لكسب أوروبا.. هكذا تتلاعب "سوريا الديمقراطية" بملف سجناء تنظيم الدولة

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تتوانى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" عن التلويح بملف سجناء عناصر وقادة "تنظيم الدولة" من جنسيات عربية وأجنبية لديها، كورقة "ابتزاز" ضمن مساعيها الرامية لجلب الاعتراف بها "كسلطة شرعية" تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا.

فمنذ إعلان الولايات المتحدة الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية القضاء على "تنظيم الدولة" بمحافظة دير الزور في مارس/آذار 2019، وتسليم المئات من عناصر التنظيم أنفسهم أو أسرهم جراء المعارك، أصبح هؤلاء يشكلون عبئا أمنيا على "قسد".

واليوم تدير قوات "قسد" بدعم لوجستي وعسكري واستخباراتي أميركي كامل السجون التي تحتجز فيها عناصر "تنظيم الدولة" في مدينة الحسكة.

ولم تحصل "قسد" على دعم أوروبي بالمساهمة على الإشراف الدولي على تلك السجون.

ومما زاد من خطر احتفاظ قوات "قسد" بعناصر التنظيم، هو تخلي الدول عن رعاياها من هؤلاء العناصر ورفض عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، بل صنفتهم ضمن قوائم الإرهاب ورفضت حتى محاكمتهم، فيما ذهبت بعض الدول الأوروبية لإسقاط الجنسية عنهم.

رغبة الدول الأوروبية في بقاء ملف سجناء "تنظيم الدولة" معلقا لوقت غير معلوم، يصاحبه محاولات متكررة من قوات "قسد" لتقديم حزمة مقترحات لدول وحكومات التحالف الدولي الأوروبية المناهض للتنظيم بهدف معالجة ذاك الملف.

لكن اللافت أن إعادة قوات "قسد" طرح ملف هؤلاء السجناء ومعالجته في هذا التوقيت؛ يأتي في ظل محاولاتها رفع سقف مطالبها وكسب أي تأييد جديد حول الاعتراف بها كقوة تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا.

وأمام حالة التخبط الدائرة داخل مراكز صنع القرار الغربية حول كيفية التعامل مع سجناء "تنظيم الدولة" واستعادة دولهم لهم وإعادة دمجهم ضمن مجتمعاتهم، تواصل قوات "قسد" عمليات "التفاوض" حول هؤلاء.

كسب أوروبا

وضمن هذا المضمار يؤكد المحلل والباحث السوري يونس الكريم، لـ"الاستقلال"، أن "إدارة قسد ما تزال تفاوض الأوروبيين وكثيرا من دول العالم بما فيهم روسيا والصين على من تحتجزهم من قيادات وعناصر تنظيم الدولة التي تنتمي لتلك الدول؛ لكسب تأييد هذه الدول ودعمها مقابل عدة أمور".

وهي وفق الباحث السوري: "الإبقاء على هؤلاء العناصر داخل سجون قسد، وعدم المطالبة بنقلهم إلى دولهم وإجراء محاكمات لهم، بل على العكس حيث يتم إجراء تحقيق معهم لصالح دولهم الأوروبية من قبل محققين أوروبيين وأخذ المعلومات الأمنية منهم".

وأشار الكريم إلى "وجود عمليات تصفية لبعض العناصر الذين لا تريد الدول الأوروبية إعادتهم إليها".

وسلط المحلل السوري الضوء على مدى تلاعب قوات "قسد" بملف أسرى "تنظيم الدولة".

وأوضح ذلك بقوله: "قسد تعمل على نقل قيادات تنظيم الدولة وإطلاق سراح بعضهم مما يعني إبقاء الحالة السورية متوترة".

وهذا الأمر وفق تقديره، بالغ الأهمية سواء للأوروبيين أو المجتمع الدولي، حيث إن بقاء التنظيم وتنفيذه عمليات يزيد من التوترات ويعقد مسألة الحل السياسي في سوريا.

