إعلان مجلس سياسي في الساحل الغربي.. كيف تعبث الإمارات بالمشهد اليمني؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تكف الإمارات عن العبث بالمشهد اليمني، عبر تأسيس مجالس تحظى باعتراف وتمثيل سياسي بطرق غير مشروعة ثم السعي لفرضها وشرعنتها في وقت لاحق.

فبعد تأسيس المجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية ثم شرعنة تمثيله بحقائب وزارية ضمن اتفاقية الرياض، قام طارق صالح نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح وقائد ما يسمى المقاومة الوطنية التي أسستها الإمارات بإعلان تأسيس مجلس سياسي في الساحل الغربي.

وفي بيان الإشهار 25 مارس/آذار 2021، قال صالح: "إشهار المكتب السياسي للمقاومة الوطنية ضرورة ملحة تواكب تطورات المشهد اليمني وتفرضها المرحلة لخدمة معركة الشعب المصيرية، وتشكل امتداداً أصيلاً لتضحيات الزعيم الخالد الشهيد علي عبد الله صالح".

تكرار التجربة

تجربة المجلس الانتقالي الجنوبي ثم نجاح الإمارات في فرضه ضمن معادلة سياسية، شجعها لتكرار نفس التجربة في إعلان  مجلس سياسي في الساحل الغربي، ثم محاولة فرضه على الحكومة الشرعية في وقت لاحق.

يرغب طارق صالح في أن يكون المجلس جناحا سياسيا يعمل على خدمة التشكيلات العسكرية الذي يرأسها في الساحل الغربي، على غرار المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعد ممثلا لقوات الحزام الأمني في المحافظات الجنوبية.

كان صالح قد ألمح لهذا الأمر في كلمته عقب إعلان إشهار المجلس، حيث أعلن عن رغبته في لعب دور داخل الحكومة الشرعية شبيه بالمجلس الانتقالي الجنوبي، خصوصا مع تزايد المؤشرات على إمكانية عقد جولة جديدة من مشاورات التسوية النهائية برعاية الأمم المتحدة، يسعى ليكون طرفا فيها.

وفي حال تمكنت قوات صالح من فرض نفسها كسلطة أمر واقع في الساحل الغربي، فإنها ستسعى للحصول على تمثيل سياسي معترف به من قبل الحكومة الشرعية.

وحينها تكون الإمارات قد حصلت على حصة أكبر من التمثيل السياسي، وتمكنت عبر تلك المكونات من اختراق القرار اليمني وفرض إملاءات تخدم أجندتها ومشاريعها في اليمن.

وهو الأمر الذي أشار إليه الكاتب والصحفي محمد الأحمدي، حيث يرى أن "الإمارات استفادت من ضعف الحكومة، في فرض كيانات موازية لها، تعمل خارج مظلة الشرعية، وتعمل تشكيلاتها العسكرية خارج مؤسسة الجيش".

يضيف الكاتب اليمني لـ"الاستقلال": "يمكن القول إن تأسيس المجالس السياسية كان بالنسبة للإمارات هي الخطة (ب)، فبعد أن فشلت في القضاء على الشرعية بشكل كامل، لجأت إلى تقويضها وإضعافها من الداخل، من خلال تأسيس مجالس ثم الدفع بها وفرضها على الشرعية في وقت لاحق".

يتابع: "تستخدم المجالس السياسية تشكيلاتها المسلحة وجميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة الممنوحة من قبل الإمارات في فرض نفسها كسلطة أمر واقع، وتجعل القبول بها بشكل رسمي خيارا وحيدا".

كان يفترض، بحسب الأحمدي، أن "يسخر طارق صالح قواته لمحاربة مليشيا الحوثي، الحليف الذي انقلب عليه وقام بتصفية عمه الرئيس صالح، لكنه على العكس من ذلك سخر إمكاناته لتقويض الحكومة الشرعية والنيل منها، في سلوك يخدم الجماعة المدعومة من إيران".

