عامان على فض اعتصام "القيادة العامة".. أين مفقودو الثورة السودانية؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم التحقيقات التي جرت منذ "الفض الدموي" للاعتصام السلمي أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم قبل عامين، فإن العائلات السودانية لم تسمع عن أقاربها أية أخبار.

عن هذا، تقول صحيفة لوبوان الفرنسية إن السودانيين لا يتوانون عن التصريح عن لغز اختفاء العديد من الأشخاص إثر ذلك القمع الدموي للاعتصام في 3 يونيو/حزيران 2019. 

وهو ما توقعه الخبراء الأرجنتينيون في وقت مبكر من يوليو/حزيران 2019 عند فحص الجثث المخزنة منذ ذلك الحين في المشارح.

وكذلك تلك التي تم العثور عليها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، في مقبرة جماعية، وهو وضع مؤلم تعيشه الكثير من العائلات منذ ذلك الحين.

حكاية مفقود

شاهدت منى إبراهيم للمرة الأخيرة، ابنها نجم الدين آدم، صباح 3 حزيران / يونيو 2019.

كان آدم طالب الهندسة المدنية، الذي يبلغ من العمر 21 عاما، حاضرا في المكان منذ بدء الاعتصام السلمي الذي أقيم في 6 أبريل/نيسان 2019 أمام مقر قيادة الجيش السوداني للمطالبة بتسليمه للمدنيين.  

 تشرح منى إبراهيم وهي الأم الأربعينية ذلك وهي ترتدي التوب (الثوب) - وهو عبارة عن  نسيج طويل يلف به النساء السودانيات أجسادهن وشعرهن - بلون أزرق سماوي ووردي مرجاني وأبيض وأسود.

وتقول  "كنت خائفة، لكنني لم أستطع منعه من الذهاب. لم يكن ليصغي إلي".

تجلس منى إبراهيم وهي المعلمة في مدرسة ابتدائية في غرفة معيشتها مع طلاء نصف قرمزي ونصف زهري، ومعها صورة بالأبيض والأسود مسجلة على هاتفها.  

تظهر الصورة وجه ابنها الشاب عن قرب محاطا باثنين من أصدقائه. و شأن عشرات المتظاهرين الآخرين، فقد آدم منذ اندلاع المسيرة الثورية جراء عمليات القتل. 

يومها هتف المواطنون من جميع أنحاء البلاد للديمقراطية وطبخوا الطعام معا لتناول الإفطار في رمضان، وعلموا أطفال الشوارع القراءة والكتابة.  

قتل ما لا يقل عن 127 مدنيا وجرح العشرات أو اغتصبوا في ذلك اليوم. 

وفي انتظار وصول الخبراء الأرجنتينيين، فإن التحقيق في أمر الجثث التي لم يتم العثور عليها آخذ في التراجع. كل ذلك يمثل تعذيبا حقيقيا لأحبائهم. 

عندما علمت والدة نجم الدين آدم بفض الاعتصام، سارت على بعد ثلاثين كيلومترا من منزلها إلى العاصمة برفقة ابنها الآخر وإخوته وأخواته وبنات وأبناء إخوته. 

تتذكر منى إبراهيم ذلك قائلة ”وجدنا المكان رأسا على عقب، تم تدمير كل شيء، كنت أغير ما بين المكالمات والأسئلة الشديدة لكل شخص قابلته، أدركت أن حوالي 100 عائلة كانت تبحث أيضا عن أطفالها". 

يتم بعد ذلك التحضير للمساندة عبر مجموعات واتساب والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

وعبر تلك الطريقة تم العثور على عدد من المفقودين، بدون أن تتمكن منى إبراهيم من وضع يديها على ابنها.  

تؤكد منى إبراهيم  أنه وبعد حلم فك رموزه حوالي عشرون شيخا تلقوا مقابله ثمنا باهظا، بأن نجم الدين آدم على قيد الحياة.

تقول "قضينا الشهر الأول في البحث عنه في المستشفيات والمشارح ومراكز الشرطة، لم نذهب  إلى المنزل حتى لتناول الطعام، حتى اليوم، لم نتوقف أبدا عن البحث عنه".  

 وتضيف والدة الشاب الذي لم يسمع عنه أحد أي خبر إنه "جرى إلقاء شباب من المشاركين في الاعتصام في السجن، ثم وقع إرسالهم إلى المصانع". وتقول عن ابنها أنه "يمكن أن يكون في أي مكان".

فقدان الأدلة

مصدر قلق إضافي بالنسبة لمنى إبراهيم هو أنها لا تثق في اللجنة الرسمية، التي تم تشكيلها في سبتمبر/أيلول 2019، لتسليط الضوء على حالات الاختفاء هذه - ولهذا جرى إحداث لجنة ثانية بالتوازي تحقق عن المسؤولين عن جرائم القتل والانتهاكات التي ارتكبت في 3 يونيو/حزيران 2019.  

 تلاحظ منى إبراهيم على ضوء ذلك قائلة "التقينا بأعضائها (14 شخصا) في مناسبتين. لقد وعدونا بأنهم سيبحثون عن أطفالنا، لكنهم لم يعثروا على أحد حتى الآن".

ولسبب وجيه، جرى تعليق عملية التعرف على الجثث المجهولة التي وصلت إلى المشرحة بأمر من رئيس لجنة المفقودين المحامي الطيب العباسي. 