وألمح الكريم إلى وجود "ما يسمى حالة الطوارئ الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي بسبب عناصر تنظيم الدولة الذين يشكل بقاؤهم تهديدا يسمح لتلك الدول باتخاذ قرارات استثنائية فوق القانون خشية من عودة التنظيم للظهور".

واعتبر أن "بقاء عناصر تنظيم الدولة في سجون قوات قسد هي بمثابة عملية استخباراتية أكثر من كونها سياسية".

إلا أنه في نهاية المطاف يمكن أن يضغط العامل الاستخباراتي على السياسيين لاتخاذ قرارات ربما غير مقتنعين بها وتصب في مصلحة قسد.

كما دلل الباحث على أن "نقل قوات التحالف عناصر من تنظيم الدولة إلى مناطق مختلف بين العراق وسوريا أو إلى أفغانستان، يعني أن التنظيم تحول إلى مليشيا خاصة عند الطلب سواء من قبل الإدارة الأميركية أو قسد أو أو بالأصح لمن يدفع (للأخيرة) لتحريك هؤلاء حيثما يراد"، وفق تعبيره.

وسبق أن اعترف مسؤول المكتب الإعلامي لدى قسد، فرهاد شامي، في حديث لموقع "الحرة" بتاريخ 23 يونيو/حزيران 2021، بعدم تجاوب الدول الأجنبية للمقترح الذي قدموه لإنشاء محكمة دولية مستقلة في شمال شرق سوريا لمحاكمة عناصر "تنظيم الدولة" المحتجزين لديها.

فيما قال الكولونيل واين ماروتو الناطق باسم قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب- لموقع "الحرة": إن التعليق على الإجراءات القانونية في شمال شرق سوريا هو "أمر خارج نطاق مهمة التحالف الدولي".

وتتعامل كل دولة ينتمي إليها سجناء "تنظيم الدولة" بشكل منفرد وحساس، حيث يزيد عدد هؤلاء عن 11 ألفا وينتمون لأكثر من 50 جنسية من مختلف دول العالم.

ويوجد في مخيم "الهول" الذي يبعد 45 كيلو مترا شرق مدينة الحسكة، قرابة 12 ألفا من أطفال عناصر تنظيم الدولة دون سن العاشرة إضافة للنساء وذلك في قسم خاص بداخله.

بينما تشمل بقية الأقسام نحو 30 ألفا من اللاجئين العراقيين و20 ألفا من النازحين السوريين.

أما الأطفال من أبناء "تنظيم الدولة" الذين تجاوزت أعمارهم 12 سنة فأودعوا في سجن "الأحداث" بقرية تل معروف شمال شرق الحسكة.

 فيما يتوزع نحو 11 ألفا من عناصر التنظيم على سجني (غويران والصناعة) بالحسكة، وسجن "كامبا البلغار" الواقع شرق مدينة الشدادي جنوب الحسكة، وسجن الكسرة بريف دير الزور الغربي، وسجن "الصور" الواقع بريف دير الزور الشمالي.

وعمدت القوات الأميركية إلى تخصيص ما يسمى مخيم "روج" والواقع قرب مدينة المالكية شمال الحسكة، كسجن أمني حساس جدا، احتجزت فيه فقط نساء وأطفال قادة وأمراء "تنظيم الدولة".

وتؤكد التقارير الصحفية أن عدد عناصر التنظيم الذين يحملون جنسيات أجنبية نحو 3 آلاف، أما باقي السجناء فهم 4 آلاف عنصر سوري و5 آلاف عراقي.

دور تأهيلي

ويؤكد المحلل السوري المختص بشؤون المنطقة الشرقية، معن الشريف، في تصريح لـ "الاستقلال" وجود "اهتمام متزايد ملفت للنظر أكثر من السابق من قبل قسد بعناصر تنظيم الدولة المحتجزين بسجونها".

يتركز ذلك الاهتمام وفق الشريف من ناحية "إعادة فرز العناصر في مهاجع حسب جنسياتهم، وكذلك تكثيف دورات التأهيل لهم، بما يشي بأن قسد تعمل على لعب دور المؤهل لهؤلاء بشكل مشابه لما سيخضعون له فيما لو عادوا إلى بلدانهم الأصلية".