ارتباك وتضارب

بدا طارق صالح مرتبكا ومتضاربا في تصريحاته، ففي الوقت الذي لا يعترف بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، أعلن في خطاب التأسيس أنه يعمل جنبا إلى جنب مع الحكومة الشرعية.

صالح قال: "نحن لسنا بديلاً لأحد، ولسنا ضد الشرعية، ولكننا نريد أن نكون جزءا من الشرعية، جزءا فاعلا في مواجهة العدوان الحوثي في معركتنا الكبيرة لاستعادة جمهوريتنا واستعادة مؤسساتنا".

وكانت دعوات عدة قد وجهت لصالح للمشاركة في معركة مأرب، أو الإسهام في التخفيف عنها من خلال تحريك جبهة الحديدة المتوقفة منذ أكثر من عامين، لكنه، وفق مراقبين، تجاهل كل تلك الدعوات، وفي الوقت الذي يفترض أن يثبت جديته في محاربة جماع الحوثي، قام وأعلن عن تأسيس مجلس سياسي مواز للحكومة الشرعية.

وحسب متابعين، تنسجم أهداف طارق صالح مع أهداف الإمارات التي يتلقى دعما معلنا منها، حيث  تعارض الإمارات تحقيق أي هدف سياسي أو إستراتيجي للحكومة الشرعية وقوات الجيش الوطني، وتسعى إلى زعزعة الاستقرار في اليمن وتقويض الحكومة الشرعية، من خلال دعم الانقلاب في جنوب اليمن.

ما مر به اليمن خلال السنوات الأخيرة يؤكد وقائع استهداف الإمارات لقوات الجيش الوطني بالغارات الجوية، أو من خلال تعريض المدن اليمنية لخطر الصواريخ الحوثية، عبر سحب الدفاعات الصاروخية من مدينة مأرب، وجعل المدينة مكشوفة للصواريخ البالستية التي تطلقها جماعة الحوثي.

وهو الأمر الذي كشفت عنه الحكومة الشرعية في عدة مناسبات، ورفعت دعوى إلى مجلس الأمن في أغسطس/آب 2019، اتهمت فيه الإمارات بتقويض عمل الشرعية والتصعيد العسكري ضدها واستهداف قوات الجيش الوطني بغارات جوية.

حقائب وزارية

ومثّل استيعاب المجلس الانتقالي ضمن اتفاقية الرياض مكسبا سياسيا أحرزته الإمارات، حيث تم منح حقائب وزارية للمجلس الذي أنشأته الإمارات في صيف 2017 بشكل مواز للحكومة الشرعية، ثم عملت على فرضه بقوة السلاح وإدراج أعضائه ضمن اتفاقية الرياض المبرمة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في نوفمبر 2019.

حصل المجلس الانتقالي على 4 حقائب وزارية بموجب اتفاقية الرياض، هي النقل، والزراعة والري، والشؤون الاجتماعية والعمل، والخدمة المدنية، ضمن 13 حقيبة وزارية حصلت عليها المحافظات الجنوبية، وذلك في الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها في ديسمبر/كانون الأول 2020.

وبصفته مكسبا سعت الإمارات لإحرازه، فقد تمكن الانتقالي من الحصول على حقيبة النقل، ووضَع على رأس هذه الوزارة عبدالسلام حميد، الذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي.

وتحظى وزارة النقل بأهمية بالغة، بصفتها المتحكم الشرعي بالموانئ، وهي المصالح التي تسيطر عليها الإمارات في الوقت الحالي، وتقوم بتقويض نشاطها لصالح ميناء "جبل علي" في دبي.

وتحاول الإمارات من خلال السيطرة على وزارة النقل إحياء اتفاقية 2008 التي منحت شركة موانئ دبي العالمية حق السيطرة على ميناء عدن، من خلال اتفاقية التأجير، وهي الاتفاقية التي ألغتها الحكومة اليمنية في 2013، وبرر ذلك وزير النقل حينها واعد باذيب أن الاتفاقية أبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية ولم تراع المصالح الاقتصادية اليمنية.