حل أزمة العراق والبحرين بيد السعودية وإيران.. لماذا؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وكأن المنطقة خالية من الأزمات والصراعات والتجاذبات السياسية والطائفية، لتطل أزمة دبلوماسية جديدة برأسها، بين العراق والبحرين، مؤكد أنها ستتجاوز حدود البلدين، وتتلقفها أطراف إقليمية متصارعة.

وبطبيعة الحال، فإن الخطورة القائمة أو المستقبلية ليست نابعة من توتر العلاقات بين بغداد والمنامة، لكن من امتدادات هذا التوتر وتداعياته، على القوى الإقليمية المؤثرة، وهي هنا حصرا السعودية وإيران.

أزمة الصدر وبن أحمد

بدأت الأزمة ببيان لزعيم التيار الصدري في العراق، والمتصدر لنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مقتدى الصدر، قدم فيه مقترحات للتهدئة بين السعودية وإيران، من بينها "وقف الحرب في اليمن والبحرين وسوريا".

وطالب الصدر أيضا بـ"تنحي حكامها (تلك الدول الثلاث) فورا والعمل على تدخل الأمم المتحدة من أجل الإسراع في استتباب الأمن فيها، والتحضير لانتخابات نزيهة بعيدة عن تدخلات الدول أجمع وحمايتها من إرهاب تنظيم الدولة وغيره".

رد الفعل الأول جاء من البحرين عبر تغريدة لوزير الخارجية "خالد بن أحمد آل خليفة" معلقا على بيان الصدر بقوله: "مقتدى يبدي قلقه من تزايد التدخلات في الشأن العراقي.. وبدل أن يضع إصبعه على جرح العراق بتوجيه كلامه للنظام الإيراني الذي يسيطر على بلده، اختار طريق السلامة ووجه كلامه للبحرين. أعان الله العراق على أمثاله من الحمقى المتسلطين".

تغريدة الوزير البحريني أثارت غضب العراق، الذي طالب المنامة باعتذار رسمي عما اعتبرته "إساءة" بحق الصدر، وقالت الخارجية العراقية، في بيان لها: إن "كلمات وزير الخارجية البحريني -وهو يمثل الدبلوماسية البحرينية- تسيء للسيد مقتدى الصدر بكلمات نابية، وغير مقبولة إطلاقا في الأعراف الدبلوماسية، بل تسيء -أيضا- للعراق، وسيادته، واستقلاله خصوصا عندما يتكلم الوزير البحريني عن خضوع العراق لسيطرة الجارة إيران".

تصاعدت الأزمة بشكل متسارع بين البلدين، فاستدعت الخارجية البحرينية القائم بأعمال سفارة العراق لديها "لاستنكار" بيان الصدر، الذي اعتبرته "يمثل إساءة مرفوضة لمملكة البحرين وقيادتها ويعد تدخلا سافرا في شؤون مملكة البحرين، وخرقا واضحا للمواثيق ومبادئ القانون الدولي..".

لم يتأخر العراق في الرد، فأرسل احتجاجا رسميا لدى السفير البحريني المُستدعى على خلفية تصريحات الوزير خالد بن أحمد، التي اعتبرت إهانة للبلاد، فضلا عن الإساءة إلى الرموز الدينية، والسياسية العراقـية.

المكون الشيعي

وقبل الخوض في الارتدادات الإقليمية للأزمة بين العراق والبحرين، ربما وجب التوقف قليلا عند قاسم بين البلدين يبدو مشتركا في تلك الأزمة، وهو المكون الشيعي وعلاقته بإيران من جهة وبالنظامين الحاكمين في كلتا الدولتين من جهة أخرى.

التيار الصدري في العراق الذي يتزعمه مقتدى الصدر، نجح مؤخرا في تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية عبر تحالف "سائرون" وحصل على 54 مقعدا من أصل 325 في البرلمان، يعد من أبرز الوجهات الشيعية في العراق.

وبينما يعتنق أكثر من ثلث العراقيين المذهب الشيعي على الطريقة الجعفرية، تنحدر الغالبية العظمى من هؤلاء الشيعة من أصول عربية، ورغم العلاقات الوثيقة التي تطورت إلى حد السيطرة من قبل إيران على العراق خاصة في أعقاب الاحتلال الأمريكي عام 2003، فإن شيعة العراق ينزعون مؤخرا إلى مكونهم العربي وليس الطائفي.

يعتبر الشيعة العراق مركزا دينيا مهما، حيث توجد بجنوبه مناطق يؤمها كل عام ملايين الشيعة من إيران والعراق نفسه ومن لبنان والسعودية، هذه المناطق المعروفة في الثقافة الشيعية باسم "العتبات المقدسة" هي كربلاء والنجف، حيث يتوجه إليها الشيعة لإحياء ذكرى أربعين الحسين بن علي بن أبي طالب، ثالث أئمة الشيعة.

