جسر "روصو" بين السنغال وموريتانيا.. ما تأثير فوز الصين بمناقصة التنفيذ؟

12

طباعة

مشاركة

من بين 16 شركة دولية شاركت في المناقصة، أعلنت شركة "بولي شانكدا" الصينية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فوزها بصفقة بناء الجسر بين مدينتي روصو الموريتانية وروصو السنغالية، بغلاف مالي يقدر بـ47 مليون دولار، ووعدت الشركة بإكمال المشروع في 30 شهرا.

وفي 25 مارس/آذار 2021، وقعت حكومتا نواكشوط وداكار وشركة "بولي شانكدا"، اتفاقية بناء الجسر بموريتانيا على أن تتولى السنغال تسييره.

وتفيد الاتفاقية بأن الجسر سيقلص توقيت عبور المسافرين من 25 دقيقة إلى  دقيقتين فقط، كما سيقلص فترة السفر في مسافة 550 كلم بين نواكشوط وداكار ساعتين.

وتبلغ قيمة المشروع 87.4 مليون دولار، وبحسب صحيفة "نواكشوط"، سيشارك في تمويل المشروع البنك الإفريقي للتنمية بمبلغ 41 مليون دولار في شكل قروض وهبات، والبنك الأوروبي للاستثمار بـ22 مليون دولار، والاتحاد الأوروبي بـ20 مليون دولار، فيما تقدم كل من حكومتي موريتانيا والسنغال 4.5 ملايين دولار مناصفة.

وقع الاتفاق وزيرا المالية والنقل الموريتانيان، محمد الأمين ولد الذهبي ومحمد أحمدو امحيميد، ومن الجانب السنغالي وزير المالية والميزانية عبدلاي دواودا ايديالو، ووزير البنية التحتية والنقل البري وفك العزلة منصور افاي.

"الحلقة المفقودة"

بمناسبة نقاش اتفاقية نظام الضرائب والجمارك المطبقة على مشروع بناء الجسر بين بلدها وموريتانيا، عددت وزيرة الخارجية السنغالية عيشاتا تال، أمام البرلمان مزايا وأهداف جسر روصو على نهر السنغال.

وصادق مجلس النواب (البرلمان) بالإجماع على الاتفاقية، في ديسمبر/كانون الأول 2020، وعلقت الوزيرة بالقول إن "الهدف من الجسر هو تحسين مستوى الخدمة على محور نواكشوط - داكار بهدف زيادة التجارة على محاور الطرق العابرة للحدود، وذلك من خلال تحسين ظروف العبور بين البلدين". 

وأضافت أن هذه البنية التحتية تتيح أيضا تحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية وتحسين الظروف المعيشية للسكان في منطقة التأثير المباشر للمشروع، وتنظم الاتفاقية الموقعة في نواكشوط، نظام الضرائب والجمارك المطبق على مشروع بناء جسر روصو الذي ستبدأ أشغاله خلال الأسابيع المقبلة.

وفي سبتمبر/ أيلول 2020، صادق مجلس النواب في موريتانيا، بأغلبية ساحقة على السياسة العامة لحكومة رئيس الوزراء، محمد ولد بلال، وصادق البرلمان خلال الدورة الطارئة على مشروع قانون، يسمح بالمصادقة على الاتفاقية المنظمة للنظام الضريبي والجمركي المطبق على مشروع بناء جسر روصو، الذي سيربط برا بين موريتانيا والسنغال.  

يمتد الجسر على مسافة 1.4 كيلومتر، بين ضفتي النهر، أما عرضه فيصل إلى 55 مترا، وتتوقع دراسة فنية أن يرتفع عدد السيارات التي تعبر النهر من 115 سيارة على متن العبارة يوميا، إلى 370 سيارة بعد افتتاحه، و3210 يوميا بحلول عام 2048.

مجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية، في تقرير نشرته في ديسمبر/كانون الأول 2016، قالت إن جسرا سيربط أخيرا الضفتين الموريتانية والسنغالية ما سيعزز التجارة بين البلدين، واصفة إياه بـ"الحلقة المفقودة" في ممر يربط شمال القارة الإفريقية وجنوبها.

