"سي إن إن": مصر تحتاج فصلا كاملا من التاريخ لتفك أغلال البطش

12

طباعة

مشاركة

كانت مصر منذ ثمان سنوات منارة الأمل للعالم العربي، بينما تحولت الآن إلى عبرة تعتبر بها الشعوب العربية؛ ففي السودان والجزائر لا يثق الثوار في أغلب وعود قياداتهم العسكرية، ويرجع ذلك ببساطة للوعود الكاذبة التي قطعتها المؤسسة العسكرية المصرية للثوار ولم تف بها.

وذكرت الصحفية المصرية المستقلة، سارة السرجاني، في مقال لها على شبكة "سي ان ان" الأمريكية تحت عنوان "انتهى زمن الأمل في مصر"، كيف أن عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع الذي أطاح بأول رئيس منتخب في البلاد في انقلاب عام 2013، كان قد وعد أكثر من مرة بالالتزام بفترتي السنوات الأربع للحكم المنصوص عليها في الدستور المصري حديث العهد.

ولكن، تابعت الكاتبة، مثله مثل العديد من الديكتاتوريين الأقوياء الذين سبقوه، سعى إلى الالتفاف على هذا الدستور وأجبر البرلمان على منحه مدة رئاسة ثالثة.

يد البطش

وأشارت السرجاني إلى أن الهيئة الوطنية للانتخابات أعلنت الثلاثاء الماضي، أن المصريين قد وافقوا على التعديلات الجذرية في الدستور في استفتاء استمر لثلاثة أيام بنسبة بلغت 88.83 % وذلك لتشديد قبضة رجل مصر القوي عبدالفتاح السيسي، مذكرة بأن تمديد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات يعني استمرار السيسي في سدة الرئاسة حتى عام 2030.

وقالت الكاتبة إن السيسي قدم نفسه للمصريين على أنه الخلاص والحل الوحيد لمشاكل مصر، بما في ذلك مؤامرات قوى الشر التي دائماً ما يحذر منها، دون تسميتها وقال في كلمة له في عام 2015 "لقد خلقني الله كالطبيب الذي يستطيع تشخيص المرض، وهذه نعمة من الله، فأنا أعرف الحقيقة وأراها، والآن كل زعماء العالم يستمعون إلي".

أوضح المقال كيف امتدح السيسي المصريين، بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، "على الحشود الضخمة ونسبة المشاركة العالية التي أذهلت العالم، وهذا ما سيسجله التاريخ الوطني المصري بافتخار".

ووقفت السرجاني، عند سجن السيسي لكل منافسيه المحتملين منذ توليه الحكم، بمن فيهم رئيس أركان الجيش السابق، سامي عنان، بالإضافة إلى أنه بسط سلطته الباطشة على كافة أجهزة ومؤسسات الدولة، ولم يكتف بذلك، فقد سحقت أجهزة الأمن لديه كافة المعارضين السياسيين من كافة التيارات، وفرقهم بين سجين أو تحت الرقابة الصارمة أو في المنفى أو مفقود أو ميت.

وامتدت يد البطش إلى المواقع الإلكترونية، إذ قام بحجب المئات منها بما في ذلك حملة "باطل" للاستفتاء الالكتروني على تعديلات الدستور.

وقال موقع "إفريقيا تايمز" المتخصص في إفريقيا جنوب الصحراء، إن مصر نالت انتقادات عنيفة أثناء استضافتها قمة الاتحاد الإفريقي لحقوق الإنسان، الذي يرأسه عبدالفتاح السيسي، الذي بدأ الأربعاء الماضي، ومن المتوقع أن يستمر لثلاث أسابيع، حيث قُوبلت استضافة مصر للقمة انتقادات لاذعة من ناشطين في مجال حقوق الإنسان في كل من مصر، وكينيا، وتنزانيا، مؤكدين أنه كان من الأولى لمصر إعادة ترتيب بيتها الداخلي وإنهاء حالة القمع غير المسبوق في مصر، قبل أن تستضيف قمة الاتحاد الأفريقي لحقوق الإنسان.

وقال مايكل بيج من هيومن رايتس ووتش: "تحاول مصر أن تظهر كدولة مفتوحة الأبواب لمندوبي حقوق الإنسان وجلساته، ومؤتمراته، وفي الوقت نفسه، تسحق جميع الأصوات المعارضة وبيئة حقوق الإنسان التي كانت تنبض بالحيوية من قبل

وأضاف بيج، الذي يشغل مدير قطاع شمال أفريقيا والشرق الأوسط في هيومن رايتس واتش ، "نحن نعلم أنه لا يُسمح للعديد من المنظمات المصرية والدولية بالعمل بحرية في مصر ولا يمكنها التعبير عن المخاوف دون انتقام شديد من الحكومة".

هل سياساته الاقتصادية ناجحة؟

وقالت الكاتبة في مقالها على "سي ان ان" إن هناك شعور، لا مفر منه، مفاده أن هذا الفصل من التاريخ المصري، الذى بدأ بالأمل، قد وصل الآن إلى محطته التعيسة.

