بعد 20 عاما من إنشائه.. هل ينفذ بايدن وعد أوباما بإغلاق "غوانتانامو"؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو 20 عام من إنشائه، أعلن البيت الأبيض عزم إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إغلاق معتقل غوانتانامو، في إجراء قد ينقذ الولايات المتحدة من الفضيحة التي لحقت بها جراء الانتهاكات التي تطال المحتجزين في المعتقل الأسوأ سمعة في تاريخ الولايات المتحدة.

وفي مؤتمر صحفي 13 فبراير/ شباط 2021، قالت المتحدث باسم البيت الأبيض جين ساكي إن إغلاق معتقل غوانتانامو هدف للإدارة الأميركية الجديدة، وأن عملية التنسيق من أجل تحقيق ذلك قد بدأت مع مجلس الأمن القومي، للعمل مع مختلف الوكالات الفيدرالية وتقييم الوضع الحالي الذي ورثته الإدارة الجديدة، حد قولها.

ورغم أن بايدن لم يعلن أثناء حملته الانتخابية عن إغلاق المعتقل، قال المتحدث باسم الخارجية نيد برايس، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إن بايدن يؤيد إغلاق غوانتانامو، لكنه من غير المناسب مناقشة خططه بالتفصيل قبل توليه المنصب.

ترحيب دولي

قرار بايدن بنيته إغلاق معتقل غوانتانامو لقي ترحيبا كبيرا من منظمات دولية وإنسانية وعدد من حكومات أوروبا، فقد رحبت المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بقرار بايدن، وكذلك رحبت الحكومة الألمانية.

مجلة التايم الأميركية نقلت في فبراير/شباط 2020، عن دور لادين وهو محام أميركي يعمل لصالح مشروع الأمن القومي التابع للاتحاد الأميركي للحريات المدنية أن حكومة الولايات المتحدة لا تزال تتكتم على قصص التعذيب التي مارستها وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أي) بحق المعتقلين في سجن غوانتانامو.

وانتقدت منظمة حقوق الإنسان، في وقت سابق، احتجاز المعتقلين في غوانتامو، وفي رسالة بعثها المدير التنفيذي لمنظمة حقوق الإنسان كينيث روث  للرئيس أوباما انتقد فيها استمرار احتجاز المعتقلين بدون ضمانات إجرائية تكفل قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ومقابلة المحامين ومقابلة القضاء، ودعاه إلى سرعة الإفراج عنهم أو محاكمتهم محاكمة عادلة.

وانتقد روث ظروف الاعتقال الذي قال إنها تعد تناقضا من أميركا الذي تنتقد السجون في السعودية وعددا من الدول بدون اتهامات رسمية وبدون محاكمات.

ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن محاميين أميركيين قولهم إن هذا الاعتقال للسجناء بدون توجيه اتهامات طوال هذه المدة يعد أمرا غير دستوري، كما أن كل منطق وراء أسباب اعتقالهم زال وانتهى.

من جانبها، نقلت صحيفة ميديا بارت الفرنسية عن  الصحفي البارز فرانسوا بوني أن غوانتانامو ليس مجرد فضيحة قضائية وإنسانية، بل داء ينخر الديمقراطية، ويظهر للعالم أن إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش استطاعت في ظل الإفلات التام من العقاب بناء وحش لا يمكن لأحد أن يقتلعه اليوم.

وعود في الهواء

كان أوباما قد تعهد بإغلاق المعتقل أثناء حملته الانتخابية الأولى عام 2008، وقال إن غوانتانامو سيغلق خلال عام واحد من دخوله البيت الأبيض، لكنه لم يتمكن من إغلاقه، وكرر تعهداته أثناء فترته الانتخابية الثانية عام 2012، لكن ذلك لم يتم أيضا.

ورغم أن أوباما وقع في يناير/كانون الثاني 2009 أمرا تنفيذيا بإغلاق المعتقل، مستندا في نص القرار على منع استخدام ووقف الأساليب القاسية، التي تنتهك حقوق الإنسان في التحقيق مع المشتبه بتورطهم في أعمال إرهابية ويطلب من المحققين "الالتزام باتفاقيات جنيف"، إلا أن القرار واجه عوائق قانونية من قبل الجمهوريين في الكونغرس.

صوت معظم الجمهوريين على قانون يسمى "إجازة الدفاع الوطني"، ويتضمن قيودا صارمة على استخدام الأموال العامة لعمليات نقل السجناء إلى بلدانهم أو إلى الولايات المتحدة للمحاكمة.

وتضمن القانون شروطا، منها منع عمليات النقل إن لم يقرر وزير الدفاع بأن الدولة المستقبلة قد استوفت معايير محددة، من ضمنها التزامها بضمان عدم انخراط المحتجز المفرج عنه في المستقبل في أعمال أو نشاطات إرهابية من شأنها تهديد الولايات المتحدة أو حلفائها.

موقف متناقض

يأتي موقف بايدن بإغلاق المعتقل معاكسا بشكل كامل لمواقف سلفه دونالد ترامب الذي أعلن أثناء حملته الانتخابية في 2016 أنه سيبقي على معتقل غوانتانامو، ويجعله مليئا بالأشرار حد قوله.

وعقب توليه الرئاسة، قال ترامب في خطابه الأول في الكونغرس عن حالة الاتحاد أنه وقع لتوه مرسوما يقضي بإبقاء معتقل غوانتانامو مفتوحا، قائلا: "اليوم أفي بوعد آخر، وقد كلفت وزير الدفاع جيم ماتي بإعادة النظر بسياستنا المتعلقة بالاحتجاز العسكري وبإبقاء المعتقلات في غوانتامو مفتوحة".

