تحريك الجبهات في محافظات اليمن.. كيف يقلب الموازين بمعركة مأرب؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تشهد مدينة مأرب غربي اليمن معارك هي الأشد منذ اندلاع الحرب قبل نحو 6 سنوات، بين جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا التي تهاجم المدينة النفطية، وقوات الجيش الوطني التابعة للحكومة الشرعية التي تدافع عنها.

ومع تزايد الضغط على قوات الجيش في محيط مأرب، جراء هجوم الجماعة وشح الدعم العسكري لدى قوات الجيش الوطني، برزت دعوات إلى تحريك الجبهات المتوقفة في عموم المحافظات اليمنية، لتخفيف الضغط عن مأرب وتشتيت "الحوثي".

في 3 مارس/آذار 2021، طالبت السلطات المحلية في 8 محافظات عبر بيان صدر من مجلسها التنسيقي، الرئيس عبد ربه منصور هادي بإعلان التعبئة العامة وتحريك جميع الجبهات، من أجل تخفيف الضغط على محافظة مأرب، داعية مجلس الدفاع الوطني للانعقاد العاجل من أجل دعم كافة الجبهات.

بالفعل كانت البداية من مدينة تعز، حيث تحركت الجبهة المتوقفة هناك، وحققت قوات الجيش الوطني، مسنودة بأبناء مدينة تعز (جنوب غرب)، تقدما وتمكنت من تحرير عدد من المناطق والمواقع التي كانت خاضعة لسيطرة "الحوثي".

ورغم أن تحريك جبهة تعز، كان مباغتا من قبل قوات الجيش الوطني، ما أربك حسابات الجماعة الشيعية، إلا أنه لم يكن كافيا للتخفيف عن مأرب.

امتداد تكتيكي

المحلل العسكري اليمني الدكتور علي الذهب يرى ضرورة تعزيز جبهة "مأرب ـ الجوف (شمال غرب) ـ صنعاء"، بما يمثل امتدادا تكتيكيا بشكل هلال يضم المحافظات الثلاث، ويمكن أن يتوسع ليشمل أجزاء من محافظة البيضاء (جنوب غرب).

الذهب قال لـ"الاستقلال": "هذه جبهات إستراتيجية لأنها نقاط اقتراب من العاصمة صنعاء (غرب وسط)، وتعزيزها وإعادتها إلى وضع ما قبل ديسمبر/كانون الأول 2019، سيقلب الموازين ويعيد تعريف المعركة من جديد".

يتابع المحلل العسكري قائلا: "بما يخص الجبهات التي يمكن أن تخفف من الضغط على مأرب فهي جبهة تعز، لما لها أيضا من أبعاد تكتيكية وإستراتيجية فيما لو اشتعلت، لأنها ستتيح الالتحام بجبهة الضالع وإب (جنوب غرب) التي لا تزال في أطوارها العملياتية والتكتيكية الأولى، ويمكن أن يحدث هناك ترابط شبيه بما أشرت إليه سابقا، ليشمل تعزـ إب ـ الضالع وأجزاء من محافظة البيضاء".

صعوبات وتحديات

وحسب الدكتور علي الذهب، فإن الانقسامات الحاصلة والتحديات التي تواجه الشرعية من قبل أطراف أخرى تشكل صعوبة في تحريك تلك الجبهات، خاصة الجبهات التي في الضالع، حيث تتمركز قوات عسكرية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، وتحاول أن تضع قواتها على حدود ما قبل 1990، في منطقة الضالع وإب.

الذهب يؤكد أن مسألة تحريك الجبهات "تتطلب إمكانات عسكرية مادية وبشرية، بالإضافة إلى أن تحريك جبهة تعز تتطلب تحرك القوات المشتركة المتموضعة في الساحل الغربي، وهي التشكيلات العسكرية المكونة من ألوية العمالقة والمقاومة التهامية وقوات حراس الجمهورية التابعة لطارق صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح) والمدعومة إمارتيا.

