أموال الإمارات.. هكذا تنعش اقتصاد إسرائيل المأزوم بعد اتفاق التطبيع

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات منتصف سبتمبر/أيلول 2020، سارع الجانبان لعقد اتفاقات ثنائية في مجالات عدة بينها الدفاع المدني والطيران والأمن السيبراني وأسواق المال وغيرها من المجالات. 

تسارُع الإجراءات الاقتصادية التطبيعية دفع كثيرين للتساؤل حول الطرف الأكثر استفادة من الاتفاق. ففي وقت يحتل صندوق أبوظبي السيادي المركز الثالث على مستوى العالم، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي ركودا حادا.

ومن المتوقع أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل بنسبة 6.2 بالمئة هذا العام، وفقا للتوقعات الرسمية، بينما قفزت البطالة من 3.4 بالمئة في فبراير/ شباط 2020 إلى 23.5 بالمئة في مايو/أيار من نفس العام.

تقديرات إسرائيلية

يوضح رجل الأعمال والمحلل السياسي الإسرائيلي "يوآب شتيرن" تأثير عملية التطبيع مع الإمارات على الاقتصاد الإسرائيلي قائلا: "إنه بمجرد الإعلان المبدئي والأولي عن إمكانية الاتفاق، أدى ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار الأسهم ببورصة "تل أبيب" بالإضافة إلى ارتفاع قيمة العملة الإسرائيلية. 

وقال شتيرن في تصريحات لقناة "فرانس 24" منتصف سبتمبر/أيلول: "ما نراه في الشهر الأخير من علاقات وتواصل بين مستثمرين من الإمارات وشركات من إسرائيل لم يسبق له مثيل"، مشيرا إلى أن هذا التواصل كان يحدث من قبل ولكن كانت هناك الكثير من المعوقات وكانت الصفقات تتم من خلال الوسطاء أو ما يعرف بـ "أطراف ثالثة".

وردا على سؤال حول من المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق إسرائيل أم الإمارات؟ أكد "شتيرن" أن أبوظبي لديها الأموال والمصادر الكافية للاستثمار في كل المجالات، واعتبر أن التنوع الكبير في الاقتصاد الإسرائيلي قد يؤثر بشكل إيجابي في الاقتصاد الإماراتي ليستفيد الطرفان.

وبين أن الاتفاقية مع الإمارات إيجابية جدا للاقتصاد الإسرائيلي، وأن كافة الصناعات في "تل أبيب" ستتطور من خلال هذه الخطوة التي وصفها بأنها "مثل الأكسجين لمن يريد أن يتنفس". 

وقال: "إن هناك الكثير من الإسرائيليين تأملوا في أن فتح الأسواق في الإمارات للشركات الإسرائيلية بمثابة فتح سوق مجلس التعاون الخليجي ككل أمام تل أبيب، وهذا سيكون بمثابة تغيير جوهري على اقتصادنا".

وتظهر التقديرات الرسمية الإسرائيلية الصادرة عن الحكومة حجم العائد الاقتصادي من الاتفاق مع الإمارات والتي ترى أنها قد تشكل مخرجا للأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا.

ونشرت قناة (12) العبرية، سيناريوهات مختلفة تحدثت عنها وزارة الاقتصاد أشارت فيها إلى أن الصادرات الإسرائيلية الرسمية إلى الإمارات المقدرة بـ 300 ألف دولار سنويا سترتفع لتصل إلى 500 مليون دولار سنويا.

هذا بالإضافة إلى تقدير الاستثمارات الإماراتية (السيولة المالية) التي سيتم ضخها مباشرة في الاقتصاد والسوق الإسرائيلي بنحو 350 مليون دولار سنويا. 

فيما رفع وزير المخابرات الإسرائيلي "إيلي كوهين" توقعاته لحجم التجارة بين الجانبين، قائلا في تصريحات لإذاعة "ريشيت بيت" العبرية: "إنه في غضون 3 إلى 5 سنوات ستصل التجارة بينهما إلى 4 مليارات دولار، بالإضافة إلى أنها ستساهم في إيجاد 15 ألف فرصة عمل للإسرائيليين".

ورجحت التقديرات أن القطاعات المباشرة التي ستستفيد من الاتفاق عبر الاستثمار المباشر أو زيادة حجم الصادرات، تشمل المعدات الطبية والتقنيات المالية والاتصالات والأمن السيبراني والمجالات الإلكترونية الأخرى. 

