احتجاجات غير مسبوقة ضد رئيس البرازيل.. هذه السيناريوهات في انتظاره

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، الضوء على المظاهرات المستمرة منذ أيام في البرازيل، أكبر دولة في أميركا اللاتينية، المطالبة بإقالة الرئيس جايير بولسونارو من منصبه.

ونشرت الصحيفة، في نسختها التركية، مقالا للكاتب السياسي حسام الدين أسلان، قال فيه: "تعرض بولسونارو لانتقادات شديدة بسبب القرارات التي اتخذها، أو تلك التي لم يتخذها منذ اليوم الأول لظهور فيروس كورونا. ولهذا دخلت البلاد في حالة فوضى شديدة وأصبح الاستقطاب السياسي على وشك الظهور".

وفي نهاية يناير/كانون الثاني 2021، شارك ناشطون برازيليون في حملة "ألف بث مباشر لعزل الرئيس" في إطار عدة فعاليات شعبية تنظمها القوى المعارضة للمطالبة بالإطاحة بجايير بولسونارو.  

ونظم معارضون آخرون مظاهرات بالسيارات في عدد من الولايات ضمن الفعاليات نفسها. وتتهم المعارضة بولسونارو بالمسؤولية عن وفاة أكثر من 200 ألف بسبب عدم اتخاذه إجراءات مناسبة لمكافحة فيروس كورونا.

وبلغ مجموع طلبات البرلمانيين لعزل الرئيس 61، وهو الرقم الأعلى من نوعه في فترة رئاسية واحدة، ويظل قرار قبول بدء الإجراءات والتصويت عليها بيد رئيس مجلس النواب.

انهيار الثقة

وبحسب أسلان توفي حوالي 250 ألف شخص في البرازيل بسبب فيروس كورونا وفقا للأرقام الرسمية، كما أصيب 12 مليون شخص بالفيروس. ويتوقع أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من هذا بكثير؛ حيث تعتبر البرازيل الدولة الأكثر تضررا من الفيروس بعد الولايات المتحدة الأميركية.

وتتوقع حكومة بولسونارو تلقيح 50 مليونا من أصل 200 مليون برازيلي في المرحلة الأولى من برنامج التطعيم، والذي سيستمر لمدة 4 أشهر. أما باقي السكان فيجب تلقيحهم فيما بعد (12 شهرا تقريبا)، أي بحلول عام 2022.

ومع ذلك، حدثت اضطرابات خطيرة في المرحلة الأولى من برنامج التطعيم. فالحكومة لديها 6 ملايين جرعة فقط من اللقاح، وهو ما يكفي لتطعيم 3 ملايين من الأشخاص فقط. أما ما سيحدث لإنتاج اللقاحات المتبقية فغير مؤكد، وهذا ما شكل نقطة انطلاق الاحتجاجات، يقول الكاتب التركي.

ويضيف: إن لقاح كورونافاك الذي يصنعه مخبر سينوفاك الصيني الذي تم إنتاجه بالتعاون مع معهد بوتانتان في ساو باولو، أكبر الولايات وأكثرها اكتظاظا بالسكان في البرازيل، ينتظر شحنات من بكين. 

لكن ليس هناك أي تاريخ يحدد موعد وصول اللقاحات. وقد وافقت حكومة بولسونارو على إنتاج لقاح "أكسفورد/أسترا زينيكا" البريطاني، لكن الإنتاج لم يبدأ بعد أيضا. هناك فقط مليوني لقاح يتم استحضارها مع تحديات مختلفة من الهند.

وذكر الكاتب أن اثنين من زعماء القبائل الأصليين في البرازيل رفعوا دعوى قضائية ضد الرئيس بولسونارو في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، في الأيام القليلة التي تم فيها تسييس قضية اللقاحات في البلاد وبدأت الأزمة الاقتصادية بالظهور.

وأظهر آخر استطلاع أجرته "Datafolha"، أن دعم الشعب للرئيس البرازيلي انخفض إلى 37 بالمائة، فيما ارتفع عدد الأشخاص الذين وصفوا رئاسة بولسونارو بأنها "سيئة أو فظيعة" إلى 40 في المائة.