ووفق الذهب، فإن "تحريك جبهة تعز مهمة للغاية في تخفيف الضغط على مأرب، لكنها لا تكتمل ما لم تتحرك القوات المشتركة أو ما يطلق عليه قوات حراس الجمهورية التابعة لطارق صالح، وهذه القوات تشمل مسرح عملياتها أجزاء من محافظتي تعز والحديدة".

من جانبه، يرى المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي أن المرحلة تتطلب تحرك جميع الجبهات وتوسيع دائرة المعارك من أجل إنهاك الحوثيين وخلق واقع جديد، لصالح الحكومة الشرعية بعد أن استغلت جماعة الحوثي الهدنة غير المعلنة في عدد من الجبهات في الحشد لمعركتها بمأرب.

يضيف التميمي: "مع أن الأسباب ملحة لتحريك الجبهات إلا أن هناك صعوبات تعترضها، فالتحالف عمل على إبقاء الحال على ما هو عليه، وانشغل بتنفيذ مشاريعه وأجندته في تأسيس قوات تابعة للإمارات في الساحل الغربي، من أجل إحراز مكاسب إستراتيجية، وهو الأمر الذي مكن الحوثيين من التمدد، وفي ذات الوقت مثل صعوبة حالية في قرار تحريك الجبهات، خاصة جبهة تعز".

جبهة الحديدة 

تعد جبهة الحديدة (غرب وسط) هي الأهم من بين كل الجبهات، لموقعها الإستراتيجي ولأن ميناء الحديدة أهم الموانئ الذي يستفيد منها الحوثيون، لهذا فقد تعالت أصوات يمنيين بضرورة تحريك هذه الجبهة في هذا الوقت الحساس.

وغرد رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد" الكاتب فتحي بن لرزق على تويتر قائلا: "دفع الخطر عن مأرب يكون بتحريك جبهة الحديدة. لا يعقل أن تلتزم الشرعية والتحالف بمواثيق لم يلتزم بها الحوثي، ووحده تحريك جبهة الحديدة هو المخرج لليمن كلها وليس لمأرب فقط".

مضيفا: "التفرج على ما يحدث في مأرب دون تحريك ساكن في الحديدة يجعلكم شركاء في العدوان الحوثي الذي تتعرض له مأرب".

 

مسوغ قانوني

وفق مراقبين، فإن تحريك جبهة الحديدة تواجه قيودا قانونية، فقد قضت اتفاقية ستوكهولم المبرمة بين الشرعية والحوثيين برعاية أممية في ديسمبر/كانون الأول 2018، بإيقاف المواجهات في مدينة الحديدة، من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى ميناء الحديدة، وتحييد البنك المركزي في الحديدة من أجل دفع رواتب الموظفين".

المحلل العسكري علي الذهب يقول إن "إقدام طارق صالح قد يعرضه لعقوبات، لهذا فلا يمكن لقوات طارق أن تخطو خطوة إلا إذا كانت معززة بقرار سياسي من رئيس الجمهورية الذي لا يريد أن يتخذ هذه الخطوة إلا في أضيق الظروف ومتى ما كانت المواقف الناشئة ملزمة لذلك، وهذه القوات تمثل حارس للشواطئ وللمصالح الأجنبية في البحر الأحمر".

لكن الذهب يرى أن القوات الموجودة في تعز يمكن أن تتحرك باتجاه محافظة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وبالتزامن يمكن لقوات طارق أن تتحرك بنفس الاتجاه، وهذا الأمر يمكن أن يحدث خللا في تماسك قوات الحوثيين في الحديدة.

مضيفا: "سيبادر الحوثيون بطريقة أو بأخرى إلى خرق اتفاق ستوكهولم، وهنا سيكون لدى الحكومة الشرعية مسوغ قانوني في التحلل من قيود الاتفاقية، وبالتالي سيكون ردة الفعل بالنسبة للقوات الحكومة أو قوات الساحل أو القوات المشتركة ومن هنا تسقط الاتفاقية".