ونشر موقع "إسرائيل 21" تقريرا أكد فيه أن قطاع الإمدادات الغذائية والمنتجات الزراعية الإسرائيلية سيكون المستفيد الأكبر، خاصة وأن الدول الخليجية تعتمد على أكثر من 90% من غذائها على الاستيراد من الخارج. 

وقال التقرير في 19 أكتوبر/تشرين الأول: "يتفق المستثمرون على أن الصفقات التي لا تعد ولا تحصى بين البلدين تمتد من التكنولوجيا الصحية إلى الماس، لكن تكنولوجيا الغذاء والتكنولوجيا الزراعية من الأولويات القصوى"، مؤكدا أن الأمن الغذائي كمجال رئيسي تتوق فيه الإمارات إلى الخبرة الإسرائيلية وفق ما قاله المستثمرون. 

وأوضح أنه يمكن للشركات الإسرائيلية التي تم تأسيسها في مجالات مثل الزراعة الدقيقة والري ومعالجة البذور وتحلية المياه والطاقة الشمسية أن تتقدم بسرعة في المشهد الإماراتي وربما أيضا الشراكة مع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية في "أبوظبي". 

عشرات الاتفاقات

ومن هنا يمكن القول: إن إسرائيل وجدت ضالتها الاقتصادية في الإمارات التي أبرمت معها عشرات الاتفاقات الاقتصادية والتجارية خلال الشهور الثلاثة الماضية وخاصة الشهر الأول الذي أعقب التوقيع على اتفاق التطبيع. 

وهو ما يؤكد أن التوقعات الإسرائيلية الأولية للاستفادة من اتفاق التطبيع ربما تتعاظم مع حجم الاتفاقيات التي تم إبرامها. 

على الجانب الآخر كانت هناك هرولة لرؤوس الأموال الإماراتية نحو دولة الإحتلال التي تعاني من ركود اقتصادي كبير، وبدأت أولى عمليات الشراكة في منتصف أغسطس/ آب 2020 بتوقيع شركة "أيبكس الإماراتية" اتفاقا تجاريا بشأن أبحاث "كوفيد 19" مع مجموعة "تيرا الإسرائيلية"، أي قبل التوقيع النهائي على اتفاق التطبيع بشهر. 

وتبع ذلك العشرات من الاتفاقات الهامة بين "تل أبيب وأبوظبي" جاء أهمها حسب التسلسل الزمني كالتالي: 

