تلعب دور المنقذ.. مركز تركي: فرنسا تحولت إلى "محتل" في مالي

12

طباعة

مشاركة

اعتبر مركز تركي أن "كثيرا من المدن لم تحظ بالفرصة لتصبح مدينة أسطورية مثل تمبكتو في دولة مالي باكتسابها القداسة، رغم أنها تأسست أواخر القرن الـ12".

وقال مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية التركي "إنسامر" في مقال للكاتب والباحث سرحات أوراكتشي: "كانت الروحانيات عالية جدا في المدينة الواقعة شمالي مالي لفترة طويلة من الزمان، لدرجة أنه كان يعتقد أنها تنعم ببركة الله، وكان أهل المدينة التي لم يتم فيها عبادة الأصنام والأوثان قط، يتباهون بعدم إيمانهم بغير الله".

تحول مؤلم

وذكر أوراكتشي أن "المدينة حافظت على ميزتها هذه حتى نهاية القرن الـ19، لكن وبعد أن انهزمت أمام الاستعمار الفرنسي، نهب الفرنسيون تراث تمبكتو الثقافي والمشهورة بمخطوطاتها ونقلوا بعضا منها إلى باريس".

وتابع: "وفي القرن الـ21، شنت فرنسا عملية عسكرية ضد شمال مالي بحجة (محاربة الإرهاب) وصد الجماعات المسلحة التي استولت على المدينة وكأنه القدر، وكانت الطائرات الفرنسية التي شاهدها شعب مالي وهي تحلق في السماء قبل 8 سنوات، مؤذنة ببداية عملية سرفال التي كانت تقودها باريس".

وفي 2013، أطلقت فرنسا عملية "سرفال" العسكرية وتمكنت من طرد الجماعات الإرهابية من غاو، وتمبكتو، وكيدال، لكن العملية تسببت في تناثر عناصر الجماعات الإرهابية في مناطق واسعة.

وعندما زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، مدينة مالي المقدسة أوائل عام 2013، كان الشعب يرحب بفرنسا ويحييها هاتفا شعار "vive la France" (تحيا فرنسا).

وقال أوراكتشي: "سيكون من غير العادل حقا أن يتم استنكار هذا من شعب تمبكتو، وسيكون من الأفضل تقييم الأمر كانعكاس لانفجار عاطفة ناجم عن العجز واليأس والمصير المجهول الذي ينتظرهم كشعب بدلا من تقييمه في إطار متلازمة ستوكهولم المعروفة".

وأضاف أن "المنظمات المسلحة العرقية والدينية ذهبت إلى حد إعلان دولة مستقلة في تمبكتو ومدن شمالية أخرى بعد إخراج جيش مالي من المنطقة، خلال الفترة ما بين 2012-2013، وقطعوا الاتصال بين المناطق الشمالية والعاصمة باماكو لمدة عام تقريبا".

وأردف قائلا: واليوم، يبلغ عدد الأفراد العسكريين الأجانب في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، والمتمركزة شمال مالي بما في ذلك تمبكتو، حوالي 15 ألف فرد في نطاق عملية برخان".

وأطلقت فرنسا عملية "برخان" العسكرية في مالي منذ 2014 بهدف القضاء على الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي والحد من نفوذها، كما بعثت الأمم المتحدة 15 ألف جندي لتحقيق الاستقرار في مالي، إلا أنه لم يتم القضاء على التهديد الأمني فيها.

ويعمل في مالي عسكريون من 60 دولة مختلفة مثل الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا والنرويج وبلجيكا، وخاصة قوات الجيش الفرنسي، إلى جانب قوات شرطة من 29 دولة.

لكن الأخبار والتعليقات تلفت إلى أن الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل، بما في ذلك مالي تزايدت مع تزايد عدد العسكريين الأجانب منذ عام 2013، أي أن المنطقة تدور في "حلقة مفرغة كبيرة"، فبينما يجذب وجود المنظمات المسلحة القوات الأجنبية، فإن وجود الجنود الأجانب يمهد أيضا أرضية لنمو الجماعات المسلحة وتنوعها وانتشارها، يوضح الباحث.

وتابع: "لقد نزح أكثر من مليوني شخص في المناطق الشمالية لمالي التي شهدت انقلابين عسكريين وتدخلا عسكريا واسع النطاق بقيادة فرنسا منذ 2012، ولم يبق هناك أي بنى تحتية أو أسر أو مجمعات سكنية لم تتأثر سلبا من النزاع وعدم الاستقرار في المنطقة، لا سيما في مدن مثل تمبكتو وغاو وكيدال".

واستطرد أوراكتشي قائلا: "تفاقمت مشكلة التخلف التنموي المزمنة في هذه المنطقة التي تعيش فيها مجموعات عرقية مثل الطوارق والعرب والسونغاي والفولاني".

وأشار إلى أن "المشكلة التي يسميها الطوارق حركة أزواد في هذه المنطقة، قد تطورت الآن إلى بعد مختلف تماما عن ثورات الطوارق التقليدية، والتي بدأت عام 1963، وتكررت عامي 1991 و2006، فيما تستمر الامتدادات المختلفة للقاعدة المغاربية و(تنظيم الدولة) في الحفاظ على نفوذها شمال مالي بأي ثمن".