وألمح الشريف إلى أن "ملف سجناء تنظيم الدولة يعتبر ضاغطا بيد قوات قسد، حيث ما تزال تتلقى الدعم المالي بملايين الدولارات من الدول الأوروبية مقابل الإبقاء على هؤلاء في سجونها".

وهو ما يعني أن هذا التمويل ينعكس إيجابيا على وجودها وإدارتها للمناطق التي استولت عليها في الحسكة ودير الزور والرقة.

وأعلن قائد "التحالف الدولي" بول كالفيرت في مطلع أغسطس/آب 2021، منح بريطانيا 20 مليون دولار قوات "قسد" بهدف تمويل سجن يضم عناصر "تنظيم الدولة" بالحسكة.

التحركات الرامية لنيل الاعتراف بـ "الإدارة المدنية" شمال شرقي سوريا ينظر إليها القائد العام لقوات قسد، مظلوم عبدي على أنها ستفضي إلى "القضاء على تهديدات تنظيم الدولة هناك".

ولهذا تسارعت الجولات الخارجية لممثلين عن "الإدارة الذاتية" الكردية والتي شملت عدة دول أوروبية بينها فرنسا ولقاء الرئيس إيمانويل ماكرون في 20 يوليو/تموز 2021، في محاولة للحصول على "اعتراف دولي بمناطقها وإضفاء الشرعية على المؤسسات والقوات العسكرية المنتشرة هناك".

انتهت تلك الجولات بإعلان "الإدارة الذاتية" الكردية في 10 أغسطس/آب 2021 افتتاح ممثلية دبلوماسية لها في مدينة جنيف السويسرية.

وحول هذه الجزئية، يؤكد المحلل السوري معن الشريف أن "الدول الأوروبية لن تستجيب لأي مطلب من قسد يخص الاعتراف الذي تنادي به وتحرك أذرعها في الخارج للحصول عليه".

يعود ذلك إلى أن قسد تدرك تماما أن دعمها من قبل التحالف الدولي حينما تدخل عام 2014 بسوريا كان في إطار زعم محاربة التنظيم، وفق قوله.

وبالتالي، فإن خروج ملف تنظيم الدولة من يدها يعني نهايتها وعدم وجود أي مبرر لدعم التحالف أو لسير أوروبا نحو خطوة الاعتراف المرفوضة أصلا من المعارضة السورية ومن تركيا التي ترفض وجود أي كيان انفصالي قرب حدودها الجنوبية.

ونوه الشريف إلى أن "كل محاولات قوات قسد لدفع الدول نحو التعامل بشكل رسمي كقوة حاكمة لشرق الفرات فشلت".

وبين أن "الدول تتهرب من محاولة قسد الاعتراف بها كإدارة رسمية شرق الفرات من خلال إنجاز صفقات سرية وعبر وسطاء لاستعادة العناصر الذين ينتمون إليها".

وألمح المختص بشؤون المنطقة الشرقية خلال حديثه إلى أن "قسد تحرك ملف سجناء تنظيم الدولة فقط للاستهلاك الإعلامي، خاصة مع إبداء الصحافة الأجنبية اهتماما كبيرا وتسليطها الضوء باستمرار على سجون هؤلاء العناصر لدرجة أنها أصبحت تتبنى دعاية (قوات سوريا الديمقراطية)".

وتابع: "قسد تعتاش اليوم على تهرب الدول من مسؤولياتها القانونية لحل قضية سجناء التنظيم مما يجبر المؤسسات الدولية على التعاون معها ضمن هذا الإطار فقط".

ولا سيما أن "الجميع يدرك كل تجاوزات قسد من إطلاق سراح أسرى تنظيم الدولة مقابل مبالغ مالية بحيث أصبحت عمليات الاتجار بالأسرى أحد مصادر تمويلها".

ويقول الشريف: إن ذلك يحصل إلى درجة أن "دولا استطاعت سحب أطفال من عناصر التنظيم من المخيمات لا ينتمون لهذه الدول ضمن صفقات مشبوهة مع قسد".