 وأوضحت "داتافولها" أيضا أن 41 بالمائة "لم يثقوا أبدا"، و38 بالمائة "يثقون أحيانا" و19 بالمائة "يثقون دائما" بوعود الرئيس.

ويظهر زيادة انعدام الثقة بعد تفاقم تفشي فيروس كوفيد-19، وكون الموجة الثانية من الوباء أكثر فتكا بالتزامن مع صعوبات التطعيم وتوقف المساعدات الطارئة. 

في الواقع كان بولسونارو قد رفع مؤشر الثقة بحوالي 5 نقاط قبل هذا الاستطلاع الأخير. لكن نقاشاته مع خواو دوريا، رئيس ولاية ساو باولو حول اللقاحات كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، يقول الكاتب التركي.

ووضح ذلك بالقول: رفض (الرئيس) لقاح شركة بيونتيك الألمانية، وقال ساخرا: "لن أتحمل المسؤولية إذا تحولتم لتماسيح". كما رفض لقاح سبوتنيك الخامس وسينو لأسباب أيديولوجية؛ فهما من صنع روسيا والصين. 

تشوه الصورة

وأشار أسلان بأن الرئيس البرازيلي طور سياسة مناهضة للصين بشكل "متطرف" وواضح بمجرد توليه منصبه، حيث علق مشاريع البنية التحتية الصينية في البرازيل، كما تجنب بولسونارو لقاء بكين في الاجتماعات الدولية (مجموعة العشرين وقمة البريكس).

وتابع قائلا: "استهدف الرئيس بولسونارو وأبناؤه الصين منذ اليوم الذي بدأ فيه كوفيد-19، تماما مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، واستخدم مصطلح -الأنفلونزا الصينية- الذي تتضايق منه بكين".

ولهذا تجادل بولسونارو مع السفير الصيني في البرازيل على وسائل التواصل الاجتماعي عدة مرات بطريقة تجاوزت جميع الأشكال والتعاملات الدبلوماسية.

وعلى الناحية الأخرى دعمت المعارضة الصين، الشريك التجاري الأول للبرازيل؛ لمعارضتها المستمرة لبولسونارو من خلال رأس المال والإعلام والبنية التحتية. 

فقد رغبت الصين في تطوير تقنية الجيل الخامس "5G" والبنية التحتية اللازمة لها في البرازيل، لكن بولسونارو رفض هذا أيضا.

لم يستطع جميع الشرائح في البرازيل لا اليمين ولا اليسار، تحمّل رفض بولسونارو استخدام اللقاح الصيني في البلاد. فهو لم يستطع في النهاية أن يقدم بديلا عن هذه اللقاحات. 

وهكذا أبرم حاكم ساو باولو، اتفاقية مع الصين لتوريد وإنتاج اللقاحات ما أدى إلى تكوين تصور بعدم أهلية بولسونارو للحكم وبأنه لا يفكر في الشعب البرازيلي، وفقا للكاتب التركي.

واستدرك قائلا: صُدمت البلاد بعد الانهيار الكامل لنظام الصحة في ماناوس، عاصمة الأمازون (في البرازيل) الأسبوع الماضي (أواخر يناير/كانون الثاني 2021)؛ فقد توفي 7 أشخاص بسبب نفاد أسطوانات الأوكسجين في المستشفيات.

 ولفت أسلان إلى أن بولسونارو قدم نفسه كمؤيد قوي لترامب منذ يوم انتخابه، فيما أن نجله إدواردو، الذي كان عضوا في البرلمان، متوافق جدا مع جاريد كوشنر صهر ترامب.

 وقد عارض بولسونارو خسارة ترامب في الانتخابات بحجة وجود "تزوير". وبرر بسبب ذلك اقتحام الكونغرس في الولايات المتحدة يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021.

كما أشار الكاتب إلى أن بولسونارو لم يهنئ الرئيس الجديد جو بايدن حتى اللحظة الأخيرة. لكنه أعلن مؤخرا أنه "سيسعده العمل معا" حتى لا يكون هدفا لبايدن والآخرين. 

