ثورات اليمن أنهت الملكية وطردت المستعمر.. فما مستقبل عشرية "الشباب"؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع ذكرى ثورة 11 فبراير/شباط 2011 في اليمن، يحتدم الجدل ويتزايد النقاش بين من يرون أن الثورة حققت أهدافها، أو جزءا منها، مقابل آخرين يرون أنها لم تحقق أي شيء، بل ربما زادت الأوضاع سوءا.

فالبعض يرى أن الثورة نجحت في عدد من أهدافها وخصوصا في اجتثاث النظام العائلي للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وحالت دون نوايا التوريث، وأسست للفعل الثوري في البلاد، وهو فعل مستمر لم ينته حتى الآن رغم التحديات المحلية والإقليمية التي أعاقت مرحلة التحول الديمقراطي.

فيما يرى البعض الآخر، أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها، وتسببت بتدهور البلد وتمزقه، وأن الحديث عن كون الثورة مستمرة لا طائل منه ولا صحة له.

وبعيدا عن مدى صحة آراء الطرفين، فإنها لم تكن الأولى في تاريخ اليمن السعيد، بل سبقها عدة ثورات نجح بعضها في إنهاء حكم الملكية، والآخر في طرد المستعمر الأجنبي، فهل تنجح ثورة فبراير في تحقيق أهدافها الرامية لتأسيس جمهورية ديمقراطية حديثة؟

إنهاء الملكية

كانت ثورة سبتمبر/أيلول 1962، هي أبرز ثورات اليمن، التي أنهت حكما دام لنحو 1000 عام من الملكية، حيث اندلعت في 26 سبتمبر/أيلول 1962، وانتهت عمليا عام 1970.

استمرت الثورة أكثر من 8 سنوات، تخللها الكثير من الأحداث والمواجهات العسكرية والحرب الأهلية بين الفصائل الجمهورية بدعم من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والفصائل الملكية التي قامت عليها الثورة.

عقب الثورة، قام الإمام محمد البدر، نجل الإمام أحمد حميد الدين، بشن ثورة مضادة على الفصائل الجمهورية، وتلقى دعما هائلا من السعودية التي كانت تخشى المد الناصري.

عارضت الرياض ثورة اليمن لأسباب تتعلق بحمايتها للأنظمة الملكية الحاكمة في الجزيرة العربية، وخشيتها من استلهام النموذج الثوري الذي يؤسس للجمهوريات، ومثلها كان الأردن الذي دعم الملكيين بطلب من السعودية، وشكل الطيران الحربي الأردني دعما رئيسا للملكيين ضد الفصائل الثورية والجمهورية.

بريطانيا دعمت هي الأخرى القوات الملكية، خشية من نجاح الثورة في الشمال وقدرتها على إلهام الجنوب الخاضع لسيطرة الاحتلال البريطاني آنذاك، وهو ما حدث بالفعل، فبعد نحو عام واحد اندلعت الثورة في الجنوب وأسفرت عن طرد الاحتلال البريطاني في نهاية المطاف.

وقتها تلقى الإمام البدر دعما من السعودية وصل لنحو 15 مليون دولار في تلك الفترة، ووصلت قواته إلى نحو 50 ألف من رجال القبائل بالإضافة إلى 8 آلاف جندي مدرب، ومئات المرتزقة الأجانب.

شكل البدر جيشين، أحدهما تحت قيادة الأمير الحسن شرق اليمن، والآخر تحت قيادته في الغرب، وتمكن الجيشان من السيطرة على معظم المناطق الشمالية والغربية، وشنت حينها القوات الجوية المصرية التي أيدت الثورة، طلعات جوية على القوات الملكية والقبائل الموالية لها.

ثورة 1962 سبقها ثورتان، أحدهما في 1948، وتسمى ثورة الدستور، وأخرى عام 1955، ورغم أنهما فشلتا، لكنهما مهدتا لقيام ثورة 1962 التي كتب لها النجاح بعد سنوات من التضحية.


 
حصار صنعاء

وعقب نكسة 5 يونيو/حزيران 1967، واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء،  سحبت مصر قواتها من اليمن في أغسطس/آب 1967، ما سبب خسارة كبيرة في صفوف القوات الجمهورية في اليمن.

كما أن الخلاف الذي حصل داخل المعسكر الثوري نفسه أثار شكوك الدول الداعمة للجمهوريين في قدرتهم على الصمود، خصوصا أن الخلاف الجمهوري قد أسفر عن الإطاحة بأول رئيس بعد الثورة، عبد الله السلال.

بالتزامن مع ذلك، كانت القوات الملكية تتلقى دعما سخيا من عدة دول بينها السعودية، وهو الأمر الذي مكنها من إحداث فارق وتفوق عسكري لصالحها، فقاموا بمحاصرة صنعاء، وضيقوا عليها الخناق ودارت معارك عنيفة في محيط صنعاء.

استمر الحصار 70 يوما، غير أن القوات الجمهورية تمكنت من توحيد صفها من جديد واستطاعت الصمود، وبعد تلقي دعما آخر من مصر والصين وسوريا والاتحاد السوفيتي وإيطاليا تمكنت الثورة من هزيمة القوات الملكية.

مثل انتصار الجمهوريين في معركة حصار صنعاء نقطة تحول جوهرية في مسار الحرب باليمن، حيث اعترفت السعودية في مارس/آذار 1970 بالثورة والجمهورية وأوقفت الدعم عن الملكيين، خصوصا بعد سحب القوات المصرية لجنودها.

ورعت السعودية اتفاق المصالحة الوطنية بين الفصائل الجمهورية والملكية في جدة، ثم أعادت العلاقات الدبلوماسية مع اليمن في يوليو/تموز 1970، وهو الأمر الذي اكتمل من خلاله دحر الملكيين والثورة المضادة ومثل تحقيق أهداف الثورة.