تأخر المشروع لأكثر من 50 عاما، وفق المجلة، وكانت عبارة روصو تشكل فيه عنق الزجاجة للنقل المحلي والدولي، وجاء التأخير أساسا من موريتانيا، التي تدر العبارة عليها موارد لا يستهان بها.

في نواكشوط، يفيد التقرير، "تخوف بعض الساسة من "غزو" السنغاليين لموريتانيا إذا تم تسهيل عبور النهر"، وسيصب الجسر في مصلحة السكان المحليين على الجانب الموريتاني والسنغالي.

شباب ونساء يعيشون على تجارة المواد الغذائية والصيد، سوف تتعزز أنشطتهم نظرا لسهولة الوصول إلى الجانب الآخر والتمتع بالبنية التحتية التي سيتم تثبيتها، وفق التقرير.

الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، كان قد أفرج عن المشروع في عام 2009، لكن خلافات مع نظيره السنغالي آنذاك ماكي صال، أخرت التنفيذ.

وطالب الجانب الموريتاني بجسر ثنائي أكثر تكلفة بمرتين من الجسر الأحادي المفضل من قبل البنك الإفريقي وبنك الاستثمار الأوروبي، وهو الحل الذي تم اختياره في نهاية المطاف، فيما طالب السنغاليون بالحصول على حق إدارة الجسر، وهو ما حصلوا عليه، مقابل احتضان موريتانيا مقر هذه الإدارة.

الصين على الخط

رئيس المركز المغاربي للدراسات الدكتور ديدي ولد السالك، رأى أن تدشين جسر بين السنغال وموريتانيا مهم جدا عبر مدينة روصو الموريتانية عاصمة ولاية الترارزة، وذلك لثلاثة أسباب، أولها أنه سيسهل حركة المرور بين البلدين الذين تجمعهما علاقات اجتماعية وثقافية ودينية عريقة، وحركة اقتصادية هائلة.

أما الهدف الثاني، يقول دكتور السالك لـ"الاستقلال"، فهو "تحقيق الانفتاح لغرب إفريقيا عبر نقل بري مباشر، في انتظار أن يكون لدى موريتانيا في السنوات القليلة المقبلة ما تصدره عبر هذا الجسر، وهي منطقة مهمة وواعدة في المستقبل ومهمة كشريان حيوي للاقتصاد الموريتاني".

ويزيد رئيس المركز المغاربي للدراسات، قائلا: "سيكون الجسر مهما أيضا لحركة الاقتصاد المغربي، في نقل بضائعه عبر الأراضي الموريتانية، ما سيزيد من الحركية الاقتصادية والاندماج المغربي - الموريتاني باتجاه السنغال وكل دول غرب إفريقيا".

ووقف خبير العلاقات الدولية، على عمق العلاقات الصينية مع هذه الدول جميعها، بعد أن أصبحت الصين حاضرة بقوة، كونها أول مستثمر حاليا في إفريقيا، وصاحبة أكبر مديونية في إفريقيا، ملفتا إلى أن المشروع سيزيد من الحيوية والحركية الاقتصادية بغرض تحقيق الازدهار.

واعتبرت تقارير صحفية موريتانية، أن الشركة الصينية نجحت في الفوز بالصفقة بعد أن تقدمت بأفضل عرض، على مستوى السعر والمدة الزمنية، كما أنها تملك خبرة واسعة في المجال، وتتبع لنفس المجموعة التي تملك آليات في ميناء انجاكو بموريتانيا، بالقرب من روصو.

تأسست شركة (بولي شانكدا) عام 1952، وفي أغسطس/ آب 2018 استحوذت عليها مجموعة (China Poly Group)، التابعة للدولة الصينية.

وقررت المجموعة الصينية في أبريل/نيسان 2019، تغيير اسم الشركة إلى (Poly Changda Engineering Co) وأسندت إليها مهمة الأشغال الكبرى، على غرار شركة (Poly Technologies) التي تشيد ميناء انجاكو العسكري والتجاري، في الجنوب الموريتاني، وهي المختصة في مجال الدفاع والسلاح.

تصف شركة (بولي شانكدا) نفسها بأنها مختصة في الأشغال الكبرى والهندسة وتكنولوجيا تشييد الطرق والجسور والموانئ، وتقول إنها نفذت مشاريع كبيرة في الصين وكمبوديا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وفيتنام وماليزيا، بالإضافة إلى بلدان أخرى عديدة، وتعرض عبر موقعها الإلكتروني نماذج من هذه المشاريع.