ورأت الكاتبة أن بداية النهاية كانت قد كُتبت في عام 2013، عندما قتلت قوات الأمن 1000 من المصريين أثناء فضها لاعتصام الإخوان المسلمين في ميداني رابعة والنهضة في محافظتي القاهرة والجيزة، ودفعت هذه التجاوزات والعمليات الإرهابية البلاد إلى دائرة من العنف الذي راح ضحيته المئات من الجنود و المدنيين، مما أدخل البلاد في دائرة من العنف لم تستطع بعد التعافي منها.

وبحسب المقال، قبضة أجهزة السيسي الأمنية كانت هي دوماً الحل في مواجهة أي تحدي يواجهه نظام الحكم، حتى في مواجهة القدر القليل من احتجاجات الفقراء على سياسات التقشف التي تتبعها حكومة السيسي.

وفي سياق متصل، أشارت الكاتبة إلى أن بعض المراقبين يصفون سياسات السيسي الاقتصادية بأنها ناجحة وأنه من المحتمل  أن تؤدي إلى إصلاح اقتصادي، ولكن المشاريع العملاقة التي استنزفت موارد الدولة هي ذات عائد قليل على المدى القريب، بحسب المقال.

إضافة إلى أنها مقرونة بالتوسع في النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية، التي ألقت بظلالها على الفقراء وأضافت أعباء كبيرة غير محتملة على كاهلهم، كما أنها أضافت أعباء جديدة.

ورأت السرجاني أن "فرص الديمقراطية والحياة الكريمة تضاءلت إلى حد كبير، مع كل اختفاء قسري أو هجوم طائفي أو انتهاكات بحق المثليين جنسيا أو أصحاب الأيدولوجيات الدينية المختلفة".

المجتمع الدولي مسؤول

وأوضحت الكاتبة في مقالها على "سي ان ان" أن الأجهزة الأمنية تسيطر بقبضتها الأمنية الغاشمة على كل ربوع البلاد، حيث لا يلاقي السيسي أي تهديد من المحتجين، كما حدث مع نظرائه في السودان والجزائر، حيث استطاعت الحشود الجماهيرية الغاضبة أن تسقطهما، مما دفع السيسي إلى تزوير الاستفتاء تزويراً فجاً.

وحملت الكاتبة المسؤولية للمجتمع الدولي معتبرة أنه أصبح أكثر ميلاً لدعم وتأييد الديكتاتوريين، وهو يشاهد الانتهاكات وتزوير إرادة الشعب، بل إن ذلك يتم برعايته، بحسب السرجاني.

وأردفت قائلة، ومما يدل على ذلك أن السيسي قد عجل بالتعديلات الدستورية، بعد زيارته الغامضة للولايات المتحدة الأمريكية ولقائه رئيسها، دونالد ترامب، الذي امتدح "قيادة السيسي الحكيمة"، مضيفة أن أيام ادعاء الديمقراطية كانت مطلباً للمستبدين لحفظ ماء وجهم.

وقالت مصادر هيومن رايتس ووتش، بحسب "إفريقيا تايمز"، إن ثلاث منظمات حقوقية مصرية فقط تخطط لحضور اجتماع اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان لأن معظم الجماعات تخشى الانتقام من الحكومة، كما أن الحكومة المصرية وضعت العديد من العقبات أمام المنظمات غير الحكومية التي ترغب في المشاركة، بما في ذلك الموافقة على أي مستندات يتم مشاركتها.

وأضاف الموقع أنه تم تجميد عمل العديد من المنظمات غير الحكومية بموجب قانون  الجمعيات الأهلية لعام 2017 الذى يحد من استقلالها، وعلى الرغم من قطع الحكومة المصرية العهود بإلغاء القانون إلا أنا لم تف بعهودها.

أما بالنسبة للذين آمنوا بالثورة المصرية وقيمها العُليا التي اجتمعوا عليها وحشدوا الناس عليها، تقول السرجاني، إن السنوات الماضية امتلأت بلحظات الهزيمة على المستويين الشخصي والجماعي.

واعتبرت السرجاني أن هذه التعديلات الدستورية ستُذكر في كتب التاريخ، أنها نهاية حقبة الأمل في مصر، ليس فقط لأنها ستمنح السيسي السلطة للبقاء في الحكم لمدة 11 عاماً أخرى، ولكن لأنها منحته السيطرة الكاملة على السلطة القضائية، وكذا السلطة التشريعية، مما سيلحق الضرر بالحياة السياسية في مصر.

واختتمت الكاتبة مقالها قائلة، في حين أن الدساتير يمكن إعادة كتابتها -وهذا رابع استفتاء من نوعه في مصر منذ ثمان سنوات- فإن التخلص من أغلال دولة أمنية كهذه يمثل تحديًا هائلاً لدرجة أنه سيطلب فصلًا جديدًا بالكامل من التاريخ.