 
ثورة الجنوب

ألهمت ثورة 1962 في الشطر الشمالي لليمن، الجنوبيين للقيام بثورتهم وطرد الاحتلال البريطاني، وهو ما أكده وزير الدفاع ونائب رئيس الشطر الجنوبي في اليمن، المناضل والقائد الثوري علي عنتر.

عنتر تحدث عن إلهام ثورة الشمال للجنوب، قائلا في إحدى فعالياته: "الفضل بالنسبة لنا كمناضلين قدنا النضال وفجرنا النضال في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، للرواد الأوائل الذين قدموا أنفسهم في 26 سبتمبر/أيلول 1962 في الشمال".

مضيفا: "تفجير الثورة في صنعاء، مثل الضوء والشعاع والأمل الذي أعطي لنا، انطلقنا بعد أن قضينا على الإمامة لنناضل، وكنا كلنا ثقة طالما صنعاء وراءنا فسننتصر في عدن، وهكذا قال المناضل الكبير (الرئيس المصري جمال) عبدالناصر: ما على بريطانيا إلا أن تشيل عصاها وترحل من اليمن".

اندلعت ثورة الجنوب من جبال ردفان بعدن في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، من أجل طرد بريطانيا التي أخضعت عدن كمستعمرة تابعة للتاج البريطاني منذ عام 1839.

سقط الثائر راجح بن غالب لبوزة، مع مغيب شمس اليوم الأول للثورة في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، وزاد الزخم الثوري حينها، فشنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية استمرت 6 أشهر.

ضربت بريطانيا خلالها القرى والسكان بمختلف الأسلحة، وتسببت بتهجير وتشريد آلاف المدنيين من منازلهم، وكثفت غاراتها وهجماتها على مناطق ردفان جذوة اشتعال الثورة، وخلفت بريطانيا وراءها كارثة إنسانية فظيعة.

عمليات انتحارية

غير أن تلك الممارسات زادت الثوار صلابة، فعددوا أساليبهم بين التمترس في الجبال المحيطة بعدن وشن هجمات مباغتة، وبين تنفيذ الهجمات الانتحارية، وكانت عملية خليفة عبدالله الفدائية التي أسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني تريف اسكس، بجروح خطيرة، ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، وإصابة 35 بريطاني بجروح، قد دشنت للعمليات الفدائية للقوات الثورية.

عقب تزايد العمليات الانتحارية التي استهدفت جنودا ومسؤولين بريطانيين و نصب الكمائن للعربات المسلحة البريطانية، لجأت القوات البريطانية إلى سن قانون الطوارئ، وحظرت نشاط الجبهة القومية الذي كان أحد فصائل الثوار إلى جانب جبهة التحرير، وصنفتها كحركة إرهابية، 

احتدام الصراع بين القوات الثورية والقوات البريطانية، وبالرغم من عدم تكافؤ الفريقين، إلا أن القوات الثورية، و بالرغم من شحة إمكاناتها التسليحية وخبراتها الحربية، شكلت إزعاجا وقلقا متزايدا لدى قوات الإنجليز.

في ديسمبر 1965، أي بعد حوالي عامين من اندلاع الثورة، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني، كما اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب، وفقا لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد شكل هذا الحدث تحولا مهما في مسار الثورة في جنوب اليمن.

عقب ذلك واجه الاستعمار البريطاني صعوبات، جراء نمو حركات التحرر الوطنية في المستعمرات، وهو الأمر الذي دفع بحكومة حزب العمال البريطانية إلى إعادة النظر في سياستها الدفاعية شرق قناة السويس، والتي تضمنت الانسحاب من عدن في موعد لا يتجاوز عام 1968، وقدمته لعدة أشهر، حيث انسحب آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967، ليتمكن اليمنيون بعد نحو 4 سنوات من اندلاع الثورة  من تحقيق أهداف الثورة، في طرد المستعمر الأجنبي من اليمن.

تجربة تراكمية

الكاتب والإعلامي اليمني عبد الله الحرازي قال: "إنجازات الشعوب، دون شك، تجربة تراكمية تفضي، في المحصلة، إلى إنجاز وطني وقومي كبير".

وأضاف الحرازي لـ"الاستقلال": "ليس هذا في اليمن فقط، وإنما في أي بلد، وبظروف مشابهة، وحتى في البلدان المتقدمة التي مرت سابقا بمثل هذه المراحل النضالية الثورية لشعوبها، وما رافقها من انتصار أو انتكاس أو تضحيات".

ويتابع الكاتب المقيم في هولندا: "القارئ للتاريخ اليمني لا يمكنه أن يغفل مدى التشابه الحاصل بين ثورة 1948، التي لم تحقق أهدافها إلا عام 1962، وثورة 2011 التي ما زالت تجاهد في سبيل تحقيق أهدافها".

وتابع الحرازي: "وهذا ما يرفع منسوب الأمل لدى اليمنيين، فمن خلال خبرتهم هذه يعرفون أن كل فعل نضالي لا يمكن أن يذهب سدى على الإطلاق، مهما كانت فداحة خسارته، بل يؤسس لما بعده من فعل أكبر وأعظم".

وختم الإعلامي اليمني حديثه بالقول: "من هنا يمكننا فهم حقيقة وبدهية أن الشعوب الحية لا يمكن أن تستكين، بل تظل في حال مكابدة دائمة مع أطوار الحياة وتحولاتها حتى تصل إلى ما تصبوا إليه، قد تتعثر أحيانا لكنها تكمل مغامراتها حتى النهاية وتنتصر".