وتابع الذهب قائلا: "من الناحية القانونية، هناك الكثير من المبررات للتحلل من اتفاق ستوكهولم، أبرزها أن الحوثيين لم يلتزموا بالاتفاق، وارتكبوا عدة خروقات يمكن للحكومة أن تستغلها في استجابة عسكرية حاسمة تحقق تقدما على الأرض".

من تلك الخروقات، وفق الذهب، "المبالغ التي أودعت في البنك المركزي فرع الحديدة والتي أخذت وصرفت في غير ما حدده اتفاق ستوكهولم، حيث تصرف بها الحوثيون بشكل فردي لدعم مجهودهم العسكري، وهناك خروق كثيرة لوقف إطلاق النار، والتقدم في مناطق بالحديدة كما حدث في منطقة الدريهمي".

معركة مأرب

ومنذ 7 فبراير/شباط 2021، تشهد مدينة مأرب اليمنية معارك طاحنة بين قوات الجيش الوطني وجماعة "الحوثي" الانقلابية، تعد هي الأعنف منذ انقلاب الجماعة على الدولة في سبتمبر/أيلول 2014.

ومع أن الأطراف المتقاتلة خاضت معارك شرسة خلال السنوات الماضية، إلا أن هذه المعركة مصيرية وانتصار أحد الأطراف فيها سوف يحدد مصير اليمن لسنوات قادمة بحسب تقرير لمؤسسة "جيمس تاون" الأميركية المختصة بتحليل السياسات الإستراتيجية للدول.

يستميت الحوثيون في السيطرة على هذه المدينة النفطية، لعدة أسباب، منها أنهم بحاجة لتمويل حربهم، في ظل تراجع الدعم المالي الإيراني مؤخرا بسبب تردي اقتصاد طهران، وفق مراقبين.

وحسب متابعين، فإن مأرب هي آخر معقل للشرعية التي تقاتل الحوثيين، وبالسيطرة عليها تكون الحرب قد حسمت في جغرافيا الشمال اليمني لصالح الحوثيين، وتم تصفية الشرعية بشكل كامل، لذا تحولت مأرب إلى قاعدة انطلاق لقوات الجيش الوطني مدعومة بالمقاومة الشعبية التي تنتمي لعدة مناطق في اليمن.

كما تشكل سيطرة الحوثيين على مأرب تهديدا إستراتيجيا للسعودية، لأنه سيقود إلى السقوط الحتمي لكامل محافظة الجوف المجاورة لها والحدودية مع السعودية، وهو الأمر الذي يريده الحوثيون لتحسين شروط المفاوضات مع الرياض، وتدفع به إيران في مفاوضاتها على الملف النووي.

التحضير لمعركة مأرب، وفق خبراء، بدأ منذ تعيين ضابط الحرس الثوري حسن إيرلو في أكتوبر/تشرين الأول 2020، سفيرا لطهران لدى جماعة الحوثي التي بدأت حملات مكثفة لتجنيد المقاتلين من أبناء القبائل وتدريبهم في معسكرات خاصة، في عدد من مناطق اليمن.

غدت مأرب ملجأ لأكثر من مليوني نازح، فروا من الحرب التي اندلعت في عدة محافظات السنوات الماضية، وسقوط مأرب بيد الحوثيين سوف يتسبب باستمرار رحلة التشرد التي تهدد النازحين، وفق متابعين.

وتحولت مأرب بعد الحرب من مدينة صغيرة، إلى سوق مزدحمة ومدينة مليئة بالحياة، وارتفع عدد سكانها بسبب حركة النزوح من نحو 300 ألفا هم عدد سكان أبنائها، إلى نحو مليوني شخص ما ينذر بخسائر بشرية هائلة في حال اندلع الصراع في مأرب على غرار ما حصل في تعز.