"عقوبة الزواج الثاني".. كيف يتحدى السيسي الأزهر بقانون يخالف الشرع؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في إحدى لقاءاته الإعلامية عام 2014، قال رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي: "رئيس الدولة مسؤول عن كل حاجة بها حتى دينها. قلت للناس شوفوا (انظروا) أنا مين، واعرفوا أنا مين، لأنكم هتختاروا".

لم يكن حديث السيسي عابرا، إذ أثبتت الأحداث التالية أنه كان يعبر عما سينفذه، إذ تجاوز بالفعل المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر، ليقر رؤيته فيما يتعلق بأمور الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق، مستخدما الذراع التشريعية الممثلة في البرلمان المصنوع على عين الأجهزة الأمنية.

السيسي الذي وصف نفسه في 2015 بـ"الطبيب" و"الفيلسوف"، جاءت أحدث تدخلاته في منظومة التشريعات التي يسعى لفرضها على المصريين متمثلة في قانون جديد يعاقب المواطن الذي يخفي زواجه الثاني بالحبس والغرامة المالية.

تشريع جدلي 

في 24 فبراير/ شباط 2021، تداولت وسائل إعلام محلية مصرية تسريبات لمشروع قانون متعلق بالأحوال الشخصية، ينص على فرض عقوبة على الزوج الذي يتزوج زوجة ثانية دون إخبار الزوجة الأولى.

عقوبة المواطن وفق مشروع القانون المعروض على البرلمان ويحمل رقم "58" والخاص بإعلان الحالة الاجتماعية، السجن لمدة عام كحد أقصى، وغرامة مالية قد تصل إلى 50 ألف جنيه.

كما نصت إحدى مواد القانون على أن يقر الزوج في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، وفي حال كان متزوجا، عليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن، وإخطارهن بالزواج الجديد.

الأمر أثار جدلا واسعا في الشارع المصري، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما وأن قطاعا عريضا من العلماء والدعاة اعتبروه مخالفا للشريعة الإسلامية، وتم تمريره للبرلمان دون الرجوع للأزهر الشريف، وشيخه الإمام أحمد الطيب.

مخالف للشريعة

في مداخلة هاتفية عبر القناة "الأولى" بالتلفزيون المصري "حكومي" يوم 25 فبراير/ شباط 2021، شدد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على أن "العقوبة المقترحة على الزوج إذا لم يبلغ زوجته بزواجه من أخرى "مخالفة للشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا".

وأكد أن "المسلم من حقه الزواج بأكثر من زوجة، وأنه لا يوجد في الشريعة ما يلزم الرجل بإخبار زوجته بزواجه من أخرى، إلا في حالة واحدة فقط إذا طلبت الزوجة الأولى إثباته كشرط في عقد الزواج".

وأشار أنه "أول من سيطعن على القانون أمام القضاء، قائلا: "هل يمكن أن تقر قوانين متعلقة بالمسيحيين دون الرجوع إلى الكنيسة والمجمع المقدس، فلماذا إذا يتم تجاوز الأزهر فيما يخص قوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين".

وفي 2 يوليو/ تموز 2017، أصدر مركز الفتوى بالأزهر، فتوى صريحة طبقا لبيان، قالت خلاله: "الإسلام يبيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة، لكن إباحته مشروطة بالعدل بين الزوجات، وبالقدرة المالية والجسدية، وألا تكون الثانية على حساب الأولى فى النفقة والسكنى وغير ذلك من حقوق الزوجة على زوجها".

وقال المركز: "لم يجعل الإسلام علم الزوجة الأولى شرطا من شروط صحة الزواج بالثانية، فإذا ما تم الزواج بالثانية يكون صحيحا، وتترتب عليه كافة الآثار الشرعية للزواج".

وقال الداعية المصري الدكتور شادي السيد، عبر تدوينة بفيسبوك: "كل قانون وضعيّ يُحِلُّ ما حَرَّمَ اللهُ، ويُحرِّم ما أَحَلَّ اللهُ، أو يُضيِّق الحلال، ويُيَسِّر الحرام، فهو تحت القدمين، وواضعُه، والمتحاكمُ إليه، والرَّاضي به قد أعلن الحرب على ربِّ العالمين، واستعجل نقمة الله وغضبه".