  • 16 أغسطس/ آب، الإعلان عن تدشين خطوط الاتصال بين الإمارات وإسرائيل.
  • 31 أغسطس/ آب، هبوط أولى رحلات الطيران التجاري من إسرائيل إلى الإمارات عبر الأجواء السعودية التي اختصرت نصف المسافة المقدرة بـ 7 ساعات إلى نحو 3.5 ساعات تقريبا. 
  • 1 سبتمبر/ أيلول، الإعلان عن اتفاق التعاون بين مكتبي الاستثمار في الإمارات وإسرائيل لتعزيز الاستثمارات المشتركة خلال زيارة وفد إسرائيلي لأبوظبي.
  • 15 سبتمبر/ أيلول،  توقيع بنكا "لئومي وهبوعليم" الإسرائيليين مذكرات تفاهم للتعاون مع كل من بنك "أبوظبي الأول"، الأكبر في الإمارات وبنك "دبي الوطني". 
  • 16 سبتمبر / أيلول، توقيع موانئ دبي العالمية مذكرات تفاهم مع شركة "دوڤرتاوار"، ضمن تقييم فرص تطوير البنية التحتية اللازمة للتجارة بين الإمارات وإسرائيل، وتعزيز الحركة التجارية في المنطقة.
  • 16 سبتمبر/أيلول، توقيع مذكرة تفاهم بين مصرف "أبوظبي الإسلامي"، مع بنك "لئومي"، ثاني أكبر بنوك إسرائيل، لاستكشاف مجالات التعاون في البلدين وأسواق دولية أخرى.
  • 17 سبتمبر/أيلول، إعلان شركة "الإمارات لتموين الطائرات" التابعة لمجموعة طيران الإمارات الحكومية،  توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "سي سي إل" القابضة، التي يديرها رئيس "المجلس اليهودي في أبوظبي" روس كريل، لإنتاج وجبات "كوشر" المعدة وفقا للتقاليد الدينية اليهودية.
  • 20 سبتمبر / أيلول، مجموعة "الحبتور" وصاحبها خلف الحبتور المقرب من الأسرة الحاكمة في الإمارات تعلن أنها ستفتح مكتبا تمثيليا لها في إسرائيل، ودراسة المشاركة في مشروعات ضخمة هناك.
  • 5 أكتوبر/ تشرين الأول، وقع مركز دبي التجاري اتفاقية للتعاون المشترك في المؤتمرات والمعارض الدولية مع هيئة الصادرات الإسرائيلية، وتنظيم وتبادل الوفود التجارية بين البلدين.
  • 6 أكتوبر/تشرين الأول، مكتب أبوظبي للاستثمار يوقع اتفاقية مع المعهد الإسرائيلي للتصدير، والتباحث مع أكثر من 85 شركة إسرائيلية في قطاعات متعددة حول ممارسة الأعمال في أبوظبي. 
  • 7 أكتوبر/ تشرين الأول، توقيع "معرض آيدكس" للصناعات الدفاعية اتفاقية مع معرض الدفاع والأمن الإلكتروني الإسرائيلي للمشاركة في معرض أبوظبي لأول مرة. 
  • 8 أكتوبر/تشرين الأول، بورصة "تل أبيب" تطلق محادثات مع سوق أبوظبي للأوراق المالية، لبحث التعاون بينهما.
  • 18 أكتوبر/تشرين الأول، وزارتا المالية لدى الجانبين تتوصلا إلى اتفاقية تمنح حوافز وحماية لمن يستثمر في البلد الآخر.
  • 20 أكتوبر / تشرين الأول، توقيع مذكرات شراكة في مجالات الزراعة والحلول الذكية للري وإنتاج المياه من الهواء، على هامش زيارة وفد إماراتي لإسرائيل.
  • 20 أكتوبر/تشرين الأول، تأسيس صندوق "أبراهام" للتنمية برأسمال 3 مليارات دولار، بشراكة إماراتية إسرائيلية، ومقره القدس المحتلة، لتنفيذ استثمارات في مجالات متعددة.
  • 20 أكتوبر / تشرين الأول، توقيع اتفاقية لنقل النفط بين خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية الإسرائيلية مع شركة "Med-Red" المملوكة لإسرائيليين وإماراتيين، لتشغيل جسر لنقل النفط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط بعيدا عن قناة السويس.
  • 20 أكتوبر/تشرين الأول، التوقيع على اتفاق يسمح بـ 28 رحلة تجارية أسبوعية بين مطار بن غوريون الإسرائيلي ومطاري دبي وأبو ظبي.
  • 20 أكتوبر/تشرين الأول، وفد إماراتي يزور إسرائيل ويوقع على 4 اتفاقيات جديدة في مجال الاقتصاد والاستثمار والطيران والإعفاء من التأشيرات، لتصبح الإمارات أول دولة عربية تتبادل إعفاء السياح من التأشيرة مع "تل أبيب". 
  • 27 أكتوبر/تشرين الأول، توقيع اتفاقية تعاون رياضي بين اتحادي الكرة في البلدين والاتفاق على تنظيم مباريات كرة قدم بينهما.
  • 21 نوفمبر/تشرين الثاني، رئيس اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية يدعو لتوقيع اتفاق للتجارة الحرة بين أبوظبي وتل أبيب.
  • 25 نوفمبر/تشرين الثاني، شركة مبادلة للاستثمار التابعة لحكومة أبوظبي التي تدير أصولا بقيمة 230 مليار دولار تبحث عن شركاء تمويل محتملين في إسرائيل والبحث عن شركات تكنولوجيا عالية النمو للاستثمار المشترك. 
  • 7 ديسمبر/كانون الأول، بدء فعاليات قمة الاقتصاد الرقمي المستقبلي الإماراتي الإسرائيلي لأول مره بالتعاون مع مركز دبي التجاري العالمي ومعهد التصدير الإسرائيلي.

 مكاسب عابرة

قبل أسبوع واحد من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق سلام تاريخي بين الإمارات وإسرائيل، أعلنت "تل أبيب"  في 5 أغسطس/آب أن عجز الموازنة العامة قفز إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يوليو/تموز المنصرم، على خلفية أزمة كورونا.

