الإمارات وسيط فاعل.. كيف تستغل إسرائيل التطبيع لبسط نفوذها بإفريقيا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إسرائيل تعود إلى إفريقيا، وإفريقيا تعود إلى إسرائيل"، شعار أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أول زيارة له للقارة السمراء عام 2016 منذ 51 عاما، وهو يضع نصب عينيه ثرواتها المهولة والقوة البشرية الضخمة فيها.

وعقب موجة التطبيع العربي الأخيرة مع إسرائيل، خلال 2020، التي شملت دولتين إفريقيتين هما السودان والمغرب، إضافة للإمارات والبحرين، بدأت تل أبيب تتجه نحو مزيد من التغلغل والاختراق للقلب الإفريقي بمباركة عربية.

الاختراق الإسرائيلي للقارة السمراء يستند على دعاية صهيونية، وقناعة عربية وإفريقية، مفادها أن "تل أبيب هي بوابة واشنطن"، وتحصل بموجبه إسرائيل على فوائد جمة تجارية وسياسية وإستراتيجية.

الأبواب الإفريقية التي كانت مغلقة في وجه إسرائيل طول سنوات المقاطعة العربية، لم تُفتح فقط عقب التطبيع العربي، بل سعت دول مطبعة مثل الإمارات لتمهيد الطريق لإسرائيل في القارة.

وحسب تقرير لصحيفة "المونيتور" الأميركية في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، "تتوسط الإمارات لإسرائيل لدى جيبوتي، وجمهورية أرض الصومال (أكبر شريك إستراتيجي وتنموي لأبوظبي)، لصعود مركب التطبيع".

تذكرة دخول

ظلت العلاقات الإفريقية بإسرائيل محكومة بقرارات المقاطعة العربية لسنوات طويلة، فحتى ستينيات القرن الماضي كان لتل أبيب علاقات مع 32 دولة إفريقية، لكن عقب عدوان 1967 قطعت دول إفريقية عديدة علاقتها مع إسرائيل.

العلاقات الإفريقية ما لبثت أن بدأت تعود عقب اتفاقيات السلام المصرية والأردنية لكن بشكل محدود، تخوفا من فقدان استثمارات خليجية، لكنها بدأت تعود الآن بشكل أوسع بعدما أعطي التطبيع العربي المتزايد للأفارقة "الضوء الأخضر".

عقب توقيع أول اتفاق تطبيع بين إسرائيل والإمارات منتصف سبتمبر/أيلول 2020، قام وفد تشادي بزيارة إلى إسرائيل في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأيدت موريتانيا في بيان رسمي الخطوة الإماراتية، وسط أنباء عن ضغوط أميركية لتلحق نواكشوط بركب التطبيع.

وسبق لموريتانيا أن أقامت علاقات مع إسرائيل تحت ضغوط أميركية عام 1999، وفي عام 2009 تم تجميد العلاقات احتجاجا على الحرب على غزة، ثم طرد موظفي السفارة الإسرائيلية وإنهاء العلاقات اعتبارا من 21 مارس/ آذار 2010.

بيان الخارجية الإسرائيلية عقب التطبيع مع السودان 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، كان ملفتا أيضا في تأكيده أن العلاقات مع الخرطوم مهمة من الناحية الإستراتيجية لأنها تقع في القرن الإفريقي، على شواطئ البحر الأحمر.

وغرد وزير خارجيتها غابي إشكينازي في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، على تويتر، مؤكدا أن توقيع السودان على "اتفاقيات أبراهام"، يعزز قبضة إسرائيل على إفريقيا وحوض البحر الأحمر.

بصعود السودان سفينة التطبيع أصبح لإسرائيل علاقات دبلوماسية مع معظم دول حوض البحر الأحمر على الجانب الإفريقي، وسلام قوي مع مصر وعلاقات دبلوماسية كاملة مع إريتريا.

الآن هناك علاقات إسرائيلية حميمة مع كينيا، وعلاقات دبلوماسية منتظمة مع تنزانيا وموزمبيق، وإثيوبيا، بحسب صحيفة المونيتور.

تسعى تل أبيب لعلاقات قوية مع جيبوتي والصومال والنيجر لأسباب إستراتيجية، فالأولى تقع على مضيق باب المندب وتمثل مركزًا عسكريًا بحريًا رئيسا للقوى العالمية.