وفي إشارة إلى دور الأحداث الدولية يقول الكاتب: ظهر الجدال حول إقالة بولسونارو مرة أخرى بسبب تهم الإهمال الموجهة لحكومته في ماناوس. لكن لا بد من التنويه هنا على عدم وجود أي توتر يظهر بمعزل عن التطورات الدولية.  

فقد اندلعت الاحتجاجات ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان على علاقة متردية مع ترامب في روسيا، وضد بولسونارو في البرازيل بعد 24 ساعة من تنصيب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، بايدن.

وأضاف مؤكدا: "فاز كلا الرئيسين، بوتين وبولسونارو في الانتخابات الأخيرة بأغلبية ساحقة. لذلك، وجب التأكيد على أن هذه التوترات والاحتجاجات لم تسلم من تأثير الضغط الدولي على الرغم من مطالب هذه الشعوب العقلانية".

الوصاية العسكرية

ووفقا لأسلان فقد دافع بولسونارو الذي جاء من خلفية عسكرية، بشدة عن الانقلاب العسكري عام 1964 وانتهاكات حقوق الإنسان. 

وعلى الرغم من حقيقة أن ثلث حكومته من الجنود، فقد استبدلهم بولسونارو بالوزراء الذين استقالوا لأسباب مختلفة، مما تسبب في أن يشكل الجنود نصف الحكومة.

كما قام بتعيين آلاف العسكريين في المستوى المتوسط ​​والعالي من "البيروقراطية المدنية" للوزارات. وعيّن جنرالا لم يدرس الطب في وزارة الصحة التي تم تغييرها 3 مرات خلال عام 2020. 

ويعتبر الكاتب أن تعيين العسكريين بشكل "كبير ومتطرف" في الدولة والحكومة البرازيلية يشكل تهديدا كبيرا للديمقراطية. 

لكن علاقة فلافيو ابن بولسونارو الأكبر الوثيقة بالمافيا، والقتل المريب لزعيمها الذي كان على اتصال وثيق به، و"مزاعم" الفساد، وتورط أبناء بولسونارو في قضايا متعددة وضع الرئيس وعائلته في موقف صعب.

لذلك لا يعود فقدان الثقة في الرئيس إلى عدم قدرته على إدارة الوباء فقط. بل يشكل تورط أبناء بولسونارو في الفساد والأعمال غير القانونية والظهور المستمر لفضائح جديدة عامل في هذا أيضا، وفقا لما يراه الكاتب التركي.

وقد أدى هذا الوضع إلى الوصاية العسكرية الفعلية على مجلس الوزراء والبيروقراطية المدنية، وذلك لأن فلافيو بولسونارو تمكن بطريقة ما من التملص من "الادعاءات والتهم" المذكورة أعلاه، على الرغم من استمرار "الإجراءات القانونية".

وأردف منوها: إن بولسونارو يصور الانتقادات الموجهة لحكومته ـ وخاصة للوزير إدواردو بازويلو وهو جنرال عسكري نشط ـ على أنها هجوم على "القوات المسلحة''. وبهذه الطريقة يحاول حشد الجيش وراء أهدافه.

ويتابع قائلا: نتيجة لذلك، تقف البرازيل على عتبة أزمة غير مسبوقة في تاريخها. لا أعلم كيف يتخطى بولسونارو هذه الأزمة، لكن من الواضح أنه تسبب في الكثير من الأضرار لدولة البرازيل وشعبها.

ويختم أسلان مقاله بالقول: "في النهاية ونظرا لأن بولسونارو لا يملك أي تفوق في الكونغرس، فإن دعمه من قبل الجنود والإنجيليين فقط سيسهل من عملية عزله".

 وقد يستقيل بولسونارو "لينسحب بكرامته" لكن هذا الاحتمال ضئيل للغاية، أو قد يترك منصبه لنائب الرئيس والجنرال السابق هاميلتون موراو، وفق الكاتب.

ويضيف: لكن ونظرا لأن حكومة بولسونارو والجنود الآخرين الذين يسيطرون على البيروقراطية المدنية في الولاية يكرهون موراو الذي يملك علاقة جيدة مع الصين والمجتمع الدولي، فإن خيار الانقلاب العسكري يبدو مرجحا للغاية على خيار النزول عن عرش السلطة.