وقالت وزارة المالية: "إن العجز التراكمي في الموازنة منذ بداية العام 2020 وصل إلى ما يعادل 20.5 مليار دولار، مقابل نحو 7 مليارات دولار في الفترة المقابلة من العام 2019".

وأشارت الوزارة إلى أن الإنفاق الحكومي ارتفع منذ بداية العام بما يوازي 6.62 مليارات دولار، فيما انخفضت العائدات بمقدار 9.38 مليارات دولار بسبب "أزمة كورونا". 

كما نقلت "القناة السابعة" الإسرائيلية في 7سبتمبر/أيلول عن وزارة المالية أن خسائر الإغلاق الاقتصادي جراء انتشار كورونا تقدر بنحو 1.5 مليار دولار أسبوعيا.

ووصفت بعض التقارير الإسرائيلية الاقتصاد بأنه على وشك الانهيار، ولذلك، كان على الحكومة البحث عن استثمارات جديدة وضخ رؤوس أموال أجنبية في محاولة للخروج من الأزمة. 

وبحسب الصحف العبرية يرى خبراء الاستثمار الإسرائيليون أنه على الرغم من امتلاك الإماراتيين مبالغ زائدة من الأموال، إلا أنه لا توجد أماكن كافية لاستثمارها في الشرق الأوسط، مما يجعل إسرائيل الخيار الأمثل طالما يتغلب المستثمرون العرب على عداوتهم العميقة تجاه الدولة اليهودية. 

وكانت النظرة الإسرائيلية تجاه المال الإماراتي واضحة وظهر ذلك في كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي، "بنيامين نتنياهو" الذي قال أثناء مغادرته إلى واشنطن للتوقيع على اتفاق التطبيع منتصف سبتمبر/ أيلول: "هذه الاتفاقيات ستوحد السلام الدبلوماسي مع السلام الاقتصادي، وستضخ المليارات في اقتصادنا من خلال الاستثمارات". 

ويؤكد تلك النظرة تصريحات رئيس قسم التجارة الخارجية في وزارة التجارة الإسرائيلية "أوهاد كوهين" التي توضح نظرة "تل أبيب" لأموال الإمارات. 

وقال كوهين في تصريحات نقلها موقع "والا" العبري: "نحن نتحدث عن سبع إمارات يبلغ عدد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات حوالي 70 ألف دولار، ويحتل المرتبة 11 في العالم".

وأوضحت الصحيفة أن العديد من المستثمرين في الإمارات على استعداد لوضع أموال في المناطق التي تكون فيها إسرائيل قوية، مثل "التكنولوجيا والإنترنت والصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي".

وتنظر إسرائيل إلى اتفاق التطبيع مع الإمارات على أنه بوابة كبيرة للانطلاق نحو الاستثمارات الخليجية بشكل خاص والوطن العربي والإسلامي بشكل عام. 

فمن خلال الاتفاقية يمكن للإسرائيليين إنشاء شركات في شتى المجالات في الإمارات السبع بملكية إسرائيلية بنسبة 100% وحتى بشراكات مختلفة بالإضافة إلى فتح فروع لبعض الشركات الاستثمارية والتجارية فيها. 

ومن خلال هذه الشركات والفروع تستطيع "تل أبيب" إنفاذ منتجاتها إلى باقي الدول العربية والإسلامية الأمر الذي يعظم مكاسبها بشكل كبير في الشرق الأوسط الذي كانت محرومة منه في السابق.

وفي هذا الشأن يرى أستاذ الاقتصاد والباحث في المعهد المصري للدراسات "أحمد ذكر الله" أن المكاسب الإسرائيلية من التطبيع لن تتوقف عند حدود أبوظبي الجغرافية، وأن كيانات دولة الاحتلال الاقتصادية ستتوغل تحت أسماء شركات تؤسس في الإمارات إلى كامل الدول العربية وربما العديد من الدول الإسلامية. 

وأضاف في مقال بموقع "تي آر تي" عربي في 9 سبتمبر/ أيلول: "نتمنى ألا تسيطر تلك الشركات في السنوات القادمة على مفاصل اقتصادية إستراتيجية في تلك الدول، خاصة دول مواجهة الكيان الصهيوني".

وأشار إلى أن "الكيان الصهيوني سيسعى لاستغلال تلك الخطوة للسيطرة على قطاعات اقتصادية يستهدفها في دول بعينها، وربما تتخطى تلك السيطرة المخاطر الاحتكارية المعتادة التي تعمد إلى إعطاب تلك القطاعات".