والثانية أرض الصومال "صوماليلاند" (وليست مقديشيو) جاهزة للتطبيع بدعم إماراتي، والنيجر أيضا ستلحق بركب التطبيع قريبا، بحسب "يديعوت أحرونوت" 27 أكتوبر/ تشرين أول 2020.

صحيفة "هآرتس ديلي" نقلت عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية إيغال بالمور في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن حكومته مستعدة للاعتراف بأرض الصومال مقابل وجود إسرائيلي هناك، ولم يستبعد مدير المخابرات إيلي كوهين قرب التطبيع معها.

أما إسماعيل عمر جيله رئيس جيبوتي فقال في مقابلة مع مجلة "أفريكا ريبورت" يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إن جيبوتي لن تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل دون إحراز تقدم نحو السلام مع الفلسطينيين.

لكنه قال "إن بلاده ليس لديها مشكلة مع اليهود أو مع الإسرائيليين الذين يأتون منذ سنوات إلى بلادنا للقيام بأعمال تجارية، وسُمح لمواطني جيبوتي بالسفر إلى إسرائيل على مدار الـ 25 عامًا الماضية".

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين قوله إن "النيجر ستكون الدولة المسلمة التالية التي ستُبرم اتفاقية لتطبيع العلاقات، وأن اتصالاتٍ سرية تجرى معها للتطبيع".

"الدول الإفريقية والعربية كالإمارات والسعودية، متشابهة في نظرتها لإسرائيل، بسبب اعتبارها مفتاحا للوصول إلى البيت الأبيض"، حسبما يقول باحث في جامعة تل أبيب لموقع DW في 10 سبتمبر/أيلول 2020. 

ويضيف: "رغبة السودان والمغرب في دخول نادي واشنطن عزز الدور الإسرائيلي في القارة الإفريقية، وكان سببا رئيسا لتطبيع السودان بغية رفع اسمه من قوائم الإرهاب الأميركية، وسببا للمغرب كي تعترف أمريكا بسيادتها على الصحراء".

"العلاقات بين إفريقيا وإسرائيل موجودة، ولكنها زادت ما بعد التطبيع العربي الإسرائيلي" برأي الخبير الإسرائيلي، إذ تهدف الدول الإفريقية، إلى تعزيز علاقاتها مع أمريكا، ما يجعلها تلجأ إلى إسرائيل باعتبارها بوابة للعلاقات مع واشنطن.

تراجع دور مصر

أكبر المتضررين من التطبيع العربي والإفريقي مع تل أبيب هو الدور المصري، المتراجع أصلا في القارة الإفريقية منذ فترة، خصوصا في ظل ترويج إسرائيل لمشاريع تنموية وصناعية وتكنولوجية هناك، لم تعد مصر تقدمها كما كانت تفعل في ستينيات القرن الماضي.

مراقبون يرون أنّ مصر هي الخاسر الأكبر من التطبيع لأنه يهدّد بإبعادها عن دورها كحلقة الوصل بين إسرائيل والعالم العربي ومركز الثقل، وكذا مكانتها في أزمة سدّ النهضة إفريقيا، بحسب تقرير لمعهد واشنطن في 19 أغسطس/ أذار 2020.

دبلوماسيون مصريون حذروا من هذا التغلغل الإسرائيلي المتزايد في القارة وتأثيره على قضايا حيوية مثل المياه وسد النهضة، في ظل تبادل العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية الوثيقة.

وفي كلمة لها بندوة "الاتحاد الإفريقي على خطى الاتحاد الأوروبي، فرص وتحديات"، عقدت بالقاهرة في فبراير/ شباط 2019، حذرت السفيرة سعاد شلبي مساعد وزير الخارجية المصري، من دور إسرائيلي في إفريقيا على حساب الأمن القومي المصري.

ذكرت السفيرة شلبي: "أن إسرائيل تعمل جاهدة في الوقت الحالي على تقسيم إفريقيا، من خلال التلاعب بدول حوض النيل للضغط على مصر لتخضع لها، لذلك يجب أن نوثق علاقتنا مع إثيوبيا لحماية بلادنا من الأخطار التي تهددها حاليًا".

ومع تولي الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، سعت إثيوبيا لطلب دعم إسرائيل، الذي يعتبر مفتاحا للدعم الأميركي، وهو نفس ما فعلته مصر، إضافة لتوقيع عقود مع شركات دعاية ولوبي أميركية.