ويرفض الاعتماد على الفاحصين الطبيين السودانيين لأسباب فنية وكذلك "للصلات التي يحتفظ بها معظمهم مع الأجهزة الأمنية التي تواصل العمل مع النظام السابق". 

يضيف العباسي أنه "بسبب ذلك يحتفظ بالجثث التي يحتمل أن تكون للمفقودين يوم 3 يونيو/حزيران في مشرحتين بالخرطوم وبلدة أم درمان المجاورة حتى وصول "أربعة أو خمسة "خبراء في 2 يوليو/تموز.

وهؤلاء هم فريق أنثروبولوجيا الطب الشرعي الأرجنتيني الذين يعملون في منظمة غير حكومية متخصصة في إعادة جثث المفقودين إلى عائلاتهم.

ويضيف الطيب العباسي عن الأطباء الأرجنتينيين أنهم "سيمضون حوالي أسبوعين في السودان لتدريب نظرائهم السودانيين".

ويوضح المحامي أن عملهم سيركز على الجثث المخزنة في المشرحة والجثث الموجودة في المقبرة الجماعية المكتشفة وسيستغرق تحليل النتائج "شهرين على الأقل". 

وتقول لوبوان إن المساهمة المرتقبة لهذه البعثة الأرجنتينية، التي تمولها جامعة كولومبيا في نيويورك، هي موضع ترحيب من قبل كثيرين.  

من ناحية أخرى، بدأ السكان اعتصاما بالقرب من مشرحة العاصمة منذ أن اكتشفوا في أبريل/نيسان، أن ما يقرب من 200 جثة كانت تتحلل، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم ملاءمة الثلاجات.

ويحتفظ المشرفون على الثلاجات بالمفاتيح لضمان عدم إخراج أي جثة قبل تشريحها. من وجهة نظر قانونية، يبدو أن تأجيل تحديد هوية المتوفى يثير تساؤلات.  

يستنكر طبيب تشريح، لم يكشف عن اسمه لأنه منع من التحدث في الصحافة نهاية شهر مايو/أيار أن "المشارح الثلاث في الخرطوم وأم درمان تتسع لـ 100 جثة، ومع ذلك، وبسبب قرار الطيب العباسي، يوجد الآن 1300 جثة مكتظة هناك.

ويقول مضيفا: "توقفت عن العمل مع هذه اللجنة الصيف الماضي لأن أعضاءها رفضوا تشريح الجثث قبل استكمال تحقيقهم ودفنهم، وهذا يخالف المعايير الدولية". 

تحقيق وتهديدات

لا يؤثر تدهور الأنسجة على عينات الحمض النووي المأخوذة من الهيكل العظمي والأسنان.

يجادل المحامي الذي بدوره يتهم اللجنة بالتصرف "وفق أجندة خفية" بقوله أنه ومع ذلك، ستفقد الأدلة المتعلقة بالإصابات المحتملة، مما سيحد من إمكانية تحديد أسباب الوفاة. خذ على سبيل  المثال حال اخترقت رصاصة الجسد دون أن تلمس العظام". 

من جانبهم ، نظم عشرات المواطنين السودانيين أنفسهم، في اليوم التالي للمذبحة، لمساعدة العائلات في العثور على أحبائها.  

يقول مصعب كمال، أحد هؤلاء الناشطين إنه "بعد شهرين من تشكيلها، وافقت لجنة التحقيق أخيرا على العمل معنا". 

يقر أنه "لدينا 100 سبب لعدم الثقة في هذه اللجنة ولكن ليس لدينا خيار سوى التعاون مع أعضائها وممارسة الضغط عليهم".  

كما أنه يثق في تلقيه، خلال الأشهر الأولى مكالمات عديدة مجهولة المصدر تطلب منه إقناع العائلات بالعثور على جثث أطفالهم. 

وقد تأتي هذه التهديدات، بحسب قوله، من المسؤولين عن مجزرة 3 يونيو/حزيران، الذين لا يزالون مسؤولين في دواليب الدولة في ظل الحكومة الانتقالية التي يتقاسم فيها المدنيون والجنود السلطة منذ أغسطس/آب 2019. 

أخيرا، من المستحيل معرفة عدد الجثث التي تم إخفاؤها بالفعل بعد فض الاعتصام.  

وبحسب رئيس لجنة التحقيق، فإن حوالي أربعين عائلة تبحث رسميا عن أبنائها الذين اختفوا في ذلك التاريخ، بينما تساعد مبادرة المواطنين الذين ينظمها الناشطون السودانيون نحو عشرين منهم. 

يدرك الجميع أنه كان من الممكن إخفاء مئات آخرين، وربما لن تتم المطالبة بهم مطلقا لأنهم جاؤوا من دول مجاورة أو أنهم بلا مأوى. 

منى إبراهيم تتوق لتلقي استنتاجات الخبراء الأرجنتينيين، وهم الوحيدون القادرون بالنسبة لها على الكشف عن الحقيقة. 

في غضون ذلك، موقفها النهائي يتلخص في أن "الحكومتين مسؤولتان عن اختفاء ابني. النظام السابق تسبب في زواله، والنظام الحالي لم يفعل شيئا لمساعدتنا في العثور عليه".