يبرز من ضمن المشاريع التي أنجزتها، العديد من الجسور والطرق السريعة في الصين والعالم، من أبرزها جسر (هوانغبو) في مدينة غوانزو الصينية، والطريق فائق السرعة الرابط بين غوانزو – كونمينغ في الصين.

وبدأت الشركة الصينية، خلال السنوات الأخيرة، تستهدف السوق الإفريقية، واستفادت من تمويلات كبيرة عبر "البنك الإفريقي للتنمية"، وحصلت على العديد من الصفقات غرب إفريقيا، من ضمنها طرق في بوركينا فاسو، ومنشآت صحية في غانا.

قوة ناعمة

في ديسمبر/كانون الأول 2020، تطرق موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي، إلى إستراتيجية الصين المتبعة في إفريقيا لاستغلال ثروات القارة، واختبار قوتها الناعمة على بلدانها، من خلال منح القروض وإنشاء البنية التحتية دون التدخل سياسيا. 

وقال الموقع: "الصين قدمت نفسها منذ بداية الألفية الجديدة، لإفريقيا كمانح وشريك تجاري جديد، وبالإضافة إلى المصالح الاقتصادية، يبدو أن القارة الإفريقية تمثل بالنسبة للصين ساحة اختبار وصقل لقوتها الناعمة".

حولت العديد من البلدان ذات الاقتصادات الناشئة اهتمامها نحو المواد الخام الإفريقية، مثل الهند والبرازيل، التي وجهت تركيزها في بداية الألفية الجديدة بشكل أكبر على اقتصادات بلدان الجنوب. 

من جهتها، أثبتت الصين منذ عام 2000، أنها الشريك والمستثمر الرئيس في إفريقيا، فضلا عن كونها مانحا دوليا رئيسا، ويوفر هذا الوضع الدولي المختلف للقارة الإفريقية، الفرصة لإعادة استثمار تدفق الأموال في التنمية، ولكن كثيرا ما يكون هناك عائقان مختلفان مرتبطان ببعضهما البعض، وفق الموقع الإيطالي.

يتمثل العائق الأول في وجود حكومات غير ديمقراطية على رأس عدة بلدان تحكم سيطرتها على البلاد والسكان بفضل شبكة "بيروقراطية" كثيفة يتم تمويلها من خلال الأموال الأجنبية.

ويتعلق العائق الثاني بوجود مستثمرين ومانحين غير مهتمين باحترام القيم الأخلاقية والمعنوية، ما يعني استقلالية سياسية أكبر لحكومات الدول الإفريقية، لكن ليس بالضرورة قدرا أكبر من الاستقلال الاقتصادي.

وتابع الموقع قائلا: "الصين طورت نموذجها الخاص ليتكيف مع السياقات الإفريقية، وتم قبول النموذج بشكل إيجابي في المنطقة، لأنه يختلف عن النماذج الغربية وينظر إليه على أنه أقل إكراها".

ويتطور هذا النموذج على خطين: الأول يؤكد على القيم الأخلاقية للماوية (نسبة للمفكر ماو تسي تونغ)، التي يقوم عليها التعاون بين بلدان الجنوب، ويؤكد الثاني على مفهوم القوة الناعمة.

وبفضل هذا النموذج، تقدم الصين نفسها كدولة نامية، وبالتالي فهي قريبة من الدول الإفريقية، لكنها في الوقت نفسه تؤكد وضعها كقوة عالمية. 

وبحسب الموقع، يصبح هذا المفهوم للقوة الناعمة (تأثير وجاذبية دولة على المستوى الدولي)، رئيسا للصين عندما تدرك أنها ليست قوية بما يكفي لتحدي القوة الأميركية، لذلك فهي تحتاج إلى منطقة يتم فيها تحسين تقنياتها.

ومن خلال القوة الناعمة، تعني الصين: أي إجراء يتجاوز المجالات العسكرية والأمنية، بما في ذلك الأساليب الاقتصادية والدبلوماسية القسرية، وعلى سبيل المثال، تقديم مساعدات التنمية، أما بالنسبة للغرب، فللقوة الناعمة دلالات ثقافية ودبلوماسية عامة