6 ملفات 

ووفق مراقبين فإن الدور الإسرائيلي في إفريقيا يتمحور حول 6 ملفات رئيسة أولها: السعي لاختراق المقاطعة العربية تماما، وإنهاء المقاطعة الإفريقية لإسرائيل بعدما أنهت دول عربية بنفسها مقاطعة إسرائيل وأقامت علاقات رسمية معها، وهي مقاطعة تكاد تنهار وتذبل.

وثانيها: "مياه النيل" وكيفية استغلال هذا الملف في الضغط علي أكبر دولة عربية (مصر)، ومحاولة الحصول على حصة من المياه، فضلا عن استغلاله في بيزنس رجال الأعمال الإسرائيليين في إثيوبيا (في حرب تيغراي الأخيرة رحلت تل أبيب عددا كبيرا من خبرائها هناك، ما كشف حجم وجودهم الضخم في أديس أبابا.

أما الملف الثالث وفق مراقبين، فهو بيع "السلاح" و"خدمات المرتزقة" لدول القارة عبر شركات المرتزقة الصهيونية التي لعبت أدوارا عدة في إفريقيا.

ويتمثل الملف الرابع في "تجارة الماس الدموي"، باعتبار أن تل أبيب من أشهر العواصم التي تبيع الماس في العالم وتبادله مقابل خدماتها الأمنية للحكام الأفارقة الديكتاتوريين.

وضمن هذه الملفات أيضا، إحكام السيطرة على صناعة التنقيب على النفط والمواد الخام، حيث تتولى شركات إسرائيلية (بغطاء أوروبي أحيانا) التنقيب عن النفط في عدد من الدول الإفريقية، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الاحتياط الإفريقي من النفط يصل لأكثر من 85 مليار برميل.

أما الملف السادس للتوغل الإسرائيلي في القارة السمراء، فهو رغبة تل أبيب في منافسة النفوذ العربي والإيراني والتركي هناك والسعي للحصول على موطئ قدم قوية على مداخل البحر الأحمر باعتبار أنه ممرا حيويا تجاريا وإستراتيجيا لتل أبيب.

توغل ناعم

الاهتمام الإسرائيلي بإفريقيا انعكس على إيلاء زعماء تل أبيب أهمية لدول القارة، فقد زار أول رئيس وزراء للدولة العبرية ليفي أشكول، 6 دول أفريقية خلال ستينات  القرن الماضي.

وحرصت رئيسة الوزراء الأسبق غولدا مائير خلال الخمسينيات والستينيات على إيلاء إفريقيا أهمية خاصة، وزارت معظم الدول غير العربية بالقارة السمراء.

وزار إسحاق شامير الكاميرون في الثمانينيات، وفي التسعينيات زار وزير الدفاع والخارجية أفيجدور ليبرمان 5 دول، هي رواندا وغانا وكينيا وإثيوبيا وساحل العاج عام 2004.

وفي 2016 زار نتنياهو 4 من دول أعالي النيل: أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا، للتوقيع على اتفاقيات تعاون عسكرية واقتصادية ومائية، وفي زيارته لإفريقيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، جمع نتنياهو 10 من قادة إفريقيا على مائدته وهم تنزانيا، أوغندا، زامبيا، رواندا، توغو، بوتسوانا، ناميبيا، إثيوبيا، ونائب رئيس نيجيريا، إضافة إلى زعماء آخرين.

تقيم إسرائيل علاقات دبلوماسية مع 46 دولة إفريقية من مجموع 53 دولة، منها 11 بتمثيل سفير وسفارة، و33 بتمثيل "غير مقيم"، ودولة بتمثيل "مكتب رعاية مصالح"، ودولة بتمثيل "مكتب اتصال".

ولإسرائيل 72 سفارة و13 قنصلية، و4 بعثات خاصة على مستوى العالم، ما يعني أن بعثاتها الدبلوماسية في إفريقيا تشكل 48 بالمئة بالمقارنة مع بعثاتها في العالم.

هدف إستراتيجي 

"إفريقيا هدف إستراتيجي لإسرائيل"، هكذا لخص "عوفر يسرائيلي" الخبير في الأمن القومي والشرق الأوسط، والمحاضر في مركز هرتسلي، في مقال بصحيفة "يسرائيل اليوم" أهمية ثاني زيارة هامة لنتنياهو لإفريقيا في 5 يوليو/ تموز 2016.

"عوفر" رصد 3 فوائد لإفريقيا، (أولها) أن الـ 54 دولة إفريقية تشكل دولها ربع مقاعد الجمعية العامة، وبالتالي لهم وزن دبلوماسي كبير، ويمكن أن يصوتوا لصالح إسرائيل.