ورغم أن مالي وافقت بالجلوس على طاولة المفاوضات في ظل "اتفاقية الجزائر" عام 2015 مع ائتلاف تنسيق حركات أزواد، الذي يضم حركة أزواد للتحرير الوطني من الطوارق، وتوصلت إلى حل جزئي للمشكلة في المنطقة إلا أن المجموعات التي تتحرك باسم القاعدة و"تنظيم الدولة" لا تزال مؤثرة، الأمر الذي يدل أن مالي "دخلت حلقة مفرغة"، يشدد الكاتب.

سلسلة معضلات

وبحسب أوراكتشي، يقول زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المقرب من القاعدة، إياد أغ غالي: إنه "يمكن أن يعقد اجتماعا مع حكومة مالي، لكنه يشترط لفعل هذا خروج القوات العسكرية الأجنبية وخاصة فرنسا من مالي، في الوقت الذي ترغب فيه حكومة مالي باستمرار وجودها، وهكذا تواجه مالي معضلة كبيرة".

وأوضح ذلك بالقول: "رغم أنها تضمن وحدة الأراضي المالية، إلا أن إحدى المشاكل الرئيسة في عملية السلام هي بطء عملية تنفيذ الاتفاقية، حيث يبدو أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن قضايا مثل نقل العناصر المسلحة داخل ائتلاف تنسيق حركات أزواد إلى قوات الأمن المالي فضلا عن تقاسم السلطة الاقتصادية والسياسية، ظل حبرا على ورق حتى الآن". 

لذلك، يجب القيام بالمزيد من العمل الذي يركز على التنمية والمساواة حتى يظل الاتفاق ساري المفعول.

أما فرنسا التي أعلنت أنها لن تقلص وجودها العسكري في مالي، رغم التحذيرات المختلفة التي وجهت إليها، فتواجه صعوبة متزايدة في إدارة الوضع شمال البلاد، فبعد 8 سنوات، لم يعد شعب مالي راغبا في ترديد شعار "vive la France" أكثر من ذلك، وفقا للباحث التركي.

وأضاف: "ازدادت ردود الفعل ضد فرنسا خاصة في احتجاجات الشوارع المناهضة للحكومة التي بدأت عام 2020، ويرجع أهم سبب لذلك إلى أن المشاكل التي انفجرت في مالي خلال الفترة ما بين 2012-2013 لم يتم حلها رغم مرور وقت طويل".

وشرح أوراكتشي ذلك قائلا: "لا يزال عدد من الجماعات المسلحة من أصول دينية وعرقية نشطا شمال مالي، ولا تزال مالي تعاني فشلا ذريعا في مكافحة الإرهاب رغم الإنفاق العسكري والدعاية الإعلامية بمليارات الدولارات في بلاد تتواصل فيها أخبار عمليات الخطف والهجمات المسلحة والهجمات الانتحارية ووفيات قوات حفظ السلام الأممية".

ولفت إلى أن "الوجود الذي بدأته فرنسا بكل حماس في مالي، لبعيد كل البعد عن تحقيق ما كان متوقعا، رغم وجود أكثر من 5 آلاف جندي فرنسي في الميدان، ووصلت باريس إلى طريق مسدود في مالي، ولم يعد من هناك أي طائل من دفع ألمانيا التي تملك حاليا أكثر من 1500 جندي في مالي، إلى حشد المزيد من القوات في المنطقة".

وأردف: "رغم أن تعاونها مع دول مثل تشاد والجزائر يريحها عسكريا، إلا أن هذا لا يخفف العبء المالي الذي تتحمله فرنسا البتة، وقد زاد مقتل ما لا يقل عن 19 شخصا نتيجة غارة جوية على حفل زفاف في 3 يناير/كانون الثاني 2021 على يد قوات فرنسية، ومقتل مجموعة من الشباب الذين ذهبوا للصيد في جاو، الأمر سوءا وجعله أكثر تعقيدا بالنسبة لفرنسا".

وأضاف: "كما أنه من الملاحظ أن السلطات الفرنسية التي ادعت أنها استهدفت الإرهابيين، بعيدة كل البعد عن قبول نتائج تحقيق بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي بشأن مقتل المدنيين وادعاءات الدولة المالية وتحمل المسؤولية حول ما حدث". 

وقال الكاتب: "لقد أصبحت الأزمة المالية التي بدأت عام 2012 تنتشر على المستوى الإقليمي اليوم، مما أثر بشدة على المنطقة بأكملها، لا سيما النيجر وبوركينا فاسو، وأصبحت بعض المؤسسات التي تدرك خطورة الوضع الحالي، أكثر حذرا وابتعادا عن الحل العسكري في مالي".

وأشار أوراكتشي في مقاله إلى بعض النتائج اللافتة للنظر في تقرير نشره مركز الأبحاث "تشاثام هاوس" البريطاني في مارس/آذار الماضي، حيث يؤكد تقرير مارك أنطوان بيروز دي مونتكلوس، أن "فرنسا التي كان ينظر إليها كـ(منقذ) في البداية، أصبح ينظر إليها كـ(محتل) بشكل متزايد في مالي".

كما شدد التقرير على "وجوب تقييم كل احتمال يمكن أن يحقق السلام في مالي، بما في ذلك التفاوض مع الجماعات الجهادية".