وعلى عكس معظم التيارات الشيعية في العراق، لا يعتبر الصدر حليفا لإيران أو مقربا منها، بل على العكس فهو دائم الانتقاد للتدخلات الإيرانية في العراق ضمن ما يسميها سياسة "النأي بالعراق عن لعبة المحاور".

وإبان الزيارة التي استقبل فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الصدر بالرياض يوليو/تموز 2017، قيل إن هذا التقارب يأتي ضمن سياق خطة "استقطاب المد الشيعي العروبي في العراق الذي يمثله الصدر، وإحداث توازن معه ومع المد الشيعي الإيراني"، وبالتالي محاولة حصار التمدد الإيراني في العراق.

البحرين شهدت قدرا هائلا من الاحتقان الطائفي خلال معظم العقد الماضي، ويعزى ذلك إلى نظامها الملكي ونخبتها التي تهيمن عليهما الطائفة السنيّة، إذ غالبا ما تنشأ معارضة بينهما وبين أغلبية السكان الذين ينتمون إلى الطائفة الشيعية.

وبلغ التدخل الإقليمي ذروته مع اشتعال موجة احتجاجية شيعية في البحرين بالتزامن مع ثورات الربيع العربي عام 2011، فعمدت السعودية إلى إرسال قواتها المسلحة للسيطرة على الاحتجاجات العنيفة، ودعمت إيران شيعة البحرين سياسيا ودبلوماسيا وقيل عسكريا في بعض الأحيان.

وكما العراق، ترى كل من الرياض وطهران أنهما أحق بالمنامة، تاريخيا وجغرافيا البحرين جزيرة صغير كانت جزءا من الدولة السعودية، دينيا تدفع الأغلبية الشيعية الموالية لإيران باتجاه التدخل ومحاولة السيطرة الإيرانية.

هل يتدخل الكبار؟

وبناء على المعطيات السابقة، فضلا عن تطورات لاحقة فإن مسألة تدخل الكبار، السعودية وإيران، في الأزمة الناشبة بين بغداد والمنامة تبقى محسومة، في ظل سيناريوهات مفتوحة لتطورات الأزمة ومآلاتها.

رد فعل الرياض الأولي جاء رسميا عبر بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية نقلا عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجية، أكد "رفض المملكة التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين الشقيقة، وكل ما من شأنه المساس بسيادتها وأمنها واستقرارها".

لكن البيان عبر في الوقت نفسه عن "تطلع المملكة إلى علاقة متينة بين البحرين والعراق الشقيقين، يسودها الاحترام المتبادل، وبما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي".

أما إيران، فلم يصدر حتى كتابة هذه السطور أي رد فعل رسمي تجاه الأزمة، بينما تحدثت تقارير إعلامية عن استغلال إيراني لها من أجل تعزيز رؤيتها فيما يتعلق برفض التقارب العراقي مع محيطه العربي.

التقارير قالت إن قوى سياسية عراقية موالية لإيران، تستنفر منذ اشتعلت الأزمة للرد على البحرين، ورغم أن تلك القوى على خصومة عميقة مع مقتدى الصدر، إلا أنها جندت أتباعها ونوابها في البرلمان، وقنواتها الفضائية للتضامن مع الصدر.

وحسب مراقبين فإن الحراك الدائر في العراق تقف خلفه إيران بالتحديد، عبر فضائياتها والصفحات التي تمولها عبر منصات التواصل الاجتماعي، للترويج ضد المسارات العراقية الرامية إلى تعزيز العلاقات مع محيطها العربي.

وربما كان أحد مظاهر هذا التدخل الإيراني، تظاهر العشرات من رجال الدين الشيعة بمحافظة النجف، أمام قنصلية البحرين احتجاجا على ما وصفوه بـ"إساءة" وزير خارجية البحرين، لزعيم التيار الصدري.

مساعي للتهدئة

وبما أن التدخل الإقليمي محسوم، فإن محاولة استقراء تطورات الموقف السعودي من الأزمة، وكيفية تدخلها ربما يمكن التنبؤ بها من خلال موقفها الأولي عبر البيان الرسمي سالف الذكر، وألمحت المملكة خلاله إلى أنها تتجه نحو تهدئة الأمور وإنهاء الأزمة بشكل ودي دون أن تتخذ اتجاهات سلبية، مع التأكيد على الرفض القاطع للتدخل في شؤون البحرين.

النبرة السعودية الهادئة، فضلا عن قدرتها على إملاء خيار نزع فتيل التوتر على البحرين بسبب علاقة التبعية شبه الكاملة، تدفعان نحو موقف عقلاني من الرياض يسعى للحفاظ على علاقته بطرفي الأزمة.

وتبدو الرياض وفق هذا الخيار حريصة على هيمنتها على البحرين، لكن دون الإخلال بعلاقات متنامية مؤخرا مع العراق، وصفحة جديدة وضعت بلاد الرافدين على طريق الصراع الممتد على النفوذ الإقليمي بين الرياض وطهران.

فقبل أسابيع فقط، دشنت السعودية مرحلة جديدة من العلاقات مع العراق بتوجيهات العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بناء مدينة رياضية كهدية للشعب العراقي بالإضافة إلى تقديم منحة قيمتها مليار دولار.