وأضاف: في المعركة ضد تنظيمي "الدولة" و"القاعدة"، أطالب الكونغرس بضمان أن تبقى لدينا صلاحية احتجاز الإرهابيين حيثما اصطدناهم وحيثما وجدناهم، وفي كثير من الحالات فإن هذا المكان سيكون بالنسبة إليهم خليج غوانتانامو.

جورج بوش الابن، أفرج عن 532 معتقلا، بناء على وعود قطعها أثناء حملته الانتخابية، في حين أفرج باراك أوباما عن العشرات، وقبل مغادرته السلطة في يناير/كانون الثاني 2017، أصدر أوباما أمرا بالإفراج عن 10 معتقلين يمنيين، وافقت سلطنة عمان على استقبالتهم ومنحتهم إقامات مؤقتة لدواع إنسانية.

أما في عهد ترامب فلم يفرج سوى عن معتقلين اثنين أحدهما في مايو/آيار 2018 هو السعودي أحمد الدربي، والآخر في ديسمبر/كانون الأول 2020 هو اليمني سعيد ناشر، وأفرج عنهما بشرط عدم أي رفع دعوى ضد واشنطن والتنازل عن أي حقوق مادية أو معنوية.

ومع هذا فإن ترامب قد عبر في سبتمبر/أيلول 2019 عن استيائه من استمرار معتقل غوانتانامو، لأنه يكلف الدولة نفقات باهظة (نحو 436 مليون سنويا) وقال ترامب إن إدارته تدرس موضوع معتقل غوانتانامو بشكل جاد.

سيئ السمعة 

هذا المعتقل المعزول في خليج غوانتانامو، لم توجه لمعظم المعتقلين فيه تهما رسمية ولم يخضعوا لمحاكمات، فضلا عن منعهم من التحدث لمحامين ومنع أهاليهم من زيارتهم.

ووفقا لصحيفة لودوفوار الكندية، فإن المعتقلين البالغ عددهم 41 شخصا في سجن غوانتانامو لا يمكن تصنيفهم كمعتقلي حرب، وفقا لاتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، كما أن 31 منهم تم اعتقالهم بدون إدانتهم بتهم.

وحسب تقرير للصحيفة الكندية في 13 مارس/آذار 2017، فإنه تم استمرار احتجاز عدد منهم، بسبب خطأ في الترجمة أثناء التحقيقات، أو بسبب المترجم الذي رافقهم أثناء التحقيقات.

ونقلت الصحيفة عن المحامية الأميركية ألكا برادهان قولها: على سبيل المثال عند سؤال بعض المتهمين إذا كانوا يعرفون القاعدة، فأجابوا على الفور بـ"نعم" وهم كانوا يقصدون مدينة "القاعدة"، إحدى مدن محافظة إب في اليمن.

ومنذ إنشاء المعتقل في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش (الابن) عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، تم اعتقال 780 شخصا، بتهم تتعلق بقضايا الإرهاب، وخلال العقدين الماضيين تم الإفراج عن معظمهم بدون محاكمات.

لم يبق في السجن حاليا سوى 40 معتقلا، تعتبر الولايات المتحدة 26 منهم خطرين إلى درجة لا تسمح بالإفراج عنهم وتتأخر الإجراءات القانونية بسبب تعقيد ملفاتهم.

ويقع المعتقل في قاعدة بحرية أميركية، تبلغ مساحتها 45 ميلا، وتستأجرها واشنطن من هافانا منذ عام 1903 مقابل 4085 دولار سنويا، بموجب اتفاقية لا يمكن فسخها سوى باتفاق الطرفين.

برامج تعذيب

وفضلا عن اعتقالهم غير القانوني فإن المحتجزين خضعوا لبرامج تعذيب، ومورست بحقهم انتهاكات فظيعة، وحسب المحامي الأميركي درور لادين فإن حكومة الولايات المتحدة لا تزال تتكتم على قصص التعذيب التي مارستها الاستخبارات المركزية بحق المعتقلين في سجن غوانتانامو.

علاوة على ذلك، توفي عدد من المحتجزين في المعتقل، في ظروف غامضة، في حين صرحت السلطات الأميركية أن عددا منهم شنق نفسه، وهو الأمر الذي حصل مع المعتقلين السعوديين ياسر طلال الزهراني ومانع شامان العتيبي.

في حين نشرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية على موقعها الإلكتروني تقريرا تحدثت فيه عن تعرض معتقلي غوانتانامو لاعتداءات جنسية من قبل موظفات في السجن، حسب ما كشف المعتقل الموريتاني محمدو ولد صلاحي في مذكراته التي تحدث فيها عن إجباره على ممارسة الرذيلة.

ونقلت موقع إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" على شبكة الإنترنت حديثا للسجين البريطاني شاكر عامر في مكالمة هاتفية أجراها مع محاميه حيث أفاد بتعرضه لحادث مماثل، وقال إن موظفات في المعتقل عند تفتيشهن للزنزانة التي كان يقبع فيها كن يجلسنه على ركبتيه ويعبثن بجسده.

كما سبق للسجين الألماني مراد كورناز أن تحدث عن اعتداءات جنسية في غوانتانامو، بالإضافة إلى منع المعتقلين من صيام شهر رمضان، وإرغامهم على الأكل، وهو الأمر الذي ذكره المعتقل الموريتاني محمدو صلاحي.


المصادر