فساد عظيم 

ووصف الدكتور محمد أبو زيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية في مصر، والمتعلقة بحبس الزوج حال إخفاء الزواج الثاني بأنها "فساد عظيم، وتشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، تضر البلاد والعباد".

وقال أبو زيد لـ"الاستقلال": "السيسي حاول تخطي الأزهر وشيخه فيما يتعلق بالأحوال الشخصية والمدنية للمسلمين في غير مرة، وقد اختبر موقف شيخ الأزهر أحمد الطيب من قبل في مسألة الطلاق الشفوي، لكنه واجه رفضا قاطعا منه، إذ أن شريعة الله ودينه لا تسير وفق أهواء ورغبات الحاكم".

وأضاف: "يستهل خطباء الجمع خطبتهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، فكيف لنا أن نبتدع في دين الله ما ليس منه".

واستطرد: "مصر بلد الأزهر الشريف، وتخطي تلك المؤسسة العريقة، وتمرير قوانين بطريقة خبيثة عبر البرلمان، يسير بنا نحو مزيد من العلمنة، بعد هدم وتهميش آخر الحصون الدينية، خاصة وأن هناك تجارب تاريخية في دول مجاورة أثبتت فشلها".

وقال أبو زيد: "هناك تركيا وتونس عندما جرموا الزواج الثاني في قوانينهم الوضعية، وعسروا شروط الزواج على المواطنين، ماذا حدث؟ انتشر الزنا وتأخر سن الزواج وارتفعت نسبة العنوسة، فهل نفع ذلك المرأة والأسرة عموما؟ بالقطع لا، وهو ما ينطبق على مصر التي تعاني من تشتت الأسر وارتفاع نسبة العنوسة، في بلد يتجاوز تعداد سكانه مئة مليون نسمة".

وحذر الأستاذ بجامعة الأزهر من خداع المسلمين والمرأة المسلمة على وجه الخصوص بمثل هذه الأمور، قائلا: "على سبيل المثال إذا وجد الرجل نفسه بين خيارين وقرر الزواج، سيقوم بتطليق زوجته الأولى، أفضل من السجن، وبالتالي تهدم الأسرة، لذلك فإن في الأمور سعة".

وختم كلامه قائلا: "ما أمر الله به الزوج هو العدل والإنصاف والإنفاق وحسن العشرة، فإذا أخل فإن حسابه على الله، وإن مسألة (القوامة) التي يظن الناس أنها تفضل الرجل على المرأة، مفهوم مغلوط بل هي تضع على الرجل مسؤوليات وأحكام أكثر باعتباره رب البيت وعائل الأسرة، وقال رسول الله (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول)".

تجاوز الأزهر

الصدام بين السيسي والأزهر فيما يتعلق ببعض أحكام الشريعة الإسلامية، سجال مستمر على مدار سنوات، وكان من أبرز جولات الخلاف، مسألة قانون الطلاق، وإلغاء الطلاق الشفهي ليصبح الطلاق المعتمد فقط أمام المأذون، وهو ما أراده السيسي، وخالفه شيخ الأزهر أحمد الطيب. 

لم يمر الموقف مرور الكرام، ففي 25 يناير/ كانون الثاني 2017، طلب رئيس النظام من شيخ الأزهر ثورة في الخطاب الديني، قائلا حينها بلهجة غاضبة: "نحن في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره".

 ووجه السيسي حينها خطابا مباشرا للإمام الأكبر: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وربما امتعض الشيخ الطيب من ذلك الإعلان الصريح لمسألة اعتبرها محسومة.

بعدها بأيام قلائل، أصدرت هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر، بيانا مذيلا بتوقيعه، يرفض الحديث عن تعديل قانون الطلاق، ومطالبة البعض بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدا أنه طلب يتنافى مع الشرع.