(الثاني): العامل الاقتصادي والتجارة مع إفريقيا وتحولها لسوق للمنتجات الإسرائيلية أمر مهم جدا لتل أبيب، ويدخل ضمنه بيع مواد أمنية وعسكرية والتعاون الاستخباري لتعزيز منظومة "الأمن الداخلي". 

و(الثالث) مد "ذراع إسرائيل الطولى" نحو أماكن بعيدة خيالية لم تكن مشاهدة من قبل لتعزيز مكانة إسرائيل الإستراتيجية في الساحة الدولية.

كانت رسالة نتنياهو الواضحة التي لا تحتمل التأويل والتي بعث بها عندما وصل إلى أوغندا في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تقول: "إفريقيا عادت إلينا"، وتحمل رسائل ضمنية بدفن المقاطعة التي فرضتها دول عربية على إفريقيا، بعدما سارع العرب أنفسهم للتطبيع مع تل أبيب.

ووصل الأمر للحديث عن ضم إسرائيل عضوا بالاتحاد الإفريقي، وأعلنت إثيوبيا دعمها لهذا الطرح خلال زيارة نتنياهو لأديس أبابا عام 2016.

النفط والماس

التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا يوفر للأولى سوقا للمواد الخام مثل النفط والموارد المعدنية فضلا عن تجارتي السلاح والماس، كما أنه يمكنها من تطويق دول عربية مثل مصر والسودان، ويقربها من حوض النيل.

تستهدف إسرائيل السيطرة على قطاع الصناعة الاستخراجية في إفريقيا، مركزة في هذا المجال على استغلال الثروات الطبيعية كالماس في كلٍّ من الكونغو الديمقراطية وسيراليون وغانا وإفريقيا الوسطى، واليورانيوم في النيجر.

ويملك الإسرائيليون كبرى الشركات التي تتحكم في الاقتصاد الإفريقي كشركة "أغريد أب" للتطوير الزراعي التي تقوم باستصلاح الأراضي وإقامة المزارع و"شركة ألرا" و"موتورولا" و"كون" التجارية و"سوليل ونيه" الفرع الخارجي، وكذلك شركة فنادق إفريقيا وغيرها.

وسبق أن اتهمت الأمم المتحدة رسميا تل أبيب بسرقة الماس الإفريقي والتورط في تجارة (الماس الدموية) ومد حركات التمرد الإفريقية بالسلاح مقابل ماس مناجم هذه الدول الفقيرة.

وفي عام 2009، اتهمت "لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة"، إسرائيل رسميا بالتورّط في تصدير الماس بطريقة غير قانونية من إفريقيا، وتحدث تقرير صادر من اللجنة عن علاقة مباشرة لإسرائيل بتجارة الماس الدموي في دول إفريقية عديدة، بينها ساحل العاج وسيراليون.

والجدير بالذكر أن مليونيرات الماس الصهاينة هم جنرالات في الجيش الإسرائيلي وتجار سلاح، ويساهمون في تمويل عشرات المستوطنات وتهويد القدس.

ووفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية على الإنترنت، بلغ مجموع الصادرات من الألماس الإسرائيلي عام 2006 إلى 13 مليار دولار، انخفضت إلى 7.2 مليارات دولار عام 2011، ثم 5.56 مليارات دولار عام 2012.

تجار الأسلحة

أظهر بيانات لوزارة الدفاع الإسرائيلية في 6 أبريل/نيسان 2016، ارتفاع حجم الصادرات الأمنية الإسرائيلية، التي تشمل تجارة السلاح وخدمات المرتزقة.

وقدر رئيس قسم الصادرات الأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، حجم عقود الصادرات الأمنية عام 2015 فقط بـ 5.7 مليارات دولار، و5.6 مليارات دولار عام 2014.

وفي سبتمبر/ أيلول 2015، كشفت صحف إسرائيلية أن عدد شركات السلاح الخاصة والمرتزقة الصهيونية العاملة في إفريقيا يبلغ 22 شركة، وهو رقم غير معلن بالنظر إلى سرية عمل هذه الشركات.

ويلعب الجنرالات الصهاينة دورا هاما، بعد التقاعد، في تجارتي السلاح والخدمات الأمنية (المرتزقة)، ويمارسون لعبة "العالم الخفي والمظلم" هناك، بحسب "عاموس هارئيل"، المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" 2 سبتمبر/أيلول 2015.