وافتتحت الرياض قنصليتها في بغداد، ووقع البلدان حزمة من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم، في عدة مجالات منها الطاقة والتعليم والصحة والتجارة وغيرها، رأت فيها بغداد فرصة ثمينة لانتشالها من واقع اقتصادي مأزوم لم تفلح إيران بسبب العقوبات الأمريكية وأزمتها المالية في تغييره.

بالنسبة لطرف الأزمة زعيم التيار الصدري في العراق، فإن بيانه اتسم هو الآخر بنبرة هادئة عند حديثه عن السعودية، وضرورة حل الخلافات القائمة بينها وبين إيران، وجاء من بين مقترحاته في بيان الأزمة "إرسال وفد إلى السعودية التي تريد تقاربا مع الدولة العراقية وشعبها في الوقت الراهن للوقوف على حل بينها وبين جارتنا العزيزة إيران"، على حد تعبيره.

يعزز فكرة التدخل السعودي لدى الصدر لإنهاء الأزمة مع البحرين، الاتجاه العام للصدر الذي يتمحور حول السعي لإزالة الفكرة المأخوذة عن العراق بأنه بلد يدور في فلك إيران، وأن الصدر يخالف التوجه الإيراني في العديد من قضايا المنطقة ولا سيما الوضع في سوريا، كذلك يرفض سعي إيران لتقوية شوكة الحشد الشعبي على حساب القوات التابعة للحكومة، وطالب مرارا بحل الحشد ودمجه بالقوات الرسمية عند انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة.

إيران "المشاغبة"!

على الجانب المقابل، فإن غياب رد فعل رسمي من إيران حول الأزمة، واقتصار ذلك على تقارير إعلامية، يضفي مزيدا من الغموض والضبابية حول رؤية طهران لأبعاد الأزمة، وكيفية تدخلها.

لكن ثمة عاملين يمكن من خلالهما التنبؤ بهذا التدخل، أولهما سابقة التدخلات الإيرانية في شؤون البحرين الداخلية، والتي وصلت إلى حد إحباط مخططات تجسسية وأعمال عنف بيد طهران في العمق البحريني.

ولا تفصل إيران في تعاملها مع الشأن البحريني، بين كون المنامة تابعة للسعودية التي تخوض معها صراعا محموما، وبين الأغلبية الشيعية التي تقطنها، وتعد مدخلا مناسبا لما تبديه إيران من تدخلات، وصلت إلى قمتها مع الاحتجاجات الشيعية في البحرين 2011.

وتبقى إيران محصورة هنا بين رد فعل يهاجم نظام الحكم في البحرين، ويلامس ما يتعرض له المكون الشيعي فيها، وهو ما يمكن أن يرشح الأزمة لمزيد من التصعيد تكون طهران فيه طرفا أصيلا.

العامل الثاني المحدد للتدخل الإيراني في الأزمة، يشير إلى التنافس الشديد والصراع المحتدم مع السعودية على نفوذ طهران في العراق، والمحاولات التي تبذلها لترسيخ هذا النفوذ وتعميقه، ومن ناحية أخرى صرف أنظار شيعة العراق عن توجهاتهم الداعية للتصالح مع المحيط الخليجي، وبالتالي محاولة الوقيعة بين الطرفين.

في يوليو/تموز 2017 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، قالت فيه إن إيران هيمنت على العراق بعد أن غادرته القوات الأمريكية، وأوضحت بالتفصيل أن هذه الهيمنة تتجسد في كل شيء ابتداء من البضائع الاستهلاكية على أرفف المتاجر وشركات الأعمال وتكوين المليشيات الموالية لها وحتى تعيين رئيس الحكومة ووزرائها.

ولعل تلك العلاقة تفسر إلى حد كبير كم الغضب في الموقف الرسمي العراقي من تصريحات وزير الخارجية البحريني، رغم أن البادئ في الأزمة هو الصدر، الذي لا يشغل أي منصب رسمي، إلا أن بغداد طالبت المنامة بالاعتذار.

ونجحت إيران في توثيق روابطها مع الحكومات العراقية المتوالية منذ الغزو الأمريكي، وتمكنت من ذلك تماما عن طريق أذرعها التي تلاعبت بالعملية السياسية برمتها ونجحت في الهيمنة على مراكز صنع القرار في بغداد مبكرا.

تعد إيران المسيطر الأول على الاقتصاد هناك، وأحد أكبر الشركاء التجاريين للحكومة، وتشير تقارير غربية إلى دور فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في إدارة المشهد العسكري في العراق، عبر الميليشيات الطائفية الموالية لها.

تداخل كل تلك العوامل السياسية والاقتصادية والطائفية، يجعل الأزمة بين العراق والبحرين أسيرة التوجهات السعودية والإيرانية، على نحو يجعل من الأزمة فرصة متجددة للسيطرة وبسط النفوذ في سياق صراع إقليمي غير مسبوق بين الجارتين.