ كانون الأول عام 2020، وذلك في مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. 

وفي المقابل، لم تتخذ فرنسا ذات الموقف، وذلك لأنها تحاول أيضا استيعاب الجزائر التي تدعم الصحراويين. 

وهنا يلمح الموقع إلى أن موقف فرنسا "معقد للغاية"، حيث تحاول موازنة علاقتها بين الدولتين، كما أنها تحاول إرضاء الجاليتين المغاربيتين المنتشرتين على أراضيها. 

ويلفت إلى أن الحكومة الفرنسية تحاول بالفعل تحسين علاقاتها مع الجزائر. مشيرا إلى أن الرئاسة الفرنسية لا تفوت أي فرصة لتوجيه إشارات الاهتمام إلى الحكومة الجزائرية.

جدير بالذكر أن فرنسا يقيم بها -وفق الإحصائيات- أكثر من 12 مليون مهاجر ومقيم من أصل جزائري، وذلك مقابل مليون ونصف مقيم من أصل مغربي.

وإضافة إلى عدد الجزائريين الضخم في المدن الفرنسية الكبيرة، يرى بعض المحللين أن "فرنسا لا تريد المجازفة مع الجزائر أيضا لأنها تضع يدها على صنبور الغاز، الذي تحتاجه فرنسا منذ اندلاع الصراع في أوكرانيا". 

ويلفت إلى أن سعي الفرنسيين لتعزيز علاقاتهم مع الجزائر يقوض علاقتهم بشكل أو بآخر مع المغرب.

في النهاية، يسلط الموقع الضوء على أن "هذه الصعوبات مع المغرب لا تمنع السياحة أو الاستثمارات، لكنها تهم الشركاء الأوروبيين الذين يتطلعون أيضا إلى المغرب، وخاصة ألمانيا". 

ويشير إلى أن الصين وروسيا ينتظران اللحظة المناسبة للدخول في المباراة التنافسية، متعجبا من "كون ثروات المغرب مرغوبة إلى هذا الحد".

الكلمات المفتاحية